مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“حزب الله” بين هانوي وهونغ كونغ

قيادات "حزب الله" متجاذبة بين تيار يدعو إلى الانخراط في المجابهة الإقليمية الراهنة، وبين تيار يميل إلى الحفاظ على مواقع الحزب في لبنان swissinfo.ch

كيف يفكر "حزب الله" اللبناني هذه الأيام؟ من يلتقي بعض قيادات الحزب، يفاجأ بأمرين إثنين.

الاول، بعض الهدوء المشوب بالكثير من الحذر إزاء الوضع المتفجر في لبنان. والثاني، طرح التساؤلات بدل الاجوبة على مسألة الدور المستقبلي للحزب في البلاد والمنطقة.

يعود سبب الهدوء على الأرجح إلى قرار ضمني إتخذته قيادات هذا التنظيم، الذي يُـعتبر الأقوى سياسياً وعسكرياً في بلاد الأرز، لا للانجرار إلى حرب أهلية طائفية، ولا حتى للغرق في وحول السياسات الداخلية الطائفية.

أما طرح التساؤلات على الذات والآخرين حول مستقبل الحزب، فسببه أن قيادات هذا الأخير تجد نفسها متجاذبة بشكل عنيف بين تيار يدعو إلى الانخراط في المجابهة الإقليمية الراهنة، بين محور أمريكا وحلفائها العرب، وبين محور سوريا – إيران، وبين تيار آخر يميل إلى الحفاظ على مواقع الحزب في لبنان بوصفه الممثل الأكبر للطائفة الشيعية الأكبر في لبنان.

فإذا ما قرر الحزب الدفاع عن السفينة الإقليمية السورية الغارقة، سيغرق معها وسيَـتعرّض إلى ضغوط قوية لدفعه إلى حرب أهلية مع السنّـة والمسيحيين والدروز أولا ، ثم حتى مع العديد من قواعده الشعبية لاحقاً، إذا بدأت المجابهة مع إسرائيل وأمريكا ترهق الشيعة المُـرهقين أصلاً من حرب 15 عاما.

وإذا ما انحاز الحزب إلى الخيار اللبناني، فسيكون عليه التجرد من كل ملابسه التاريخية والقومية الأنيقة التي فاز بها بجدارة، بوصفه بطل التحرير والمقاومة في المنطقتين العربية والإسلامية.

وبالمناسبة، الأسئلة حول مستقبل حزب الله هي ذاتها الأسئلة حول مستقبل الطائفة الشيعية، منها:

• هل سيقود حزب الشيعة إلى الاندماج في صيغة التعايش المسيحي – الإسلامي، وكيف وهو يحمل عقيدة أصولية تدعو إلى دولة إسلامية، ومشروعا يُـعلي من شأن المجتمع الديني، وتوجهات تُـحبذ الثورة والمقاومة في السياسة الخارجية؟

• هل يسير بهم نحو الانفصال التدريجي الأيديولوجي – الجغرافي عن التركيبة اللبنانية الخاصة نحو الصيغة الإسلامية العامة بكل ما يعنيه ذلك من خروج الشيعة عن فكرة الوطن اللبناني الواحد؟

• هل يمكن لهذه الصيغة اللبنانية نفسها أن تتحمّـل كُـتلة شيعية شبه مستقلة عسكريا وشبه مُـكتفية ماليا (الدعم الإيراني)، وشبه مُـنعزلة أيديولوجيا بدون أن تتعرض إلى الانفجار؟

• ثم، وهنا الأهم: إلى أي مدى يمكن لشيعة لبنان أن يسيروا في ركاب حزب الله، إذا ما شعروا أنهم سيحمّـلون عبء مجابهات إقليمية – دولية تذكّرهم بالأعباء الثقيلة التي فرضها عليهم وجود المقاومة الفلسطينية المسلحة في الفترة ما بين 1969 – 1982.

كما يبدو واضحاً، الصورة المحلية والإقليمية والدولية المحيطة بدور حزب الله معقدة، والخيارات أمامه أكثر تعقيداً، لكنها تندرج في نهاية التحليل في أحد خيارين اثنين: إما هانوي أو هونغ كونغ. إلى أي من هذين الخيارين سينحاز الحزب؟

أولا، وقفة أمام الظروف الموضوعية التي يجد حزب الله نفسه فيها هذه الأيام.

سر معلن

ثمة سر معلن في بيروت لا يجرؤ أحد على البوح به، وهو جوهر الأزمة الراهنة في لبنان، ليس الوجود السوري، ولا التمديد للرئيس إميل لحود، ولا حتى معركة الانتخابات النيابية الحاسمة، إنه “حزب الله”.

لماذا هذا الحزب؟ الأسباب تبدو بلا نهاية تقريباً. فالحزب بنشره أكثر من 10 آلاف صاروخ متطور، بعضها من طراز “فجر- 5” الإيراني الذي يبلغ مداه أكثر من 45 ميلاً على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، خلق حالاً من توازن الرّعب بين إسرائيل وإيران، وأعطى الثانية ورقة ثمينة لردع الأولى ضد محاولة الإغارة على منشآتها النووية.

كما تخدم هذه الصواريخ، التي تضع قلب المنطقة الصناعية الإسرائيلية من جنوبي حيفا إلى تل أبيب تحت رحمة نيرانها، سوريا ميزات تفاضلية ردعية شبيهه بالميزات الإيرانية.

وعلى الصعيد الأمني، إن الحزب “متهم” بأنه وراء سيل الأسلحة التي لا تزال تتدفق من إيران إلى المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وبأنه يملك شبكات أمنية واسعة في الولايات المتحدة وأوروبا وباقي القارات، وهذا ما دفع الإدارة الأمريكية إلى وضعه قبل تنظيم “القاعدة” على لائحة المجموعات “الإرهابية” الأكثر خطراً في العالم.

ويكاد الحزب أيضاً أن يكون دولة داخل الدولة، إذ يقال أنه يتلقى 100 مليون دولار سنوياً من إيران، إضافة إلى تبرّعات سخية من معظم أنحاء العالم، وهذا يجعله مكتفياً ذاتياُ وقادراً على تمويل سلسلة نشاطات، إعلامية وثقافية وإجتماعية واقتصادية، تُـستخدم كلها لمقاومة النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.

هذه النقطة الأخيرة، أي مقاومة النفوذ الأمريكي – الإسرائيلي، هي التي تدفع الولايات المتحدة إلى وضعه على رأس أولوياتها. وقد كشف تيري رود لارسن، “الحارس الدولي” للقرار رقم 1559 النقاب مؤخراً لمُـحاوريه اللبنانيين والسوريين عن أن ثمة ضغوط أمريكية وإسرائيلية كبيرة “لفرض طريقة تعامل جديدة مع حزب الله”، في حين كان ديفيد ساترفيلد، نائب وزير الخارجية الأمريكي الحالي والسفير السابق لدى لبنان، يلمح إلى إمكانية قيام الجيش اللبناني بضرب حزب الله، حين قال في تصريحات مفاجئة إن هذا الجيش “مؤسسة قوية وقادرة”.

إلى ذلك، الحزب بنظر القوى الطائفية اللبنانية الأخرى هو القوة العسكرية والسياسية الرئيسية التي تُـعطي الشيعة نفوذهم القوي الراهن في المعادلة السياسية اللبنانية.

كل هذه العوامل مجتمعة تجعل حزب الله الآن في قلب لوحة الهدف الذي يجب توجيه كل البنادق نحوه. فتجريده من صواريخه، يعني قطع دابر توازن الرعب الإيراني مع إسرائيل، وتسهيل فُـرص توجيه ضربة عسكرية لبلاد الفرس. ونزع سلاحه يعني قطع العلاقات الإستراتيجية السورية – الإيرانية أو على الأقل جعلها بلا أسنان. وتحويله من قوة مقاتلة إقليمية إلى قوة سياسية محلية لبنانية، سيضعف الممانعة في المنطقة للمشروع الأمريكي، وسيسهّـل على وليد جنبلاط، والمارونية والسياسية وبعض السنّية، تعديل موازين القوى الطائفية لصالحهم ولصالح الغرب .

لكن كيف يمكن تحقيق كل ذلك؟ عبر سوريا إن أمكن، عبر الجيش اللبناني إذا إستعصت سوريا أو من خلال عمليات عسكرية إسرائيلية تُـفقد اللبنانيين مكاسبهم الثمينة في السلام وإعادة الاعمار، وتحّمل الحزب مسؤولية ذلك .

وإذا ما فشلت كل هذه المحاولات، يمكن العمل لجر الحزب إلى حرب أهلية تماماً كما تم جر المقاومة الفلسطينية في السبعينات (1975) إلى حرب أهلية أدّت في النهاية إلى تدميرها وتدمير لبنان.

أي مصير؟

عودة إلى السؤال: إلى أي خيار سينحاز الحزب: هانوي أم هونغ كونغ؟
كل الدلائل تشير إلى أنه سيختار هونغ كونغ ضمن صيغة يتم التداول فيها حالياُ تقضي بوضع صواريخ الحزب وسلاحه في عُـهدة الجيش اللبناني (على أن تكون خاضعة لقرار الجيش السياسي) أو بناء منظومة أمنية لبنانية جديدة تُـحقق هدف استخدام صواريخ الحزب لردع إسرائيل من دون المس بسيادة الدولة اللبنانية.

وفي المقابل، يتحوّل الحزب إلى شريك رئيسي في الدولة اللبنانية المستقلة، التي ستبرز قريباً بعد الانسحاب السوري الوشيك من لبنان بدعم قوي من باقي الأطراف اللبنانية والأوروبية، وعلى رأسها فرنسا.

بيد أن كل هذه الدلائل تصطدم بالكثير من الشكوك، ليس حيال رغبات الحزب، بل حول نوايا واشنطن: هل يمكن لهذه الأخيرة أن تقبل وجود حزب الله في السلطة اللبنانية، أم أنها ستغلب النوايا الانتقامية على الحلول العقلانية؟

بكلمات أوضح، هل ستجر واشنطن اللبنانيين بعد الانسحاب السوري إلى حرب أهلية يكون شعارها الظاهر الخلاف مع الشيعة حول الحصص في الدولة اللبنانية، وهدفها الباطن تدمير حزب الله؟ أم توافق على تحول هذا الأخير إلى قوة سياسية مشاركة في السلطة، كما فعلت مع “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” و”حزب الدعوة” المواليين لإيران في العراق؟

الإجابة على هذا السؤال ستقرر مستقبل حزب الله ومعه مصير لبنان نفسه ككيان سياسي ووطن موحّـد.

سعد محيو- بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية