مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا” بدأت العمل رسميا من شتوتغارت

وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس (اقصى اليسار) والجنرال ويليام وارد خلال مراسم حفل التدشين الرسمي لقيادة أفريكوم في مقر وزارة الدفاع الأمريكية يوم 1 أكتوبر 2008

بعد محاولات عديدة، باء جميعها بالفشل لتركيز مقر القيادة الإفريقية للقوات الأمريكية في بلد مغاربي أو مُطلٍّ على الصحراء الكُـبرى، انطلق العمل من المقر الحالي في شتوتغارت بألمانيا، بوصفه المقر الدائم، حسبما جاء في موقع "أفريكوم" على شبكة الإنترنت.

مقر القيادة الخاصة بإفريقيا، الذي يرأسه الجنرال وليام وارد، هو إحدى القيادات السِـتّ، التي تتألف منها القيادة العامة للجيوش الأمريكية.

وأتت هذه الانطلاقة في أعقاب تحضيرات استمرّت نحو 18 شهرا، لكن لم يُعلن عن إنشاء “أفريكوم” إلا في فبراير من العام الماضي. وبرهن إخفاق المساعي الأمريكية لدى الدول المغاربية، وخاصة الجزائر وموريتانيا، على حرَج الدول المعنِـية من استضافة قيادة تُـثير من المشاكل وردود الفعل، أكثر ممّـا تجلب من الفوائد، خصوصا في ظل رئيس أمريكي منتهية ولايته.

وعزا الباحث أحمد ونيس، الدبلوماسي التونسي، التحفّـظات التي أبدتها البلدان الإفريقية على استضافة مقرّ “أفريكوم” إلى الحِـرص على تفادي التورّط مع أمريكا، لأنه يجلب نِـقمة “القاعدة” عليها. واستبعد ونيس، الذي عمِـل سفيرا في عواصم عدّة، بينها موسكو ومدريد ونيو دلهي وواشنطن، أن تكون البلدان المغاربية اعتذرت عن احتضان “أفريكوم” مراعاة لفرنسا، ذات النُّـفوذ الاقتصادي والعسكري القوي في المنطقة.

وقال لسويس أنفو، إنه تقابَـل مع جنرال أمريكي، كان مكلَّـفا بإجراء مفاوضات مع الحكومات المغاربية حول الموضوع، فعبّـر له عن تفهُّـمه للمصاعِـب التي تُبرِّر رفض العرض الأمريكي. واللافت، أن الزعيم الإفريقي الوحيد الذي رحب باستضافة مقر قيادة “أفريكوم” في بلده، هو رئيس ليبيريا إلين جونستون سيرليف، لكن الأمريكيين هُـم الذين تحفَّـظوا هذه المرة، ربما لبُـعد البلد عن مركز الدائرة التي تهمُّـهم.

غير أن تحاشي استضافة مقرّ القيادة أو قواعد أمريكية في المنطقة، لا يعني رفض الإنسجام مع الإستراتيجية الأمريكية، بل يدُل على انخِـراط في الخُـطط والبرامج، من دون “ابتلاع” الهياكل المُحرجة.

ويتجلى ذلك الانخراط في المشاركة الدورية والمنتظمة للبلدان المغاربية في المناورات العسكرية، التي تُجريها سنويا القوات الأمريكية في البلدان المُطلَّـة على الصحراء الكبرى، حيث مسرح عمليات “القاعدة”، وستُشرف “أفريكوم” في المستقبل على تلك المناورات وتُخطّـط لها وتُؤطرها.

وفي هذا السياق، اعتبر مصطفى السحيمي، المُحلل والإعلامي المغربي أن “البراغماتية فرضَـت منطِـقها مرّة أخرى، إذ أن المغرب العربي (وإفريقيا بأسرها)، وجدا نفسيهما مشحونين في قِـطار المعادلة الأمنية والعسكرية الأمريكية، التي كان في وسعهم الإفلات منها”، وأرجع انطلاق هذه المعادلة إلى ندوة “الشراكة العابرة للصحراء من أجل مكافحة الإرهاب”، التي استضافها السينغال في 7 فبراير 2007 بمشاركة رؤساء أركان كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا (ليبيا غير مشاركة) والنيجر ومالي والتشاد والسينغال ونيجيريا، بإشراف الجنرال وارد، الذي كان آنذاك مساعدا لقائد القوات الأمريكية في أوروبا، وأفاد أن المهمّـة المركزية لـ “افريكوم”، التي رُصدت لها مُـوازنة سنوية تتراوح بين 80 و90 مليون دولار، تتمثّـل في “ضرب قُـدرة المتطرّفين المسلّـحين على قتل المدنيين الأبرياء أو إصابتهم بجروح، طِـبقا للطرح الأمريكي.

وفي هذا الصدد، أوضح روبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي أن “أفريكوم ستمكِّـن الولايات المتحدة من أن تكون لها نظرة أكثر فعالية وتماسُـكا في إفريقيا، على أنقاض الرؤية الحالية التي هي من مخلَّـفات الحرب الباردة”.

تداعيات 11 سبتمبر

على هذا الأساس، سيُعهد لـ “أفريكوم” بتطوير التعاوُن العسكري مع البلدان الإفريقية التِّـسعة و”كذلك قيادة عمليات حربية عند الإقتضاء”، ويُقدّم رئيس قيادة “أفريكوم” تقاريره مُـباشرة إلى رئيس الدولة الأمريكية، أسوة برؤساء القيادات الإقليمية الخمس الأخرى في العالم.

وتشكِّـل “أفريكوم” إحدى تداعِـيات تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي قرّرت الإدارة الأمريكية في أعقابها شنّ حرب وقائية على الإرهاب على بُـعد آلاف الكيلومترات عن أراضيها. ومن هذا المنظور، أجريت المناورات المشتركة الأولى، التي شاركت فيها قوات من البلدان المغاربية ودُول الساحل والصحراء، بقيادة أمريكية في يونيو 2005 تحت إسم “فلينتلوك”.

أما تيريزا والن، مساعدة وزير الدفاع الأمريكي، فاعتبرت في مَـقال منشور على موقع القيادة الإفريقية أن “أفريكوم” ستكون الجُـزء الأكثر بروزا من التحرّكات الأمريكية، لتعزيز العلاقات في الساحة الإفريقية، واعتبرتها أهمّ أداة لتقديم العَـون الأمريكي للبلدان الإفريقية في المجالات العسكرية وغير العسكرية أيضا.

ومما أورده موقع “أفريكوم” على شبكة الإنترنت، أن هذه القيادة ستُؤمِّـن مَـناخا مضمونا وآمنا للسياسة الأمريكية في إفريقيا، بالتعاون مع وكالات حكومية وشركاء دوليين.

وعبّـرت والن في ردِّها على التعاليق، التي انتقدت عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية أو أبدت شكوكا في دواعي إنشاء القيادة الجديدة، عن يقينها بأن”افريكوم” “ستصبح أمرا أليفا في المشهد الإفريقي”.

وتأتي فرنسا في مقدِّمة الذين يشعرون بالضّـيق من التمدّد العسكري الأمريكي في شمال إفريقيا، على رغم التوجّـه الأطلسي لرئيسها الحالي، ولعل هذا ما يجعل المنافسة بين الأمريكيين والفرنسيين في هذه المرحلة الجديدة، تكتسي أبعادا مختلفة عن الماضي، إذ أنها مُركّـزة على الإقتصاد.

ويرى هشام بن يعيش، الباحث التونسي المُـقيم في فرنسا، أن الانسجام بين ساركوزي والولايات المتحدة يعود إلى سنة 2004، عندما كان الأول وزيرا للداخلية، فاحتضنته “اللجنة اليهودية الأمريكية”، وأوضح أن رئيس اللجنة ديفيد هاريس والطاقم العامل معه، “أنجزا عملا بالغ العُـمق في الأوساط المؤثرة في واشنطن من أجل نحْـت مكانة مُميّـزة لساركوزي داخلها”.

ولعب جان دافيد لوفيت Jean-David Levitte، السفير الفرنسي المُعتمد آنذاك في واشنطن، دورا هامّـا في إكمال المهمة، وهو حاليا مسؤول الخلية الدبلوماسية في الإيليزي (قصر الرئاسة الفرنسي)، وأضاف أن الولايات المتحدة حصدت ثِـمار تلك الجهود الدَّؤوبة خلال زيارة ساركوزي الأولى لأمريكا، بصفته رئيسا منتخبا، إذ كرّس عودة الشراكة الأطلسية بين فرنسا وغريمتها السابقة الولايات المتحدة.

مطامع اقتصادية

لكن، طالما أن المسؤولين الأمريكيين أقرّوا دائما بأن سياساتهم تخضَـع لمنطق المصالح ولا شيء سوى المصالح، ينبغي البحث عن المنافع التي تكمُـن وراء إنشاء القيادة العسكرية الخاصة بإفريقيا، وأول ما يتبادر إلى الذِّهن، هي المطامع النفطية، إذ أن 15% من واردات الولايات المتحدة من النفط، تأتي من القارّة الإفريقية، ويُرجّـح الخبراء أن يرتفع الإعتماد على النفط الإفريقي إلى 25% في العقد المقبل.

وعلى هذا الأساس، يربط باحثون كُثر، بمن فيهم شخصيات أمريكية، بين “أفريكوم” وإرادة التحكُّـم في إمدادات الطاقة المعروفة في القارّة. ويعتبر مارك فنشر، عضو الندوة الأمريكية للمحامين السُّـود، أن القيادة العسكرية الخاصة بإفريقيا “ليست سوى أداة لضمان نفاذ الصناعة النفطية الأمريكية إلى احتياطات الطاقة الواسعة في القارة. وإذا ما حاول أحد التدخل في الأمر، نخشى أن تُلصق به تُـهمة الإرهاب ويصبح هدفا لهجمات عسكرية”.

ويُحيل موضوع السّـعي الأمريكي للسّـيطرة على منابع النفط في إفريقيا على المزاحمة الصينية – الأمريكية في السودان، التي يعزوها باحثون محايدون إلى الصِّـراع على نفط دارفور وتشاد. ويرى الباحث الجزائري محمد سعدون أن “الإختراق الإقتصادي، الذي حقَّـقته الصين في قارّة غنية بالثروات الطاقية، هو السبب الأساسي وراء الإرادة الأمريكية لضمان حضور عسكري مُـباشر في القارة”.

غير أن السفير أحمد ونيس استبعد تطوّر الإنتشار الاقتصادي الصِّـيني إلى حضور عسكري، وأكّـد أن البلدان الإفريقية تشجِّـع التّـعاون مع الصين وتُفضِّـله، لشعورها بكونه بلدا بعيدا جغرافيا ولديه التكنولوجيا، وغير مرشحة لتقديم طلبات مثل التي قدّمها الأمريكيون بشأن استضافة “أفريكوم”. وقال السفير التونسي السابق لسويس أنفو: “هناك مزاحمة على النفوذ، غير أن إفريقيا تتجنّـب الانخراط فيها، لأن هناك دروسا لم تُنْـس في هذا المجال”.

إلا أن التقليل من أهمية الصِّـراع الصيني – الأمريكي لا يُخفي الإطار الشامل الذي تتحرّك ضمنه السياسة الأمريكية في القارة. فالحرب الوِقائية التي تخوضها الولايات المتحدة ضدّ ما بات يُعرف بـ “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ترمي للحُـؤول دون حصولها على ملاجِـئ آمنة في بلدان الساحل أو انتشارها شرقا نحو منطقة القرن الإفريقي، وواضح أن القيادة العسكرية الأمريكية تشعُـر بالقلق من الوضع في شرق أفريقيا، لكونها ترى فيها قاعدة خلفية لتنظيم “القاعدة” وجِـسرا نحو أفغانستان عبر الصومال، وهذا ما حملها على اتِّـخاذ جيبوتي قاعدة عسكرية يتمركز فيها 1800 عنصر من المارينز، بالإضافة لتمركُـز مجموعة من القِـطع البحرية والجوية الأمريكية حول حاملة الطائرات دوايت أيزنهاور في سواحل الصومال المجاورة لجيبوتي.

غير أن الجنرال وارد أكّـد لدى سماعه أمام أعضاء لجنة الدّفاع في مجلس الشيوخ الأمريكي في مثل هذا الشهر من العام الماضي، أن دور “أفريكوم” سيقتصِـر على حماية الحدود وضمان الأمن البحري (أمن السّـفن)، وتنفيذ عمليات في إطار مكافحة الإرهاب، ونحى جانبا أي إمكانية لإقحام الولايات المتحدة في عمليات ترمي لحماية مصادر الطاقة في القارة.

كما أن برامج “أفريكوم”، باتت خاضعة لمراقبة الأجهزة الأمريكية المكلّـفة بالتعاون من أجل التنمية، ربما لنزع الطّـابع العسكري عنها. ويستدل الأمريكيون على ذلك، بتعيين مساعدين للجنرال وارد الأول عسكري، هو الأدميرال المساعد روبرت موللر Robert T. Moeller، المكلف بالعمليات، والثانية هي السيدة ماري كارلين ياتز Mary Carlin Yates، الدبلوماسية في الجهاز الخارجي، الذي يسهَـر على المساعدة التنموية، وإليها أحيلت مهمّـة التوفيق بين المساعدات العسكرية وتلك ذات الطابع المدني البحت، بحُـكم خِـبرتها السابقة في كل من وزارة الخارجية ومؤسسة المساعدة من أجل التنمية. ولعل هذه التجربة الجديدة في “أفريكوم”، هي المرة الأولى التي يخضع فيها نشاط عسكري أمريكي لرقابة المدنيين وتوجيهاتهم.

لكن على رغم محاولات الطَّـمأنة الأمريكية، التي تسعى لإشعار الحكومات الإفريقية المُهدّدة بعمليات “القاعدة” (الحقيقية حينا والمُتخيلة في غالب الأحيان)، بأن حليفا قويا يقِـف إلى جانبها، أتت النتائج على عكس الآمال المُعلنة، إذ تكثفت العمليات في موريتانيا والجزائر واتّـخذت منحى تصاعُـديا في النيجر ومالي وتشاد، ممّـا يوحي بأن تواري القوات الأمريكية عن المنطقة، سيكون ربّـما أفضل من وجودها.

رشيد خشانة – تونس

تونس (ا ف ب) – اعتبر رئيس القيادة العسكرية الاميركية لافريقيا (افريكوم) الجنرال وليام وارد الاربعاء 28 مايو 2008 ان التهديد الارهابي قائم في شمال افريقيا مستبعدا مع ذلك نقلا قريبا للقيادة العامة لافريكوم الى افريقيا.

وقال خلال مؤتمر صحافي في تونس “إن التهديد الارهابي حقيقي في شمال افريقيا. الارهابيون قالوا ذلك وانا اصدقهم انهم يريدون تدمير نمط عيشنا وسنعمل معا لمنعهم من ذلك”.

وكان الجنرال وارد يتحدث في ختام زيارة استمرت 24 ساعة لتونس قال انه حضر خلالها مناورات عسكرية مشتركة تونسية اميركية في بنزرت (60 كلم شمالي العاصمة) كما بحث مع وزير الدفاع التونسي كمال مرجان مهمة افريكوم والتعاون الثنائي.

واكد رئيس افريكوم الذي من المقرر ان يزور المغرب ايضا ضرورة المزيد من التعاون بين دول المنطقة خصوصا من خلال “برامج تدريب” الجيوش لتعزيز قدراتها في مجال مكافحة الارهاب.

وردا على سؤال استبعد الجنرال وارد “في المدى المنظور” نقل القيادة العامة لافريكوم التي تتخذ حاليا من شتوتغارت في المانيا مقرا الى افريقيا.

وقال “ليست لدينا الرغبة في المدى المنظور في نقل القيادة العامة لافريكوم” مضيفا ان شتوتغارت تبقى “موقعا ملائما جدا” لقيادة افريكوم.

واكد اهمية اقامة تعاون “طويل الامد” مع الدول الافريقية لضمان المزيد من الاستقرار في القارة. وقال “بوجود افريقيا مستقرة العالم سيكون اكثر استقرارا” مشيرا الى تعاون “اضافي” حول افريقيا بين الولايات المتحدة ودول اوروبية.

وافريكوم التي استحدثت في 2007 تهدف اساسا الى الاشراف على انشطة مكافحة الارهاب في دول الساحل والمغرب العربي وهي المنطقة التي تخشى واشنطن تمركزا محتملا فيها على نطاق واسع لانصار القاعدة.

وكانت واشنطن تعتزم تركيز مقر القيادة العامة لافريكوم في افريقيا غير ان العديد من العواصم ضمنها الجزائر ولاغوس رفضت استقبال هذه القوة التي من المفترض ان تكون عملانية في تشرين الاول/اكتوبر 2008.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 28 مايو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية