مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الهروب إلى سويسرا”

إحدى المجموعات التي شاركت في برنامج "الهروب إلى سويسرا" في صورة تجمعهم بعد إنتهاء الرحلة ( وجه طالب اللجوء تم تمويهه بناءا على طلبه) swissinfo.ch

لم يكن "الهروب" هروبا إلى سويسرا، بل برنامجا رعته المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين بمناسبة اليوم الوطني للاجئين في السادس عشر من شهر يونيو الجاري، ونجحت فيه في جمع نحو خمسمائة شخص، من سويسري وطالب اللجوء واللاجئ المقيم في سويسرا، التحقوا جميعا في رحلة كان هدفها اللقاء لا الفرار.

لم يكن من المستغرب أن ينتقد مدير المفوضية السامية للاجئين الدول الأوروبية الغنية انتقادا قويا، فهو خير من يعايش التعقيدات التي تتسبب بها سياساتها تجاه اللاجئين. السيد روود لوبرزRuud Lubbers ، الذي تشمل مهام منظمته إغاثة اكثر من اثنين وعشرين مليون لاجئ مشتتين في كافة بقاع الأرض، انتقد السياسيين في الكثير من الدول الأوروبية. فهؤلاء، يقول السيد لوبرز، دأبوا في الآونة الأخيرة على تكذيب طالبي اللجوء القادمين إلى بلادهم واعتبارهم وباءا يزحف على بلدانهم.

والمسألة تحولت إلى “لعبة أرقام” يسعى فيها أصحاب القرار السياسي الأوروبيون إلى “تخفيض أعداد اللاجئين بأي ثمن” حتى لو كان ذلك على حساب أناس هربوا نفاذا بحياتهم من الحروب والملاحقة. وفي هذه المعادلة يختفي وجه اللاجئ ومعاناته والقصة التي حملها بين جنبيه، ليصبح مجرد ’رقم‘ لا أكثر ولا أقل.

سويسرا …. واللاجئ

انتقاد السيد لوبرز ضرب وترا حساسا نرى تداعياته هنا في سويسرا. ففترة التسعينات، التي شهدت وفود أفواج متلاحقة من اللاجئين الفارين من جحيم حروب البلقان، شهدت أيضا زيادة في شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة التي دأبت على اللعب على أوتار قضية اللجوء. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن طرح هذه القضية مع دخول البلاد في مرحلة من الكساد الاقتصادي جعلها تعاني من مشاكل البطالة، تلك المشاكل التي لطالما أعتبرها السويسريون قضايا تخص الغير لا تكاد تمسهم.

وضمن هذه الخلفية تراجعت مشاعر التعاطف مع طالب اللجوء والأسباب التي أدت إلى خروجه من بلده فارا، وتحولت، في طرح العديد من تلك الأحزاب اليمينية، إلى مشاعر عداوة… ورفض لوجود هذا الأجنبي. ومن هنا كانت الدعوات المطالبة إلى تغيير قوانين اللجوء، “المتساهلة” في رأيهم، والدعوة إلى إزالة أية بنود “مغرية” قد تدفع المرء إلى هجرة بلاده وانتحال صفة اللاجئ بحثا عن فرص العمل.

وجه اللاجئ

من هنا، جاءت فكرة “الهروب إلى سويسرا” كومضة ضرورية تهدف إلى إعادة الملامح إلى وجه اللاجئ… ملامحه البشرية. هو شخص، مثلي ومثلك، اضطرته الظروف إلى ترك حياته وماضيه وممتلكاته خلفه ليدخل إلى المجهول بقدميه. وفي ارض اللجوء، وجد نفسه غريبا، بلا صديق ولا قريب، تحدق به الأعين في كل مكان… غريب هو، بشرته وسحنته تدلان عليه من بعد.

ربما تتساءل، ما لجديد في هذا الحديث، فكلنا يعرف معني وضع اللجوء. وهذا صحيح. لكن الفرق يتبدى عندما تلتقي بمن يعايش هذا الوضع وجها لوجه، تحادثه وتكلمه، وتكتشف أن ما يجمعك به اكثر مما يفرقكما. وتدرك بقلبك، قبل عقلك، ما يعنيه بالفعل أن يعايش المرء وضع اللجوء. فلو انقلبت الكفة فجأة، لربما كنت أنت من يقف على الطرف الأخر من الضفة، تبحث عن الملجأ … والقبول.

المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين اختارت ترجمة هذا الهدف من خلال اختيار خمس مائة شاب وشابة، ممن تتراوح أعمارهم بين ستة عشر عاما وستة وعشرين عاما، وَدفعهم في اليوم الوطني للاجئين إلى ترك حياتهم الطبيعية العادية… والتحول إلى لاجئين.. يتقدمون بطلباتهم للجوء.. ويمرون بالإجراءات الرسمية… مثلهم مثل غيرهم من اللاجئين… ثم يضطرون إلى التسلل عبر الحدود إلى البلاد التي رفضت إيوائهم عبر القنوات الرسمية.

وكان لقاء…

طرافة الفكرة لا تلغى جديتها. فقد تمكنت المنظمة بالفعل من جمع الشباب السويسري مع طالبي اللجوء واللاجئين المقيمين، ودفعهم دفعا إلى البقاء معا ليوم واحد. صحيح أن يوما واحدا لا يكفي لا دراك واقع المعاناة الذي يعايشه طالب اللجوء، لكنه كان كافيا لفتح قناة للحوار بين السويسري وطالب اللجوء، وتحول معه “الرقم” إلى “فرد”، و”الغريب” إلى “إنسان”.

وصحيح أن الكثير من المشاركين من طالبي اللجوء شعروا بأن الدفة انقلبت عليهم، وأنهم تحولوا بقدرة قادر إلى “فأر للتجارب”، ينظر المشاركون السويسريون إليه بعطف مشوب بقدر من السذاجة… وفي العطف امتهان للكرامة. لكن الرحلة في جملتها ، كما عايشتها، قلبت الصفحة، وزالت في نهايتها جسور الكلفة، ومعها مشاعر “العطف الكريم”، وحل محلها إحساس بالاحترام.. وبالمساواة.

وإذا كانت هذه هي الحصيلة التي خرجت بها جموع المشاركين في البرنامج.. فهي تكفي كبداية. أليس من الأفضل أن نضع أقدامنا على بداية طريق الإدراك بدلا من مراوحة أماكننا في قناعات مسبقة..

إلهام مانع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية