مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“عـبّـارة الموت”.. الرقابة متهماً

انتظر الأهالي طويلا لكن العبارة ومئات من المسافرين الذين كانوا على متنها لم يصلوا إلى ميناء سفاجا المصري (تاريخ الصورة: 4 فبراير 2006) Keystone Archive

تشير أصابع الاتهام إلى أن الإهمال والفساد، والروتين، وغياب الرقابة، هو المسؤول الأول عن كارثة غرق العبارة المصرية (السلام 98)، التي تعد الأسوأ في تاريخ الملاحة البحرية في مصر.

الكارثة راح ضحيتها أكثر من ألف شهيد، وخلفت وراءها حالة من الحزن والأسى، لفت آلاف الأسر والبيوت المصرية، ودفعت إلى فتح ملفات دقيقة..

في محاولة للوقوف على الأسباب الحقيقة للكارثة، وتحديد المسئول الحقيقي وراء الكارثة، شكَّل مجلس الشعب لجنة برلمانية، سافرت لمدينة سفاجا للوقوف على أسبابِ غرق العبارة.

وقد جاء القرار في الاجتماع العاجل للجنة النقل والمواصلات بالبرلمان الذي عُقِد بعد ظهر السبت 4 فبراير 2006، وشهد هجومًا عاصفًا على الإهمالِ الحكومي وغياب وسائل الضمان الملاحي.

النائب محمد مصيلحي، قال في كلمته أمام مجلس الشعب، في الجلسة التي خصصت لمناقشة الكارثة: “هيئة التفتيش البحري لا تقوم بالتفتيش على السفن كماهو مطلوب، وإنما تقوم بإجراءات روتينية محضة للتصريح للسفن بالسفر”.

مؤشر للأداء

من ناحيته، أوضح الدكتور محمد الكتاتني، رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان، أن حادث غرق العبارة يُعتبر مؤشرًا على الأداء في كل مؤسسات الدولة في مصر؛ حيث إن الفساد والإهمال باتا هما “العنوان الرئيس للعمل في أجهزة الدولة الإدارية”، منتقدًا الفشل الحكومي في إدارة الأزمة. وتأخر عمليات الإنقاذ والإغاثة، بحجة عدم تلقي أجهزة الرادار والإغاثة في سفاجا لإشارات العبارة، رغم تلقي عدد من الدول الأجنبية لها!

وتساءل الدكتور حمدي حسن، المتحدث الإعلامي باسم كتلة الإخوان (التي تضم 88 نائبا): “كيف سمحت الحكومة لسفينة قديمة متهالكة بالإبحار، رغم أنه لم تمضِ أشهر قليلة على كارثة غرق العبارة “السلام- 95″ في ذات المكان تقريبًا في أكتوبر 2005، ولنفس الأسباب المتعلقة بعدم كفاءة العبارة؟”.

وفي تصريحات لـ”سويس إنفو”، قال حسن: “هذه العبارات التي هي في الأصل سفن بضائع، منتهية الصلاحية، تم تحويلها إلي عبارات ركاب بطرق عشوائية، مع إضافة أدوار جديدة إليها، بالمخالفة، مما يفقدها اتزانها مع أية موجة عالية مع افتقادها كل مواصفات الأمان، مما جعل دول الاتحاد الأوربي ترفض عملها وحمل مواطنيها بين موانيها، بينما سمحت حكوماتنا للشركة بنقل مواطنينا بين موانينا والموانئ المجاورة لنا دون احتياطات”.

وأضاف حسن أن “السرعة التي غرقت بها العبارات الثلاث التابعة لنفس الشركة، وهي سالم إكسبريس، والسلام95 ، والسلام 98، تشير إلى فساد شهادات الصلاحية، وأن المالك حصل عليها بطرق ملتوية غير شفافة وغير نزيهة”، على حد قوله.

غياب الرقابة

وقد شنت الصحف المصرية هجوما عنيفا على ما اعتبرته إهمالا وتقصيرا من الأجهزة الحكومية، وغيابا للرقابة، ووجهت أصابع اتهام إلى شركة السلام للنقل البحري المالكة للعبارة. كما نقلت صحيفة الأخبار الحكومية عن وزير النقل محمد منصور قوله أنه “لم يبلغ بالحادث إلا بعد تسع ساعات من غرق العبارة”!.

وقالت صحيفة “المصري اليوم” المستقلة، نقلا عن مصادر في ميناء سفاجا إن السفينة أرسلت رسالة استغاثة ولكن لم يكن هناك أي موظف في غرفة التقاط هذه الرسائل في هذا الميناء.

وقد اختلفت الروايات حول مصدر النيران التي اندلعت على متن العبارة، وكانت السبب في غرقها بعد إبحارها من ميناء ضبا السعودي، حيث كانت السلطات قد أعلنت في بادئ الأمر ان الحريق اندلع في احد المحركات، ثم عادت وأعطت رواية أخرى تفيد بان النيران شبت في شاحنة بضائع كانت على متن السفينة.

ونقلت الإخبار عن أحد الناجين وهو محمد عطية ان “الحريق اندلع على الأرجح في غرفة المولدات”، فيما أفادت صحيفة الأهرام بانه “لم يكن هناك سوى ثلاثة زوارق إنقاذ على متن العبارة”.

الفساد فوق القانون

ويقول الخبير الملاحي جمال أبو العزم، إن “مالكي السفن يتحايلون على القانون الذي يحظر استخدام السفن التي يزيد عمرها عن 25 عاما بشراء سفن قديمة وتسجيلها في بنما”.

كما تحدثت الصحف كذلك عن الحالة الفنية للسفينة التي يبلغ عمرها 35 عاما والتي اشترتها شركة السلام للنقل البحري عام 1997 لاستخدامها في رحلات بحرية في البحر الأحمر.

وقالت صحيفة “الأسبوع” المستقلة إن الشركة المالكة للعبارة السلام 98 تحتكر الخط الملاحي سفاجا- ضبا لأنها تحظى “بدعم مسئول كبير” في الدولة لم تسمه.

من جانبه، لم ينكر الوزير الدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية صلته الشخصية بالنائب البرلماني بمجلس الشورى ممدوح إسماعيل صاحب شركة السلام المالكة للعبارة (السلام – 98)، لكنه نفى أمام نواب مجلس الشعب (أحد غرفتي البرلمان المصري) أن تكون هناك أي شراكة أو معاملات مالية بينه وبين إسماعيل، مؤكداً أنه لن يسمح لنفسه بالتستر على مخطئ أياً كانت صلته به.

أسباب الكارثة .. وشهادات

وقد اختلفت الروايات حول مصدر النيران التي اندلعت على متن العبارة، وكانت السبب في غرقها بعد إبحارها من ميناء ضبا السعودي، ففيما أعلنت السلطات في بادئ الأمر ان الحريق اندلع في احد المحركات، عادت وقالت إن النيران شبت في شاحنة بضائع كانت على متن السفينة.

يقول ناجون من الكارثة ان حريقا اندلع لمدة ثلاث ساعات على متن السفينة قبل غرقها، ويؤكد بعضهم ان ميناء ضبا السعودي كان على مرمى البصر لحظة اندلاع النيران، لكن قائد العبارة قرر مواصلة طريقه في اتجاه ميناء سفاجا المصري.

ويروي رفعت السيد – مصري 34 عاما- “بعد ساعتين من مغادرتنا ميناء ضبا بدأ دخان كثيف يتصاعد من غرفة المحركات، واصلت العبارة طريقها إلى ان غرقت وحدث كل شيء بسرعة قصوى ففي اقل من دقيقتين انقلبت السفينة ووجدنا أنفسنا في المياه”، مشيرا إلى انه “لم تكن هناك زوارق كافية للجميع”.

أما مؤسسة البلاغ ـ وهي وكيل الشركة المالكة للسفينة بالسعودية ـ فرجحت أن أسباب غرق العبارة, ربما يرجع إلى وقوع عطل, بأحد محركاتها أو إلى سوء الأحوال الجوية. وقال اللواء محفوظ طه رئيس هيئة مواني البحر الأحمر، إن أسباب غرق العبارة لن تتعدي انفجارًا مفاجئًا في قاع السفينة, بسبب الغلاية‏،‏ أو خزان الهواء،‏ واستبعد اصطدامها بالشعب المرجانية‏،‏ لأن المنطقة التي غرقت بها خالية من هذه الشعب‏،‏ كما استبعد اصطدامها بسفينة أخرى صغيرة‏.

‏ويروي راني كمال، الضابط الثالث للعبارة من مستشفى في السعودية: “إن المياه تجمعت في مخزن السيارات داخل العبارة، أثناء إخماد حريق به ما أدى إلى ميلها على أحد جوانبها”، وأضاف أنه “مع الارتفاع المستمر في مستوى المياه مالت السفينة بشكل حاد لتبلغ درجة الميل 25 درجة وكانت هذه بداية النهاية”.

وقال مصدر سعودي إن حمولة العبارة لم تكن زائدة عن الحد المسموح به، بل هي متوسطة‏، حيث إن حمولتها القصوى ‏2500‏ راكب، بالإضافة إلى أن الرياح في وقت إبحارها كانت‏ 12‏ ميلا، وهي سرعة لا تؤثر على إبحار العبارة‏، مشيرا إلى أن غرق العبارة، يرجع إما بسبب الرياح النشطة، أو إلى عطل في محركاتها‏.

معايير السلامة

وتقول شركة السلام للنقل البحري المصرية المالكة للعبارة إن السفينة كانت مطابقة لمعايير السلامة والأمان. ويضيف ممدوح إسماعيل مدير شركة السلام للنقل البحري المالكة للعبارة المنكوبة السلام‏98‏ أن السفينة، تم بناؤها عام‏1971، ‏وتجديدها عام‏1999‏، وأن معايير السلامة تتفق مع المعايير الدولية، وأنه مصرح لها بالعمل في المياه الإقليمية الأوروبية, بدليل إبحارها لجنوة في إيطاليا سنة (2001), وفرنسا واليونان سنة 2002.

لكن شركة “لويدز ريجستر” اللندنية قالت في إحدى نشراتها اليومية: “إن السفينة (السلام-98) في خريف عمرها” وأشارت إلى أنها “لا تستوفي شروط السلامة المطبقة في الاتحاد الأوروبي ما جعلها ممنوعة من الملاحة في البحار الأوروبية”.

وشركة رينا الايطالية التي أصدرت شهادة استيفاء معايير السلامة للعبارة المصرية السلام-98، كانت مكلفة الكشف على حاملة النفط المالطية “اريكا” التي انشقت إلى اثنين قبل ست سنوات متسببة بمد اسود هائل اجتاح السواحل الفرنسية. وشركة رينا ملاحقة في هذه القضية لإصدارها شهادة سلامة لناقلة النفط “بدون التحقق من ان هيكل السفينة ومواردها وبنيتها تؤهلها للحصول عليه”.

ويقول خبراء قطاع النقل البحري في مصر أن السفينة لا ينطبق عليها قرار تحديد عمر سفينة الركاب بـ‏25‏ عامًا، لأن السفينة ترفع علمًا أجنبيًا.‏

كما اعتبرت منظمات المجتمع المدني المصرية، أن عدم قيام الشركة المصرية المالكة للعبارة بالصيانة الدورية، وبالتالي احتمال وجود عيوب فنية بها، وتراخي وزارة النقل عن المراجعات الفنية لتلك السفن عند تجديد تراخيصها في مواسم الحج والعمرة‏، قد يكون السبب الأساسي لوقوع الحادث.‏

واتهمت المنظمات شركات الملاحة بنشر بيانات غير صحيحة بالصحف قبل هذه المواسم عن انتهائها من أعمال الصيانة لطمأنة المواطنين‏.‏ وأكدت المنظمات وجود تهاون شديد في التزام الشركات المالكة للعبارات، وشركات السياحة المنظمة للرحلات عليها، بالحمولات المقررة في أوراقها الرسمية ولتعداد الركاب، مما يعرض المسافرين عليها للمخاطر، فضلا عن وجود مشكلات في السفر والعودة عند دخول الميناءين المصري والسعودي، ونقص الإرشاد في عرض البحر قبل دخول المياه الإقليمية‏.‏

وأيا كانت الأسباب التي أدت لغرق العبارة، فإن تكرار مثل هذه الكوارث يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن غياب الرقابة، وانتشار الفساد الإداري، وتفشي المحسوبية، والرغبة في الثراء السريع بطرق غير مشروعة، تظل البطل الرئيس في كل الحوادث والكوارث التي تقع بشكل متكرر في العالم كله وفي دول العالم الثالث على وجه الخصوص.. ما يعني أن مسلسل الفساد سيظل مستمرا حتى إشعار “إصلاحي” آخر…

القاهرة – همام سرحان

الحادث يمثل إهمالاً متكررًا للحكومة في المحافظة على أرواح وممتلكات المصريين، وذلك بالسماح لسفن متهالكة وغير مطابقة للمواصفات الفنية، وترفضها حكومات الدول التي تهتم بشعوبها بنقلهم من وإلى الموانئ المصرية مع تأخر وتباطؤ وفشل إجراءات إنقاذ الركاب، مما أدَّى إلى غرق حوالي 100 راكب معظمهم من المصريين…

على الرغم من غرق العبارة السلام 95، في أكتوبر 2005، وعلى متنها 1400 راكب، مما أدى لإصابة واستشهاد 40 مصريًّا، ومن قبلها الحادث المروع للعبارة المصرية سالم إكسبريس، عام 1991، والتي راح ضحيته 500 مواطن، وهما لذات الشركة، ونفس المالك.. إلا أننا لم نسمع عن أي إجراء اتخذته الحكومة للتفتيش على سلسلة مراكب وعبّارات المالك لهذه السلسلة من السفن المتهالكة التي تجوب الموانئ المصرية حاملةً آلاف الحجاج والمعتمرين والمسافرين والبضائع والسيارات…

حادث غرق العبارة المصرية السلام‏98‏، في مياه البحر الأحمر‏،‏ على بعد‏90‏ كيلومترا من ميناء سفاجا،‏ وهي قادمة من ميناء ضبا السعودي‏،‏ وعلى متنها‏1415‏ شخصًا‏، منهم ‏1212‏ مصريًا‏، أغلبهم من أسر العاملين المصريين بالسعودية، وكانوا عائدين إلى مصر لاستئناف الدراسة اليوم‏,‏ و‏117‏ أجنبيًا، و‏96‏ هم أفراد طاقمها. أعاد إلى الذاكرة، العديد من حوادث الغرق المأساوية، نذكر منها:

* حادث العبارة القمر السعودي، التي غرفت عام‏2002‏ بحادث احتراق، بعد خروجها من ميناء ضبا السعودي, في طريقها إلى ميناء سفاجا المصري, وهي تحمل ‏1415‏ شخصًا.
* حادث غرق العبارة سالم اكسبريس، في‏22‏ ديسمبر ‏1991‏، والتي راح ضحيتها عشرات الغرقى من المصريين.
* حادث غرق العبارة السلام‏95‏، والتي كان على متنها‏1017‏ شخصًا، بالإضافة إلى عدد‏60 ‏ سيارة, و‏6‏ تريلات ثقيلة.
* حادث اصطدام العبارة السلام‏90‏، يوم‏7‏ أكتوبر‏2001‏، بسفينة بضائع في أثناء إبحارها من السويس إلى جدة. والذي راح ضحيته ‏4‏ معتمرين، وأصيب ‏88‏ آخرون، والذي تدخلت فيه العناية الإلهية لإنقاذ ‏1180‏ معتمرًا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية