مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“تفكيك الصّحوات”: هل يُـعيد الحالة الأمنية إلى المربع الأول؟

استعراض لقوات الأمن في الرمادي عاصمة محافظة الأنبار يوم 1 سبتمبر 2008 في مناسبة حفل تسلم السلطات العراقية للمسؤوليات الأمنية في المنطقة من الجيش الأمريكي Keystone

يربط عدد من المحللين والمراقبين للمشهد العراقي، بين الازدياد الملحوظ للعمليات المسلحة خلال المرحلة الأخيرة، وبين مشروع تفكيك "الصحوات السُـنية" التي قامت خلال السنتين الأخيرتين في العديد من المناطق السنية، وازداد عدد أعضائها ليبلغ قرابة 80 ألف فرد، أغلبهم يتلقَّـى راتباً شهرياً توفره قوات الاحتلال الأمريكي.

إنهاء الصحوات وإحلال قوات الجيش العراقي، التي تُـتَّـهم من جانب أطراف عراقية بالتواطؤ مع القوى الشيعية الحاكمة، يثير العديد من التساؤلات أبرزها: فيما إذا كان هنالك “انقلاب أمريكي” على هذه الأداة بعد أن أدّت دورها في نشر الأمن في المناطق السُـنّية وتقليص نفوذ القاعدة الذي وصل، في فترات سابقة، إلى مرحلة تشكيل “دولة” والسيطرة المؤقتة العلنية على بعض المُـدن واستعراض علني للقوة العسكرية؟

هل وصل الأمريكيون إلى قناعة أنّ مفعول الصحوات انتهى وأنّ القاعدة والجماعات المسلحة لن تعود فأغلقوا الملف؟ وهل أخطأ الأمريكيون بهذا التقدير؟ أم أنّ هنالك أسباباً أخرى تقف وراء هذا التحول الأمريكي؟

الصحوات في مواجهة القاعدة وإيران

يؤكِّـد أبو عزام العراقي، قائد صحوة أبو غريب ورئيس كيان (أي حزب سياسي) الكرامة الوطنية، إلى أنّ فكرة الصحوات بدأت منذ منتصف عام 2006، عندما أدركت قيادات ميدانية في “المقاومة العراقية”، وتحديداً الجيش الإسلامي، بأنّ العمل المسلح والمقاومة الذي تبنَّـاه المجتمع السُـني العراقي، ليس له أفق سياسي إذا استمر على النحو نفسه، وأنّ المستفيد الأول من ذلك، هي إيران التي تحقق هدفين رئيسيين: الأول، تعزيز مواقعها في العراق، وتقوية النفوذ السياسي للقوى المرتبطة بها. والثاني، إدامة الفوضى في العراق ومشاغلة الأمريكيين، وإبقاء العراق ساحة توتُّـر وورقة ضغط في سياق الصراع حول النفوذ الإقليمي الإيراني.

الإدراك الجديد تولَّـد عنه إدراك آخر، بأنّ “العراق يواجه احتلالين: الأول هو الأمريكي، وهو احتلال طارئ إلى زوال، والثاني هو الإيراني، لكنه الأخطر والأكثر تأثيراً في المعادلات الاجتماعية والطائفية في العراق”.

ويضيف أبو عزام في تصريح خاص بسويس انفو، أنّ “القيادات الحركية السُـنية أدركت أنه من الاستحالة بمكان مواجهة كلا الاحتلالين في الوقت نفسه، ما دفع إلى الاستدارة الكاملة نحو التهدئة والهدنة مع الأمريكيين”، وذلك لمواجهة تهديدين رئيسيين للمجتمع السُـني، الأول هو النفوذ الإيراني والقوى الشيعية المتحالفة معه، ويسعى إلى تغيير هوية العراق، وتحديداً بغداد، بتفريغ أهلها وسكانها منها، والثاني هو تنظيم القاعدة، الذي يريد فرض أجندته الدينية والسياسية والهيمنة على المجتمع السُـني، ويساهم بعملياته العبثية وخطابه العدمي، بتعزيز الرواية الإيرانية والشيعية حول “التطرف السني”.

على هذه الأرضية، تأسست فكرة “الصحوات”، التي نجح أبو عزام ورفاقه بترويجها في المجتمع السُـني ولدى الاحتلال الأمريكي على السواء، ليضمنوا دعمه وتأييده.

يُـجمع كثير من المراقبين أنّ الصحوات كانت هي الضربة القاضية للقاعدة، بل وأدت إلى تقليص كبير في العمل السُـني المسلح وأمّنت المناطق السُـنية وساهمت بعودة عدد كبير من العراقيين السُـنة إلى بيوتهم وأحيائهم في بغداد، بعد أن تركوها خوفاً من عمليات التصفية الطائفية والمذهبية.

هذا “الاختراق” الكبير الذي قامت به الصحوات، تعترف به خطابات القاعدة، والتي تُـشبه ما حدث بـ “الردة”، فتحوّل عمل القاعدة، بعد أن تراجع بصورة كبيرة، إلى النشاط الأمني واستهداف قادة الصحوات بصورة أساسية، وهو ما تمّ بالفعل عندما تمكنت القاعدة من اغتيال عبد الستار أبو ريشة، زعيم صحوة الأنبار، وكذلك من قتل عدد من الشيوخ الداعمين للصحوات.

إتمام الهدف.. يُـساوي إنهاء المهمّة والدور!

يتفق سياسي سُـني بارز المؤيِّـد للمقاومة العراقية، ومقرب من كتائب ثورة العِـشرين، بأنّ الصحوات استطاعت فعلاً الحدّ من نفوذ القاعدة ودورها، والذي تحوّل في الفترة الأخيرة إلى عِـبء على المقاومة السُـنية ووحدة صفوفها، وأدت محاولات القاعدة إلى فرض هيمنتها ورؤيتها إلى مواجهات مسلحة بينها وبين القوى الأخرى، تحديداً مع الشهور الأولى من عام 2007.

لكن هذا السياسي، الذي رفض ذكر اسمه، يرى – في تصريح خاص بسويس انفو – أنّ الصحوات وقعت في أخطاء استراتيجية تكشفت نتائجها الكارثية فيما بعد. في مقدمة هذه الأخطاء، أنّ قادة الصحوات وثقوا بالاحتلال الأمريكي وساهموا بخدمة أهدافه وتحقيق الأمن والاستقرار له، دون مقابل سياسي حقيقي.

ويرى هذا السياسي أنّ النتيجة تبدّت اليوم، “فعندما أنهت الصحوات دورها الأمني وقضت على القاعدة وأضعفت العمل السُـني المسلح، بدأ الاحتلال الأمريكي بتفكيكها والتخلّـص منها، وبات قادتها بين مُـطارد ومطلوب للحكومة العراقية وللإيرانيين وللقاعدة على السواء”.

ثمن الصفقة بين المالكي والأمريكيين

على الرغم أنّ أياد عبد اللطيف، الخبير العراقي بالجماعات السُـنية يوافق على “خيبة أمل” الصحوات وأنصارها من موقف الأمريكيين بتفكيك الصحوات وترك المجال للحكومة العراقية بملاحقة قياداتها، إلاّ أنه لا يرى أن السبب الحقيقي وراء التحول الأمريكي يكمُـن في “انتهاء دور الصحوات”. فالوضع الأمني مرشح بالانفجار بأي لحظة في سياق حالة التوتر السياسي المستمر.

ويذهب إياد عبد اللطيف في تصريح خاص بسويس أنفو، إلى أنّ “الصحوات دفعت ثمن صفقة بين الاحتلال الأمريكي وحكومة المالكي، مضمونها رأس الصحوات مقابل رأس جيش المهدي”.

ويرى عبد اللطيف أن الهجوم العسكري، الذي شنه المالكي على جيش المهدي في بغداد والبصرة، لم يكن مجانياً، فقد كان الاتفاق مع الأمريكيين على التخلص في المقابل من القوة العسكرية للصحوات، والتي أصبحت بعشرات الآلاف، وإحلال الجيش العراقي محلّها، وهو ما حدث فعلاً. فقد حلّ لواء المثنَّـى في أحياء في بغداد وتسلَّـم المراكز العسكرية السابقة للصحوات.

لم تكتفِ حكومة المالكي بإنهاء الدور الأمني للصحوات، بل بدأت بإجراءات قانونية لملاحقة قياداتها، بتُـهم متعددة تتعلق بارتكاب جرائم، مع أنّ أغلب قادة الصحوات، بخاصة في مدينة بغداد، هم (كما يعلم الأمريكيون) من قادة الجيش الإسلامي سابقاً، وكانوا منخرطين بصورة كبيرة في العمل المسلح ضد الأمريكيين والقوات النظامية العراقية، لكنهم تحوّلوا فيما بعد إلى الصحوات بموجب اتفاق مع الأمريكيين.

“السنة.. بين الهيمنة الإيرانية والعجز العربي”

يقلل أبو عزام، قائد صحوة أبو غريب سابقا، من اتهامات قادة سُـنيين للصحوات أنها خدمت المشروع الأمريكي دون أن تحقق منافع تُـذكر للمجتمع السُـني، بل ويرى أنّ الصحوات تمكَّـنت من حماية الأحياء السُـنية في بغداد، وهنالك عودة كبيرة للاجئين إلى تلك المناطق ويذهب إلى أنّ الصحوات جعلت المناطق والأحياء السُـنية محرّمة على الميليشيات الشيعية وعلى القاعدة وأعادت الأمن والاستقرار.

ويرى أبو عزام أنّ الصحوات بالفعل أتمَّـت جزءاً كبيراً من المهمَّـة الأمنية، وأن الخلاف مع الحكومة العراقية والأمريكيين يكمُـن في نِـسبة من يتِـمّ إدماجهم من أفراد الصحوات بالجيش العراقي والأجهزة الأمنية.

فبينما يطالب أبو عزام أن يتم إدماج أغلب هؤلاء الأفراد، ممَّـن تنطبق عليه الشروط، فإنّ الحكومة العراقية تتحدّث عن نسبة تصل فقط إلى 20%، ما يعني أن البقية (الأكثرية) سيخسرون رواتبهم الشهرية وسيضحون بلا عمل، مما يشجع على عودة عدد كبير منهم إلى العمل المسلح مرة أخرى، وإلى الانخراط بالفصائل المقاومة، وربما القاعدة.

ويعترف أبو عزام أنّ هنالك مشكلة كُـبرى في قدرة المجتمع السُـني على إدارة المرحلة الحالية سياسياً، لكنه يُـحيل ذلك، بالإضافة لاختلاف الرُّؤى بين القيادات السُـنية، إلى قوة إيران إقليمياً ونفوذها المتنامي والموارد المالية لحلفائها، في مقابل ضعف الدّعم الرسمي العربي للسُـنة العراقيين، وشحّ الموارد المالية.

يبدو جلِـياً أنّ تفكيك الصحوات السُـنية مع محدودية الآفاق السياسية الحالية، سيعيد المعادلات والتوازنات السياسية إلى المربَّـع الأول، وهي المعادلات التي أنتجت المقاومة السُـنية ومرشحة لاستعادتها في حال بقِـيت اللُّـعبة السياسية في البلاد تدور في حلقة مُـفرغة..

محمد أبو رمان – عمّـــان

بغداد (رويترز) – لعبت مجالس الصحوة دورا حيويا في الحد من العنف في العراق، وهي تتكون من أفراد من السُـنة في الغالب، ولكن الطريقة التي تتعامل بها الحكومة الشيعية مع مستقبل تلك المجالس، ربما ترسخ المصالحة الطائفية أو تشعل موجة جديدة من العنف. ومن المقرر أن يبدأ الجيش الامريكي في تسليم السيطرة على مجالس الصحوة الى الحكومة ابتداء من الاول من أكتوبر، عندما تبدأ بغداد في دفع أجور 54 ألف حارس يعملون داخل العاصمة العراقية وحولها، لكن بعض مسؤولي الحكومة ينظرون لهذه القوة غير الرسمية، التي تضم الكثير من المسلحين السنة السابقين ويبلغ اجمالي عددهم نحو مائة ألف في أنحاء البلاد، بعين الريبة.

ووضعت الحكومة حدودا لكيفية دمجهم في القوات الأمنية، كما يخشى بعض الحراس من التعرض للاعتقال بسبب ماضيهم كمتمردين. ومن أجل تبديد هذه المخاوف، عقد مسؤولون عدة اجتماعات مع أعضاء مجالس الصحوة، من بينها واحد يوم الخميس مع قائد قوات الامن العراقية في بغداد ورئيس لجنة المصالحة التابعة لرئيس الوزراء نوري المالكي. ويتلقى أفراد مجالس الصحوة أجورهم من الجيش الامريكي، وهي تحرس الأحياء ونقاط التفتيش الرئيسية. وتشكلت أساسا بعد انقلاب العرب السنُـة على القاعدة. ووعدت الحكومة بدمج 20 في المائة من وحدات مجالس الصحوة في قوات الأمن ومنح الباقين وظائف مدنية أو تدريبا، لكن بعض زعماء السنة يقولون ان هذا ليس كافيا.

وقال أوس محمد، وهو الناطق باسم صحوة الاعظمية في بغداد “ان عناصر وأفراد الصحوة جازفوا بحياتهم من أجل فرض الأمن في مناطقهم بعد ان كانت مناطق ساخنة وقد نجحوا بذلك باعتراف الجميع”، وأضاف “اذا لم يُحترم ما قاموا به من عمل واذا لم تُحترم تضحياتهم التي قدموها، فلا أحد يمكن ان يعرف ماذا سيكون مصيرهم وماذا سيحدث لهم”. ويقول كل من الجيش الامريكي، الذي يدفع لكل حارس نحو 300 دولار شهريا، وزعماء عشائر سنُـية، ان من أكثر الفئات التي يسهل على القاعدة تجنيدها في صفوفها، العاطلون العراقيون، وهم كثيرون.

وفي اجتماع يوم الخميس، حث قادة مجالس الصحوة الفريق عبود قنبر قائد الامن في بغداد على زيادة عدد من سيتم دمجهم في قوات الامن. وقال محمد سلمان، رئيس لجنة المصالحة لرويترز في وقت لاحق، انه يتعين على الحراس أن لا يخشون على مستقبلهم. وأضاف أن هذه القضية جرى بحثها مع رئيس الوزراء، وانه يتعين على “الاخوة” في مجالس الصحوة أن لا يخافوا شيئا، وانهم لن يتعرضوا للملاحقة بدون إذن قضائي، وهو نفس الشيء الذي يطبق على أي شخص عادي، وليس فقط من أفراد الصحوة. وتابع سلمان ان عدد أفراد الصحوة قد يكون اقل مما حدده الجيش الامريكي. ومضى يقول إن العدد الاجمالي يمكن أن يكون قريبا من 60 ألف فرد في حالة تصحيح أخطاء في الاحصاء، مثل الأسماء المُكررة أو المُزورة.

وقال مسؤول رفيع في الحكومة، طلب عدم نشر اسمه، ان دمج مجالس الصحوة سيكون اختبارا لما اذا كانت الحكومة ستشكل مؤسسات تضم كل الطوائف العراقية أم أنها ستظل رهينة للمصالح الطائفية، لكنه أبدى أيضا استياءه من بعض أعضاء مجالس الصحوة، وأغلبهم من السُـنة، وهي مشاعر يشاركه فيها بعض المسؤولين الآخرين. ومضى يقول “ما من شك أن الصحوات لهم علاقة كبيرة بالمكاسب الامنية في العراق، ولكن بعض هؤلاء الرجال شخصياتهم بغيضة”. وأشاد علي الدباغ، المتحدث باسم الحكومة العراقية بمجالس الصحوة في مقابلة تلفزيونية عرضت مؤخرا، مضيفا أن “الدولة ستقوم باستيعاب عناصر الصحوات ولن تتخلى عنهم”، ولكنه قال إن لقاءات ستجرى مع أعضاء مجالس الصحوة لاستبعاد من أرتكبوا جرائم قتل أو أفعال مريبة قبل منحهم الوظائف. ونظرا لان الكثير من أعضاء مجالس الصحوة من المقاتلين السابقي،ن فمن المرجح أن تلقى عملية التدقيق تشكيكا كبيرا. وقال مسؤول في السفارة الامريكية، إن الولايات المتحدة ستراقب عن كثب برنامج تسليم مجالس الصحوة، وهي واثقة من أن العراق يدرك انجازات الرجال الذين يطلق عليهم الجيش الامريكي اسم “أبناء العراق”. ونقلت صحيفة فيلادلفيا انكوايرر عن الجنرال ديفيد بتريوس، قائد القوات الامريكية في العراق قوله “التزم المالكي بشكل شخصي أمامي بأنه سيرعى أبناء العراق”، وأضاف “انهم يعلمون انهم اذا لم يرعوا أبناء العراق، فربما يلجؤون الى العصيان”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 سبتمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية