مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“إسرائيل قد تحقق بعض أهدافها.. ولا مفر من إنهاء الانقسام الفلسطيني”

عائلة فلسطينية تفر من قصف الطيران الحربي الإسرائيلي على مخيم رفح للاجئين جنوب قطاع غزة يوم 28 ديسمبر 2008 Keystone

لا زال الهجوم الصاعق الذي تشنه إسرائيل منذ يوم 27 ديسمبر على قطاع غزة متواصلا، مخلفا مئات القتلى والجرحى في صفوف الفلسطينيين وملحقا دمارا هائلا بالقطاع، الذي يخضع لحصار مشدد منذ أكثر من عام ونصف، وسط استنكار العديد من العواصم واحتجاجات شعبية عربية وإسلامية ومناشدات من أطراف متعددة، تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وإقرار هدنة جديدة بين إسرائيل وحماس.

في حديث خاص مع سويس انفو يتطرق الدكتور حسن أبوطالب، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى أبعاد الخطة الإسرائيلية عسكريا وسياسيا وإلى احتمالات تطور الموقف على الساحتين الفلسطينية والعربية في الفترة القادمة.

سويس انفو: ما هي الأهداف الحقيقية الإسرائيلية من الحرب؟

د. حسن أبو طالب: لن نستطيع أن نتحدث عن هذه الأسباب الحقيقية لإسرائيل من الحرب، دون النظر إلى جو الانتخابات التي تقترب في فبراير أو مارس المقبل، ونحن نعلم جميعا أن حجم المزايدات التي تحدُث بين القيادات الإسرائيلية التي تحاول أن تجذب أكبر عدد ممكن من المؤيدين ومن الأصوات في هذه الانتخابات.

وللأسف الشديد، لقد تعودنا في السياسات الإسرائيلية أنه قبل كل انتخابات تحدث هذه المزايدة ويدفع ثمنها الشعب الفلسطيني، لأن الكثير من القيادات الإسرائيلية تحاول أن تُـثبت قدرتها وأيضا سطوتها على الوضع في فلسطين من خلال القيام بعملية عسكرية تصيب الأبرياء الفلسطينيين بأكبر عدد ممكن من الضحايا. لقد رأينا هذا السيناريو من قبل عدة مرات، ربما نتذكّـر جميعا أنه في عام 1996، حدثت مجزرة شهيرة، وهي مجزرة قانا، وكانت أيضا تسبق انتخابات طارئة في إسرائيل وراح ضحيتها عدد كبير من الفلسطينيين واللبنانيين الأطفال تحت رعاية وتحت نظر قوات الأمم المتحدة، العاملة في الجنوب اللبناني.

إذن الأمر لا يخرج كثيرا عن هذا الإطار، لكن هناك بعض الأمور ذات الطابع التفصيلي فيما يتعلق بالعدوان الأخير على غزّة، ويتمثل في محاولة إثبات أن الجيش الإسرائيلي يستطيع أن يُـنهي حُـكم حماس في غزة بعد أن فشلت، من وجهة نظرهم، الضغوط الاقتصادية والسياسية التي مورست طوال العام والنصف الماضي.. وقد سمعنا كثيرا من تصريحات القادة الإسرائيليين، لاسيما تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية وأيضا إيهود باراك، وزير الدفاع ورئيس حزب العمل، أنه حان الآن وقت الحرب ووقت القتال ووقت الآلة العسكرية.

هناك أيضا هدف آخر، وهو إذا ما تعذّر القضاء تماما على قوة حركة حماس، السياسية والعسكرية، فعلى الأقل تقليص هذه القوة العسكرية وفضحها أمام الشعب الفلسطيني، باعتبار أنها ليست بالقدرة وليست بالكفاءة المناسبة لكي تنازل إسرائيل وآلتها العسكرية ودفع الشعب الفلسطيني في غزّة إلى الثورة على حُـكم حماس، حتى تقبل بعد ذلك الشروط التي أعلِـنت من قبل في اللجنة الرباعية الدولية والتي تدعمها إسرائيل وترى أنها شروط لا يُـمكن التنازل عنها.

هناك أيضا هدف آخر، وهو أن إسرائيل الآن تعيش في مزاج متطرف ويميل إلى العنف ويستهين تماما بكل ما هو متعلق بالتسوية السياسية، وِفقا لقواعد القانون الدولي والحقوق التنازلات المتبادلة مع الطرف الآخر. وفي اللحظة التاريخية الحالية، نحن نعلم أننا أمام فترة انتقالية في الإدارة الأمريكية، بعد فترة قصيرة سيأتي رئيس جديد، وأيضا تعودنا أنه في هذه الآونة تحديدا، تستطيع إسرائيل أن تفرض كثيرا الشروط على الجانب الأمريكي، الذي يقبل بها، بل يدعمها ويؤيِّـدها، والموقف الأمريكي من العدوان على قطاع غزة، خير شاهد على ذلك.

سويس انفو: هل تعتقد أن هذه الأهداف مجتمعة يُـمكن أن تتحقق في ظل الفراغ السياسي، إن صح التعبير، على مستوى الإدارة الأمريكية وفي ظل الموقف الرسمي العربي المتردد والذي لا يريد، حتى المسارعة بعقد قمة عربية؟

د. حسن أبو طالب: أستطيع أن أقول أن كثيرا من هذه الأهداف يمكن أن تحققها إسرائيل، وهي استطاعت بالفعل، بصورة أو بأخرى، في خلال اليومين أو الثلاثة الماضية، أن تحقق بعضا منها. لقد ظهرت تسيبي ليفني وإيهود باراك باعتبارهما صقرين كبيرين وباعتبارهما لا يتوانيان عن الإقدام على أشرس الأعمال وأعنفها ضد الفلسطينيين وضد حماس تحت زعم حماية الأمن الإسرائيلي وحماية وجود إسرائيل، وبالتالي، فقد تحققت إحدى هذه الأهداف، وقد رأينا أنه في اليوم الأول من العدوان، قيل أن بعض استطلاعات الرأي في داخل إسرائيل أظهرت تفوّقا كبيرا في موقف تسيبي ليفني، وهو الأمر الذي يتناقض تماما أو وهو عكس ما كان قبل هذه العمليات العسكرية العنيفة.

أيضا هناك، كما هو معروف، اللحظة الحالية، يحاول كل طرف أن يخاطب الإدارة الأمريكية من خلال وضعها في إطار محدد، حتى تقبل بوجهة نظره. الإسرائيليون يجيدون هذه اللعبة جيدا ولديهم من الإمكانيات، سواء في داخل إسرائيل أو في داخل الإدارة الأمريكية نفسها، الراحلة أو القادمة، ما يساعدهم على وضع الإدارة الجديدة في إطار معيّـن لا يتناقض إطلاقا مع المصالح والأهداف الإسرائيلية، سواء الآنية أو الإستراتيجية، بعيدة المدى.

ولا يوجد حتى هذه اللحظة ما يشير إلى أن إدارة أوباما، إذا جاءت سوف تغيِّـر كثيرا من السياسة الأمريكية تجاه حماس، على سبيل المثال أو حتى تجاه القضية الفلسطينية. كل ما يقال هو أنهم سيعطون جهدا أكبر وأولوية أعلى فيما يتعلق بالعودة إلى طاولة المفاوضات، دون أن يكون هناك أفق محدد لفكرة هذه المفاوضات، وهل ستكون شاملة أو غير شاملة، هل ستقتصر على الفلسطينيين أم لا أو ما هو موقفهم من حركة حماس، كل هذه الأمور لا يبدو فيها جديد سيحدث إذا ما جاءت إدارة أوباما، وكل هذه الأمور تساعد الحكومة الإسرائيلية والقيادات الإسرائيلية على القول بأنهم استطاعوا أن يضعوا إدارة أوباما في ركن معيّـن، لا يتناقض مع الأهداف والمصالح الإسرائيلية، وبالتالي، يكون هناك زخم أكبر أكثر مما كان في زمن إدارتي بوش الراحلة.

سويس انفو: على المستوى العربي، نلاحظ انقساما بين ما يسمى بالمعتدلين ومن يلقّـبون بالرافضين للتسوية المذلّـة. هل سيعزز ما يحدث هذه الأيام في غزة هذا الانقسام؟

د. حسن أبو طالب: في هذا السؤال جزء من الإجابة. نحن نعلم أن هناك انقساما عربيا، ليس فقط بين المعتدلين ومن يسمون بالرافضين. من المعروف أن العالم العربي من الناحية الرسمية، متماسك والجميع يؤيد المبادرة العربية للسلام، والتي تقوم على مفاوضات تؤدي إلى أن يحصل الفلسطينيون والعالم العربي على حقوقه ثم بعد ذلك تكون هناك اتفاقات سلام شاملة مع إسرائيل وحالة تطبيع جماعية مع إسرائيل، ومع ذلك نحن نستطيع أن نقول أن جزء من العالم العربي، رغم أنه يعلن موافقته وتمسكه بالمبادرة العربية للسلام، إلا أنه من الناحية الإعلامية ومن ناحية المواقف السياسية، لا يتجانس مع مطلب المفاوضات السلمية الجادّة، وهنا نجد الانقسام بين الذين يرفضون فكرة المفاوضات، رغم رفعهم وإعلانهم تمسكهم بها وهؤلاء الذين يوصفون بعرب الاعتدال أو عرب الاستسلام أو عرب التسوية المذلّـة والمهينة، والذين يرون أن هذه المبادرة بحاجة إلى مفاوضات جادة وإلى تماسك عربي، وبحاجة إلى مظلة عربية للمفاوض الفلسطيني.

للأسف الشديد، هذا الإنقسام مرشّـح إلى أن يزداد عُـمقا، وكنا رأينا أن ملامح هذا الانقسام تزداد عنفا خلال الشهرين الأخيرين، حيث قامت بعض الأطراف العربية بتحريض حركة حماس وبتحريض المنظمات الفلسطينية على أن لا تتجاوب مع جهود المصالحة الفلسطينية، التي قامت بها مصر، وأن لا يتجاوبوا مع مسألة مدّ التهدئة (مع إسرائيل) لفترة أخرى، واعتبروا أن مدّ التهدئة والتجاوب مع المصالحة هو جزء من الانهزامية العربية المرفوضة، وبالتالي، لابد من توتير الموقف والدخول في معركة حامية الوطيس مع الاحتلال الإسرائيلي.

وللأسف الشديد، قامت هذه النوعية من التعبئة، أيضا على تصوير الأولويات الفلسطينية تصويرا خاطئا، وأعني هنا أن اختزال القضية الفلسطينية في الضغط على مصر حتى تفتح معبر رفح، في حين أن مصر تقدِّم رؤية أخرى أكثر شمولا، تتحدث عن تجاوز الانقسام الفلسطيني عن المصالحة الفلسطينية عن التهدئة وعن مفاوضات وعن التمسك بالمبادرة العربية للسلام وفي محاولة رفع شامل للحصار بعد تحقيق المصالحة.

مثل هذه النوعية من الاختلاف في الأولويات أدّى إلى ما أدّى إليه من تزايد الضغط السياسي والمعنوي على مصر وتحميلها مسؤولية كبيرة، في حين أنه – للأسف الشديد – ربما يكون هناك قصور شديد من جانب المسؤولين المصريين في توضيح وجهات نظرهم، التي لا تجد تأييدا لدى الشارع العربي، لأنها وجهة نظر ذات طابع استراتيجي ومعقّـد نسبيا وتفرض التزامات على الأطراف الأخرى، وهم يريدون أن لا يلتزموا بمثل هذه الالتزامات، بل يحمِّـلون مصر ما يجري الآن.

وللأسف الشديد أيضا، ربما تكون هناك تقديرات خاطئة أدّت إلى دعوة تسيبي ليفني قبل يومين من بدء العدوان الإسرائيلي، وهو ما شهدناه من تهديدات صادرة من القاهرة على لسان وزيرة الخارجية الإسرائيلية، وهذا الأمر لم يكن إيجابيا، وللأسف الشديد، أحرج مصر كثيرا واعتُـبر دليلا على مشاركة مصر أو على تواطئها في هذا العدوان، رغم أن هذا الأمر يتناقض تماما مع التزامات مصر، الإقليمية والعربية والقومية.

سويس انفو: ألا يُـمكن أن تحاول مصر رأب الصّـدع أو تصحيح هذا الانطباع، بوضع إسرائيل أمام أمر واقع جديد من خلال فتح المعبر، باعتبار أنها تتمتع بالسيادة في قراراتها الحدودية، فهي تفتحها أمام من تشاء وتُـغلقها أمام من تشاء…

د. حسن أبو طالب: من الناحية العملية، مصر كانت تفعل ذلك، كانت تفتح المعبر حينما كانت ترى أن هناك مصلحة فلسطينية ومصلحة مصرية، سواء لاعتبارات سياسية أو لاعتبارات إنسانية، ولكن للأسف الشديد، لم نجد في بعض الأحيان (تجاوبا من الطرف المقابل)، حينما كانت مصر تريد أن تفتح المعبر، كانت حكومة حماس تُـغلق المعبر من جانب الأراضي الفلسطينية.

نحن واجهنا في اليومين الماضيين حوارا عبثيا في هذا الإطار، مصر أعلنت أنها سوف تفتح المعبر للسماح بمرور الجرحى الفلسطينيين للحصول على العلاج في المستشفيات المصرية، وهو ما تمّ منعه من الجانب الفلسطيني. ربما هناك حالة ارتباك الآن في داخل حماس وفي داخل غزة، مما سمح بدخول بعض المواطنين الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية من خلال بعض الثغرات التي تم استحداثها، سواء من خلال الضرب الإسرائيلي أو من خلال عمليات تفجير مبرمجة قامت بها بعض الأطراف الفلسطينية.

المشكلة الآن من وجهة نظر مصر، ليست في فتح المعبر. فتح المعبر، لا يعني إطلاقا عدم تحميل حماس جملة من الأخطاء وجملة من المسؤوليات، وعدم تحميل طبعا العدوان الإسرائيلي المسؤولية الأكبر في ذلك. المشكلة الآن، هو كيف نقدّم أفقا سياسيا لما يجري الآن. العدوان في حد ذاته، حتى لو حقق بعض أهدافه، فهو لن يكون نهاية المطاف، لأنه لابد أن يكون هناك عمل سياسي يبني على هذا العدوان، وهذه نظرية معروفة في العلاقات الدولية وفي التاريخ الإنساني، تبدأ الحرب، لتُـغيِّـر من الواقع، ثم تحاول أن تجسّـد هذا الواقع في صورة اتفاق يُـلزم الأطراف الأخرى بالتزامات معينة. نحن الآن في هذه اللحظة، التي يجب استثمارها لإنهاء العدوان، ثم البحث في كيفية إنهاء الانقسام الفلسطيني والبحث عن تصور شامل، وليس عن تصور جزئي.

سويس انفو: هل تعتقد أن إعلان زعيم حماس خالد مشعل عن استعداده للتوقيع على اتفاقية لوقف إطلاق النار في غزة، خلال مكالمة أجراها مع الرئيس السنغالي عبدالله واد، يمثل إشارة أولى لاستعداد حماس للإعلان عن هدنة جديدة؟

د. حسن أبو طالب: أنا أتصور ذلك، لأنهم قالوا بأنهم في حاجة إلى هدنة جديدة، وفق شروط جديدة، وأنهم سيوترون الوضع حتى يحصلوا على هذه الشروط الأفضل. المشكلة أن ما أقدمت عليه حماس، جاء في لحظة تاريخية ليست مواتية تماما، لا للقضية الفلسطينية ولا للشعب الفلسطيني ولا لحماس نفسها، وبالتالي، كان هناك خطأ كبيرا في الدخول في هذه المعركة غير المتكافئة، والتي الآن سيُـقال أن حماس لم تستطع أن تحقق أهدافها في تهدئة جديدة وأنها قبلت ما سيُـفرض عليها، بعد أن اعتُـدي عليها وأظهر أن إمكانياتها، ليست بالصورة التي تم الترويج لها من قبل.

للأسف الشديد، نحن لا نتعلّـم من أخطائنا السابقة وكثير من قياداتنا تقع تحت ضغط الرأي العام وتحت الانفعالية الكثيرة، القادمة من هنا وهناك، وربما أيضا لحسابات ذات طابع إقليمي، ليست لا في المصلحة العربية ولا في المصلحة الفلسطينية.

سويس انفو: لو حصل هذا الاتفاق الجديد، هل تتوقع أن يُـستثمر هذا لإعادة ترميم الوحدة الفلسطينية الممزقة؟

د. حسن أبو طالب: نتمنى أن يُـدرك الفلسطينيون أن قدرتهم الحقيقية هي في وحدتهم وأنهم لم يستطيعوا أن يحصلوا على أي شيء لصالح القضية الفلسطينية إلا من خلال الوحدة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي، أتصور أن ما جرى، ربما يتم استثماره، إذا ما تم استثماره في هذا الإطار، فسيكون شيئا إيجابيا من بين هذا الكم من الدماء والحطام والتخريب، الذي تعرضت إليه غزة، نحن الآن بحاجة إلى أن نتعامل بصوت الحكمة ونتعامل بصوت العقل ونتعامل مع المستقبل، ولا نتعامل مع القضايا ذات الطابع الانفعالي أو المواقف ذات الطابع الانفعالي.

أجرى الحديث عبر الهاتف من برن : كمال الضيف – سويس انفو

القدس (رويترز) – هجوم اسرائيل على غزة والخسائر غير المسبوقة في ارواح الفلسطينيين وبنيتهم التحتية يهدف الى اجبار نشطاء حماس على هدنة بشروط مواتية اكثر للاهداف الدبلوماسية للدولة العبرية على المدى الطويل. وشبه مسؤولون اسرائيلون الهجوم الجوي الذي بدأ على كل قطاع غزة يوم السبت 27 ديسمبر 2008 بالاستراتيجية الافتتاحية لحرب لبنان في عام 2006 حيث ادى كمين نصبه مقاتلو حزب الله الى حملة قصف مذهلة ومدمرة.

وحقيقة ان القوات والدبابات الاسرائيلية اندفعت بعد ذلك الى لبنان وسيطرت على اراض وضغطت على المجتمع الدولي من اجل فرض وقف لاطلاق النار يشير الى ما قد يحدث بعد ذلك في غزة مالم توقف حماس اطلاق الصواريخ عبر الحدود. وقال ييجال بالمور وهو متحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية “هناك تشابهات محددة لما نراه الآن وتنفيذ الحرب في لبنان”.

ودعت القوى الدولية التي تشعر بالقلق الى استئناف تهدئة توسطت فيها مصر وانهتها حماس التي تعاني من الحصار المستمر في غزة في 19 ديسمبر كانون الاول. والاسرائيلون لديهم خطط اخرى. وهم يتحدثون عن الهدوء المطلق وليس اطلاق الصواريخ بشكل متقطع الذي استخدمته حماس مرارا لدعم مطالبها بانهاء حصار غزة او لتحذير اسرائيل حتى لا تهاجم الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

وقال اوفيد حزقيل أمين مجلس الوزراء الاسرائيلي لراديو اسرائيل “لن نسمح بعودة للسنوات السبع الماضية..السنوات العجاف”. وحتى الآن يبدو ان هجوم غزة خال الى حد كبير من الانتكاسات التكتيكية التي لاحقت اسرائيل اثناء حرب لبنان.

واقل من نصف القتلى في غزة من المدنيين وبلدات اسرائيل الحدودية افضل استعدادا لاطلاق الصواريخ على سبيل الثأر وتجنب ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاٍسرائيلي التعهد بتحقيق اي انتصارات كبرى. غير ان حماس التي تجاوزت العديد من الاغتيالات الاسرائيلية في الماضي التي استهدفت قادتها والذي يعد حكمها لغزة مطلقا منذ أن تغلبت في اقتتال داخلي عام 2007 على قوات حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ما زالت يبدو وكأنها لم ترتدع.

ومن الصعب اخافة اهل غزة الذين يغمرهم القتال المستمر والحرمان. وعلى النقيض من ذلك كان لبنان يتمتع في عام 2006 بسنوات من الهدوء النسبي كما كان يسعى حزب الله الى حشد الدعم السياسي.

وقال اسماعيل هنية القيادي بحماس في غزة ان حتى لو شنقهم الاسرائيليون وجرت دماؤهم في شوارع غزة وحتى لو قطعت جثثهم اربا فلن يقدموا تنازلات ولن يتراجعوا.

ورفضت اسرائيل مطلب حماس بان تشمل اي تهدئة رفع الحصار. والمح مسؤولون اسرائيليون الى شروطهم الجديدة وهي انهاء تهريب الاسلحة من قبل حماس واطلاق سراح الجندي الاسرائيلي الاسير جلعاد شليط. وقال مسؤول دفاعي اسرائيلي “حماس تعرف مطالبنا وليس هناك جدوى من الحديث عنها علنا… والى ان تشير حماس الى انها مستعدة للتراجع فكل ما نستطيع ان نفعله هو ان نفرض ثمنا باهظا على هجماتها الصاروخية”، غير ان صمت اسرائيل النسبي بشأن الشروط ربما يخفي ايضا انعدام اليقين حول المدى الذي يمكن ان يصل اليه الهجوم. ورغم ان قوتها احتشدت على الحدود فان اسرائيل لا تتعجل اعادة احتلال الجيب الفلسطيني المزدحم والفقير والمعادي لها بشدة. وهذا يعني استنفاد “مخزون” مواقع حماس التي يمكن ان تقصفها القوات الجوية الاسرائيلية على الرغم من ان حرب لبنان اثبتت ان مثل تلك الغارات يمكن فجأة ان تدفع بعدد القتلى المدنيين الى اعلى.

وقال دبلوماسي اسرائيلي في اشارة الى قرية ادى فيها مقتل العشرات من اللبنانيين غير المسلحين الى استنفاد الدعم الاجنبي لطرد حزب الله بعيدا عن الحدود “ما الذي نفعله عندما ينتهي مخزون الاهداف.. وما الذي يحدث اذا ما انتهينا بقانا اخرى…”

وبينما انتهت حرب لبنان بوقف لاطلاق النار توسطت فيه الامم المتحدة عزز وجود قوة حفظ سلام في معقل حزب الله السابق الا ان حماس استبعدت مثل ذلك الوجود في غزة.

ووفقا لما يذكره مسؤولون دفاعيون فان اسرائيل لديها خطط طواريء لسحق حماس وتسليم غزة الى عباس الذي يسعى الى التعايش مع اسرائيل خلافا للاسلاميين، غير ان بالمور رفض مثل تلك الفكرة باعتبارها “حماقة” اذ تخاطر بتصوير عباس على انه ليس اكثر من تابع لاسرائيل. وقال بالمور ملخصا سيناريو يفترض من خلاله الحد من السطوة السياسية لحماس ” اننا نريد الهدوء وان يكون الفلسطينيون والاسرائيليون قادرون على معالجة خلافاتهم من خلال الحوار.”

ولم تظهر مصر، التي تتاخم غزة ايضا رغبة في فك الحصار. ويمكن للقاهرة ان تقترح بدلا من ذلك ان تسلم حماس لعباس مقابل انهاء اسرائيل لهجومها على غزة وتخفيف القيود الاقتصادية على القطاع. وفي انتظار ذلك، يبدو ان اسرائيل تستهدف الحدود المصرية مع غزة كجزء من جهودها لحصار حماس. وربما ادى القصف الاسرائيلي الى تدمير مئات الانفاق التي سمحت لابناء غزة بالالتفاف على الحصار.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 ديسمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية