مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“بدوننا، لا تسيرُ الأمور”!

أكثر من 800 ألف أجنبي من أصل 1,5 مليون المقيمين في سويسرا عمال نشطون ويساهمون بشكل فعال في بناء سويسرا وانعاش اقتصادها Keystone

هذا هو اسمُ التّحالف الذي نظَّّم يوم 4 مايو مظاهرات في 14 كانتونا سويسريا احتجاجا على القانون الجديد للأجانب ومُراجعة قانون اللجوء المعروضين على مجلس النواب.

ولا يضُم هذا التحالف المعنيين الأوائل بالأمر فحسب، بل يشمل جمعيات وأحزاب سويسرية جعلت من ملفات الهجرة واللجوء ومناهضة التمييز قضايا وطنية.

بينما يُواصل مجلسُ النُّواب السويسري جلسته الخاصة و”الساخنة” حول القانون الجديد للأجانب ومراجعة قانون اللجوء، نزل مئات أنصار تحالف “بدوننا، لا تسير الأمور”، من أجانب وسويسريين، إلى شوارع 14 كانتونا منذ صباح الثلاثاء للتعبير عن احتجاجهم واستيائهم من المُقترحات المطروحة في البرلمان.

ويهدف تحرّك هذا التحالف، الذي يضم أكثر من 120 جمعية ومنظمة معنية بشؤون الأجانب والهجرة ومكافحة التمييز، إلى إسماع صوت المعنيين الأوائل بهذين القانونين، وإلى توعية الرأي العام بالمصاعب المُتزايدة التي يواجهها المهاجرون واللاجئون في سويسرا رغم مساهمتهم الفعالة في إنعاش اقتصاد البلاد.

فعددُ الأجانب في سويسرا لا يقل عن 1,5 مليون شخص، أي ما يعادل 20% من إجمالي سكان الكنفدرالية. و800 ألف منهم عمالٌ ينشطون خاصة في قطاعات الصناعة والبناء والسياحة. ويُحوّل المهاجرون في سويسرا، حسب تقديرات البنك العالمي، حوالي 3 مليار فرنك سنويا إلى بلدانهم الأصلية. وهو رقم يُبرز بوضوح أهمية هؤلاء المهاجرين بالنسبة لاقتصاد بلدانهم، ولكن أيضا بالنسبة لسويسرا حيث يُعدون طاقة شرائية واستهلاكية لا يُستهان بها، فضلا عن الضرائب التي يؤدونها على مستوى البلدية والكانتون وعلى المستوى الفدرالي، والمفروضة عليهم مثلما هي مفروضة على المواطنين السويسريين.

مقصيون من النقاش

لكن لا يبدو أن الدور الفعال الذي يقوم به الأجانب في بناء الدولة السويسرية وإنعاش اقتصادها، يُؤخذُ بعين الاعتبار في سن أو مراجعة القوانين الجديدة حول الأجانب واللُّجوء التي تفرض عليهم المزيد من القيود دون إتاحة أي فرصة لهم للتعبير عن موقفهم.

في هذا السياق، يقُول بالتازار غلاتلي الأمين السياسي لجمعية “التضامن بلا حُدود” الذي نسق المظاهرات: “الأجانب ليس لهم الحق في إبداء الرأي، رغم أن مُساهمتهم في تطوير البلاد بالغة الأهمية. فهم يدعمون الاقتصاد ويعززون التعدد الثقافي، لكنهم لا يتمتعون بنفس حقوق السويسريين”.

ويظل التمتع بنفس الحقوق من أبرز مطالب تحالف “بدوننا، لا تسير الأمور”. فالمتظاهرون يريدون الاستفادة من حق جمع شمل الأسر، وتحسين وضعية العمال، وإلغاء التضييقات المفروضة على تنقلهم من كانتون لآخر.

وتتعلق بعض اعتراضات المتظاهرين بشكل مباشر بالقانونين المعروضين على مجلس النواب. فعلى سبيل المثال، يقترح القانون الجديد الخاص بالأجانب منحَ موظفي مكاتب الأحوال الشخصية سلطةَ رفض ترخيص الزواج للأجنبي أو الأجنبية إذا ما شك في جدية الرغبة في الزواج، أو اعتبره مجرد محاولة للحصول على تصريح للعمل.

وتثير مثل هذه الإجراءات سخط المهاجرين الذين لا يفهمون كيف يمكن تقرير مصيرهم دون حتى إتاحة الفرصة لهم لتوضيح مواقفهم. ويُعبر بارتازار غلاتلي عن هذا الغضب بالقول: “نحن نحتج على عدم تمكن 1,5 مليون مهاجر مقيم في سويسرا من المشاركة في النقاش الدائر في البرلمان حول سياسة الهجرة”.

مخاوف من وضعية أسوأ!

ويطالب المشاركون في المظاهرات -التي تم معظمها رمزيا أمام مكاتب الشرطة المكلفة بشؤون الأجانب والهجرة- بمُساواة أكبر في الحقوق، لكنهم يخشون أيضا تقليص السلطات للحقوق الممنوحة لهم حاليا. وبالفعل، لا يُستبعدُ أن تتمخض نقاشات البرلمان عن تشدد إضافي فيما يخص التشريعات المتعلقة بالأجانب واللاجئين.

وتوضح كارمين بيريرا فلايشلين، العضو في اللجنة الفدرالية للأجانب، أن “سويسرا تتوفر على قانونيْن للأجانب. الأول يتعلق برعايا الاتحاد الأوروبي، وهو قانون تُمليه الاتفاقيات الثنائية المُبرمة بين سويسرا والاتحاد في عام 1998 والذي يشمل حقوقا أوسع. أما القانون الثاني فيخص رعايا ما يُسمى بـ”الدائرة الثالثة”، وهو قانون أكثر تشددا”.

وتستطرد السيدة فلايشن قائلة: “إن القانون الجديد سيُخِلُّ أكثر بوضعية الأجانب الذين لا ينحدرون من دول الاتحاد الأوروبي.” ومن الأمثلة الملموسة التي تذكرها المسؤولة في هذا الإطار، حق جميع الأجانب حاليا -بغض النظر عن جنسيتهم- في جلب أبناءهم إلى سويسرا شرط ألا تتجاوز أعمارهم 18 سنة. لكن القانون الجديد يقترح رفع هذا السن إلى 21 عاما بالنسبة لأطفال رعايا الاتحاد الأوروبي، وخفضه إلى 14 عاما بالنسبة للأطفال غير الأوروبيين!

ويرى المتظاهرون أن هذا التشدد لا يُجدي نفعا، حيث يقول بالتازار غلاتلي: “حتى إن تمَّ تشديد التشريعات الخاصة بالهجرة، فذلك لن يمنع المهاجرين من القدوم إلى سويسرا”. وينوهُ المتظاهرون إلى أن القانونين الجديدين، في حال اعتمادهما، سيساهمان في رفع عدد المهاجرين السريين، وفي انتشار المزيد من الفقر في سويسرا.

“الجنسية هي الحل الوحيد”

لكن لا يبدو أن المظاهرات الوطنية التي تمت يوم الثلاثاء لمساندة الأجانب واللاجئين قد اخترقت مسامع كافة البرلمانيين. ففي تصريح لـ”سويس انفو”، قال نائب الحزب الراديكالي، فيليب مولر صاحب المبادرة الشعبية التي دعت إلى تقليص نسبة الأجانب في سويسرا: “لم نسمع حتى الحديث عن هذه المظاهرات”.

ربما لم يسمع بالفعل البرلماني مولر عن هذا التحرك، لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الحزب الاشتراكي، أحد الأحزاب الرئيسية في الحكومة والبرلمان، يشارك أيضا في تحالف “بدوننا، لا تسير الأمور”..

ويضيف صاحبُ المبادرة التي رفضها الناخبون في عام 2000: “بالنسبة لي، الأمور واضحة. فمن يريد المشاركة في الحياة العامة يجب أن ينتظر الآجال القانونية المُحددة للحصول على الجنسية ليصبح سويسريا. لا يوجد حل آخر. أما بالنسبة للذين يقولون إن سويسرا تمارس التمييز، فما عليهم إلا أن يتأملوا السياسة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي. إن الأوروبيين يتبنون نفس النماذج التي نطبقها”.

التحالف قائم، لكن المشوار يبدو شاقا..

وإذا لم ينجح المشاركون في مظاهرات الثلاثاء 4 مايو في إبلاغ رسالتهم إلى كافة البرلمانيين، وفي إقناعهم بوجهة نظرهم في الوقت الراهن، فلا شك أنهم سيواصلون الاعتماد على تحالف “بدوننا، لا تسير الأمور” لتعميق الوعي بظروف ومشاكل الأجانب واللاجئين. فهذا التحالف يضم جمعيات وأحزاب سويسرية (الاشتراكيون والخضر) تُشكل سندا مُهما يجعل الأجانب يشعرون أن شريحة من المجتمع تشاطر انشغالاتهم وتدافع عن قضيتهم.

ومن أهم هذه الجمعيات نذكر “مركز الاتصال بين السويسريين والأجانب” الذي أنشأ في عام 1974 بهدف تقديم المشورة والدعم للعمال المهاجرين وأسرهم فيما يتعلق ببطاقات الإقامة، وتغيير مكان السكن، ومختلف الإجراءات القانونية الخاصة بوضعيتهم.

وتحرص هذه الجمعية على تشجيع الحوار بين الجمعيات السويسرية والأجانب وعلى تعزيز التفاهم بين مختلف الثقافات. ويتعاون هذا المركز بشكل خاص مع جمعية “sos racisme” لمناهضة العنصرية، والمركز الاجتماعي البروتستانتي، وجمعية “كاريتاس الخيرية”، وحركات دعم المهاجرين غير الشرعيين في سويسرا.

ومن النقابات السويسرية التي تهتم كثيرا بأوضاع وحقوق الأجانب “نقابة العاملين في مختلف المهن”، التي حددت من بين أولوياتها الدفاع عن مصالح العاملين بغض النظر عن مهنتهم أو جنسيتهم أو وضعهم الاجتماعي أو سنهم أو جنسهم.

فهل سيتمكن تحالف “بدوننا، لا تسير الأمور” في إقناع الرأي العام وصانعي القرار بأن “الأمور لا تسير” بالفعل من دون الأجانب في سويسرا؟ قد ينجح التحالف في اكتساب تعاطف الرأي العام، لكن مهمة إقناع صانعي القرار تبدو شاقة..إن لم تكن مستحيلة في ظل التوجهات السويسرية والأوروبية عموما في مجال الهجرة.

إصلاح بخات – سويس انفو

من أبرز مطالب تحالف “بدوننا، لا تسير الأمور”:
التعامل مع الرعايا الأوروبيين وغير الأوروبيين على قدم المساواة في ما يتعلق بدخولهم إلى سويسرا والإقامة فيها وجمع شمل الأسر
قوانين متساوية للجميع، وليس قوانين تحدث طبقات جديدة في المجتمع
أصل المهاجرين لا يجب أن يكون دافعا للتمييز، للجميع الحق في الاختلاف الثقافي
في حال البطالة أو الإعاقة أو الاستفادة من المساعدات الاجتماعية أو الطلاق أو الانفصال، يجب أن يُضمن حق الأجنبي في البقاء في سويسرا ويجب أن يستفيد المتقاعدون أيضا من هذا الحق.
حسب تقديرات البنك العالمي، يحول المهاجرون في سويسرا حوالي 3 مليار فرنك سنويا إلى بلدانهم الأصلية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية