مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الماء سيكون أول أسباب للحروب في القرن الحادي والعشرين”

Reuters

يتعين على البشرية حماية الماء في ظل التهديد الذي يمثله النمو الديموغرافي والتغيير المناخي للموارد المائية. هذا هو الإنذار الذي انطلقت به أعمال المنتدى العالمي الخامس حول المياه الذي تستضيفه مدينة إسطنبول التركية من 16 إلى 22 مارس بحضور أكثر من 20 ألف مشارك.

وقد نظم التنسيق السويسري الذي يحمل إسم “الماء كملكية عامة” قُبيل افتتاح منتدى إسطنبول ندوة في العاصمة برن أكد فيها أن الصعوبات للحصول على الماء ستتسبب في اندلاع نزاعات ستتضاعف في ظل النمو الديموغرافي وظاهرة الاحتباس الحراري.

“لقد لعب الماء دورا حاسما في 37 حربا خلال السنوات الستين الأخيرة. وبحلول عام 2025، سيفتقر ثلثا سكان العالم إلى المياه. وبالتالي فيمكن المراهنة على أن نزاعات القرن الحادي والعشرين سوف تتمحور حول المواد الخام، بدأ بالمياه التي ستُصبح أكثر ندرة في كل مكان”.

جاء هذا الاستنتاج على لسان برونو رايزن، رئيس حملة الفرع السويسري لمنظمـة العفو الدولية وعضو تنسيق “الماء كملكية عامة”، خلال الحلقة الدراسية التي شارك فيها حوالي 120 خبيرا في برن يوم 6 مارس الجاري.

“مشاكل” سويسرا…

الماء سيؤدي إذن إلى نشوب نزاعات محلية وإقليمية ودولية. وماذا عن سويسرا؟ فهي تعاني أحيانا من “حوادث مناخية” مثل جفاف عام 2003، لكن وفرة الماء هي التي تتسبب لها في قدر من القلق، وليس العكس!

ويوضح بيرنار فيرلي، أستاذ الكيمياء المائية في المعهد الفدرالي التقني العالي بزيورخ: “نقوم منذ مائتي عام بتشييد السدود، ونجد نفسنا الآن أمام مشاكل التنوع البيولوجي والأمن. وبما أنه ينبغي تخصيص مساحة أكبر للأنهار في وقت الفيضانات، يتسبب هذا في نزاعات مع المزارعين”.

سويسرا تتمتع بالمهارات والإمكانيات والإرادة السياسية، لكن لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، يصطدم النقاش بأهداف متناقضة في غالب الأحيان في مجال حماية البيئة والزراعة واحتياجات هذا البلاد من الطاقة.

ويضيف السيد فيرلي: “بصفتها خزانا للمياه، تتحمل سويسرا مسؤوليات إزاء جيرانها، ويتعين عليها وضع رؤى للمستقبل”، معربا عن استيائه من أعباء النظام الاستشاري والفدرالي للكنفدرالية و”فلسفاتها الكانتونية الست والعشرين”، على حدّ تعبيره.

من جانبها، ذكـّرت ناتالي إيرارد، ممثلة وزارة الخارجية السويسرية في الندوة، بأن الماء موضوع سياسي هام، وأن “سويسرا تسعى إلى تعزيز السلام، لا سيما من خلال منح القروض الإطارية”. فهي تلتزم من أجل أن يصبح الحق في الحصول على الماء الشروب وتطهير المياه على قائمة الحقوق الإنسانية.

مهمة صعبة

وقد دعمت الكنفدرالية السويسرية مقترح ألمانيا لإنشاء منصب “خبير مستقل” في مجلس حقوق الإنسان الذي شغلته المحامية البرتغالية كاتارينا دو ألبوكيرك، التي تقول: “تتمثل مهمتي في وضع الحصول على الماء الصالح للشرب والصرف الصحي على جدول أعمال الأمم المتحدة بهدف جعله حقا من حقوق الإنسان، إذ يجب إجبار الدول على الانشغال بهذه القضايا”.

لكن مهمة الخبيرة خضعت لتفاوض عسير بين العديد من البلدان لدرجة أنه لا يُسمح لكاتارينا دو ألبوكيرك تناول النزاعات العابرة للحدود، بينما يتجاوز عدد المناطق النهرية والبحرية العابرة للحدود على وجه كوكبنا الأزرق 260 منطقة…

وتُقر الخبيرة المستقلة بصعوبة عملها قائلة: “إن انتدابي محدود، لكن أصبح للدول بعض الالتزامات في مجال الحق في الماء، وهذه خطوة أولى. من جهة أخرى، سـأقوم بتحديد الممارسات على الميدان. وفي البلدان التي تعاني من مشاكل، هنالك أيضا حلول”.

وذكرت في هذا السياق مثال كوستاريكا التي تحاول التصدي لمشكلة تلوث المياه بالمبيدات الحشرية من خلال خلق مزارع أناناس إيكولوجية، أو جنوب إفريقيا حيث حظرت المحكمة العليا نظام الدفع المُسبـق للحصول على الماء.

نزاع الشرق الأوسط

فاديه ديبس مراد، المسؤولة عن برنامج فرع المنظمة غير الحكومية الدنمركية “DanChurchAid” في القدس، جاءت لتُذكر بمشكلة المياه في هذا المنطقة المُحطمة.

وأوضحت هذه الخبيرة الفلسطينية: “منذ عملية الاحتلال التي تمت في عام 1967، سيطرت إسرائيل على نهر الأردن والمياه الجوفية، بحيث وجد الفلسطينيون أنفسهم في أرض مجزأة بدون حرية الوصول إلى المياه، وبإمكانيات ضعيفة جدا”.

وفضلا عن غياب الإرادة السياسية، يساهم هذا الخرق في تغذية أزمة لا نهاية لها. ولئن كانت اتفاقيات أوسلو الثانية تعترف بحق الفلسطينيين في الماء، فلا يمكن تطبيقها بما أن الماء يخضع لسيطرة دولة أخرى!

وتتابع الخبيرة ديبس مراد في هذا السياق: “إن إسرائيل تقترح تحلية المياه، والصرف الصحي أو الاستيراد. لكن كل هذا مكلف جدا”. فهي تريد بالأحرى العمل على ما تصفه بـ “خطوة إلى الأمام”: أي وضع منصبة فلسطينية – إسرائيلية لتطوير رؤية مُشتركة وإمكانيات بديلة لتبادل الخبرات والإمكانيات، على سبيل المثال، مقابل الماء الصالح للشرب.

“الأولوية ليست للفقراء بل للبنوك”

بشكل عام، يستخلص برونو رايزن بأن التوقعات ضئيلة والمشكلة عالمية، قائلا: في عام 2025، لن نكون بلغنا سوى نصف أهداف الأمم المتحدة. والأزمة المالية وضعت كأولوية إنقاذ المصارف وليس الفقراء. أو، مثلما هو الحال في سويسرا، يهيمن على المناقشات نقص الطاقة الذي يلوح في الأفق”.

من جهته، يظل بيرنار فيرلي واقعيا أيضا، ويقول: “يحاول معهدنا إيجاد حلول ملموسة. لقد اخترعنا نظاما لتطهير المياه بالزجاجات البلاستيكية (تقنية سوديس). وهو ابتكار رخيص ويعمل جيدا. لكن صحيح أن تطبيق مثل هذا المشروع يتطلب ملايين الدولارات”.

سويس انفو – إيزابيل أيشنبرغر

1,2 مليار شخص في العالم لا يستطيعون الحصول على الماء الصالح للشرب، حسب تقديرات الأمم المتحدة التي تتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول عام 2025، ليصبح عدد المحرومين يمثل ثُلث البشرية.
تستهلك الزراعة 70 إلى 80% من الثروة المائية العالمية. وتُهدر قرابة 60% من الموارد المُستخدمة بسبب عدم فعالية نُظم الري.
زادت أمراض الإسهال، مثل الكوليرا، بنسبة 35% في عام 2008 مقارنة مع عام 2006، لا سيما في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفقا للإتحاد الدولي للصليب الأحمر.

يركز الهدف 7 من الأهداف الإنمائية للألفية (التي حددتها الأمم المتحدة) على البيئة، لا سيما الحصول على المياه.

في عام 2008، لم يستجب مجلس حقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة) لنداء الأمين العام بان كي مون من أجل الاعتراف بالحق في المياه والصرف الصحي للجميع.

التزمت سويسرا وألمانيا وإسبانيا من أجل اتخاذ قرار بهذا الشأن، لكن الولايات المتحدة وكندا والهند بذلت أقصى ما في وسعها للتقليل من شروط القرار.

ورفض مجلس حقوق الإنسان تعيين “مقرر خاص” للحق في الماء، مُكتفيا بتكليف “خبير مُستقل” لـجرد ممارسات البلدان في مجال المياه.

انعقدت ندوة التنسيق السويسري الذي يحمل إسم “الماء كملكية عامة” يوم 6 مارس 2009 في العاصمة الفدرالية برن قبيل المنتدى العالمي الخامس حول المياه الذي تستضيفه مدينة إسطنبول التركية من 16 إلى 22 مارس الجاري، واليوم العالمي للماء (22 مارس).

أوضحت أنابيل واتيتو، من معهد البيئة والماء في العاصمة الكينية نيروبي، أن 50% من ساكنة إفريقيا الشرقية فقط تحصل على الماء الصالح للشرب، وبحلول عام 2025، سيعاني حوالي 85% من سكان هذه المنطقة من مشكل ندرة المياه.

تمتص الزراعة كميات متزايدة من الماء، ويتوقع أن تستمر النزاعات بين الرّعاة والمزارعين بصورة أشد عنفا.

يتوقع أن يذوب جليد كيليمانجارو (تنزانيا) في غضون عشرة إلى عشرين عاما، بينما انخفض جبل كينيا بنسبة 40% منذ عام 1963.

يعد نهر “مارا”، بين كينيا وتنزانيا، جزءً من حوض النيل الذي تقتسمه 9 بلدان. وتتدفق في بحيرة فيكتوريا (أكبر بحيرة في القارة السمراء). مستوى مياه البحيرة ينخفض كمـّا ونوعا، ويُضطر الصيادون الكينيون إلى العمل في الأقاليم الأوغندية أو التنزانية، مما يتسبب في نزاعات أخرى.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية