مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“هل خطاب بوش تدخل ٌ في الشأن التونسي؟”

المطالبة العلنية بضرورة اجراء تغييرات في تونس تشكل نقلة جديدة في العلاقات التونسية الامريكية، اختلفت الآراء حول طبيعتها Keystone

هذا هو السؤال الذي طرحته سويس إنفو على مجموعة من الشخصيات السياسية التونسية بعد زيارة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى واشنطن.

المعارضة التونسية اعتبرت مطالبة الرئيس بوش نظيره بن علي القيام بإصلاحات سياسية حدثاً هاماً، إلا أنها تنظر إلى هذا الخطاب الجديد بنوع من الشك.

لأول مرة يخرج الحليف الأمريكي عن لهجته الدبلوماسية المعهودة، ويطالب علنا النظام التونسي بضرورة القيام بإصلاحات سياسية.

هذا التحول في الموقف لم يفاجأ كثيرا فيما يبدو المعارضة التونسية، التي وإن بقيت تشك في مصداقية السياسة الأمريكية المتعلقة بدمقرطة العالم العربي، غير أنها ضمنيا اعتبرت ما تم في واشنطن حدثا هاما.

أما على الصعيد الرسمي، فقد لخص إسماعيل بولحية الأمين العام لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين المشهد الإعلامي بعد انتهاء زيارة الرئيس بن علي لواشنطن بقوله”ركزت وسائل الإعلام المحلية على دفع الاستثمار في القطاعين الصناعي والتجاري بين البلدين، في الوقت الذي ركزت فيه وسائل الإعلام الدولية على المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية ودفع المسار التعددي وحرية الصحافة”.

وهو يشير بذلك إلى ما لاحظه التونسيون من تعمد وسائل الإعلام المحلية إسقاط جوانب رئيسية من الزيارة مما دفعهم مرة أخرى للبحث عن الخبر التونسي من مصادر خارجية.

“لا للتدخل الأجنبي، ونعم للإصلاحات من الداخل”

طرحت سويس أنفو سؤالا محددا على عدد من الشخصيات التونسية مفاده “هل يعتبرون ما جاء على لسان الرئيس بوش تدخلا في الشأن التونسي؟”.

مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أكد رفضه من الناحية المبدئية لأي تدخل أجنبي في الشأن التونسي، وفضل أن لا تكون الإصلاحات الديمقراطية مملاة من الخارج.

لكنه أضاف بـ”أننانعتقد بأن بإمكان الإدارة الأمريكية من موقع صداقتها للنظام أن تسدي له النصح، وأن تمارس ما يكفي من الضغط عليه لكي يتخل عن سياسته المقيدة للحريات، وتمسكه بنمط حكم هو أقرب للدكتاتورية منه إلى الديمقراطية”.

لكن الطريفي تساوره شكوك حول ما إذا قامت الإدارة الأمريكية بذلك، أم أن إلحاحها على مكافحة الإرهاب من شأنه أن يخنق كل محاولات انفتاح سياسي حقيقي.

“نعم للتدخل للوصول إلى الحرية”

بالنسبة لسهام بن سدرين الناطقة السابقة باسم المجلس الوطني للحريات (المحظور)، فالأمر يبدو عندها أكثر حسما. فهي تعتبر أن ما دعا إليه الرئيس بوش من إصلاحات هي مطالب الأحزاب والجمعيات والشخصيات الوطنية منذ فترة طويلة.

وتعتقد بأن الحديث عن تدخل في الشؤون التونسية طرح مغلوط، متسائلة عندما يكون التدخل لصالح النظام ويخص الجانب الاقتصادي والمالي والخضوع لتوصيات البنك الدولي، يكون الأمر مقبولا بل وإيجابيا. أما عندما يتعلق الأمر بممارسة ضغوط على السلطة من أجل الحريات واحترام حقوق الإنسان يصبح ذلك مرفوضا ومتناقضا مع السيادة التي توضع في موقع مضاد لحرية المواطن.

وأنهت بن سدرين إجابتها بالقول “مرحبا بالتدخل في شؤون البلاد إذا كانت من نتائجه أن يتمتع المواطن بقليل من حريته وحقوقه”.

وبالرغم من أن الحزب الديمقراطي التقدمي يُعتبر من بين الأحزاب المتشددة في انتقادها للسياسة الأمريكية في المنطقة، حيث سبق له أن نظم اجتماعا احتجاجيا ضد زيارة وزير الخارجية كولين باول إلى تونس في مطلع شهر ديسمبر الماضي، إلا أن عضو المكتب السياسي للحزب رشيد خشانة اعتبر أن المطلب الديمقراطي في تونس أقدم بكثير من طرح الولايات المتحدة مؤخرا لقضية الديمقراطية.

وبناء عليه، فإن “الدعم الذي تقدمه لكفاح المجتمع المدني والقوى السياسية من أجل الحريات لا يمكن إلا أن يدعم موقفنا ولا يمكن اعتباره تدخلا في الشؤون الداخلية. وإلا فبماذا نصف شهادات البراءة والاستحسان التي يغدقها المسؤولون الفرنسيون على الأداء التونسي”.

وهو يلتقي في ذلك مع الدكتور مصطفى بن جعفر، رئيس التكتل من أجل الحريات والعمل، الذي اعتبر أن مسألة السيادة لا تعني السماح للحكام بقمع مواطنيهم، وألا تكون في اتجاه واحد. وأضاف أنه إذا كانت الإدارة الأمريكية قد أسدت نصحها للنظام لأول مرة بشكل علني فيما يتعلق بمراجعة سياسته الداخلية، فإنه لأول مرة أيضا لا تصف الأوساط الرسمية ذلك تدخلا، ولم تشن حملة مضادة له كما جرت العادة.

وأضاف أنه منذ معركة التحرير كان التضامن الدولي من بين الآليات التي يتم اللجوء إليها لكسب الدعم السياسي لصالح القضايا العادلة. لكنه تساءل بدوره “هل فهمت القيادة التونسية الرسالة وهل أن الإدارة الأمريكية صادقة فعلا في ممارسة ضغطها أم أن الأمر لا يعدو أن يكون جزء من حملة بوش الانتخابية؟”

“مشروع بوش مرفوض برمته”

في مقابل ذلك، هنالك من عبر عن مواقف مختلفة ومعارضة بشدة. صدر ذلك عن طرفين سياسيين يقفان في كثير من القضايا على طرفي نقيض. فزعيم الحزب الشيوعي العمالي التونسي حمة الهمامي أقر بأن تونس في حاجة ملحة لإصلاحات جوهرية وجذرية. وبالتالي فإن الدعوة في هذا الاتجاه دعوة صحيحة ومشروعة. لكنه يعتقد بأن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق عن طريق الولايات المتحدة أو بالتعاون معها. فـ”مشروعها هيمني ومتناقض مع مصالح الشعوب بما في ذلك الشعوب العربية والإسلامية”.

ويحمل الهمامي السلطة مسؤولية هذا التدخل حيث يرى أن الهدف من الزيارة هو كسب الدعم السياسي للاستمرار في الحكم، وبالتالي القبول ضمنيا بتقديم تنازلات على حساب السيادة.

أما هشام الحاجي من حزب الوحدة الشعبية، فقد عبر بدوره لمساندة الحزب لمبدأ الإصلاح السياسي في مختلف المجالات ذات الصلة بالحريات، لكن ذلك حسب اعتقاده يجب ألا يوقعنا في الوهم بأن الإدارة الأمريكية ستتكفل بممارسة الضغط من أجل تحقيق الإصلاح. وأكد أن مشروع بوش مرفوض برمته، وأن حزبه يرفض أيضا أن تكون تونس مقرا لمركز الشراكة من أجل الديمقراطية لأن الإدارة الأمريكية، حسب اعتقاده، لا تصلح نموذجا في هذا المجال.

“ما حك جلدك مثل ظفرك”

القاضي مختار اليحياوي، الذي كان من القلائل الذين وقعوا على رسالة وجهت إلى الرئيس بوش تطالبه بممارسة الضغط على الرئيس التونسي، يتجاوز التحليل الظرفي ويضع المسألة في سياق أشمل.

فهو يؤمن بأن استراتيجية المواجهة مع الغرب التي تم تبنيها من الأفغاني إلى عبد الناصر وصدام حسين قد أدت إلى فشل ذريع، وأن مصلحة شعوب المنطقة تكمن في الاندماج بالمحيط الدولي، وأن الديمقراطية لا تتحقق إلا عن طريق سياسة الاندماج.

غير أن هذا لا يعني، من وجهة نظره، ذلك استيراد الديمقراطية الأمريكية، ولكن على المجتمع والنخبة أن يقتنعا بأن السياسة ليست ما نحب ولكن ما نقدر على إنجازه.

وإذا كان حمة الهمامي لا يعتقد بأن الديمقراطية في تونس لا يمكن أن تتحقق على أيدي النظام الحالي، فإن الأمر مختلف بالنسبة لبولحية الذي يرى بأن الديمقراطية لا تهدى، وأن “ما حك جلدك مثل ظفرك”، متمنيا أن تضع الانتخابات القادمة حدا لاحتكار الحزب الحاكم للميدان الاقتصادي والسياسي، وداعيا إلى اتخاذ جملة من القرارات والإصلاحات، وفي مقدمتها “إصدار عفو تشريعي عام وتحرير الإعلام”، ومؤكدا على أن “الرئيس بن علي قادر على التقدم بالمشروع التعددي ودخول التاريخ كرجل إصلاح ومصالحة”.

صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية