مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 الدخول في صميم الموضوع!

السيدة روت ميتسلر وزيرة العدل والشرطة ستكون أكثر أعضاء الحكومة الفدرالية متابعة لسير الجولة الجديدة من المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي Keystone

اعتمدت دول الإتحاد الأوروبي الخمسة عشر صبيحة الإثنين في اللوكسمبورغ التوجيهات النهائية للجولة المقبلة من المفاوضات الثنائية مع سويسرا. وهو ما يعني للجانبين انطلاق جولة شاقة وطويلة من المفاوضات.

تتردد هذه الأيام في العاصمة الفدرالية كلمات وتعابير لا تستعمل عادة إلا في المناسبات الحربية أو عشية توجه الفرق العسكرية إلى ساحات الوغى من قبيل الحديث عن “التحفز للدخول في المواجهة” أو القول بأن “وزيرة العدل مستعدة للقتال” حول ملف شنغن – دبلن الموصوف عن حق بـ “المسموم”!!

هذه الأجواء استبقت إعلان الإتحاد الأوروبي رسميا يوم الإثنين عن اعتماد رؤيته النهائية للملفات الأربعة المتبقية في جولة المفاوضات الثنائية الجديدة وهي الأمن الداخلي (شنغن) واللجوء (دبلن) وتحرير قطاع الخدمات ووسائل الإعلام.

وعلى الرغم من أن طلب سويسرا اقتصر هذه المرة على إشراكها في اتفاقيات شنغن ودبلن إلا أن هذا الطلب “اليتيم” قد يتحول إلى سبب إزعاج جدي للحكومة الفدرالية! فالتفاوض على الاتفاقيتين ليس مسألة هينة لأن سويسرا ستكون مضطرة لتقديم تنازلات جوهرية لا زالت تواجه برفض جزء معتبر من الطبقة السياسية والرأي العام.

فالتحاق سويسرا بشكل أو بآخر بالاتفاقيتين لن يكون مجرد تنقيح بسيط لبعض فصول في قوانينها بل سيترجم عمليا في تحسين التعاون القضائي والأمني وتسوية القضايا المتعلقة بالتأشيرات وبطلبات اللجوء. وهو ما يقتضي من الكونفدرالية القبول بإلغاء إجراءات الرقابة على الحدود وبتبادل أشمل وأسرع للمعلومات وخاصة في مجال المساعدة القضائية.

مهمة المفاوضين الصعبة

هذا الأفق الجديد للعلاقة بين برن وبروكسيل يواجه هذه المرة بمعارضة شديدة من طرف اليمين القومي المتشدد ممثلا أساسا في حزب الشعب السويسري الذي وصفه بـ “غير المقبول” وفي منظمة “العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة” التي اعتبرته “عقدا استعماريا”.

من جهتها ، انضمت الساحة المالية مبكرا إلى صفوف المتوجسين ونددت بما تستبطنه الجولة المقبلة من “هجمات جديدة ضد السر المصرفي” حسب قول متحدثين باسم المصارف السويسرية!

في ظل هذه الأجواء تبدو مهمة المفاوض السويسري صعبة ومعقدة إلى حد بعيد. إذ يجب عليه أن يضع في الإعتبار كيفية تعامل الرأي العام (أي الناخبين) مع النتائج التي سيتوصل إليها في نهاية المطاف. فإلغاء الرقابة على الحدود “قضية صعبة من الناحية العاطفية وسوف تتطلب جهدا إعلاميا هائلا” مثلما تعترف بذلك السيدة مونيك ياميتي غراينر نائبة مدير المكتب الفدرالي للعدل.

لذلك يجب على الفريق المفاوض إنجاز نتيجة تكون قادرة على كسب تأييد أغلبية الناخبين في صورة إجراء استفتاء (لا يكاد يشك أحد اليوم في تنظيمه) حول الحصيلة النهائية للمفاوضات. وتسعى السلطات الفدرالية للتوصل إلى نتيجة نهائية متوازنة لهذه الجولة الثانية من المفاوضات الثنائية مع الإتحاد الأوروبي لكنها لا تستبعد إبرام “اتفاقيات مبكرة” في بعض الحالات..

وبما أن الأنظار ستتركز الآن على السيدة روت ميتزلير وزيرة العدل والشرطة المعنية الرئيسية بالمحاور المتضمنة في اتفاقيتي شنغن ودبلن فقد سارعت السيدة غراينر (المكلفة بالإشراف على مفاوضات ملف شنغن) إلى التعبير عن ثقتها في المآل النهائي وأعربت في تصريحات لوكالة الأنباء السويسرية عن اعتقادها بأن السيدة ميتسلير “ستكافح إذا ما اقتنعت بأن النتيجة جيدة وبأنها في مصلحة سويسرا” على حد تعبيرها.

 لكن هل هناك مجال للتفاوض؟؟

ولا تتعلق المعضلة الرئيسية التي تواجه السويسريين هذه المرة بمآل المفاوضات النهائي بل بعدم وجود إمكانية للتفاوض أصلا! فالإتحاد ألأوروبي أشعر الجانب السويسري منذ الإنطلاق المتعثر للمفاوضات في شهر تموز يوليو من عام 2001 بأن اتفاقيتي شنغن – دبلن لا تتحملان أي انتقاء أو حلولا “حسب الطلب” لأنهما أصبحتا جزءا من الرصيد التشريعي المكتسب الأوروبي الذي لا مجال للتفاوض من حوله مجددا مع الأعضاء الجدد أو مع الدول التي تسعى لعقد اتفاقيات ثنائية مع بروكسيل (على غرار سويسرا).

وفيما تؤكد نائبة رئيس المكتب الفدرالي للعدل على أن لدى برن أفكارا محددة جدا تعتزم طرحها في سياق المفاوضات من أجل تطوير مضمون اتفاقيتي شنغن ودبلن، أوضح ديبلوماسي أوروبي يعمل في بروكسيل أن بامكان سويسرا “تطوير المكتسب التشريعي الأوروبي” بنفس القدر المتاح للنرويج و أيسلندا لكن ذلك لا يعني أي “استثناء” لفائدة برن.

ويضيف الديبلوماسي أنه لا مجال لتطبيق معاملة خاصة أو تفضيلية لأحد الأعضاء أو الشركاء خاصة إذا كان البلد يتابع سياسة تحمل وصف ” ما قبل الإنضمام” إلى الإتحاد مثلما تصر على ذلك الحكومة الفدرالية.

ومما يزيد الأمور تعقيدا أن بنود اتفاقيتي شنغن ودبلن قد تتسع (حسب اعتراف مصادر أوروبية في بروكسيل) لتشمل أيضا ملف التهرب الضريبي وهو ما يعني بالضرورة ملامسة السر المصرفي، وهو الموضوع المثير للكثير من الشد والجذب بين الطرفين وخاصة في ملفي التهرب الجمركي وجباية مدخرات الأوروبيين المودعة في سويسرا.

وفيما تزداد المخاوف في صفوف العاملين في المؤسسات المالية وفي مجال إدارة الثروات بوجه خاص (تدير الساحة المالية السويسرية أربعين في المائة من إجمالي الثروات الخاصة في العالم!) من الإنعكاسات المحتملة لأي تراجع عن السر المصرفي أو تخفيف فيه، يؤكد المفاوضون السويسريون رفض برن تقديم أي تنازل على الرغم من الضغوط المتصاعدة أوروبيا وغربيا.

 المفاوضات ستكون شاقة .. وطويلة!

وفيما يشدد أصحاب البنوك السويسرية الذين يشنون منذ عدة أشهر حملة دولية واسعة للدفاع عن خصوصيات الساحة المالية السويسرية على أن السر المصرفي جزء لا ينفصل من الحق في حماية الحرية الشخصية، يلوح المفاوضون السويسريون بمقترح قد يساعد على الإمساك بالعصا من الوسط.

ويتلخص المقترح في استعداد سويسرا لتحصيل ضريبة من المصدر على فوائد مدخرات المواطنين الأوروبيين المودعة في المصارف السويسرية ثم إعادة جزء من المبالغ المقتطعة إلى الإتحاد الأوروبي. وبما أن هذا الحل المقترح قد أثبت نجاعته من خلال الممارسة (حيث يعمل به حاليا مع مواطني الولايات المتحدة) فان برن ترى فيه حلا معقولا لمطالب بروكسل. لكن المفاوضين الأوروبيين يرفضون لحد الآن مجرد الخوض فيه، ما يعني حتما أن المفاوضات ستكون عسيرة ومضنية.

أخيرا، لا يتوقع أحد أن تسجل المفاوضات اختراقات تذكر في الأشهر المقبلة لأنه من غير المحتمل أن يقدم أي حزب سياسي على تبني مواقف “متقدمة” او “شجاعة” في العام السابق للإنتخابات العامة المقرر إجراؤها في خريف عام 2003.

وعلى الرغم من الإجماع القائم بين أحزاب الإئتلاف الحكومي على أن المفاوضات الثنائية هي السبيل الوحيد للتقارب مع الإتحاد الأوروبي (في ظل استمرار رفض أغلبية السويسريين للإنضمام)، إلا أن كل المؤشرات تفيد بأن الجولة الجديدة ستكون شاقة وعسيرة .. وطويلة!

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية