مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد تكون ضحية لنجاحِـها”

مقر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ حيث تتكدس الشكاوى والعرائض من كافة أنحاء القارة الأوروبية Reuters

تحتلّ سويسرا ابتداء يوم 18 نوفمبر الجاري، المقعد الرئاسي لمجلس أوروبا. وتضع الكنفدرالية في مقدِّمة مهامِّـها للأشهر الستّـة القادِمة، حماية محكمة حقوق الإنسان، جنبا إلى جنب مع تعزيز الديمقراطية، كما يوضِّـح سفيرها في ستراسبورغ باول فيدمر في مقابلة مع swissinfo.ch.

ومجلس أوروبا، هو منظمة دولية عريقة مكوّنة من 47 دولة أوروبية تأسّـست في عام 1949وتتخذ من مدينة ستراسبورغ على الحدود الفرنسية الألمانية مقرا لها. وقد عُقِدَ أول اجتماع للمجلس في جامعة ستراسبورغ، ثم أصبح قصر أوروبا (Palais de l’Europe) لاحِقاً، المقر الرئيسي للمجلس.

العضوية في المجلس مفتوحة لجميع دول أوروبا الديمقراطية، التي تقبل الخضوع لحكم القضاء والتي تضمَـن حقوق الإنسان والحُريات لجميع المواطنين. ومن أبرز إنجازات المجلس، إستصداره للميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان في عام 1950 والذي يُـمثل الأساس الذي تقوم عليه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

ومجلس أوروبا هو منظمة مُنفصِـلة، وليس جزءاً من الإتحاد الأوروبي، مع ملاحظة أنه مختلف أيضا عن مجلس (أو مفوضية) الإتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي.

swissinfo.ch: سوف تُسَلَّم سويسرا صولجان رِئاسة مجلس أوروبا للأشهر الستة القادمة. ماذا يعني هذا المنصب الرئاسي بالنسبة لسويسرا؟

باول فيدمر: بالنسبة لنا، فإن هذا يعني الكثير بالتأكيد، ذلك أنَّ سويسرا لا تقوم بُمهمّـات إدارية في المنظمات الدولية كثيراً. فمن ناحية، ستقوم سويسرا في غضون الأشهر الستة القادمة، بإنجاز ما تريده غالبية الدول الأعضاء، ومن ناحية أخرى، تريد كل دولة أن تضع مساراتٍ مستقبلية وأن تقوم بتحديد إتجاهات جديدة خلال فترة رئاستها، بما في ذلك سويسرا.

ما هي هذه الاتِّـجاهات؟

باول فيدمر: لقد حَدَّدْنا لأنفُـسنا ثلاثة أهداف. أوَّلها، تأمين مُستقبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. والثاني، هو العَمَل على تعميق الديمقراطية في أوروبا. ومن أجل ذلك نَظّـمَت سويسرا مع جامعة سانت غالن و”لجنة البندقية”، مؤتمراً بعنوان “الديمقراطية واللامركزية”، يُـقام في الربيع المُقبل مع مشاركين من جميع أنحاء أوروبا.

و”لجنة البندقية”، هي هيئة استشارية لمجلس أوروبا، تتكوّن من أعضاء مُستَقـلّين في مجال القانون الدستوري. تَـم إنشاؤها في عام 1990 بعد سقوط جدار برلين، وازدياد الحاجة لتقديم المساعدة الدستورية لدول أوروبا الوسطى والشرقية. وإسمها الرسمي هو: “المفوضية الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون”، ولكن نظراً لمقرِّها في مدينة البندقية (إيطاليا)، حيث تجتمع أربع مرات في السنة، يشار إليها عادة باسم “لجنة البندقية”.

أمّا الهدف الثالث، فهو الشروع في الإصلاحات داخل مجلس أوروبا.

لقد جعلتم إعادة تنظيم محكمة حقوق الإنسان التي تقف على حافة الانهيار، أولى مهامِّـكم. كيف يمكن مساعدة هذه المحكمة؟

باول فيدمر: إن هذه المحكمة مُهدّدة بالفشل بسبب نجاحها. وقد إزدادت الشكاوى في ستراسبورغ بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، مما أدّى الى تراكُـم 115.000 مُـداخلة مخزوَنة لم تكتمِـل بعدُ أمام هذه المحكمة.

ولأجل معالجة هذه المشكلة، سيقوم المجلس الفدرالي السويسري بالدّعوة إلى مؤتمر عالِ المستوى يوم 18/19 فبراير من العام القادم في مدينة إنترلاكن.

بشكلٍ ملموس، ما الذي تتوقّـعونه من هذا المؤتمر؟

باول فيدمر: نُـريد أن نتوصّـل إلى التزامٍ رسمي وجاد، تقدمه جميع الدول إلى محكمة العدل الأوروبية. وبالإضافة إلى ذلك، نجد من الضروري اتّـخاذ تدابير لكَبحِ هذا الطّـوفان من الشكاوى على الأقل. فَضْلاعن ذلك، نودّ أن يكون إجتماع إنترلاكن إطلاقة البداية لتقديم مقترحات تُـؤتي ثمارها في غضون سبع إلى ثمان سنوات، لتأمين مستقبل هذه المحكمة.

وما لا نريده بالتأكيد، هو الحدّ من الشكاوى الفردية، لأنها تُعَـدُّ إِنْجازا كبيراً في أوروبا، وينبغي أن تتواصل إمكانية وصول المواطنات والمواطنين إلى هذه المحكمة.

هل ينبغي على المحكمة أن تصبح أكثر كفاءة وأن تقوم بالتّـمييز مُستقبلاً بين حالات الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والحالات الأقل خطورة؟

باول فيدمر: بالتأكيد، يتوجب إيجاد سُبُـل للعمل على حَلّ الشكاوى بسرعة أكبر. وتتمثل إحدى هذه الاقتراحات بتعامُـل ثلاث قُضاة فقط، بدلاً عن سبعة مع الحالات المُتكرّرة، أي الحالات التي تكون ذات طبيعة مُـتشابهة دائِماً.

هل يُمكنك أن تُسَّمي إحدى حالات الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان؟

باول فيدمر: لا يتوجّـب على الحالات الخطيرة أن تكون ذات طبيعة جسيمة، غير أنَّها تُـمثل مشكلة لا توجد لها بالضّـرورة مبادِئ أو مُـواصفات توجيهية لغاية الآن.

وكمِـثال على ذلك، يمكننا أن نأخذ تلك الحالة في إيطاليا التي يتكلّـم عليها الجميع في الوقت الحالي والمُتعلِّـقة بعدم السماح بتعليق الصلبان في الصّـفوف الدراسية، هذه حالة لا يُمكن التعامل معها وِفقا للنمط “س” مثلا، لكونها تستوجب تَدَخل لجنة كبيرة مؤلّـفة من عدّة قُضاة.

إذن، فقد ارتفع عدد الشكاوى بشكلٍ كبير. هل يعني ذلك أن حقوق الإنسان في أوروبا أصبحت تُركَـل بالأقدام بشكل متزايد؟

باول فيدمر: كلا. نستطيع القول أن هناك تقدّماً هائلاً قد أحرِز في أوروبا ولا يزال مستمراً. أمّا السبب في ارتفاع حالات الشكاوى، فيعود إلى توسع أوروبا، خاصة بعد سقوط جدار برلين، حيث أصبح لدينا الآن 47 دولة في مجلس أوروبا.

وكان على بعض هذه الدول المُنضمة حديثاً، أن تَتَخِذ نظاماً قانونياً كامِلاً جديداً في غضون فترة زمنية قصيرة، وهذا للعلم، يُمثِّل نجاحاً كبيراً لمجلس أوروبا.

وتأتي 60% من مجموع القضايا المعروضة على المحاكم، من أربعة ُبلدان هي: روسيا وتركيا وأوكرانيا ورومانيا. ويكمُـن سبب آخر لهذه الزيادة في أن مجلس أوروبا قد إزداد شهرة بمرور الوقت، حيث يذهب اليوم إلى هذه المحكمة أشخاص لم يكونوا على عِـلمٍ بوجوِدها أصلاً قبل بضع سنوات.

هل تعتبر سويسرا بتُـراثها الإنساني وسياستها في مجال حقوق الإنسان، نموذجا يُحتذى به في أوروبا، أم أن هناك عُـيوباً تُـنتقد سويسرا بسببها أيضاً؟

باول فيدمر: إن سويسرا – ولها الحق في ذلك – تفخر بكِـيانها المُشاد به على الصعيد الدولي أيضاً، لكنها تخطَـأ أيضاً وهناك دائِما عَدد من القضايا القانونية التي تَتَلقى سويسرا إنذاراً بسبَبِها.

وبسبب هذه الأحكام، يتوجب على سويسرا أن تقوم بِتَعويض بعض الأفراد على سبيل المثال أو بِإجراء تَغييرات قانونية لِمنع تِـكرار مثل هذه الحالات مستقبلاً.

ولكن هذه الحالات قليلة نِـسبياً. ففي السنوات العشرة الماضية، كانت هناك في المتوسط 200 حالة من سويسرا، وقد رُفِـضت غالبيتها العُـظمى بسبب عَدم وجود أساس لها من الصحة. وفي العام الماضي، كانت هناك أربع حالات لم يُعط فيها الحق لسويسرا.

من بين 47 دولة عضوا في مجلس أوروبا، إنضمت 42 دولة إلى الميثاق الاجتماعي الأوروبي، غير أنَّ سويسرا لم تكن من بينها. لِـمَ هذا التأخير؟

باول فيدمر: هناك أكثر من 200 اتفاقية ذات طابع قانوني في مجلس أوروبا، صادقت سويسرا على 109 منها، وهو مُعدل جيد. وقد رفض البرلمان السويسري الميثاق الإجتماعي (وهو معاهدة مجلس أوروبا الذي اعتُمد في عام 1961 ونُقِحَ في عام 1996. ودخل الميثاق المُعدّل حيِّـز التنفيذ في عام 1999 لَيحُل تدريجيا مَحَلّ معاهدة 1961، وهو يحدِّد الحقوق والحريات ويضع آلية للإشراف، تضمن احترامها من قِـبل الدول الأطراف.

ويضمن الميثاق الحقوق والحريات التي تهمّ جميع الأفراد في حياتهم اليومية، وهي الحقوق الأساسية المَنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وهي كما يلي: الإسكان والصحة والتعليم والعمالة والحماية الاجتماعية والقانونية وحرية تنقل الأشخاص وحظر التمييز، (كما سجَّـلَت الكانتونات تحفظها)، وهذا متعلِقٌ أيضاً في أننا لا نقوم بالمُصادقة على شيء ما في سويسرا، إلا حينما نتأكّـد من إمكانية إلتزامنا به إلى أقصى حدّ مُـمكن.

غابي أوخسنباين – swissinfo.ch

تُسَـلَّم سويسرا يوم 18 نوفمبر 2009 وحتى 10 مايو 2010 بالتناوب، مسؤولية الرِئاسة في لجنة الوزراء، وهي السلطة التنفيذية لمجلس أوروبا.

وقد انضمّت سويسرا إلى مجلس أوروبا في 6 مايو من عام 1963 وكانت الدولة السابعة عشر من بين الدول الأعضاء.

لدى سويسرا مُمَثلية دائمة في ستراسبورغ منذ عام 1968 وسفيرها الحالي هو باول فيدمر.

تدفع سويسرا سنوياً نسبة 2.1750٪ من ميزانياتها السنوية إلى مجلس أوروبا، أي حوالي 6.2 مليون يورو.

يتألف الوفد السويسري في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا من 12 عضواً، من كلٍّ من مجلس الشعب ومجلس الشيوخ.

القاضي السويسري في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هو جيورجيو مالينفيرني.

في 18 و19 فبراير من عام 2010، سيُـعقد في إنترلاكن (كانتون برن) مؤتمراً وزارياً يدور حول إصلاح محكمة حقوق الإنسان (EGMR) المُثقلة بالأعباء. وتترأس كل من وزيرتَـي الخارجية ميشلين كالمي – ري و وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر – شلومبف هذا المؤتمر.

يقوم حوالي 1400 شخص بتقديم شكواهم يومياً إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية عن طريق الرسائل والفاكسات ورسائل البريد الإلكتروني. وهناك 50،000 حالة سنوياً تُـسفر عن دعاوى قضائية.

ولم يبلغ عدد القضايا قبل 10 سنوات سوى 5،000 قضية في كل عام. ولم يعد القضاة البالغ عددهم 47 قاضٍ قادرين على التعامل مع هذا الفيض من الدعاوى. واليوم، يبلغ عدد القضايا التي لا تزال مُعلَـّقـة، حوالي 115.000 قضية.

أنشئ مجلس أوروبا بوصفه مُنظمة حكومية دولية لحماية حقوق الإنسان في عام 1949 من قِبل 10 بلدان من أوروبا الغربية هي: بلجيكا والدنمرك وفرنسا وبريطانيا وأيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ والنرويج والسويد وهولندا.

وعلى مرّ السنين، تكوّنت هناك مساحة قانونية أوروبية ومِنصة لِعموم أوروبا.

يقع المقر الدائم لمجلس أوروبا في ستراسبورغ (فرنسا). لاحقاً، أصبح قصر أوروبا (Palais de l’Europe)، المقر الرئيسي للمجلس، وهو يبعد عن وسط المدينة بحوالي كيلومترين.

يوجد اليوم في المجلس ما يزيد على 636 عضواً من 47 دولة، تمثل ما مجموعه 800 مليون نسمة. كما أنَّ هناك نحو 2،000 موظف إداري. وتنتمي جميع الدول الأوروبية إلى المجلس، عدا دولة الفاتيكان وبيلاروس وكوسوفو. وبالإضافة إلى ذلك، هناك خمس دول مراقِبة هي، الفاتيكان والولايات المتحدة وكندا واليابان والمكسيك.

في عام 1950، أقِرَّت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي استُكمِلَت منذ ذلك الحين بـ 14 بروتوكولاً إضافياً.

يتعيّـن على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضَمان احترام حقوق الإنسان في الدول الأعضاء.

صادق مجلس أوروبا حتى الآن على حوالي 200 اتفاقية، مثل تحسين المساعدة القضائية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة وإلغاء عقوبة الإعدام والإتجار بالبشر أو التعذيب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية