مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“دعـنـا من صدام؟”

أصبح الشعب العراقي كالغريق الذي لا يجد أمامه مفرا سوى الإنتظار Keystone

يتفق عدد من عراقيي سويسرا على أن نظام الرئيس صدام حسين يتحمل قسطا كبيرا من مسؤولية المأزق الذي تردت إليه البلاد.

لكن إجماعهم يتوقف عند هذا الحد. فعند حديثهم عن الحرب الأمريكية المحتملة ضد بغداد تفاوتت المواقف بين معارض .. ومتردد .. ومؤيد.

“كما مر الأشقاء الكويتيون بالتجربة عام 90، الغريق الذي في وسط البحر لا يفكر في هوية اليد التي تمتد له. إنه يفكر فقط بالنجاة. وهذا هو حال العراقيين بالداخل اليوم”. بحرقةٍ يتحدث السيد علا الشلا ، رئيس المركز الثقافي العربي السويسري، الذي مقره زيورخ.

وبنفس الحدة، يتحدث الدكتور سكر الغزالي، رئيس جمعية الجالية العراقية في سويسرا التي مقرها بادن قائلا:”من العيب أن نشغل أنفسنا بأشياء جانبية، اليوم نقف بجانب العراق بكل ما نستطيع، لأن هذا أكبر من أي خلاف. وهذا العدوان وهذه الضربة … تستهدف العراق بكل طوائفه وقومياته”.

وبينهما تتراوح المواقف معبرة ً عن مأزق .. وتمزق في الآن ذاته. كلاهما يرتبط بوطنه روحا وكيانا وقلبا، ولا يزايدان على بلدهما. كلاهما له مآخذه الجوهرية ضد النظام السياسي القائم في بغداد. وكلاهما يتابع الأحداث المتواترة لحظة بلحظة. ورغم كل هذا .. يختلفان.

وهما لا ينفردان في ذلك. فكما انقسم العالم العربي أثناء حرب الخليج الثانية، رغم اختلاف الملابسات والظروف ونوعية الأزمة، يبرز شقاق من نوع آخر بين بعض العراقيين أنفسهم اليوم. ظهر ذلك بجلاء في الحديث الذي أجرته سويس إنفو مع كل من الدكتور الغزالي والشاعر الشلا، ومع مواطنين عراقيين وافقا على إجراء حوار معنا شريطة عدم ذكر أسمهما.

نعم.. ولا!

“الشعب العراقي يموت يوميا. هناك عدد كبير من الضحايا. سواء في متاهات السجون أو نتيجة التعذيب أو عدم وجود الأدوية الكافية لبعض الأمراض المستشرية في مناطق كثيرة من العراق، خاصة في الجنوب”. هكذا تحدث المواطن العراقي الذي فضل عدم ذكر أسمه.

ولأن الأمر كذلك فهو يتخذ موقفا مؤيدا لضربة عسكرية تهدف إلى قلب النظام الحاكم في بغداد. ويبرر ذلك بالقول:”أنا أؤيد الآراء التي تقول إنه لا بد من تخليص الشعب العراقي، لأن الحرب القادمة لن تكون حربا ضد الشعب العراقي وإنما ضد النظام، وعلى رأسه “الديكتاتور” الذي نعرفه جيدا، والذي أخذ الشعب العراقي كرهينة”.

على الجبهة المقابلة يقف مواطن عراقي أخر فضل تقديم نفسه بإسم العبودي، والذي أعتبر أن الشعب العراقي يعيش بين نوعين من الظلم:”ظلم صدام، وظلم الأمريكيين”.

ويُلفت باستعجاب:”الغريب أن الناس تعتقد أن الشعب العراقي مع صدام. وهذا ليس صحيحا”. لكن العبودي، في الوقت ذاته، يرى أن الولايات المتحدة لا تريد أن “تخلص العراقيين من صدام. هذا كذب”. وأن الموضوع برمته لا يزيد عن “سيناريو أمريكي معروف ومكشوف، والنتيجة أن العراقيين في الداخل هم الوحيدون الذين سيتأذون”.

أين البديل؟

موقف الشاعر الشلا، على غرار مواطنيه، يتميز بالتعقيد، ويعكس بوضوح الأشكال الذي يحيط بالقضية برمتها. فمن جانب، يشدد قائلا:”نحن لسنا مع الغزاة مطلقا. لا يوجد إنسان واحد مع أن يحصل غزو لبلاده”. ومن جانب أخر، يتساءل:”على الذين يلومون العراقيين في الداخل أن يقدموا البديل”.

يلومونهم على ماذا؟ على تلهفهم إلى التغيير، على حد قناعته. فهو يؤكد أن “العراقيين في الداخل يتنفسون الصعداء اليوم وهم يرون صدام خائفا ومرعوبا. لدرجة أن أغنية شهيرة لكاظم الساهر مُنعت في الإذاعة وظهر هذا المنع في الصحف العراقية الرسمية؛ لأن العراقيين صاروا يكتبونها على الجدران دليلا على قرب رحيل النظام. الأغنية تقول: خلي أشبع شوف منك قبل ما تشد الرحال”.

بنفس النسق، يتحدث المواطن العراقي الذي فضل عدم ذكر أسمه، عن غياب البديل. فتغيير نظام معين في بلد ما يتطلب إما “حملة عسكرية كبيرة كما حدث في أفغانستان، أو انقلاب داخلي. ونحن نعرف أنه منذ عشرين سنه تقريبا، وفي كل سنة، هناك محاولة انقلاب ضد النظام في داخل العراق. إلا أن جميع هذه المحاولات تُكتشف في أخر لحظة. معروف أنه ليس من السهل التخلص من نظام الرئيس صدام”.

“وهل هذا بديل؟”

“صدقيني، الأوروبيون عرفوا رسالة بوش، عرفوها اكثر منا، وأكثر من العرب، وأكثر من المسلمين”. ولأنهم كانوا قادرين على ذلك، يعبرون اليوم بخروجهم إلى الشوارع عن رفضهم لضربة عسكرية ضد العراق. فالهدف من كل هذا (أي من دعوات الحرب التي يطلقها الرئيس بوش)، في رأي الدكتور سكر الغزالي، هو بسط سيطرة إمبراطورية رومانية جديدة، والتحكم في منابع النفط.

ليس العراق وحده هو المستهدف، يكمل الدكتور الغزالي، بل المنطقة بأسرها. وإذا كانت واشنطن ستبدأ اليوم بالعراق، فإن الدور سيحل بعد ذلك على إيران والسعودية وسوريا وحتى على الصين.

وعدا عن هذه التداعيات المستقبلية في منظورة، فإن سياسة “الكاوبوي” التي ينتهجها الرئيس بوش:”ستؤدي إلى مأساة. وأعتقد أن بوش يجهل وضع العراق جهلا تاما. لأن العراق ليس أفغانستان. وإذا ظن أن بمقدوره أن يجلب لنا كرازاي العراق، فإن هذا غير ممكن. والذي يعرف تاريخ العراق يفهم هذا الموضوع”.

يدخل على الخط السيد العبودي قائلا:”لنفترض أن الأمريكيين أطاحوا غدا بصدام. من البديل له؟ من الذي سيأتي؟ هل سيضمنون استقرار العراق؟” فالمشكلة في رأيه أن النظام القائم خلق فتنة وتفرقة بين طوائف العراق المتعددة، ولهذا فهو لا يستبعد حدوث مذابح بعد الإطاحة بالرئيس صدام.

“أقنعوه قبل أن يحل العار!”

“احتمال نشوب حرب أهلية داخل العراق بعيد الوقوع”، يرد في المقابل الشخص العراقي الذي فضل الاحتفاظ باسمه. “كل عراقي بداخل الوطن”، في رأيه، “غير مستعد للدخول في حرب أهلية ضد إخوانه العراقيين… وقد استطاع النظام السابق بعد انقلاب 58 بناء هوية مواطنة. فعندما تلتقين بأي شخص في داخل العراق أو في خارجه، لن يقول لك إنني كردي أو آشوري أو شيعي، سيقول لك أنا عراقي”.

أما الخطر الحقيقي، في رأيه، فيتعلق بالأحرى بـ”خطر الأسلحة التي سيستخدمها النظام في حالة الحرب… إذ لن يكون لديه ما يخسره، ولن يتردد لذلك في استعمال جميع أنواع الأسلحة الموجودة تحت تصرفه”.

وبمعنى لا يختلف عن سابقه، لا يتردد الشاعر الشلا في قول رأيه وإن أتسم حديثه بصراحة وجرأة أكبر. إذ أعتبر أن الخطر لا يتمثل في الأسلحة الكيماوية نفسها. “ما هو أخطر منها هو الرئيس صدام حسين”، على حد قوله، “لأن الإرادة التي تستسيغ استخدام السلاح هي أخطر من السلاح ذاته”.

وبسبب ذلك، وجد الشاعر الشلا لزاما عليه أن يحذر العرب من “العار القادم إليهم”. ذلك الذي سيتبدى واضحا “عندما يستقبل العراقيون جميعا الجيوش الغازية بالورود”. وهو عار على العرب، في رأيه، لأنهم لم يقفوا الوقفة الحقيقية التي تمنع من حدوثه. فبدلا من رفع صورة الرئيس العراقي في مظاهراتهم “عليهم إقناعه بالتخلي عن السلطة”.

إلهام مانع – سويس إنفو

قد لا يتفق العراقيون المقيمون في سويسرا على تأييد الهجوم الأمريكي المتوقع ضد بلادهم لكنهم يجمعون على أن النظام العراقي يتحمل مسؤولية كبيرة تجاه شعبه وما آلت إليه الأوضاع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية