مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الحرب الباردة” بين العرب والإيرانيين!

من اليمين الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في بداية لقاءهما في طهران يوم 8 يوليو 2006 Keystone

هل بدأت حرب باردة في المنطقة بين الدول العربية وإيران؟

بالطبع، لا يمكن الجزم بشأن تلك الأمور ببساطة، لكن ثمة مؤشرات تؤكّـد أن الإجابة: نعم، لقد بدأت حرب باردة بين “تحالف من الدول العربية” وإيران.

هناك سؤال افتراضي يستحق أن يُـطرح، فإجابته يمكن أن تفسّـر بعض ما يجري في الشرق الأوسط حاليا، وكثيرا مما يمكن أن يحدث فيه مستقبلا، وهو: هل بدأت حرب باردة في المنطقة بين الدول العربية وإيران؟

وبالطبع، لا يمكن الجزم بشأن تلك الأمور ببساطة، لكن ثمة مؤشرات تؤكّـد أن الإجابة: نعم، لقد بدأت حرب باردة بين “تحالف من الدول العربية” وإيران، وأن نطاقها يمكن أن يتسع ليؤثر بشدة على أوضاع المنطقة، ما لم يصل الطرفان إلى نوع من “الوفاق”.

إن هناك بدايات مختلفة لفهم تلك المسألة. فالبعض يتصورها تاريخية ويعود بأصل العلاقة إلى ما كان قائما في الزمن السحيق بين الفرس والعرب، مُـقررا أن إيران ظلّـت دائما “فارسية”، بصرف النظر عن تغيير الشكل، من صفوية إلى قاجارية إلى بهلوية إلى “خومينية” إسلامية.

والبعض، يتصورها مذهبية تتعلّـق بجمهورية إسلامية، حاولت من قبل “تصدير ثورتها”، وعادت مرة أخرى إلى تلك السياسة، وآخرون يعتبرونها جيو استراتيجية تتعلق بأمن دول عربية تهدّده واحدة من دول الجوار التي تتصور حاليا أنها القوة الإقليمية العظمى، وأيا كانت المرجعية، فإن هناك مشكلة بين الطرفين.

لقد كانت الدول العربية دائما، وفقا لنظرية سائدة لدى النخب السياسية والبيروقراطيات الحكومية، وقادة الرأي العام، تنظر إلى دول الجوار، التي تعرف عادة بأنها إيران وتركيا وإثيوبيا، على أنها يمكن أن تمثل عدوا محتملا أو حليفا متصورا. ولقد سادت الرؤية الأولى في كثير من الأحيان.

فهناك حساسية عربية تجُـاه تلك الدول الكبيرة، صاحبة الحضارات القديمة، التي تتواجد على حدود “العالم العربي” وتحاول التدخل في شؤونه أو السيطرة على أطرافه، وعبر الزمن، أصبحت التوجهات إزاء تركيا وإثيوبيا أكثر مرونة، رغم وجود بعض المشاكل، لكن ظلت التوجّـسات إزاء إيران قائمة لدى كثيرين.

الخطر الإيراني

لقد اتخذ ما يسمى “التهديد الإيراني”، وفق ما هو سائد في التفكير العربي العام، أشكالا مختلفة خلال العقود الماضية. فقد كان شاه إيران الأخير، محمد رضا بهلوي يحاول أن يعمل كشرطي في الخليج ويهدد دوله. وقد تمكّـن من الضغط على العراق عام 1975، ثم تبنّـت الثورة الإسلامية بعد عام 1979 مبدأ تصدير الثورة، وحاولت إزعاج العراق، ونشبت حرب طاحنة لمدة 8 سنوات على ما أسماه العراق “البوابة الشرقية”، ثم قامت بإزعاج السعودية في مواسم الحج، وتهديد الإمارات بالاستيلاء على الجزر الثلاث مع إرسال إشارات مقلقة إلى البحرين والكويت، وتوترت علاقاتها بشدة مع كل من مصر لأسباب سياسية وأمنية لا حصر لها، ومع الجزائر بفعل ما أعتبرته “دعما إيرانيا للإرهاب”.

كانت هناك خطوط تشير إلى أن العلاقات بين العرب وإيران ليس محكوما عليها بأن تكون متوترة. فقد وصلت العلاقات بين مصر وإيران قبل الثورة الإسلامية إلى حد “المصاهرة” في العهد الملكي والصداقة القوية في أيام السادات، ووصلت العلاقات بين إيران وعدد من الدول العربية إلى درجة “التحالف الإستراتيجي”، كما حدث بينها وبين سلطنة عمان والسودان وسوريا، وشهدت فترة حكم الرئيس محمد خاتمي تحديدا، تطورات تعاونية غير مسبوقة، كادت الهواجس أن تختفي فيها تماما بين الدول العربية (خاصة مصر والسعودية) وإيران، وكان هناك في كل وقت مستوى من التعاون الاقتصادي، لكن التوتر ظل أيضا هو السّـمة السائدة لمجمل مسار العلاقات.

لكن كل ذلك قد انهار فجأة بفعل عاملين: هما السياسات الإيرانية تجاه العراق في مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي له عام 2003، ووصول المتشددين إلى السلطة في طهران بقيادة الرئيس أحمدي نجاد عام 2005. فقد بدا أن كل المشاكل عادت مرة واحدة بين الطرفين، لكن الأهم أن “التهديد الإيراني” المفترض، قد اتخذ هذه المرة شكلا شديد التعقيد، تختلط فيه المكوّنات المذهبية المتصلة بما سمي “الخطر الشيعي” أو الصعود الشيعي أو الظاهرة الشيعية، بمكوّنات جيو استراتيجية تتعلق بما سمي الدور الإيراني أو النفوذ الإيراني أو القوة الإيرانية، وبدا بوضوح أن المشكلة الإيرانية قد عادت.

الانفجار الرباعي

كانت مشكلة تلك المرحلة تتمثل في أن الخطر الإيراني – من وجهة نظر دول عربية رئيسية – هذه المرة، لا يهدد مجرّد مصالح أو أمن الدول بالمعنى المفهوم، وإنما “كيان” أو بقاء الدول ذاتها. فإيران (وفقا لتقديرات معينة) تقوم بالاستيلاء على العراق وتدعم نفوذها داخل بعض الدول العربية، كلبنان، استنادا على قوى سياسية مرتبطة بها، وتقترب بقوة من الشأن الفلسطيني الداخلي، وتعتبر أن قدرتها على إزعاج الدول المجاورة لها داخليا ورقة قوة، وتسعى لامتلاك أسلحة نووية مقلقة بالنسبة لدول المنطقة، وتطرح نفسها كقوة إقليمية عظمى، لديها تصور بشأن “حالة الإقليم”، يمكن التفاوض حوله مع الولايات المتحدة.

كانت هناك أسُـس لكل ذلك. فهناك معلومات محدّدة حول المدى الذي وصلت إليه التأثيرات الإيرانية داخل العراق، وتصورات أخرى بشأن الاندفاع في تدعيم العلاقات “الإستراتيجية” بين سوريا وإيران، وبيانات حول قيام إيران بتطوير قدرات حزب الله في لبنان أو إقامة علاقات مع قوى داخل اليمن، بما أدى إلى تمرّدات ضد الحكومة.

كما كانت لدى الدول العربية تقديراتها بشأن النوايا النووية الإيرانية، والأهداف المتصورة للضربات في حالة حدوث حرب بينها وبين القوات الأمريكية، وتصاعد صوت “الطوائف الشيعية” في المنطقة بطريقة غير معتادة. ونشطت إيران في اتجاه العبور إعلاميا إلى الرأي العام العربي، وأدت الطريقة التي يتحدث بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عن “القوة الإيرانية العظمى” إلى تدعيم ذلك.

جاءت الردود العربية على “الموجة الإيرانية” مباشرة. فقد اتخذت شكلا رسميا ارتبط بتصريحات على أعلى المستويات، واستُـخدمت خلالها عبارات قوية لكي تصل الرسالة بدون لُـبس. فقد تحدث الملك عبد الله ملك الأردن عن “الهلال الشيعي”، وأثارت الكويت مسألة القلق بشأن القدرات النووية الإيرانية، وصدرت تصريحات حادة من وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حول تسليم الولايات المتحدة العراق لإيران، وأشار الرئيس المصري حسني مبارك إلى مشكلة الولاء المزدوج للشيعة في اتجاه إيران. فقد وضح أن دولا عربية رئيسية قد قررت أن تُـلفت الانتباه بشدة إلى أنها تراقب الموقف، وأن لديها تقديراتها بشأنه وأنها لن تقف ساكنة.

موقعة لبنان

إن هناك ما يشير إلى أن تلك الدول العربية لم تتوقّـف عند هذا الحد. فرغم أنها كلها كانت غير راغبة في خوض “صراع مكشوف” مع القوة الإيرانية العائدة، أو التي تحاول القفز عبر حدود المنطقة، على النحو الذي تؤكّـده محاولاتها التخفيف من تصريحات مسؤوليها بشأن إيران أو استمرارها في إجراء الاتصالات وتبادل الزيارات مع المسؤولين الإيرانيين، إلا أنها كانت راغبة بنفس الدرجة في التأكيد على أنها تُـدرك ما يدور، وأنها – مثل كل الدول – لن تسمح بمساس لا يمكن احتماله بمصالحها.

وهناك تفسيرات تقرر أن ارتباطاتها بواشنطن التي تخوض صراعا مع طهران، هي الدافع خلف تلك المواقف، إلا أن تلك الدول ذاتها لديها مشاكل حقيقية مع الولايات المتحدة، وتحملها أحيانا مسؤولية وصول الوضع إلى ما وصل إليه.

ولا يعرف أحد على وجه الدقة، ما الذي تتصور الدول العربية “المتحالفة” أنها يمكن أن تفعله بشأن ما وصل إليه التأثير الإيراني في الشؤون الداخلية العراقية، لكن هناك تقارير مختلفة بشأن تحركات تحاول أن تتعامل مع هذا الوضع، وأدّى ذلك أحيانا إلى حنق بعض المجموعات العراقية تُـجاه سياسات بعض الدول العربية بسبب قيامها أو عدم قيامها ببعض تلك النشاطات. ويظل المؤكد هنا أن تلك “العواصم العربية” تحاول تدارُك الوضع على تلك الساحة بمنطق “الاحتواء” على الأقل، باستخدام أساليب مختلفة، دون أن تقدم على خوض صراع مكشوف مع طهران، في ظل تقديرات مختلفة لمدى قدرتها على إعادة العراق إلى الحظيرة العربية، فهذه المسألة معلقة.

لكن المؤكد أن الدول العربية المُـشار إليها، وهي السعودية ومصر والأردن والبحرين، قد قامت بردّ عنيف على الساحة اللبنانية عندما قام حزب الله بعملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين، في توقيت كان من الممكن ببساطة إدراك أن إسرائيل ستخوض معركة مفتوحة في أعقابها. فلم تتحسب تلك الدول لرد الفعل المضاد للرأي العام داخلها، المتعاطف عادة مع حزب الله، عندما قامت بما يشبه إدانة لتلك العملية، واصفة ما قام به الحزب بأنه مغامرات غير محسوبة أو أعمال غير مسؤولة، تضرّ بالمصالح العربية، وهو ما بدا أنه – بمنطق الحرب الباردة – رد في ساحة أخرى على ما حدث في العراق أو محاولة لتحجيم الامتداد الإيراني باتجاه “منطقة المركز” أو بداية لهجوم مضاد من نوع ما.

ماذا بعد؟

إن المؤكّـد هو أن “مواجهة ما” قد بدأت بين عدة دول في المنطقة العربية وإيران، وأن تلك المواجهة تتّـخذ شكل “الحرب الباردة”، التي ترتكز على العمل غير المباشر، الذي لا يقود إلى المواجهة المكشوفة، لكنه يهف في النهاية إلى تحقيق نفس الغرض، وهو “فرملة” الامتداد الإيراني فى المنطقة العربية.

ومن المؤكد أيضا، أن إيران قد أدركت ذلك بوضوح شديد، وبالتالي، أصبحت الخيارات المتاحة أمام الطرفين محددة تماما. فلا يوجد مجال لنكوص إيران عما كانت قد تخيلت بعض مراكز القوى داخلها أن الفرصة متاحة للقيام به، ولا يوجد مجال لقيام العواصم العربية المعنية بإخلاء الطرق لإيران لملء ما تعتقد أنه “فراغ” عربي.

وبالتالي، تتمثل الاحتمالات المباشرة في المدى القصير في أن يتجه الطرفان إلى الصراع غير المباشر، الذي تستخدم فيه الحملات الدعائية والارتباطات السياسية والدعم المالي والحروب بالوكالة والأنشطة السرية، وهو ما تقوم به إيران عمليا، ولدى الدول العربية أيضا قدرات لا بأس بها في هذا المجال أو أن الطرفان يتجهان إلى نوع من الوفاق الذي يقود إلى تحديد “قواعد الاشتباك” أو فض الاشتباك بينهما على مسرح الإقليم.

المشكلة، أنه لا يمكن ترجيح خيار على آخر. فالحرب الباردة قد بدأت توّا، على الأرجح، وهناك دول أخرى عربية وغير عربية (كسوريا وإسرائيل) تتطاحن في قلبها وفق قواعدها الخاصة، ويحتاج كل من الطرفين، العربي والإيراني، إلى فترة اختبار لتحديد ما يمكن أن يقوم أو ما لا يقوم به في المرحلة التالية، وربما تكون النتيجة النهائية لحرب لبنان – هي البداية.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية