مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الغاز”.. بيت القصيد في جولة ساركوزي المغاربية

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يستعرض مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي كوكبة من الحرس الشرفي لدى وصوله إلى مطار الجزائر العاصمة يوم 10 يوليو 2007 AFP

جاء ساركوزي إلى المغرب العربي أساسا من أجل طبخ صفقة "تاريخية" بين شركة "سوناتراك" الجزائرية و"غاز دي فرانس"، ستُوقع في شهر نوفمبر على الأرجح، لتأمين إمداد فرنسا بالمحروقات على المدى البعيد.

فعلى عكس الرؤساء الفرنسيين السابقين، الذين كانوا يستهلون جولاتهم المغاربية من الرباط، تأكيدا للعلاقات “الخاصة” بين المغرب وفرنسا، اختار نيكولا ساركوزي أن يبدأ جولته المغاربية من الجزائر، على رغم العلاقات الصعبة والمتوترة بين الجانبين.

لم يكن الأمر مجرد خيار بروتوكولي، وإنما كان يعكس تعديلا أساسيا في تحالفات فرنسا في المنطقة، مثلما أكدت ذلك نتائج المحادثات بينه وبين نظيره عبد العزيز بوتفليقة، التي ركّـزاها على ملف الغاز، تمهيدا لصفقة إستراتيجية سيتم التوقيع عليها في الخريف المقبل.

وأقر دافيد ماتينون، الناطق باسم الإيليزي، بأن المسائل الاقتصادية “كانت في قلب المحادثات بين الرئيسين”، وأكيد أن المغاربة شعروا بهذا التبديل، الذي ستكون له انعكاسات حتمية في موقف فرنسا من نزاع الصحراء الغربية، فألغوا زيارة ساركوزي، التي كانت مقررة ضمن جولته المغاربية، على رغم أنه كان يعتزم تخصيص أطول فترة منها للرباط (24 ساعة مقابل بضع ساعات للجزائر وتونس)، حيث كان سيختتم الجولة.

وفي إطار جولة الأفق، التي أجراها ساركوزي وبوتفليقة على انفراد في إقامة زيرالدا، على بعد 40 كيلومترا من العاصمة الجزائر، كان موضوع إنضاج شراكة اقتصادية خاصة بين البلدين قًُـطب الرحى في المحادثات، التي انضم إليها لاحقا أعضاء الوفدين، واستطاع ساركوزي، بكثير من البراغماتية والحذاقة، الالتفاف على ملف حرب التحرير الشائك، إذ أصر على رفض الاستجابة لطلب الجزائريين الاعتذار عن الجرائم الاستعمارية، من أجل التوقيع على معاهدة صداقة بين فرنسا والجزائر لا زالت عالقة منذ زيارة شيراك الأخيرة للعاصمة الجزائرية (في مارس 2003)، بسبب الخلاف على هذه النقطة.

وكان مُقررا التوقيع عليها في سنة 2005، لكن ساركوزي قرر طي الملف، ما دامت المعاهدة مرتبطة باسم سلفه، وطرح في المقابل رؤية جديدة للعلاقات تقوم على “الإنجازات العملية والمشاريع الملموسة، بدل النصوص والمعاهدات”، كما قال في ختام محادثاته مع بوتفليقة.

ويبدو أن الرئيس الجزائري تنازل عن هذا الشرط، لأنه موعود بتعديل في سُـلم أولويات باريس المغاربية، على نحو سيجعل الجزائر تحتل مرتبة الشريك المُفضل لفرنسا في المنطقة.

ولم يُخف ساركوزي أن بلاده تأمل التوصل إلى اتفاق بين شركتي “سوناتراك” الجزائرية و”غاز دي فرانس”، بشكل يُؤمِّـن لفرنسا إمدادات المحروقات بأسعار تفضيلية، عِـلما أن الغاز والنفط هما شريان الاقتصاد الفرنسي، ككل البلدان الصناعية.

ورجح ساركوزي أن تُوقع الصفقة في نوفمبر المقبل بمناسبة زيارة ثانية للجزائر ستأخذ صفة “زيارة دولة” أعلن عنها منذ الآن، وهذا مؤشر قوي على أن الشراكة الاقتصادية ستكون لها استتباعات أكيدة على الصعيد السياسي.

رصيد التاريخ وحسابات الجغرافيا

وما دامت باريس ترفض إعطاء أي تنازل من رصيد التاريخ، فإنها ستعطيه حتما من حساب الجغرافيا، أي من ملف الصحراء الغربية. وكان الرئيس الفرنسي واضحا حين أكد أن باريس “لا تقبل بتقديم اعتذارات”، وأنه لم يأت إلى الجزائر “لإضافة جروح وإهانات جديدة لجراح الماضي وإهاناته”، على حد قول الناطق باسم الإيليزي.

ويعيب المقربون من ساركوزي على سلفه شيراك، أنه بنى سياسة فرنسا الخارجية “على شبكة من العلاقات الشخصية مع بعض الزعماء”، ويطرحون بدلا من ذلك إقامة علاقات موضوعية تنبني على المصالح المشتركة، ومعنى ذلك أن العلاقات الخاصة مع الرباط ستتغير، لأن مصالح فرنسا تقتضي مراجعتها، بعدما كان شيراك يتردد على المغرب باستمرار ويحتفظ هناك بعلاقات شخصية واسعة.

والظاهر، أن هذا ما أغضب المغاربة، خاصة أن تداعياته على نزاع الصحراء ستجعلهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم مع الأمم المتحدة، التي بات أمينها العام الجديد بان جي مون، أميل لمعسكر الجزائر وجبهة البوليساريو.

وبعدما كانت الولايات المتحدة أقرب إلى دعم الجزائر في هذا الصراع، بينما فرنسا أقرب إلى الموقف المغربي، ستلتقي على الأرجح واشنطن وباريس على سياسة متشابهة، وهو ما سيُضعف الموقف الدولي للرباط.

ويمكن اعتبار التعديل، الذي أدخله ساركوزي على سياسة فرنسا المغاربية، انعكاسا لتقويم شامل للمرحلة السابقة، أظهر تراجع النفوذ الفرنسي في مقابل تنامي المد الأمريكي والآسيوي وحتى الروسي في المنطقة، وبخاصة في الجزائر، أهم قوة اقتصادية في شمال إفريقيا، حيث بات الأمريكيون يحتلون المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب، ولاسيما في قطاع الطاقة، على رغم أن فرنسا لا زالت محافظة على مركز الشريك التجاري الأول.

ويأمل الفرنسيون، من خلال الشراكة التي ستُوقع في نوفمبر المقبل، والتي تشمل مدّ فرنسا بمصادر الطاقة التقليدية مقابل مساعدة الجزائر على تطوير مصادر الطاقة الجديدة، وخاصة الطاقة النووية، استعادة مركزهم في الجزائر مع إيجاد صيغ زِئبقية لمراعاة حساسية الجزائريين لملف الحقبة الاستعمارية.

ومعروف أن تصويت البرلمان الفرنسي في فبراير 2005 على قانون أثنى على “الدور الإيجابي للاستعمار”، أثار عاصفة من الاحتجاجات في المغرب العربي، وبخاصة في الجزائر، التي دفعت أعلى فاتورة من الشهداء والخسائر جرّاء الاحتلال الفرنسي الذي استمر 132 عاما.

وعندما زار ساركوزي، زعيم حزب “الإتحاد من أجل الشعب” ومرشحه للانتخابات الرئاسية الجزائر في شهر نوفمبر 2006 بصفته وزيرا للداخلية، وجد استقبالا باردا، لأنه كان من الصقور الرافضين للاعتذار، ولما أعِـيد طرح الموضوع عليه في هذه المرة، أجاب بكل بساطة “ذلك بات تاريخا… لننظر إلى المستقبل”.

اتحاد متوسطي في 2008؟

وشرح ساركوزي في حديث أدلى به لصحيفتي “الخبر” و”الوطن” الجزائريتين، أنه لم يعش حرب الجزائر ولا هو من ذلك الجيل، وإنما جاء إلى الجزائر اليوم “كصديق مليء بالإرادة من أجل إقامة تفاهم بين شعبين سيدين مستقلين، يحترم أحدهما الآخر”، وعلى هذا الأساس حاول ساركوزي في المحطّـتين، الجزائرية والتونسية، من جولته المغاربية تسويق مشروع “الإتحاد المتوسطي”، الذي بشر به منذ كان مُرشحا للرئاسة.

وفي تونس، التي تحاول فرنسا أن تحافظ على موقعها فيها في مواجهة تنامي الحضور الاقتصادي والسياسي والعسكري، وحتى الثقافي الأنكلوساكسوني، وجد ساركوزي لدى مخاطبيه ترحيبا بمشروعه، على رغم أن الإتحاد الأوروبي لا زال متلكِّـئا في تبنِّـيه، لكن مصادر فرنسية أكدت لسويس أنفو، أن المشروع لا زال غير مكتمل، وأنه يحتاج إلى مزيد من البلورة والتدقيق قبل عرضه رسميا على بلدان الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، بعد اعتماده من المؤسسات الأوروبية، ومن المتوقع أن يكون جاهزا في أواخر السنة الجارية لطرحه في اجتماع قمة أو في مستوى وزراء الخارجية، يعتزم ساركوزي الدعوة له في النصف الأول من العام المقبل.

رشيد خشانة – تونس

الجزائر (رويترز) – ضغط الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أجل مزيد من التعاون في مجال الطاقة أثناء زيارة إلى الجزائر، أكبر شريك تجاري إفريقي لبلاده، يوم الثلاثاء 10 يوليو، في أولى رحلاته خارج أوروبا منذ انتخابه في مايو الماضي.

وقال ساركوزي، بعد محادثات مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إنه يأمل في العودة إلى الجزائر، العضو في أوبك، في زيارة أكثر تركيزا على العلاقات التجارية والمبادلات في نوفمبر المقبل، لاتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المستعمرة الفرنسية السابقة، وتابع “ستكون لدينا الفرصة لتقديم مقترحات ملموسة في نوفمبر”، مضيفا أن تلك المقترحات ستشمل “طاقة اليوم وطاقات الغد، بما في ذلك الطاقة النووية”، وقال “نحن نعلق أهمية كبيرة (على زيارة نوفمبر)، ونتوقع تحقيق نتائج ملموسة”.

ويقول ساركوزي، إن شركات الطاقة الفرنسية يجب أن تكون لها علاقات أوثق مع شركة الغاز الجزائرية العملاقة سوناتراك، مثيرا احتمال حدوث ارتباط بين شركة غاز دو فرانس وسوناتراك، ولم يعلق القادة الجزائريون على الفكرة.

وقال ساركوزي، إن بوتفليقة طلب منه دعم القطاع غير النفطي في الجزائر وأثار مسألة مستقبل الجزائر بعد نفاد مخزون النفط والغاز.

والجزائر مستعمرة فرنسية سابقة، في حين كانت تونس محمية فرنسية مثلما كان المغرب، الذي يعد أوثق حلفاء فرنسا في المغرب العربي.

وكان من المقرر أن تشمل جولة ساركوزي المغرب، لكن الرباط أجلت استقباله، بسبب مشاكل تتعلق بالمواعيد، وأدهش التصرف المغربي كثيرين في المنطقة، وقال دبلوماسيون إن السبب الحقيقي يرجع إلى غضب الرباط من بدء ساركوزي جولته بزيارة المنافس الإقليمي الجزائر، ولم يصدر أي تعليق رسمي من الرباط.

ويرتبط زعماء المغرب بعلاقة وثيقة مع جاك شيراك، سلف ساركوزي، وتمتعوا بدعم شيراك في نزاع الصحراء الغربية، السبب الرئيسي للخلاف بين المغرب والجزائر.

ويريد ساركوزي أسلوبا جديدا في سياسة فرنسا الإفريقية، التي قال إنها كانت في ظل شيراك شبكة متآلفة من الروابط الشخصية.

وفي مقابلة مع صحيفتي الوطن والخبر الجزائريتين دافع ساركوزي عن رفض فرنسا منذ زمن بعيد الاعتذار عن أفعالها الاستعمارية في الجزائر، وقال إن الزعماء يجب أن يركزوا على المستقبل.

وطالما طلبت الجزائر أن تعتذر فرنسا عن أعمال القتل أثناء حكمها الاستعماري، الذي استمر 132 عاما والذي انتهى بالاستقلال في 1962.

وقال ساركوزي، إنه شرح خطته لقيام اتحاد متوسطي، وهي علاقة شراكة رسمية بين الدول الأوروبية الجنوبية وجيرانها في شمال إفريقيا، ولم يعط تفاصيل.

وقال رئيس الوزراء الجزائري السابق رضا مالك، إن رد الجزائر على خطة ساركوزي بشأن اتحاد متوسطي، سيعتمد على حل لنزاع الصحراء الغربية التي ضمها المغرب في 1975.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 يوليو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية