مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“نحن أقلية قومية ندافع عن مصالحنا وحقوقنا”

سيدة عربية مسلمة وأخرى يهودية رفقة أبناءهما يعبران الطريق قرب بوابة دمشق في القدس القديمة .. انعدام التواصل بين الأقلية العربية والأغلبية اليهودية في إسرائيل ظاهرة ملفتة Keystone

تصدر في الدولة العبرية ثلاث صحف يومية يعمل فيها ألف صحفي، لكن خمسة فقط من هؤلاء ينتمون إلى الأقلية العربية التي تشكل 20% من إجمالي عدد السكان في إسرائيل.

أما نسبة الإعلاميين العرب في القنوات التليفزيونية الثلاث في البلاد، فلا تتجاوز 1%.

بهذه الإحصاءات وبسواها من المعطيات الواقعية، استطاعت الإعلامية الفلسطينية حنين الزعبي أن تشد اهتمام المشاركين في الملتقى الأول للإعلاميين الأوروبيين والمتوسطيين الذي أقيم مؤخرا في منتجع البحر الميت في الأردن (من 26 إلى 28 سبتمبر الماضي) بمشاركة ثمانين إعلاميا.

وتدير حنين، التي تجاوزت الثلاثين بقليل “إعلام سنتر” أو مركز الإعلام في القدس المحتلة، وهي منظمة أهلية تأسست سنة ألفين، وتضم عددا من الأكاديميين والصحفيين الفلسطينيين داخل المناطق التي احتلها الإسرائيليون عام 1948.

وما جمع بين هؤلاء النشطاء هي المراهنة على دور الإعلام في التعريف بحقوق العرب الفلسطينيين، ومحاولة اختراق الرأي العام الإسرائيلي الذي يُعاملهم على أساس أنهم “عرب اسرائيل”. لكن حنين رفضت هذه التسمية في العرض الذي قدّمته، معتبرة إياها “ظُـلما لنا، لأنها تعني أننا ملك لإسرائيل، وهذا غير معقول”، على حدّ تعبيرها.

“قنبلة ديموغرافية”

بعد انتهاء العرض، ذهبتُ إليها كي أستطلع المزيد عن أوضاع هؤلاء العرب الذين قلما اهتم العرب الآخرون بشؤونهم بينما تعتبرهم إسرائيل جزءا منها، فبادرتني بالإصرار على رفض المصطلح الشائع قائلة: “نحن لسنا عرب إسرائيل، نحن موجودون قبلها، ونتعاطى معها بوصفنا أقلية قومية ندافع عن مصالحنا وعن الحقوق التي حُرمنا منها. ولذلك، ففي مقدمة نشاطنا، العمل على حماية الذاكرة الفلسطينية”.

ويشعر الفلسطينيون بأن التغطية الإعلامية الرسمية في إسرائيل تُعاملهم كما لو أنهم قنبلة ديموغرافية (سكانية)، فهي على حد قول الإعلامي الفلسطيني وديع عواودة “تغطية سلبية وعدائية تُقدمنا كخطر أمني”.

صمت عواودة، الذي يعمل في وسائل الإعلام الإسرائيلية، قليلا ثم تابع “وصفنا بالقنبلة، دليل على أنهم يُعاملوننا على أساس أننا أعداء ولسنا جزءا من المجتمع الإسرائيلي الذي ننتمي إليه، ونُطالب بدفع الضرائب له مثلهم تماما، لكن من دون أن نتمتع بالامتيازات التي يتمتّـعون بها. ومن دلائل ذلك أيضا، أننا لسنا مطالَـبين بالخدمة العسكرية”.

وضرب وديع مثلا من حالته الشخصية، إذ أنه لا يستطيع كفلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية أن ينشر مقالا بالعبرية إلا في صحيفة “هاآرتس”، أما في الصحف الأخرى، فذلك غير ممكن “لأنها معبأة لخدمة التيار المركزي (main stream)، ومنقادة للجمهور الذي هو اليوم مستنفر ضد الفلسطينيين، ولا يريد أن يسمع شيئا عن أوضاعهم المتدهورة”.

ويؤكد صحة كلام عواودة الكتاب الذي أصدره مؤخرا الباحث الإسرائيلي دانيال دور عن اتجاهات الإعلام في إسرائيل، والذي يُبيَن أنه إعلام “في خدمة الدولة”.

معاملات تمييزية

لكن هل استطاعت حركات السلام وأحزاب اليسار الإسرائيلية التأثير في إعلام منحاز وتعديل الصورة العنصرية عن العرب؟

أتى الجواب من الفلسطينيين المشاركين في ملتقى البحر الميت موحّـدا، فهم اعترفوا بوجود حركات فعالة مثل “بيت سلام” التي ينخرط فيها عشرات العرب، والتي تمد الإعلام الغربي بمعلومات مهمة عن حركة الاستيطان، إلا أنهم شكّـكوا في نجاعتها انطلاقا من أنها ليست مؤثرة، إلا عندما يكون اليسار قويا.

ولاحظت حنين الزعبي أن “اليسار تحوّل اليوم إلى خدمة تكتل الليكود (بزعامة شارون)، فيما انهار تيار الوسط، مما زعزع مواقع اليسار”.

أكثر من ذلك، لاحظت حنين “تزايد الميول العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، بما أضعف المواقف الوسطية وحركات السلام، رغم أن دورها مهم”، فـ “بيت سلام”، مثلا كان دوما، أول من ينشر معلومات مهمة عن الاستيطان، لكنها تعتني أساسا بالاحتلال، وليس بالأوضاع الداخلية للفلسطينيين. وتابعت “عندما قُتل ستة من أبنائنا في يوم الأرض عام 1976، لم تُحرَّك ساكنا، وكذلك كان موقفها عندما استشهد 13 من فلسطينيي 1948 على أيدي القوات الإسرائيلية في أكتوبر 2000 في بداية الانتفاضة الثانية”.

ووضعت حنين إصبعها على الفرق الأساسي بين نوعين من المنظمات. فالتاريخ عند الحركات الإسرائيلية يبدأ في 1967 (أي بعد احتلال الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة) وليس في 1948، ولذلك، فهي تُغيّـب فلسطينيي الداخل وتتجاهل حقوقهم القومية بما فيها حقهم في التصويت.

وفي هذا السياق، أشار الإعلاميون الفلسطينيون إلى أن هناك 17 قانونا للتمييز ضد العرب، وكذلك إلى قانون لمّ الشمل الذي سنّـه “الكنيست” الإسرائيلي، والذي يمنع أي فلسطيني من الدخول إلى الدولة العبرية أو الإقامة فيها أو طلب الجنسية، حتى لو اقترن بفلسطينية. ونتيجة لهذه المعاملة، فإن عدد العرب الذين يعملون في الشركات والمؤسسات الحكومية الإسرائيلية يتراوح بين 1 و3% فقط، طبقا للإحصاءات الإسرائيلية نفسها.

واستدل كل من حنين ووديع على هذا الوضع، بأن نسبة تغطية الإعلام الإسرائيلي لشؤون الفلسطينيين الذين يشكّـلون الخُمس من العدد الإجمالي للسكان (المقدر بستة ملايين ساكن)، لا تتعدى 2%. فهناك ثلاث قنوات إسرائيلية يدفع العرب ضرائب لتمويلها، لكن لا يسمعون فيها لغتهم، لأن نسبة البرامج بالعربية لا تتجاوز 1%، وكذلك الشأن بالنسبة للإذاعات الإسرائيلية.

جذور المشكلة

وذهبت حنين إلى جذور المشكلة بين العرب والإسرائيليين، فأكدت أن ما تم عام 1948 هو تهجير 650 ألف فلسطيني من وطنهم، ولم يبق منهم سوى 150 ألفا، أصبحوا اليوم مليون فلسطيني إلى جانب 5 ملايين إسرائيلي.

ويعيش 97% من العرب في قرى عربية تقع في ثلاث مناطق رئيسية، هي الجليل في الشمال، والمثلث في الوسط، والنقب في الجنوب. ولا يقطن سوى 3% من العرب الفلسطينيين في اللد، ويافا، والرملة، وحيفا، وهي من المدن التي هُـدمت بعد الاستيلاء عليها عام 1948. وأشارت حنين إلى أن إسرائيل صادرت 93% من الأراضي العربية ووزعتها على المستوطنين اليهود.

لكن اللافت أن الصحفيين الفلسطينيين الآتين من الداخل شدّدوا على انعدام التواصل والاحتكاك بين العرب والإسرائيليين. فهم لا يلتقون في مواقع العمل ولا في الجامعات أو حتى في الشارع. وقالوا “نحن نعتمد في حياتنا اليومية على الأسواق والمحلات التجارية العربية، والإسرائيليون لا يعرفون سوى القليل عن الفلسطينيين، لكن العكس غير صحيح. فالفلسطينيون يعرفون الكثير عن الإسرائيليين والمجتمع الإسرائيلي”.

مشهد إعلامي غير متوازن

وفي رأي نديم الجبل، الذي عمل طويلا في الصحافة قبل أن يصبح ممثل الإتحاد الدولي للصحفيين في فلسطين، أن “هناك تشويها إعلاميا إسرائيليا للحقائق، إذ أنه يعتمد أساسا على المصادر الأمنية في جميع تقاريره”.

وانطلقت حنين الزعبي من كلام زميلها لتؤكد أن العرب الفلسطينيين هم العقبة الرئيسية أمام استكمال مراحل المشروع الإسرائيلي الرامي لإقامة دولة يهودية نقية. فوجود فلسطينيي الداخل يشكل، برأيها، حاجزا أمام المشروع، وهو ما يجعل إقامة دولة يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه أمرا مستحيلا، “لأنه يفترض أولا التخلص من العرب”، ومن هذه الزاوية، فإن الإعلام الإسرائيلي يتمتّـع بالحرية في التعبير كلما تعلق الشأن بالمجتمع اليهودي، “لكن ما أن تتكلم الدبابات الإسرائيلية حتى يُصاب الإعلام بالسكتة القلبية”.

وتُؤكد حنين أن هذا المشهد الإعلامي الغير متوازن يشكّـل امتدادا لما يعيشه العرب في الثانويات والجامعات. فعلى الرغم أن اللغة العربية هي لغة رسمية قانونا، فالعرب لا يدرسون بها، وإنما يدرسون بالعبرية، ولا تستخدم العربية في اللوحات الموضوعة في مداخل المدن والقرى العربية. حتى التاريخ العربي يُدرَس من خلال الرؤية الإسرائيلية، بما في ذلك تاريخ النكبة (قيام دولة إسرائيل سنة 1948)، فيما يُخصص جزء مهم لتدريس تاريخ الظاهرة الصهيونية، ومازالت رموز الثقافة الفلسطينية مثل ادوارد سعيد أو محمود درويش ممنوعة في المدارس، “والهدف من وراء ذلك، تقول حنين، هو تصغير تاريخنا، وطمس هويتنا من أجل تحويلنا إلى طوائف.

ضغوط وعوائق

غير أن عواودة لفت الانتباه إلى أن الصحافة العربية في داخل إسرائيل تُعاني أيضا من قلة المصداقية أحيانا، لأن مواردها الأساسية تأتي من إعلانات المؤسسات الإسرائيلية، بما فيها وزارة الدفاع. وأكد عواودة في هذا الإطار أن الصحف العربية تُحصّـَل أكثر من 50% من إيراداتها من مكتب الإعلان الحكومي، واعتبر أن الصحافة الفلسطينية اليوم نتاج للوضع الاقتصادي والاجتماعي المزري للفلسطينيين في مناطق 1948 الذين يوجد 50% منهم تحت خط الفقر.

ومن الناحية السياسية، تبدو القوانين ليبرالية، لكن الضغوط على الصحف تمارس بأشكال غير مباشرة، من أهمها الإعلانات “التي تفرض عليها سقفا سياسيا” كما قال. وينطبق ذلك على الصحافة في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية أيضا، على ما يبدو، إذ استدل عواودة بحادثة حصلت له عندما أرسل تحقيقا لصحيفة “الأيام” الفلسطينية في رام الله عن حصاد عشر سنوات من الصلح الأردني – الإسرائيلي، ركّـزه على إبراز الظلم الذي تعرّض له الأردن في موضوع المياه، فقيل له على ما روى “تقرير جيد، لكن لن نستطيع نشره، لأننا نريد المحافظة على العلاقات بين الأردن والسلطة الفلسطينية”.

وإجمالا، يمكن القول أن الصحف العربية الحالية ليست استمرارا للصحافة الفلسطينية الخصبة قبل 1948، والتي هاجرت من مركزيها الرئيسيين، يافا وحيفا، عدا جريدة “الإتحاد”، وهي صحف بدأت مسيرتها من الصفر أو أقل مثل جريدة “القدس” المقدسية، ومن أهم ما يعطل نموها، “الأوضاع الاجتماعية المتواضعة للعاملين فيها، وضعف التدريب المهني”، مثلما جاء في تقرير أعدّه نديم الجبل للإتحاد الدولي للصحفيين.

رشيد خشانة – عمان

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية