مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“على المسلمين أن يتجاوزوا مرحلة الإحساس بأنهم مجرد ضيوف في هذا المجتمع”

Keystone

في خضم الجدل الدائر حول المبادرة الشعبية الداعية إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، يتضح يوما بعد يوم أن المآذن ليست سوى تعلة يستخدمها سياسيون شعبويون لتحقيق أغراض انتخابية، في حين أن المشكلة الحقيقية تتعلق بموقع الإسلام والمسلمين في الكنفدرالية عموما.

ولمتابعة سير الجدل المحتدم في سويسرا بين المؤيدين لهذه المبادرة والمعارضين لها، أجرت swissinfo.ch الحوار التالي مع الدكتورة إلهام مانع، وهي كاتبة وأكاديمية يمنية – سويسرية، تعمل كمحاضرة وزميلة دراسات ما بعد الدكتوراة في معهد العلوم السياسية بجامعة زيورخ.

swissinfo.ch: ما هو رأيك كخبيرة في العلوم السياسية في هذا الأسلوب في تحريك الساحة السياسية بسويسرا؟

إلهام مانع: لو بدأنا بالنظر مباشرة إلى طبيعة النظام السياسي في سويسرا، نجد أن هذه الإمكانية متاحة بسبب طبيعة الديمقراطية المباشرة الممارسة في سويسرا. كما تعرف يمكن للمواطنين هنا المشاركة بشكل مباشر في صياغة أحكام الدستور وفي تحديد وسنّ القوانين إلى جانب البرلمان. السهولة تأتي من أن المواطنين السويسريين يحق لهم التقدّم بمبادرة لتغيير الدستور، إذا تمكّّـنوا من تجميع 100000 توقيع. هذه السهولة تتيح لبعض الأفراد المتطرِّفين، سواء كانوا من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف تقديم مواضيع تخصّـهم، وعرضها بشكل أو بآخر وطرحها للمبادرة.

هذه الأطراف تستفيد من هذه الإمكانية المتاحة في الديمقراطية المباشرة وتستخدمها إلى أقصى حدّ. هل تعتقدين أنهم سينجحون في توجيه الرأي العام الوجهة التي يريدون؟ أم أن هذه المبادرة ستكون لها ربّـما آثار جانبية أو مُوازية لم تكن متوقّـعة؟

إلهام مانع: تحديد الرؤية لنتائج الإستفتاء على هذه المبادرة يبدو صعبا لأنك ستجد أن هناك عدّة عناصر أو عوامل لابد من أخذها في عين الاعتبار. من جانب آخر، من المهم الإشارة إلى أن هذه المبادرة تشبه إلى حد كبير المبادرة التي تقدّم بها أيضا يمينيون متطرِّفون في عام 1968 (وعرفت باسم “شفارتزنباخ”). في تلك الفترة، حاول اليمين المتطرف استثمار مخاوف الشعب السويسري من الأجنبي بصفة عامة، وفي تلك المرحلة، كان الأجنبي الإيطالي، القادم من جنوب إيطاليا العامل في سويسرا. حاولت هذه المجموعة من اليمين المتطرِّف أن تعدّل الدستور، بحيث يتم تحديد عدد القادمين الإيطاليين إلى سويسرا، حتى لا يزيد على رقم معيّـن.. وخلال تلك الفترة (1968)، قالوا إن الطقوس الإيطالية غير متماشية مع المبادئ السويسرية. هناك إذن عامل مشترك بين المبادرة ضد بناء المآذن ومبادرة “شفارتزنباخ” من منطلق أنهما تستثمران الخوف من الأجنبي.

مع الأخذ بعين الاعتبار هذا التشابه بين المبادرتين، ما هو تقييمك من خلال متابعة النقاش الواسع الدائر حاليا حول المبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن؟

إلهام مانع: من هذا المنطلق، كنت أحاول الإشارة إلى أن العامل المختلف هو أن هناك خوف، لكن هذا الخوف مرتبِـط بجوانب متعدِّدة، بشكل أو بآخر، تضع هذه المبادرة في حيِّـز آخر.
عندما أقرأ الرسائل التي تصلني من وقت إلى آخر، تستفسر كيف يجب علي أن أصوِّت؟ خاصة عندما يتعلّـق الأمر بمسألة أن هناك مَـن يقول (من الأشخاص المؤيدين للحملة) إن المئذنة نوع من التعبير عن القوّة، من التعبير عن فرض الدين ولكن من مُنطلق القوة.

المسألة التي تُـعقِّـد هذه المبادرة أو التي تجعل النتيجة إلى حد الآن غير واضحة (لأنه إلى حد الآن كل التوقعات تقول إن المسألة ستكون على المحكّ، بمعنى أنه من الممكن أن يتم رفضها، ولكن بنسبة ضئيلة أو من الممكن القبول بها، ولكن أيضا بنسبة ضعيفة). المشكل أعود وأكرر، هو الخوف، لكن الخوف من ماذا؟ أنت تجد أن أصحاب المبادرة عمدوا إلى الجمع بين مشكلة الإسلام السياسي وبين واقع المرأة داخل الإسلام، وهنا يتحدّثون عن الإسلام بصفة عامة، كما لو كان مسألة مجرّدة لا تتعلق بواقع اجتماعي، إضافة إلى المساجد.. وضعوها جميعا ورموها في سلة واحدة وهم يستثمرون خوف وعدم معرفة الناخب السويسري بمدى التعقيد القائم ضمن هذه السلة من العوامل التي يجمعونها في إطار واحد.

تضعين الأصبع على المشكلة الحقيقية، المتمثلة في أن المسلمين عموما، ومعظمهم من الأتراك والبلقان والألبان، ليس لهم من يُـمثِّـلُـهم لدى المجتمع. هناك جمعيات واتحادات وهناك مؤسسات، ولكنها ليست منتخبة بشكل ديمقراطي، حتى تكون لِـسانا ناطقا باسم هذه الجالية أو معبِّـرة عن تنوعها وتعدّدها.

إلهام مانع: من هذا المٌـنطلق، أظن أن المسألة تتمثل في أنه (وأنا لا أتحدث عن الجالية المسلمة بشكل عام) توجد شرائح فيها تتعامل من منطلق أنها ضحية وترفض أن تأخذ موقفا جديا. وهناك شرائح أخرى في المقابل تجد نفسها ضمن هذا النسيج الاجتماعي تعمل فيه ولا ترغب في وجع الرأس، كما قد يقول البعض.

وهؤلاء هل يُشكلون الأغلبية؟

إلهام مانع: نعم بالفعل هم الأغلبية. وأعتقد بأنه سيأتي الوقت الذي سيُدرك فيه هؤلاء أنه من الضروري أن يتجاوزوا مرحلة الإحساس بأن الإنسان مجرد ضيف في هذا المجتمع، بل هو جزء من هذا المجتمع، عليه أن يشارك فيه وعليه أن يساهم فيه ضِـمن إطار الهيكل السياسي، بمعنى أنه – كما أشرتَ من قبل – لا يوجد من يُـمثلهم، لكني أختلف معك إلى حدٍّ ما في الرأي، لأنك لو لاحظت، ستجد أن هناك بوادر مشاركة سياسية من بعض أبناء هذه الجالية في الأحزاب اليسارية أو الأحزاب المحافِـظة التقليدية. هذه بوادر لابد من تعميقها، وتكفي مقارنة كيف كان واقع المهاجر الإيطالي في عام 1968، وأين هو اليوم؟

إذن، يمكن القول أن المشكلة ليست مشكلة مآذن تُـقام في سويسرا وعددها لا يتجاوز الأربعة حاليا، ولكن الجدل الحقيقي يتعلق بموقع الإسلام والمسلمين عموما في سويسرا.

إلهام مانع: أصحاب الحملة عمدوا إلى تحويل مسألة المآذن إلى شأن الإسلام والمسلمين داخل سويسرا، وفي الوقت ذاته، هم يستثمرون، أكرر مرة أخرى، يستثمرون الخوف من تغيير ديموغرافي، حادث الآن في سويسرا. يعني لو ينظر الإنسان فقط إلى طبيعة التركيبة السكانية في سويسرا، سيجد أن 20% من السكان الأجانب المقيمين في سويسرا، عدد المسلمين أيضا في اطراد وتزايد، ولكن السؤال هو أنهم يعمدون عادة إلى توحيد هذه الكتلة ضمن إطار واحد، يتحدّثون عن المسلم وعن الإسلام، كما لو كانت التعددية القائمة ضمن هذه التركيبة من الجالية المسلمة، غير قائمة.

في المقابل، نلاحظ أن أحزاب رئيسية وتيارات سياسية رئيسية في البلاد، مثل الحزب الاشتراكي والحزب الراديكالي، أعلنوا عن اعتزامهم إطلاق حملة مضادّة لإقناع السويسريين برفض المبادرة، وهو ما يعني أن الأطراف السياسية الرئيسية تأخذ الأمور على محمل الجد أيضا.

إلهام مانع: بالضبط، الأطراف السياسية السويسرية تأخذ المسألة على محمَـل الجدّ وبشكل جيِّـد إلى حدٍّ كبير، لأنه في آخر استطلاع للآراء، أظهرت أن الناخبين السويسريين إلى حد الآن لم يحددوا موقفا حاسما تجاه هذه المبادرة، يعني لو أجري هذا الاستفتاء الآن، ستكون النتيجة 51 أو 52%، وبسبب هذا، عملت الأطراف السياسية السويسرية بالتحرك بشكل حازم، لإدراكهم بأن المسألة جادّة.

هنا، نحن لا نتحدّث عن عملية من الممكن أن الإنسان يشير إليها على أنها نكتة سخيفة، لا، ليست بنكتة سخيفة، فقد تتحول إلى واقع. ما أجده جيدا، هو أن الأحزاب السياسية السويسرية تتحرك بشكل جاد، لكن ما يستفِّزني إلى حد الآن، هو أننا نجد لدى الجانب الأساسي المعني بالموضوع (أي الجالية المسلمة)، أن بعض رؤساء هذه الجالية اتخذوا موقفا، حيث قالوا في آخر اجتماع لمجلس الأديان على سبيل المثال، بأنهم لن يُدلوا برأيهم في هذا الموضوع.

لاحظنا أن ردود الفعل في صفوف الجالية المسلمة ظلّـت إلى حد الآن خافتة وباهتة ومحدودة، إلام يُمكن أن يُـعزى ذلك برأيك، وهل تعتقدين أن مثل هذا الأسلوب مُـجدٍ في حملة ساخنة كهذه؟

إلهام مانع: بالفعل كما تُـشير.. جاءت المواقف باهتة ضعيفة، وإلى حدٍّ كبير مثيرة للخيبة كما أنها تُـثير الإنزعاج، لأنه من جانب، تجد أن موقف البعض، ولا أقول الجميع، يتمثل في أن لا نتحدّث عن هذا الموضوع كي لا نثير المسألة أكثر. وفي الوقت نفسه، يتحدّثون كما لو كانوا ليسوا أعضاء في هذا المجتمع. أعتقد أن طبيعة هذه الحملة، طبيعة الديمقراطية المباشرة، تستلزم مِـنّـا، من أبناء هذه الجالية موقِـفا حازما مشاركا، يُـظهر التعدّدية والتنوع القائم ضمن هذه الجالية كما يُـظهر النتائج التي يُـمكن أن يُـسفِـر عنها قبول الناخبين لهذه المبادرة، كما يتعامل مع مسألة المواطنة بشكل جدّي.

يرى كثيرون أن المسلمين سيلتحقون في نهاية المطاف، بشكل أو بآخر، بالمجتمع وهياكله ولا يجب أن ننسى أنهم حديثو العهد بسويسرا. ففي عام 1980 لم يكن عدد المسلمين يتجاوز 70000 شخص..

إلهام مانع: ومن هذا المنطلق، أعود وأكرِّر، دعْـنا نقارن بين واقع الإيطاليين في عام 1968 وأين هم اليوم. اليوم هم جزء لا يتجزأ من المجتمع السويسري.

ما هي الشروط الحقيقية لاندماج ناجح للجالية المسلمة المقيمة في سويسرا والتي تتجه للإستقرار نهائيا مثلما تؤكد ذلك جميع المؤشرات

إلهام مانع: أن يكون الفرد عُـضوا فاعلا عاملا في هذا المجتمع مُـنتجا مشاركا، يحترم الأسس الديمقراطية القائمة فيه، ويحترم القِـيم المرتبطة بحقوق المرأة وحقوق الإنسان. أظن أن هذه مسائل، ما دُمنا قدمنا إلى هذا الوطن وأصبحنا جزء منه، إذن نحترم قواعده الدستورية والديمقراطية.

لاحظنا تبايُـنا في مواقف المدن السويسرية بخصوص منع أو ترخيص الملصقات الإشهارية المثيرة للجدل لحملة المؤيِّـدين لحظر المزيد من بناء المآذن. ما هو رأيك في هذا الجدل الإضافي؟

إلهام مانع: في رأيي الخاص، أجد أنه من المؤسف أن بعض الكانتونات عمدت إلى حظر تلك الملصقات، لأنها من جانب، عمدت إلى تقديم دعاية مجانية إلى هذه الملصقات، الموجودة في كل مكان من جانب، ومن جانب آخر، حوّلت الموضوع إلى مسألة هل نحن الآن نمارس حظرا على حرية التعبير. أنا أجد أننا نعيش في مجتمع من الممكن أن يقدِّم المرء رؤية مغايرة، ولو لاحظت أن الملصق المضاد يقدِّم رؤية إنسانية قادرة أن تواجه الرسالة الأخرى التي تضمنها الملصق الدعائي المؤيِّـد للمبادرة..

إذن حرية التعبير تظل أفضل في كل الحالات…

إلهام مانع: هذا على حد رأيي، وأظن أن لدينا في واقعنا في العالم العربي، ما يُـبرر هذا الموقف.

أجرى الحوار كمال الضيف – swissinfo.ch – برن

دعا ائتلاف واسع يضم العديد من الأحزاب السياسية السويسرية من اليمين والوسط واليسار الناخبين إلى رفض نص المبادرة الداعية إلى حظر بناء المزيد من المآذن المعروض على التصويت يوم 29 نوفمبر القادم. وفي ندوة صحفية مشتركة عقدها ممثلون عن الأحزاب المعنية يوم الثلاثاء 20 أكتوبر في العاصمة برن، شرحوا دواعي رفض المبادرة وأدانوا الأساليب المستخدمة من طرف أصحاب المبادرة للترويج لها.

وفيما لا يتردد العديد من السياسيين في الإقرار بأن تيارات اليمين المتشدد نجحت مرة أخرى في سحب الجميع إلى الميدان الذي اختارته وفي التوقيت الذي حددته، إلا أن معظم التشكيلات السياسية من الحزب البورجوازي الديمقراطي (يمين تقليدي) إلى حزب الخضر مرورا بالحزب الديمقراطي المسيحي والليبرالي الراديكالي والإشتراكي أجمعت على أن المهم الآن هو أن يتم “رفض المبادرة بكل وضوح” من طرف أغلبية السويسريين.

جاك نايرينك، عضو مجلس النواب (من الحزب الديمقراطي المسيحي) أشار إلى أن “المبادرة – عوضا عن التطرق إلى مسألة اندماج السكان المسلمين، فإنها تؤجج سوء الظن المتبادل” واعتبر أن أصحاب المبادرة الذين ينتمي معظمهم إلى حزبي الشعب السويسري (يمين متشدد) والإتحاد الديمقراطي الفدرالي (يميني مسيحي) “يختلقون مشكلة لاوجود لها لأغراض انتخابية”.

من جهته، اعتبر دانيال يوزيتش، عضو مجلس النواب (من الحزب الإشتراكي) أن المبادرة لا تعمل إلا على استفزاز وإثارة السكان المسلمين المقيمين في سويسرا، في حين أن “الأغلبية الساحقة تحترم النظام الإجتماعي السويسري وتُدين كافة أشكال الأصولية الإسلامية”، وأكد أن “اندماج المسلمين لن يتقدم ميليمترا واحدا إلى الأمام عبر حظر المآذن”.

وبعد أن حذر نواب يمينيون من الإنعكاسات السلبية المحتملة لهذه الحملة على صورة سويسرا في الخارج، ذكر نايرينك بأن حجم المبادلات التجارية مع العالم الإسلامي يمثل 14،5 مليار من الفرنكات وبأن حصول المبادرة على تأييد الناخبين قد يحوّل سويسرا إلى “هدف مفضل لاعتداء” محتمل.

swissinfo.ch مع الوكالات

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية