مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الحالة السياسية الراهنة في تونس .. غريبة حقا”

مقهى في مدينة تطاوين في الجنوب التونسي (المصدر: Pietro Izzo على موقع فليكر)

مرت الذكرى الحادية والخمسون لاستقلال تونس (20 مارس 1956) بدون قرارات تدعم مؤشرات الانفتاح السياسي، التي كثر الحديث عنها في الأسابيع الأخيرة.

فقد خلا خطاب الرئيس بن علي، الذي ألقاه بالمناسبة من توصيات أو حتى إيحاءات يُـمكن أن تستجيب للحدّ الأدنى من انتظارات المعارضة والطبقة السياسية.

خلافا لما جرت عليه العادة، لم يصدر عفو رئاسي، ولو جزئي على المساجين، سواء كانوا من السياسيين أو المحكوم عليهم في قضايا حق عام، وهو ما صبغ المناسبة بطابع من البرود والتساؤل.

“غريبة حقا الحالة السياسية الراهنة في تونس”، هكذا علّـق أستاذ جامعي يشعر بالإحباط، ولعله يقصد التّـضارب الملحوظ في المؤشرات، وهو تضارب يشعر المراقب بوجود خلل ما في تنظيم حركة المرور، كأن يكون هناك شُـرطيان يُـصدران أوامر متعاكسة لسائقي السيارات (!). وفي هذا السياق، يعتبر الإعلام والحريات الفردية، من أشد المجالات التي تعكس تعارض الإشارات الضوئية.

فمن جهة، أصبح ما تنشره بعض الصحف، مثل “الصباح” و”لوتون” (Le Temps) و”أخبار الجمهورية” أو ما تذيعه إذاعة (موزاييك) الخاصة أو ما يُـسمح بعرضه في قناتي 7 الرسمية وحنبعل الفضائيتين، يثير الانتباه ويشكل دليلا قويا للقول بأن الماسك برقبة الإعلام والصحافة قد فتح كفه قليلا.

فالحوار الذي أجرته “الصباح” مع السيدة مية الجريبي، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي ونشرته بتاريخ 16 مارس، يُـعطي انطباعا بأن البلاد قد تشهد قريبا الدخول في مرحلة جديدة من تحرير الصحافة والتعبير. مع ذلك، يصدر حُـكم غريب بسجن الصحفي محمد الفوراتي، الذي برّأته المحاكم مرّتين، نظرا لخلو ملفه من أية أدلّـة مُـقنعة، كما ترتفع أصوات تُـندد باستمرار ظاهرة منع الكتب.

رسائل مزعجة

في هذا الإطار، وبالرغم من أن العلاقة قد طبعت بين السلطة والمعهد العربي لحقوق الإنسان، على إثر أزمة كادت تتسبب في نقل المعهد إلى عاصمة عربية أخرى، لا تزال عديد المطبوعات التابعة لهذه المؤسسة الإقليمية الهامة تنتظر منذ فترة طويلة الإفراج عنها، رغم أنها لا تتعرّض للأوضاع المحلية.

هذاالأمر جعل الدكتور الطيب البكوش، رئيس المعهد يؤكّـد في مداخلة له بندوة نظمتها حركة الديمقراطيين الاشتراكيين عن “آفاق حقوق الإنسان في تونس” وأصدرتها في كراس، أن “الإدارة في تونس، لا ترد ولا تجيب على مراسلات ولا تناقش ولا تفاوض”، وأضاف “قد نفهم وجود رقابة إلى حدّ ما، لكن على الأقل عليها أن تُـعلل ما تتّـخذه من إجراءات.. حتى تكنولوجيا الاتصال تتعثر كثيرا، وهو ما جعل البعض يفكرون في الرجوع إلى الأساليب البريدية التقليدية”.

من جهة أخرى، خلف اختفاء العمود الأسبوعي للكاتب “برهان بسيس” في يومية “الصباح” تساؤلات وأقاويل عديدة، بعد آخر مقال دعا فيه إلى إعادة الحيوية إلى الجامعات ونصح بلطف جديد بالعفو على طالبين سابقين مضى على اعتقالهما أكثر من 16 عاما، هما العجمي الوريمي وعبد الكريم الهاروني.

فهذا المعلق السياسي قد شغل الكثيرين بطريقة كتابته المدافعة عن النظام، لكن بأسلوب غير معهود، فهو يختلف كثيرا عن غيره في هذا المجال، وذلك من خلال توغّـله الذكي في المناطق، التي يعتبرها كثيرون من داخل النظام “محرمة”. لقد بدا وكأنه إفراز لمرحلة تستوجب إعطاء نفَـس جديد للحكم، وهو ما يقتضي تغيير لغة الخطاب الإعلامي وإخراجه من الطابع المتكلِّـس والعمل على إعادة بناء السياسة الرسمية في ضوء المتغيرات.

هناك من ظن بأن السلطة بدأت تضع لمسات للتغيير يُـحافظ على ثوابت الحكم، وفي الآن نفسه، يخلِّـصه من صيغة استنفدت أغراضها، لهذا، فإن البعض اعتبر أن الدوافع المجهولة التي جعلت السيد “برهان” يختفي من المشهد الإعلامي، تمثل خسارة للنظام من جهة، ورسالة مزعجة للمستبشرين باحتمال الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة.

خط ثالث؟

على صعيد آخر، شهد النشاط الجمعوي والحزبي حيوية ملحوظة. فقد تم السماح لجميع مكوّنات “حركة 18 أكتوبر” (تضم شخصيات من تيارات علمانية وأخرى إسلامية) من الالتقاء وإصدار نص غير مسبوق بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. إذ لأول مرة، تحدّد حركة النهضة موقفها بوضوح من جُـملة المكاسب التي تضمنتها مجلة الأحوال الشخصية، ذات الأهمية التاريخية بالنسبة لتونس الحديثة.

وبالرغم من ارتفاع أصوات عديدة من الجهتين، علمانيين وإسلاميين، للتقليل من أهمية هذا الإنجاز، إلا أن تاريخ الديمقراطيات في الغرب يؤكِّـد بأنها لم تقم ولم تترسّـخ إلا بقدرة رموزها وقِـواها الاجتماعية والسياسية على بناء وفاقات مرحلية قابلة للتطوير وقائمة على ضمانات فعلية.

من جهة أخرى، حصل تقدم في النقاش الدائر بين حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) ومجموعة المستقلين حول آليات انخراط هؤلاء في عملية إعادة بناء الحزب من أجل بعث “قطب ديمقراطي تقدمي”، وهو “حلم” طالما راوَد مؤسسي “التجديد” منذ القطع مع تجربة “الحزب الشيوعي”، ويرَون فيه “خطا ثالثا” يقف بين خيار “التحالف مع السلطة” أو “التحالف مع حركة النهضة” (الإسلامية المحظورة). ومن المنتظر أن تكشف الأشهر القليلة القادمة عن مدى قدرة هذا المسعى على التحقق وحجم تأثيره على مُـجمل الحِـراك السياسي في البلاد.

هذه الحيوية أجهضها قرار غيرُ مفهوم تمّ بمقتضاه منع اجتماع كان يُـفترض أن يتم بين حزبين، طالما غضت السلطة النظر عن خطوط التواصل بينها، وهما الحزب الديمقراطي التقدمي (معارض) وحزب العمال الشيوعي التونسي (محظور)، وهو ما أعاد مسألة التصعيد من أجل الدفاع عن احترام حق الأحزاب في التنظيم وحرية الحركة والإجتماع.

قلق وتحفظ

من جهة أخرى، تم السماح بعقد ندوة صحفية في مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، تم خلالها تقديم تقرير دولي يتعلق بما يواجهه النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان في العالم من تحديات ومخاطر.

وقد أعادت هذه الندوة التي حضرها برلمانيون أوروبيون الدفء لمقر الرابطة، بعد منع دام طويلا لكل محاولات الهيئة المديرة السابقة، خاصة بعد صدور الحكم القضائي الأخير الذي منعت الرابطة بمقتضاه من حق عقد مؤتمرها السادس.

جاء هذا السماح بعقد الندوة الصحفية بعد الضجّـة التي أحدثتها تصريحات أسِـيء فهمها لرئيس الرابطة مختار الطريفي، سبق أن نشرتها صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية. وبالرغم من التوضيح الذي قام به، (والذي دعمته الصحفية التي أجرت الحديث)، ورغم الجلسة التي جمعت الطريفي برئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان السيد منصر الرويسي، والتي دارت في أجواء مريحة، إلا أن عقدة الرابطة لا تزال تراوح مكانها، وتنظر قرار رئاسيا حاسما.

ملف آخر شهد “انفراجا” نسبيا، لكنه بقي يطرح في المقابل انتقادات حول أسلوب المعالجة والأهداف المقصودة، إنه يتعلّـق بهذا العدد الضخم من الموقوفين في قضايا لها صلة بالتيار السلفي، حيث تمّـت مراجعة قائمة التُّـهم التي وجِّـهت للكثير منهم، وبعد أن كانت مرتبطة بقانون الإرهاب، استُـبدلت بتُـهم لها صلة بعقد اجتماعات والانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها، وهو ما يفسِّـر صدور أحكام اعتبرت “مخففة”، تراوحت بين ستة أشهر وسنة ونصف، لكن المحامين أكّـدوا في مرافعاتهم أن التُّـهم الجديدة ليست مبرّرة وأن خروقات قانونية كبيرة قد ارتُـكبت في حقّ العديد من الذين أحيلوا والذين حشروا حُـشرا في قضايا لا صِـلة لهم بها.

هذه أجواء القلق التي تعيشها الأوساط السياسية التونسية، فحتى الذين كانوا يُـراهنون على بعض المؤشرات الصغيرة للحديث عن احتمالات تحقيق تغيير تدريجي في سياسة السلطة، أصبحوا اليوم أميل إلى التحفظ.

فمرور مناسبة الذكرى الحادية والخمسون للاستقلال بدون اتِّـخاذ السلطة أي إجراء، يُـترجم ولو قليلا ما ورد في خطاب رئيس الدولة أمام اللجنة المركزية للحزب الحاكم في منتصف شهر فبراير الماضي، اعتبره البعض ممّـن تحدثت معهم سويس انفو بمثابة تلقي رسالة فاضية ردّا على توقعٍ اعتبره آخرون مجرد “سراب”، ظنه العطاشى ماء. ومع ذلك، فالأرض تستمر في الدوران.

صلاح الدين الجورشي – تونس

تونس (رويترز) – دعا الرئيس التونسي زين العابدين بن علي يوم الثلاثاء 20 مارس للاهتمام بمشاغل الشبان بصورة أكبر وزيادة فرص العمل أمامهم لمواجهة كل تيارات التطرف التي باتت تهددهم، وجاءت دعوة الرئيس في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لاستقلال البلاد عن مستعمرتها السابقة فرنسا.

وقال بن علي “مثلما نحرص على تحصين شخصية ناشئتنا من مخاطر الاستلاب والتغريب، فإننا نحرص في ذات الوقت على تأمينها ضد تيارات التطرف”، وأضاف “لذلك، فنحن نؤكد مجددا ضرورة الإصغاء الدائم إلى الشباب والانتباه إلى آرائه وتصوراته والتفاعل مع تطلعاته وآماله، لاسيما في إطار الاستشارات الشبابية”.

وتأتي هذه الدعوة في وقت أصبحت فيه أغلب التنظيمات الإسلامية المتشددة تلجأ لاستقطاب الشبان إلى صفوفها وتجنيدهم لقتال الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الحكومات العربية الأخرى.

وتحاكم السلطات في تونس – التي شهدت مطلع العام الماضي مواجهات مسلحة بين الأمن وجماعات سلفية قتل فيها 14 شخصا – عشرات الشبان بتهمة الانضمام لمجموعات إرهابية في الداخل والخارج.

واعتبر بن علي أن قضية “تشغيل الشباب وحاملي الشهادات العليا بالخصوص، ستظل أولوية دائمة تدفعنا إلى البحث عن المزيد من الوسائل والسبل لتكثيف فرص التشغيل والمبادرة الخاصة”، وقال “هذه المسؤولية تتقاسمها الدولة مع القطاع الخاص على حد السواء”.

ويمثل تشغيل الشبان، وخصوصا الحاصلين منهم على شهادات، أهم التحديات أمام الحكومة التونسية. ويشكل الخريجون شريحة كبرى من 80 ألف شاب يدخلون سوق العمل كل عام.

وشدد الرئيس التونسي على ضرورة أن يكون “الخطاب الموجه للشباب خطابا متفاعلا مع مقتضيات التطور والتحولات الاجتماعية مستجيبا لتطلعاته مواكبا لطموحاته ولتساؤلاته”.

ويقول مراقبون أن الشبان يشكلون نواة أساسية لأغلب التنظيمات الإسلامية المتشددة عبر العالم.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 مارس 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية