مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الضحايا لا يتمتعون بحماية كافية” في سويسرا

ناشطات نسويات يتظاهرن ضد الاتجار بالنساء قبل بطولة أمم أوروبا لكرة القدم لعام 2008 في برن (8 مارس 2008) Keystone

حـقّقت مكافحة الاتجار بالنساء في سويـسرا بعض النجاحات خلال الأعوام القليلة الماضية، بحيث ارتفعت نسبة أحكــام الإدانة، على سبيل المثال. لكن تشديد شروط ولوج سوق العمل وقوانين الإقامة يزيد من تفاقـم وضع المهاجرين.

العريضة التي وقعها في سويسرا 72000 شخص خلال احتضان البلاد لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم لعام 2008 بهدف اعتبار الاتجار بالبشر انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، لازالت تثير الاهتمام والنقاش، بحيث تجمـَّع في زيورخ بمناسبة يوم وطني نـُظم بتاريخ 11 يونيو 2009 حوالي 150 من المتخصصين – من المنظمات غير الحكومية، وسلطات الملاحقة، والمحامين والباحثين.

وأعرب معظم المشاركين عن أسفهم لعدم تمرير مجلس النواب السويسري، يوم 28 مايو الماضي (بفارق ثلاثة أصوات فقط) للمذكرة التي نجمت عن العريضة، والتي كان يطالب نصـُّها بتوسيع نطاق الحق في الإقامة بالنسبة للنساء من ضحايا الاتجار بالبشر.

مناطق رمادية

وبدون شعور انهزامي، ناقش المتحدثون الوسائل الجديدة التي يجب وضعها لمكافحة الظاهرة، وطـُرح في خلفية النقاش سؤال رئيسي: هل التشريع السويسري الحالي يشجع الإتجار بالنساء؟ ولم يكن بالإمكان تقديم سوى إجابات تتسم بالتناقض في مثل هذا الحـقل الذي يتميز بدرجة عالية من التعقيد.

ستيلا جيغر، من الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية، صرحت: “في العديد من الكانتونات، من الأسهل الحصول على تراخيص لفتح كاباريه من فتح مطعم”، مضيفة أن “الدولة، بذريعة حماية السكان من الهجرة غير الشرعية، لا تحترم واجبها (المتمثل في) حماية الأفراد”.

أما مارك سبيشا، المحامي من كانتون زيورخ والخبير في مجال الهجرة، فأعرب عن اعتقاده بأن تدابير حرية تنقل الأشخاص (في أوروبا)، وتفضيلها لهجرة “نخبوية” – على درجة عالية من المهارة – والعدد الضعيف للتصاريح الممنوحة (من قبل سويسرا) لبلغاريا ورومانيا (قرابة 500 في السنة) عوامل “تشجع الهجرة عن طريق الزواج والإقامة غير المشروعة”.

وأضاف في هذا السياق: “أنا لا أتحدث عن الزيجات الزائفة، بل عن زوجات تلتحقن بالزوج في سويسرا وتعتمدن عليه هيكليا (في سائر شؤون حياتها) وبدون الوصول إلى سوق العمل القانوني، تجد هؤلاء النساء نفسها بسرعة في مناطق رمادية … أو سوداء في سوق العمل”.

وضع مستقل

ومن الأمثلة الأخرى الوضع المهني المستقل (أي العمل للحساب الخاص) الذي يسمح من الناحية النظرية بتجديد تصريح الإقامة طالما استطاع الشخص إثبات ممارسته لنشاط مهني أو اقتصادي، ويـُعترف بهذا الوضع للعاملات في مجال الجنس بشكل أسهل من الممرضات الأجنبيات، حسب المحامي مارك سبيشا.

وينوه في هذا الصدد إلى أن التشريعات يمكن أن تدفع النساء التي ترفض لها السلطات ممارسة مهنتهن – رغم أنها مطلوبة جدا، لا سيما في مجال الرعاية الصحية – إلى العمل داخل هياكل غير قانونية. وغالبا ما تكون تلك الهياكل مرتبطة بمجال الجنس.

آن أنسيرميت، مديرة جمعية “فلور دو بافي” بلوزان، التي تقـدم الوقاية والرعاية الصحية للمومسات، ليست أقل صرامة، إذ تقول إن “التشريع يشجع (الأوضاع) الهشة (غير الثابتة وغير المستقرة)”.

سرية

وفي كانتوني فو وفالي، دفع إلغاء تراخيص الإقامة الخاصة براقصات الملاهي النساء القادمات من شرقي أوروبا إلى الإلتحاق بفئة المهاجرين السريين. وقالت آن أنسيرميت بلهجة آسفة: “لقد فقدنا الإتصال مع العديد من النساء”.

وفيما يتعلق بوسائل محاربة الظاهرة، فيظل الاستنتاج واحدا: في المرحلة الأولى، يجب توفير حماية أفضل للضحايا. ويبقى الإجراء الأكثر فعالية ضمان حماية طويلة الأمد لهؤلاء الضحايا، ما يقتضي بالضرورة منحها ترخيص الإقامة، مثلما ذكـّّر دورو فينكلير، من مركز المعلومات الخاصة بالإتجار وبهجرة النساء من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وشرق أوروبا(FIZ) بزيورخ. لكن هذه الحماية لا تتوفر في الوقت الراهن.

وتنص اتفاقية مجلس أوروبا بشأن محاربة الاتجار بالبشر (والتي يفترض أن تقترح الحكومة السويسرية المصادقة عليها في غضون عام 2009)، على توفير تلك الحماية – دون وضعها في إطار ملموس. وفي انتظار ذلك، يعتقد دورو فينكلير أنه بمقدرة الكانتونات السويسرية منح تراخيص إقامة “لحالات العسر” أو تصاريح إقامة إنسانية.

موائد مستديرة

ومن أدوات المكافحة والتحقيق أيضا الموائد المستديرة التي يجتمع حولـها ممثلو الشرطة ومنظمات حماية النساء. لكن عددها يظل ضعيفا: فسبعة كانتونات فقط تتوفر عليها (من بينها كانتون واحد في سويسرا الروماندية الناطقة بالفرنسية هو فريبورغ)، بينما تستعد ستة كانتونات لإنشاء مثل تلك المنتديات.

ويظل التقييم الشامل مزيجا من الارتياح والقلق حسب آن أنسيرميت التي قالت: “هناك مزيد من المحاكمات التي تصدر عنها أحكام ثقيلة أرحّب بها، لكن هنالك مجموعة واسعة من النشاطات غير المشروعة والعديد من الناس الذين يعيشون في أوضاع مأساوية ولا يمكننا الوصول إليهم، وخاصة النساء المحتجزات رهائن (في دور الدعارة) واللواتي لا يمكنهن في الغالب الخروج من أزمتهن إلا بمساعدة من الزبائن”.

وكما تقول آن أنسيرميت، “الدعارة قانونية، لكننا نواصل (في سويسرا) إضفاء الأخلاقيات عليها بقوانين تركز على أشياء سخيفة أحيانا – مثل ساعات النشاط المحددة بشكل صارم، وواجب ارتداء ملابس لائقة وفقا لقانون كانتون فو – مما يعقد حياة هؤلاء النساء، ولكن دعونا لا ننسى بأن هؤلاء النساء تشتري… وتأكل، وتستهك… وهذه أيضا مداخيل تظل في سويسرا”.

أريان جيغون، زيورخ، swissinfo.ch

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

حسب منظمة العفو الدولية، وهي عضو في التحالف المنظم للندوة الوطنية “الاتجار بالنساء في سويسرا – استراتيجات للمستقبل”، التي انعقدت في زيورخ يوم 11 يونيو 2009، تتنقل زهاء 100 مليون من النساء العاطلات عن العمل في مختلف أنحاء العالم. ونظرا لوضعهن الهش، يتعرضن بشكل خاص للخداع من قبل الوسطاء في أسواق تجارة الجنس.

يؤكد تقرير مارس 2009 الصادر عن مكتب العمل الدولي أنه “سيكون من الصعب بالنسبة لهؤلاء النساء إيجاد عمل محترم”. وحسب تقرير نشاطات الشرطة الفدرالية السويسرية لعام 2008، فإن 52% من الملفات الـ 412 التي تمت معالجتها في عام 2008 تتعلق بالاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين لأغراض الاستغلال الجنسي. 41% من الحالات تخص تهريب المهاجرين. أما 7% المتبقية فتخص حالات الاتجار بالأعضاء (1%)، واستغلال قوة العمل (1%)، وما يسمى بالزواج الأبيض (أي الزواج الذي يهدف فقط إلى الحصول على حق الإقامة) (1%)، والمتاجرة بالأطفال (4%).

وفقا لنفس التقرير، معظم ضحايا الاتجار بالبشر (63%) هم نساء من رومانيا والبرازيل وبلغاريا والمجر. وتستهدف غالبية التحقيقات التي أجريت عام 2008 في المتاجرة بالبشر مواطنين سويسريين ورومانيين وبرازيليين وبلغاريين. ويظهر الحضور القوي للسويسريين تورطهم في مجال الدعارة وتعاونهم مع مجموعات إجرامية من بلدان أخرى.

فضلا عن مكتب التنسيق ضد الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين الذي أنشأ عام 2003 في المكتب الفدرالي للشرطة، أقامت بعض الكانتونات السويسرية “موائد مستديرة” تضم ممثلين عن العدل والشرطة وجمعيات لمساعدة الضحايا.

وحسب توضيحات دونيس إيفيونايي، نائبة مدير المنتدى السويسري للهجرة، خلقت تلك الموائد المستديرة “مناخا من الثقة بين مختلف الفاعلين في مجال محاربة الاتجار بالنساء – من سلطات ومنظمات غير حكومية بالخصوص – وتسمح بالتنسيق وبالتدخل الملموس وتطوير مفاهيم للتعاون”.

وتتوفر سبعة كانتونات على موائد مستديرة، وهي: برن، وبازل المدينة، وفريبورغ، ولوتسرن، وسانت غالن، وسولوترن، وزيورخ. وتقوم ستة كانتونات أخرى بتطوير مشاريع مماثلة وهي: بازل القرية، وجنيف، وشفيتس، وتيتشينو، وفو.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية