مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 الثمن البــــــاهظ…

بعد طول انتظار، خيب خطاب الرئيس بوش حول الشرق الاوسط امال الفلسطينيين Keystone

لم يترك الرئيس جورج بوش مجالا للموضوعية وترجيح المنطق في قراءة خطابه حول الشرق الاوسط، حيث تبنى تماما رؤى اليمين الاسرائيلي ورئيسه ارييل شارون. وبات واضحا ان السلام الذي تريده واشنطن في الشرق الاوسط لا يمكن فصله عن الحرب الامريكية ضد الارهاب.

 مقتطفات من خطاب جورج بوش

 . من اجل الانسانية، يجب ان تتغير الامور في الشرق الاوسط.


 . يتطلب السلام قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة لانشاء دولة فلسطينية.


 . قلت في الماضي ان الدول يجب ان تكون معنا او ضدنا في الحرب ضد الارهاب… يتعين على كل زعيم ملتزم بالسلام وضع حد للتحريض على العنف في الاعلام الرسمي وادانة العمليات الانتحارية…


 . مع تحركنا نحو حل سلمي، يُنتظر من الدول العربية بناء علاقات اوثق مع اسرائيل دبلوماسيا وتجاريا، تؤدي الى تطبيع كامل للعلاقات بين اسرائيل والعالم العربي باسره…


جاء خطاب الرئيس جورج بوش حول الشرق الاوسط بمثابة الشحنة الكهربائية الصاعقة للفلسطينيين والعرب عموما. فقد أثقل السيد بوش كاهل الشعب الفلسطيني باعباء لا يستطيع حملها في الظروف التي يمر بها حاليا، واطلق العنان لاسرائيل للتخلص نهائيا من اتفاقيات اوسلو، وفرض الامر الواقع الجديد الذي كرّسته حكومة ارييل شارون في مناطق الحكم الذاتي. ولم يترك للعرب خيارا غير الامتثال الكلّي للرؤى الامريكية.

ولاشك ان بوش محقّ في كل ما عابه على السلطة الفلسطينية من فساد وسوء تصرف وانعدام الشفافية وغياب المؤسسات وعدم السيطرة على الحركات المتشددة. لكنه بدل ان يتعاون معها في علاج هذه العاهات، قرر الغاءها بذريعة ان السلام يتطلب قيادة جديدة ومختلفة وغير متورطة في الارهاب، غير عابئ بالظروف الاستثنائية العصيبة التي يعيشها الفلسطينيون بسبب الاحتلال والحصار الامني والاقتصادي والتدمير المنهجي لمؤسساتهم وبناهم التحتية.

الى جانب ذلك، وباستثناء الدعوة الى انتخاب قيادة فلسطينية جديدة وامكانية التوصل الى حل في غضون 3 سنوات، لم يتضمن خطاب بوش أي برنامج ملموس او جدول زمني محدد لترجمة الافكار الامريكية الى واقع سياسي على طريق تسوية النزاع وبناء السلام. فالدولة الفلسطينية التي تحدث عنها بوش “مؤقتة” ومرهونة بشروط يستحيل تحقيقها في الظروف الراهنة. والمؤتمر الدولي الذي دعا اليه وزير الخارجية كولين باول لم يتبلور واحتفظت واشنطن بحق إشراك الطرف الذي يؤيد افكارها وتصوراتها دون غيره. وفوق كل هذا، ترك السيد بوش مسألة الانسحاب الاسرائيلي الى حدود عام 1967 للمفاوضات بين اطراف النزاع على اساس قراري مجلس الامن 242 و 338.

 المعادلة الجديدة

هل كان بوسع الرئيس الامريكي عرض افكار اكثر توازنا ووضوحا وتفهما للوضع الفلسطيني مما اعلن عنه يوم الاثنين؟ تبيّن المعطيات الداخلية الامريكية ان محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة اليوم هو الحرب العالمية ضد الارهاب. ولا تمثل تسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني والعربي الاسرائيلي سوى جزئية غير حاسمة في السياسة الجديدة. ولولا تطلّع الادارة الى ضمان تأييد عربي كامل للمراحل المقبلة من هذه الحرب، خصوصا ما يتعلق بالعراق، لما كلف الرئيس بوش نفسه عناء الزجّ بادارته في هذا النزاع المستعصي.

فقد افرزت احداث 11 سبتمبر رؤيا امريكية جديدة لمستقبل المنطقة برمتها ولطبيعة انظمة الحكم فيها. وكرر بوش في خطابه يوم الاثنين ان الدول، اما ان تكون مع الولايات المتحدة او ضدها في الحرب ضد الارهاب، وهذا الكلام موجه بالدرجة الاولى الى الدول العربية التي رفضت حتى الان اسقاط حق مقاومة الاحتلال وادانة العمليات الانتحارية الفلسطينية في تعاملها مع واشنطن بشان النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.

ولم تجد نفعا الزيارات المتعاقبة لمعظم القادة العرب الى واشنطن من ولي عهد السعودية والرئيس المصري والعاهل المغربي وملك الاردن، لاقناع ادارة بوش بتبني المبادرة السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت والداعية الى انسحاب كامل من الاراضي المحتلة عام 1967 مقابل تطبيع العلاقات العربية مع الدولة العبرية. فواشنطن لا تكترث بدول اصبحت، رغم تملقها وتسابقها منذ 11 سبتمبر لارضاء الولايات المتحدة، تشكل عبءً على السياسة الخارجية الامريكية بسبب ميوعة مواقفها وهشاشة اوضاعها وكثرة تناقضاتها، ولا يمكن لادارة بوش ان تثق بهذه الدول او تعتمد عليها في الحرب ضد الارهاب، التي قد تستهدف في مرحلة ما بعض هذه الانظمة.

 اسرائيل كانت الحليف الاستراتيجي.. وستظل

لم تستوعب الدول العربية التغييرات الجذرية التي ولدتها احداث سبتمبر في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. وتصورت هذه الدول ان الهروب الى الامام من خلال تقديم المبادرات العشوائية وغير المدروسة لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي سيخفف من الضغوط الامريكية الصارمة عليها، وسيدفع واشنطن الى اعتماد سياسة متوازنة تاخذ في الاعتبار المصالح العربية وتحيد عن التاييد المطلق وغير المشروط لاسرائيل.

الا ان بوش فنّد كل الحسابات العربية واسقطها. ووضع منطقة الشرق الاوسط امام حقيقة عارية، هي ان الحرب العالمية ضد الارهاب تقتضي من الولايات المتحدة عدم ممارسة أي ضغط مهما كان نوعه علىاسرائيل والاعتماد على حكومة ارييل شارون كحليف عقائدي واستراتيجي في ضرب واستئصال كل الحركات التي وضعتها واشنطن على القائمة السوداء للارهاب.

لكن هذه الحسابات والتصورات الامريكية قصيرة النظر. فالحرب ضد الارهاب تتطلب معالجة اسبابه ومبرراته من جذورها عن طريق ترسيخ العدالة والحرية والتعاون. ولا تؤدي سياسة الامر الواقع التي فرضتها الدولة الاعظم في العالم على منطقة لم تجد طريقها الى الحداثة، سوى الى اشعال المزيد من الفتن.

محمود بوناب

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية