مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 مؤتمر جديد لفرض امر واقع جديد!

تجسدت فكرة عقد مؤتمر دولي جديد حول الشرق الاوسط في واشنطن التي ستفرض رؤيتها بمباركة من شركائها Keystone

اعلنت الولايات المتحدة يوم السبت 4 مايو، انها شرعت في اجراء مشاورات متعددة الاطراف بهدف وضع المبادئ الاساسية للمؤتمر الدولي حول الشرق الاوسط، الذي دعت اليه واشنطن بمصادقة ومباركة شركائها، روسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة.

ما فتئ الرئيس الامريكي جورج بوش منذ احداث 11 سبتمبر 2001 يؤكد ان الحرب ضد الارهاب لن تقتصر على افغانستان بل ان لها وجوها واهدافا عديدة وطويلة المدى. هذه الحرب التي جعلت ادارة جورج بوش تهمل معظم الملفات الخارجية المهمة وابرزها نزاع الشرق الاوسط، الذي كان محتدّا عند تولي الادارة الحالية مقاليد السلطة، لم تنته بعد.

تحرك جورج بوش عندما بلغت الاوضاع في المناطق الفلسطينية درجة من التردي والبشاعة بسبب استغلال ارييل شارون فرصة انهماك الولايات المتحدة في معالجة صدمة 11 ايلول، ليفرض امرا واقعا جديدا على الفلسطينيين والعرب، وليصفي حسابات قديمة مع غريمه ياسر عرفات. عندئذ قررت الادارة تعيين الجنرال انطوني زيني مبعوثا الى المنطقة وبدأ اهتمامها يعود تدريجيا تحت ضغط اوروبا وغليان الشارع العربي من جراء انتهاكات ارييل شارون.

ثم جاءت جولة وزير الخارجية كولن باول قبل اقل من شهر ولم تثمر شيئا على المدى القصير، سوى ان ارييل شارون استغلها لاطلاق فكرة عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط على غرار مؤتمر مدريد، الذي التأم عام 1991 على انقاض حرب تحرير الكويت. وذهب شارون الى حدّ وضع قائمة بمن يشارك او لا يشارك في المؤتمر. لكن واشنطن، آنذاك، ابدت بعض التردد في قبول فكرة رئيس الحكومة الاسرائيلية.

الا ان الموقف الامريكي تغير على ما يبدو خلال الزيارة المهمة التي قام بها ولي عهد السعودية الامير عبد الله بن عبد العزيز الى واشنطن وتكساس، حيث بحث والرئيس بوش مشروع السلام السعودي الذي تبنته قمة بيروت العربية.

كما ان المأساة التي عاينها العالم في المناطق الفلسطينية، جعلت الولايات المتحدة تغيّر اسلوب تعاملها مع ازمة الشرق الاوسط وتخفف من دورها كراع رئيسي ومهيمن على شؤون المنطقة، لتشرك معها روسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة في صيغة اصبحت تعرف باسم “الرباعية”. وقد استغل كولن باول فرصة اجتماع هذه الاطراف في واشنطن ليطلق يوم الخميس الدعوة لمؤتمر دولي في مستهل الصيف المقبل. (أي بعد بضعة اسابيع).

شارون بعد عبد الله

من المؤكد ان الادارة الامريكية عادت بقوة الى ملف الشرق الاوسط بعد فترة سادها الاهمال والارتباك وعقلية المحاصر التي سيطرت على واشنطن بعد 11 سبتمبر. لكن السؤال هنا هو: بأي اهداف عادت واشنطن؟ أهي الاهداف التي دُعي من اجلها مؤتمر مدريد عام1991 ام ان الاولويات والاهداف الامريكية قد تغيّرت نتيجة عوامل داخلية وخارجية؟ يبدو ان الاحتمال الثاني هو الاقرب الى الواقع والى ميزان القوى الحالي بين اسرائيل والفلسطينيين من جهة، وبين العرب واسرائيل من جهة اخرى.

فبعد اعلان كولن باول يوم الخميس عن الدعوة للمؤتمر الدولي، ذكر ارييل شارون، الذي يلتقي جورج بوش يوم الثلاثاء في البيت الابيض، انه سيحمل مخططا كاملا يتضمن تسوية انتقالية مع الفلسطينيين تكون بمثابة التمهيد لتسوية نهائية، ليس على اساس قرارات مجلس الامن والاتفاقيات المبرمة بين الجانبين منذ معاهدة أوسلو، بل وفق الوضع الجديد الذي افرزته العمليات العسكرية الاخيرة في المناطق الفلسطينية ووفق الاحتياجات الامنية لدولة اسرائيل.

ولا تختلف الرؤيا الامريكية للتسوية كثيرا عن تصوّرات شارون. فواشنطن، حسب ما ذكره مسؤول سامي في الادارة الامريكية، تعمل حاليا على تضييق الهوة بين الاسرائيليين والفلسطينيين من خلال اقناع الطرفين بالشروع في مفاوضات حول مرحلة انتقالية، قد يتم خلالها الاعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية، وفيما بعد تتواصل المحادثات بين الجانبين بخصوص انسحاب اسرائيل من المزيد من اراضي الضفة، وبشان بقية الملفات الاخرى وعلى راسها القدس واللاجئون والمستوطنات اليهودية، قبل الوصول الى “تسوية نهائية”.

ما أشبه اليوم بالامس!

الإشكال الكبير هنا، هو ان هذه الرؤيا الأمريكية لا تختلف في جوهرها عن رؤيا مدريد، وحتى عمّا تضمّنته معاهدة أوسلو والاتفاقيات المنبثقة عنها برعاية امريكية، والتي وضعت جدولا زمنيا للوصول إلى تسوية نهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهو ما لم تلتزم به الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين. وظل الفلسطينيون يعيشون في مناطق متقطعة الأوصال على مساحة تقل كثيرا عن نصف مساحة الضفة الغربية.

وتزداد الاوضاع خطورة بالنسبة للفلسطينيين بسبب الدعوات الامريكية المتكررة الى روسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، وكذلك الى الدول العربية وخاصة مصر والسعودية والمغرب، للضغط على الرئيس ياسر عرفات. فواشنطن تسعى الى ان يقبل الرئيس الفلسطيني الرؤيا الامريكية الاسرائيلية والامر الواقع الجديد الذي افرزته الاحداث الاخيرة في مناطق الحكم الذاتي، وان يفكر جديا في اعادة هيكلة السلطة الفلسطينية واجراء انتخابات “حرّة” لاختيار قيادة فلسطينية جديدة، اذ يبدو ان واشنطن تبنّت تماما وجهة النظر الاسرائيلية التي ترى ان “عرفات هو العقبة”.

هذه الضغوط الامريكية على عرفات من خلال عقد مؤتمر دولي جديد حول الشرق الاوسط، سوف لن يكون الرئيس الفلسطيني طرفا مشاركا في اعماله، لا تختلف في روحها واهدافها عن تلك الضغوط التي تمارسها ادارة الرئيس بوش على الدول العربية المدعوّة لحضور هذا المؤتمر.

فواشنطن، لا يهمّها في مبادرة ولي عهد السعودية والجامعة العربية، سوى جانب التّطبيع العربي مع الدولة العبرية، وهي تدعو تلك الدول وعلى راسها السعودية الى الشروع في التطبيع متذرعة بان ذلك سيساهم في تنفيذ الجزء الثاني من المبادرة، أي الانسحاب الاسرائيلي الى حدود عام 1967…

وما يمكن استنتاجه هو ان فكرة المؤتمر الدولي الجديد ليست سوى محاولة امريكية متكررة ومملّة، لاعطاء الانطباع بان واشنطن مهتمة تماما بتسوية النزاع وبتحمل دورها ومسؤولياتها كاملة تجاه شركائها في المنطقة.

إلا ان المشكل هنا، هو انه لم يبق للولايات المتحدة في الشرق الاوسط سوى شريك واحد جدير بهذا الوصف ويحظى لديها بالثقل والمصداقية ووضوح الرؤيا، انه حليفها اسرائيل. اما البقية، فقد كانوا على الهامش .. وسيظلوا.

محمود بوناب

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية