مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“اتحاد الصحفيين العرب”.. أرضى الحكومات وأغضب الصحفيين

صحفيون شبان يرفعون عبارة "تسقط الصحافة ويحيا الفساد"، في مظاهرة نظمت في شهر مايو 2006 بالقاهرة أمام مقر نقابة الصحفيين المصريين احتجاجاً على قانون حبس الصحفيين swissinfo.ch

اتفق عدد من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين المصريين، على التقليل من أهمية الدور الذي يلعبه للاتحاد العام للصحفيين العرب، في خدمة الصحفيين والصحافة والمؤسسات الصحفية العربية.

لكنهم اختلفوا في جدوى، ودقة، وحيادية، التقرير السنوي الثاني عن حرية الصحافة في العالم العربي الذي أصدره الإتحاد في موفى شهر مايو الماضي.

يرى صحفيون مصريون ونقابيون بارزون، أن إصرار الاتحاد وحرصه الدائم على إرضاء الحكومات والأنظمة العربية، هو السبب الرئيسي لضعفه وتقلص دوره في الحياة الصحفية العربية، بل إنهم يراهنون على أن جل الصحفيين العرب لا يعرفون أين يقع مقر الاتحاد، فضلاً عن أن يكونوا قد وطأوه بأقدامهم، ولو على سبيل الزيارة، مشيرين إلى “عدم مبادرة الاتحاد بالوقوف بجوار الصحفيين في محنهم التي يتعرضوا لها، مكتفياً بإصدار البيانات التي تستنكر وتدين وتشجب”!!

بداية موفقة ولكن!

ومن جهته، يدافع سيف محمود الشريف، الأمين المساعد للاتحاد العام للصحفيين العرب، ورئيس اللجنة الدائمة للحريات بالاتحاد، عن أهمية الدور الذي يلعبه الاتحاد، والتقرير السنوي الذي يصدره، قائلاً: “عندما أصدرت اللجنة تقريرها الأول عن حالة الحريات الصحفية في الوطن العربي في صيف عام 2006، اختلفت ردود الفعل من بلد إلى آخر ومن منظمة أو هيئة صحفية إلى أخرى، وعلى عكس ما كنا نتوقع، فقد رحبت المنظمات والهيئات العاملة في مجال الرصد الإعلامي، وحقوق الصحفيين الدولية بالتقرير، واعتبرته قفزة نوعية متطورة، كانت تفتقر إليها الساحة العربية”.

ويضيف سيف الشريف: “في اعتقادنا أن تكريس إصدار مثل هذه التقارير العربية سنة بعد أخرى، سيكسبها أهمية بالغة للمنطقة التي تغطيها، وربما تصبح تلك التقارير، المصدر الوحيد المعتمد لكل من يريد أن يعرف الحقيقة حول ما يجري للصحافة والإعلام والعاملين فيهما في هذه المنطقة من العالم”، مشيراً إلى أن “اللجنة ستحرص على إصداره سنويًا في موعده، مع تطوير آليات البحث والتقصي، لإعطاء مزيد من المصداقية للتقرير، ليصبح انعكاسًا صادقاً للواقع العربي (سلبًا وإيجابًا)”.

ويستطرد سيف الشريف: “نحن لا نسعى إلا إلى الحقيقة ولا نريد إلا الوضوح والشفافية، وخلق بيئة عمل مناسبة للجميع، وبالطبع، لا نملك إلا النشر وسيلة لإعلام العالم بما يجري على الأرض العربية من ممارسات قد لا تليق بالعاملين في هذه المهنة المقدسة، ووسيلتنا في ذلك، الصحفيون الأحرار أنفسهم، الأعضاء في النقابات وجمعيات الصحافة والاتحادات والهيئات الصحفية العربية، بما يملكون من أدوات للرصد والمتابعة”.

ترتيب على الورق!

ولا ينكر سيف الشريف حدوث ما من شأنه أن يقدح في عدم دقة التقرير، فيقول: “إن القلة القليلة من الزملاء، وربما بحسن نية أو لعدم معرفة بكل ما يجري أو لرغبة لديهم لإظهار بلادهم بشكل أفضل مما هو عليه الواقع العملي، قد حرفت بعض الوقائع التي جرت في عام 2006، مما أعطى حالة الحريات الصحفية في تلك البلاد وضعًا أفضل على الورق فقط، وكنا نتمنى أن يكون لهؤلاء الزملاء نفس الجرأة لإحداث التغيير الإيجابي على أرض الواقع”.

ويضيف “عند مقارنة ما جرى في التقرير الأول، والواقع في التقارير الدولية لنفس الفترة، لاحظنا أن الفروقات والفجوة بين عملنا وواقع تلك التقارير الدولية كانت كبيرة، لدرجة أننا شككنا في آلية عمل ونتائج تلك التقارير الدولية. أما في التقرير الثاني، فقد اقتربت نتائجنا من نتائج التقارير الدولية”، مضيفاً أنه “من الإنصاف ألا نتّـهم التقارير الدولية كلها بأنها تعمل لمصالح خاصة أو أجندات غير سليمة، بل يجب أن نشيِّـد بعمل ونتائج تلك التقارير، خصوصًا ما يضع العمل المهني والمصالح العليا وقول الحقيقة وكشف أو فضح الممارسات غير السوية تجاه الصحافة والإعلام، نصب أعينها”.

وأقر سيف الشريف بأنه “لا تزال العديد من القيود المفروضة على صحافتنا العربية وصحفيينا العرب، تعمل بشكل حدي خطير لإعاقة العمل الصحفي العربي، ويأتي في سلم تلك القيود: حجب المعلومات ووجود تشريعات صحفية معيقة للعمل الصحفي، بالإضافة إلى الرقابة بأشكالها المختلفة (خصوصًا رقابة رئيس التحرير)، والتي يحلو للبعض تسميتها بالرقابة الذاتية، إضافة إلى ما يسمى بالاستدعاءات الأمنية المختلفة وحالات حبس الصحفيين أو دفعهم لغرامات باهظة في العديد من الدول العربية، لذلك، يجب أن نعمل جميعًا على إزالة تلك القيود تدريجيًا، حتى نصل إلى صحافة حرة ومسؤولة بلا قيود، تعمل بأخلاقيات المهنة وضوابطها العملية.

ويختتم الشريف كلامه داعياً “كافة الزملاء لتقديم ما يتوفر لديهم من معلومات موثقة حول انتهاكات مؤشرات الحرية الصحفية في البلاد العربية، إلى لجنة الحريات وبالسرعة اللازمة، حيث أن من شأن ذلك أن يساعد اللجنة في أداء مهام عملها بشكل منهجي ومنظم، وسيؤدي حتمًا إلى تطوير آليات العمل بشكل أفضل”.

سلبيات وإيجابيات

وفي تعليقه على دور الاتحاد عامة، والتقرير السنوي الثاني على وجه الخصوص، يقول جمال فهمي، عضو نقابة الصحفيين المصرية: “التقرير يعكس حالة الاتحاد نفسه، وهي أنه اتحاد أغلب أعضائه نقابات حكومية، تخضع في النهاية للأجهزة الأمنية المعينة”، آخذاً على الاتحاد لجوءه إلى استخدام طريقة الاستبيان التي قامت بها كل نقابة على حده، مشيراً إلى أنه “من الطبيعي أن تخرج النتيجة النهائية غير دقيقة، لأن ملكية النقابات والهيئات الممثلة للاتحاد حكومية، ومن ثم فقد أغفل التقرير عمداً العديد من الخروقات التي قامت بها تلك الحكومات ضد الصحفيين”.

ورداً على مجيء مصر في المرتبة الثانية عشرة في مقياس الحريات العربية، بينما احتلت دول مثل السعودية وسوريا والكويت وعمان وقطر وموريتانيا وليبيا والإمارات، المراكز الثمانية الأولى فيه بالترتيب، قال فهمي في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “الحريات الصحفية في دول كمصر أفضل بكثير، إذا ما قورنت بالحريات في دول مثل السعودية وسوريا وتونس وليبيا، ولذا، فعندما يأتي التقرير بهذه الدول قبل مصر في مجال دعم الحريات، فإن هذا مما يدل على عدم دقة التقرير وعدم مطابقته للواقع”.

ويضيف فهمي: “رغم أن اتحاد الصحفيين العرب هو اتحاد شبه حكومي وليس له أي أداء حقيقي أو جهد فعلي ملموس على أرض واقع الصحافة العربية، إلا أن الأمانة تقتضي القول بأن التقرير السنوي الثاني، الذي نحن بصدده، أفضل بكثير من التقرير الأول، الذي ظهر العام الماضي، كما أنه كان صادقا مع نفسه، عندما اعترف بأن بعض النقابات لم تكن دقيقة في نتائج الاستبيانات حول مدى الحريات الصحفية في العالم العربي”.

3 نقابات حقيقية فقط!

أما إبراهيم منصور، عضو مجلس نقابة الصحفيين فيقول: “أنا مبدئيًا متحفظ على اتحاد الصحفيين العرب، لأنه ليس هناك نقابات صحفية حقيقية في العالم العربي، إلا في ثلاث بلدان فقط هي: مصر واليمن والمغرب، وذلك لأن بها انتخابات حقيقية، أما الباقي، فهي نقابات غير مؤثرة أو جمعيات مرتبطة بالحكومات والأنظمة بالبلدان التابعة لها”.

ويضيف منصور، نائب رئيس تحرير جريدة “الدستور” المعارضة في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “تحركنا كثيراً وطالبنا مراراً بتطوير الاتحاد، إلا أن إبراهيم نافع، رئيس الاتحاد يرفض أي محاولة للتطوير”، مشيرا إلى عدم قيام الاتحاد بأي دور يذكر في مجال “رفع الأجور المتدنية للصحفيين والاعتراض على الحبس والاعتقالات، التي طالت عدداً كبيراً من الصحفيين، وهو ما بدا واضحا في القضية التي تناولتها المحاكم المصرية مؤخرًا ضد إبراهيم عيسى، رئيس تحرير جريدة “الدستور”.

ويؤيد فهمي ومنصور فيما ذهبا من انعدام فائدة الاتحاد، عضو مجلس نقابة الصحفيين ممدوح الولي، نائب رئيس القسم الاقتصادي المناوب بجريدة الأهرام، ويضيف: “للأسف، لا يوجد أي نوع من الربط بين الصحفيين العرب والاتحاد، ودوره يقتصر على مساندة للحكومات والأنظمة، وليس أدل على ذلك من أن رئيسه الحالي يُـصر على إرسال برقية شكر وتأييد للرئيس المصري حسني مبارك في نهاية كل بيان أو رسالة يصدرها الاتحاد عقب كل اجتماع”!

ويقول الولي في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “دور الاتحاد اقتصر على عقد دورات تدريبية لعدد محدود من الصحفيين، دون الاهتمام بالدفاع عنهم، حتى أن أغلبية الصحفيين العرب، بل والمصريين (حيث مقر الاتحاد) لا يعرفون مكانه ولا أرقام هواتفه”.. مشيراً إلى أن “الحكومات والأنظمة العربية تستغل هذه النقابات التي تتبع الاتحاد لتعزيز مواقفها في مواجهة المعارضة، ومن أجل تزييف الواقع الأليم، في مقابل أنها تدعم الاتحاد ماديًا”، على حد قوله.

القاهرة – همام سرحان

جرى تعميم الاستبيان لعام 2006، على كل النقابات وجمعيات الصحافة والاتحادات العربية، وعلى أعضاء الأمانة العامة وأعضاء لجنة الحريات.

وصلت الردود من كل الدول العربية، ما عدا الصومال، نتيجة الأوضاع التي يعيشها هذا القُـطر العربي حاليًا، وهو ما يجعل تقرير عام 2006 أشمل من التقرير السابق.

تم نشر ردود النقابات والاتحادات والجمعيات الصحفية العربية في الفصل الثاني من التقرير.

بعض الزملاء، خصوصًا في العراق والبحرين وتونس، كتبوا ملخصات عن أوضاع الحريات في بلادهم، تم نشرها في الفصل الثاني من التقرير.

أوضح التقرير أن عام 2006، كان الأسوأ في تاريخ الصحافة العالمية والعربية، فإذا أخذنا معيار خطف وقتل الصحفيين فقط، فقد كانت الساحات العربية هي الأكثر خطورة في العالم على حياة الصحفيين، حيث شكل العراق وحده، أكثر الأماكن خطورة في العالم على حياة، الصحفيين والعاملين في مهنة الإعلام، وتراوحت التقديرات بين 50 قتيلا حسب تقرير نقابة الصحفيين العراقيين، و70 قتيلا من الصحفيين والعاملين في مهنة الإعلام أو المترجمين أو من يصاحب العاملين في هذه المهنة من عاملين في مهن أخرى، فيما تبقى التقديرات تشير إلى 32 قتيلا، حسب لجنة حماية الصحفيين الدولية CPJ.

وأن الدلالة الأكيدة التي تظهرها الأرقام أيضًا، هي زيف الإدعاءات والمبررات والشعارات التي تصاحب عمليات الاحتلال للبلاد العربية، التي تدّعي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أثبتت الوقائع على أرض الواقع، أن الاحتلال لا يجلب معه سوى الدمار والقتل وانتهاك أبسط حقوق الإنسان، وساحة العراق أكبر دليل وشاهد على صدق هذا التحليل، وكذلك ساحتا فلسطين والصومال ونتائج الحرب الأخيرة، التي شنتها إسرائيل على جنوب لبنان في الصيف الماضي، حيث قتل بعض الصحفيين نتيجة الغارات وأثناء تغطيتهم للمعارك.

وأن عدد الصحفيين الذين قتلوا في عام 2006، حسبما يقول تقرير للفدرالية الدولية للصحفيين، وصل إلى 155 صحفيًا وذلك أثناء قيامهم بعملهم، وتم استهدافهم بطريقة أو بأخرى، إضافة إلى 22 صحفيًا في حوادث عرضية في كافة أنحاء العالم.

ويشير التقرير أيضًا إلى أن 69 صحفيًا من الذين قتلوا في عام 2006 كانوا في العراق (أي أكثر من 44% من الرقم العالمي)، وفي سنة واحدة هي عام 2006، لذلك، تم اعتبار ذلك العام، الأسوأ في تاريخ صناعة الإعلام، وعلى افتراض أن رقم الفدرالية الدولية صحيح (أي 69 قتيلا في العراق)، فإنه بالإضافة إلى قتلى الصومال واليمن ولبنان والجزائر والسودان وبمعدل قتيل واحد في كل بلد، فإننا نكون قد ودعنا 74 شهيدًا في عام 2006، أي ثلاثة أضعاف الرقم الذي ذكره تقريرنا في عام 2005، وهو 25 شهيدًا.

ويطالب التقرير بكل قوة، كافة الحكومات والدول العربية العمل بسرعة على عدم استهداف الصحفيين، كما نطالب دول التحالف التي تحتل العراق تحديدًا، بالعمل فورًا على إتاحة قدر أكبر من الحرية في الحركة والتغطية الصحفية الحرة في جميع مناطق العراق لجميع الصحفيين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية