مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حصيلة حكم محمّد ولد عبد العزيز بين معارضيه ومؤيديه

الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز خلال حوار العام الماضي مع وكالة الأنباء الفرنسية بالقصر الجمهوري بنواكشوط AFP

أربع سنوات مرت منذ استيلاء الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز على السلطة بالقوة، إثر الإطاحة بالرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، في انقلاب عسكري صبيحة السادس من أغسطس عام 2008، وقد شهدت هذه السنوات تحول ولد عبد العزيز من جنرال وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري، إلى رئيس مدني منتخب.

كانت السنوات الأربع التي قضاها ولد عبد العزيز في السلطة، أكثر حقب التاريخ الموريتاني الحديث إثارة للجدل، فالرجل أعلن عشية وصوله إلى السلطة عن ثورة جديدة في طريقة تسيير البلد والتعاطي مع نخبته السياسية، ورفع شعارات كانت حتى وصوله إلى السلطة أهم عناوين العمل المعارض في البلد، من قبيل محاربة الفساد والضرب على أيدي المفسدين، ومحاربة الفقر وإقامة البنى التحتية، وتكريس الحرية والديمقراطية، وهي شعارات يرى أنصار ولد عبد العزيز أن سنوات حكمه شهدت تكريسا فعليا لها، في حين يرى معارضوه أنها كانت مجرد شعارات مخادعة، تمترس الرجل وراءها ومارس سياسة تدميرية للبgد، وتصفية للحسابات ونهب لمقدرات الدولة.

العلاقات مع إسرائيل

كانت أبرز خطوة على صعيد السياسة الخارجية، قام بها الرجل عشية وصوله إلى السلطة هي وضع حد للعلاقات الموريتانية الإسرائيلية التي شهدت تناميا ملحوظا خلال فترة حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، تلاها اندفاع نحو ما يعرف بمعسكر الممانعة عبر تقوية العلاقات مع إيران وليبيا وسوريا.

ويرجع معارضو الرئيس الحالي أسباب غلقة للسفارة الإسرائيلية في نواكشوط إلى ضغوط من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي الذي زار نواكشوط عبد إغلاق السفارة بأيام قليلة، في مهمة وساطة لرأب الصدع بين ولد عبد العزيز وخصومه المناوئين للانقلاب العسكري، انتهت برفض المعارضين لوساطته باعتبارها تشكل سعيا لتكريس حكم ولد عبد العزيز.

كما شكلت السياسة الخارجية لنظام ولد عبد العزيز مادة خصبة لانتقادات المعارضة التي اتهمته بالتشبث بتحالفه مع الزعيم الليبي معمر القذافي حتى آخر لحظة من حكمه، فضلا عن تمسّكه حاليا بعلاقات قوية مع النظام السوري، يرجعها خصومه السياسيون إلى ضغوط من الحليف الجديد لولد عبد العزيز، إيران، التي تتمسك بدعم النظام السوري، كما شهدت السنوات الماضية توجها نحو توطيد العلاقة مع دول بعيدة عن موريتانيا مثل أذربيجان وفنزويلا وغيرهما.

 

تحدي الإرهاب

وعلى الصعيد العسكري، أعلن ولد عبد العزيز عن تشكيل وحدات متخصصة في الجيش الموريتاني لمكافحة الارهاب، كما أعلن عن حملة لتسليح الجيش وإعادة الاعتبار له، بعد ان تلقى ضربات موجعة على أيدي مقاتلي القاعدة خلال السنوات الماضية، ودفع ولد عبد العزيز بقوات موريتانية إلى عمق شمال مالي، للإغارة على معاقل تنظيم القاعدة هناك، وهي العمليات التي وصفتها المعارضة الموريتانية بأنها تدخل في إطار حرب بالوكالة ينفذها ولد عبد العزيز نيابة عن أسياده الفرنسيين، كما تتحدث مصادر المعارضة عن خسائر كبيرة تكبدها الجيش الموريتاني خلال توغله في الأراضي المالية، هذا فضلا عن اعتبار ذلك انتهاكا صريحا لسيادة مالي.

وقد واجه نظام ولد عبد العزيز تحديات أمنية خطيرة في حربه مع القاعدة، التي تمكن عناصرها في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 2009 من اختطاف ثلاثة رعايا إسبان على طريق ساحلي يربط العاصمة نواكشوط بمدينة نواذيبو، فضلا عن اختطاف زوجين إيطاليين في نهاية شهر ديسمبر من نفس العام، كما نفذ التنظيم عملية ضد دورية من الجيش الموريتاني في سبتمبر عام 2008،  أسفرت عن مقتل 12 عسكريا موريتانيا، وهاجم قاعدة عسكرية في مدينة  باسكنو شرق البلاد بعشرات السيارات والمقاتلين، واختطف أحد عناصر الدرك الموريتاني، وهي عمليات استغلها معارضو ولد عبد العزيز للتأكيد على فشل سياسته في محاربة الارهاب، واتهموه باستفزاز التنظيمات الارهابية وتأليبها ضد موريتانيا من خلال محاولته الهجوم على معاقلها في شمال مالي.

الحرب على الفساد

وعلى الصعيد الداخلي، أعلن ولد عبد العزيز عن إنشاء سلسلة من البنى التحتية، من أبرزها مستشفى للأمراض السرطانية الذي بنته إسرائيل خلال فترة حكم ولد الطايع، قبل أن يقوم هو بتأميمه، وتجهيزه بمساعدة من إيران، كما قام في خطوة رمزية بتأميم مسكن رئيس الوزراء الموريتاني وتحويله إلى مستشفى للأمومة والطفولة، هذا إضافة إلى حملة اعتقالات استهدفت من وصفهم بالمفسدين، كان في مقدمتهم يحيى ولد احمد الوقف آخر رئيس للوزراء في حكومة الرئيس المطاح به سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وعدد من مديري شركة الخطوط الجوية الموريتانية.

 كما طالت الاعتقالات مؤيدين لولد عبد العزيز نفسه، وفي طليعتهم وزير حقوق الإنسان محمد الأمين ولد الداده، وقد وصفت المعارضة تلك الاعتقالات بأنها عملية تصفية حسابات ومجرد ذر للرماد في العيون، ويمضي معارضو ولد عبد العزيز إلى القول إن سياسة محاربة الفساد التي انتهجها هي مجرد احتكار للفساد، بحيث بات الفساد ونهبه المال العام حكرا على الرئيس والمقربين منه.

ويقول النائب السالك ولد سيدي محمود من حزب تواصل الإسلامي المعارض إن نظام ولد عبد العزيز هو أول نظام في موريتانيا يواجه رأسه تهما بالفساد، حيث يجري الحديث عن تملكه لشركات كبرى، واستحواذه على صفقات ضخمة، مؤكدا أن المجالات التي تم إنشاء بنى تحتية فيها كالطرق والصحة وغيرها، هي مجالات استثمار تعمل فيها مؤسسات تابعة للرئيس ومقربين منه.

كما شهدت السنة الأخيرة من الحكم جدلا واسعا حول شرعية بعض المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها البرلمان الذي انتهت مأموريته في شهر اكتوبر الماضي، وتم تمديد عمله بموجب فتوى من المحكمة الدستورية، وهو تمديد تقول المعارضة إنه غير شرعي، وتتهم النظام بالإصرار على العمل خارج الأطر الدستورية، وتطعن في شرعية كل القوانين والاتفاقيات التي أجازها البرلمان عقب انتهاء فترة مأموريته، وقد طال هذا السجال الدستوري أيضا منصب رئيس المحكمة العليا بعد إصدار الرئيس قرارا بعزل رئيسها السيد ولد الغيلاني ورفض هذا الأخير التخلي عن منصبه بحجة أن مأموريته الدستورية تستمر خمس سنوات، ولا يحق للرئيس عزله، لكن النظام تمكن لاحقا من استيعاب الأزمة عبر المصالحة مع رئيس المحكمة العليا المعزول وإقناعه بتقديم استقالته من منصبه.

الحوار بين القبول والرفض

وخلال العام الماضي، أعلن ولد عبد العزيز عن إطلاق حوار وطني، مع بعض معارضيه، بقيادة رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير، وقد قاد هذا الحوار إلى انشقاق كبير في منسقية المعارضة التي شاركت ثلاث أحزاب منها في الحوار، وخرجت منه بنتائج كان في مقدمتها تشكيل لجنة مستقلة للانتخابات وتغيير القوانين المنظمة للبرلمان والهيئات الدستورية الأخرى، لكنها هيئات تصر المعارضة المقاطعة للحوار على أنها مجرد رتوش تجميلية يسعى النظام من ورائها إلى إطالة عمره في الحكم.

وبالمقابل أعلنت أحزاب المعارضة الرافضة للحوار عن إطلاق سلسلة احتجاجات تطالب برحيل النظام، وبدأت الحديث عن ربيع موريتاني قريب على غرار الربيع العربي وتعهد قادة المعارضة بالعمل الجماهيري حتى إسقاط النظام، قائلين إنه لم يعد يصلح وعليه جمع أشتاته والرحيل عن الحكم، وهي الدعوة التي رفضتها أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار، واعتبرت أن الدعوة للثورة على النظام هي محاولة لجر البلاد نحو الفوضى والفتنة، فيما اعتبرها أنصار ولد عبد العزيز نوعا من الخرف السياسي.

وسعيا لتفادي تأجيج الساحة السياسية، أعلن رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير عن إطلاق مبادرة سياسية جديدة تقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة بقطبيها المشارك في الحوار والرافضة للحوار، فضلا عن هيئات المجتمع المدني، وتسند لهذه الحكومة مهمة تنظيم الانتخابات البرلمانية والبلدية، لكنها مبادرة لم تلق أي تجاوب حتى الآن، لا من النظام الحاكم الذي نقل عنه رئيسه قوله إنه غير معني بتلك المبادرة، ويملك أغلبية سياسية مريحة تجعله غير مضطر للقبول بحكومة وحدة وطنية، هذا فضلا عن أن المعارضة المقاطعة للحوار أعلنت مضيها قدما في برنامجها الاحتجاجي الساعي إلى إسقاط النظام.

تظاهر آلاف المعارضين الموريتانيين في نواكشوط نهاية شهر يوليو 2012 مطالبين برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز واتهموه بانه “طاغية اساء ادارة” شؤون البلاد، على ما افاد مراسل فرانس برس.

وجرت التظاهرة تلبية لنداء تنسيقية المعارضة الديموقراطية في وسط العاصمة وانتهت مساء الاربعاء في وقت متاخر.

وردد المتظاهرون “عبد العزيز ديغاج” (ارحل) “سئمنا من الطاغية” و”اليد في اليد لتحرير البلاد من الدكتاتور” وجابوا نحو ثلاثة كيلومترات في وسط المدينة قبل تنظيم مهرجان شعبي.

ودعا رئيس التنسيقية الرئيس عبد العزيز الى “الرحيل قبل ان يفوت الاوان”، مؤكدا ان “تحركنا سلمي لكنه ناجم عن تصميم وسيتخذ كل الاشكال لارغامك على الرحيل”.

من جانبه قال الرئيس الانتقالي السابق علي ولد محمد فال (2005-2007) محذرا من ان “استخدام القوة ليس حكرا على احد”.

ونصح فال الرئيس الموريتاني “بتدارك الوضع والرحيل قبل ان يندم على تعنته”.

وتواصل المعارضة منذ الثاني من ايار/مايو حركة احتجاج بمسيرات ومهرجانات واعتصامات مجل تنحي الرئيس ولد عبد العزيز، الجنرال الذي انتخب في 2009 لولاية من خمس سنوات بعد ان اطاح باول رئيس منتخب ديمقراطيا في موريتانيا سيدي ولد الشيخ عبد الله.

ويرفض انصار ولد عبد العزيز هذه التحركات التي تندرج في اطار “الربيع العربي” الذي اطاح بعدة انظمة عربية، ويؤكدون ان وحدها نتائج صناديق الاقتراع ستضع حدا لولايته القانونية في 2014.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية