مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“النموذج الكوري” لبقاء القوات الأمريكية في العراق

جندي أمريكي من "وحدة برافو" التابعة للكتيبة الرابعة من فوج المشاة 31 أثناء عملية البحث عن الجنديين المختطفين في منطقة قرب اليوسفية (20 كلم عن بغداد) يوم 29 مايو 2007 Keystone

للوهلة الأولى، بدا الأمر وكأنه إعلان لـ "مبدإ بوش" فيما يتعلق بمستقبل السياسة الأمريكية في العراق.

ففي الوقت الذي تضغط فيه أطراف أمريكية وعراقية في اتجاه تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس بوش يفكِّـر في “التجربة الكورية” الجنوبية كنموذج لحالة العراق، وفهمت المسألة على الفور باعتبار أنها تتعلق ببقاء طويل – قد يصل إلى 50 سنة – للقوات الأمريكية هناك.

في واقع الأمر، فإنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها سياسيون أمريكيون فكرة النماذج للتعبير عما يتصورونه فِـعليا أو ما يأملون فيه أو ربما ما يرغبون في تسويقه بشأن العراق.

فقد جرى الحديث مِـرارا عن النموذج الياباني أو النموذج الألماني، بل أن كولين باول، وزير الخارجية الأمريكي السابق قد أستخدم تعبير “النموذج الكوري”، ذات مرة في يونيو 2004 في نفس السياق.

كان مفهوم أيضا طِـوال الوقت، أنه بعيدا عن توجُّـهات واشنطن الرسمية، التي أكّـدت مِـرارا أن القوات ستبقى في العراق حتى “انتهاء المُـهمة” ولن تبقى يوما واحدا إضافيا، يوجد سيناريو شِـبه مُـعتمد للإبقاء على قوة تُـقدَّر بما بين 40 إلى 60 ألف جندي في قواعد عسكرية دائمة داخل العراق، في إطار محددات لا تجعل منها قوة احتلال أو على الأقل تبدو كذلك، فما الذي يُـضيفه النموذج الكوري إلى ما كان متصوّرا من قبل؟

تصورات واشنطن

طوني سنو، الناطق باسم البيت الأبيض، قدّم إطارا محدّدا، استنادا على هذا النموذج، أشار فيه إلى أن الوضع في العراق يتطلّـب وقتا طويلا للتعامل معه، ولكنه لا يتطلّـب تواجُـدا قتاليا للقوات الأمريكية في الجبهة الأمامية للحرب بشكل دائم، وبالتالي، ستتّـجه الإدارة الأمريكية إلى نقل المسؤوليات الأمنية الأساسية إلى القوات العراقية، ثم تقديم الدعم الضروري لها من آن لآخر، فسوف يستمِـر وجود القوات لإرساء الاستقرار، لكن ليس للقيام بدور قتالي.

لم يحاول سنُـو أن يلتفّ طويلا حول المشكلة التي يواجهها هذا النموذج، فهو يُـدرك ببساطة – حسب تصريحاته – أن الدور الخاص بحفظ الاستقرار للقوات الأمريكية في حالة كوريا الجنوبية، قد ارتبط بحدوث تحول ديمقراطي ناجح، جعل فِـكرة الحِـفاظ على الاستقرار قابلة للعمل، بعكس الحال في دولة كالعراق، تُـواجه احتمالات الحرب الأهلية والتفكُّـك الجغرافي، وبالتالي، لا يوجد استقرار للحفاظ عليه.

كما حاول البيت الأبيض أن يتعامل مع الملمح المباشر للنموذج الكوري، وهو أن ثمة بقاء طويل شِـبه دائم، يمثل السيناريو القادم في مواجهة مطَـالب حادّة (لم تكن قائمة في حالة كوريا بتلك الصورة) بانسحاب تلك القوات، فقد تمّ نفي فكرة أن المسألة تتعلق بقواعد دائمة لمدة 50 سنة مثلا، لكن لم يتم تأكيد العكس بأن القوات لن تستمر فترة طويلة، لأن البقاء يستند على دعوة حكومةٍ لديها الحقّ أيضا في طلب سحبها، وهي مسائل نظرية.

وعادة ما لا توجد جدوى من مناقشة ما إذا كان لدى الإدارة الأمريكية بالفعل تصورات لكل أبعاد ما تطرحه، وحتى “طونى سنو”، لم تكن لديه إجابات على كل الأسئلة، فربّـما يتعلق الأمر بتوجّـهات تجريبية أخرى أو بأوراق لعب باقية، فالمهم كما قال سنو، أن بوش يرغب في أن يكون للولايات المتحدة دور في العراق في نهاية المطاف، مشابه لدورها في كوريا الجنوبية، ويؤيِّـده في ذلك وزير الدفاع ووزيرة الخارجية وجنرالات في البنتاغون.

التجربة الكورية

إن مشكلة النموذج الكوري هي أنه أبسط بكثير من أن يكون ملائِـما لحالة العراق. فالأمر في كوريا يتعلّـق بوجود حوالي37500 جندي أمريكي تمّ نشرهم في كوريا الجنوبية لردع كوريا الشمالية عن مهاجمتها، في ظل حالة حرب لا تزال مستمرّة بين الدولتين عبر أكثر من نصف قرن، استنادا على اتفاقية دِفاع مشترك أبْـرِمت بين الجانبين عام 1953، تمّ بموجبها إنشاء قواعد دائمة ويُـمكن الانسحاب من المعاهدة بعد سنة من تاريخ إبلاغ الطرف الآخر بتلك الرغبة، وحدث ذلك بالفعل، لكن في النموذج الفلبيني.

لقد كان ثمّـة شعور كوري جنوبي وقتها، وحتى الآن بالتهديد الخارجي، وتمّ النص في المعاهدة بالفعل على تلك المهمة الخاصة برَدع الاعتداءات الخارجية، بينما يبدو الأمر في حالة العراق مُـختلفا.

فعلى الرغم من أن هناك تدخلات من جانب كل دول الجوار في شؤون العراق، تبدو المهمّـة فيه داخلية، لِـذا، لن يكون هناك توافق داخلي عراقي حول مهمّـة تلك القوات، بعكس الحالة الكورية، بل أن ثمة مُـعضلة، وهي أن التهديدات الخارجية باجتياح شمال العراق، تأتي من دولة حليفة لواشنطن هي تركيا.

ولقد استند النموذج الكوري على بند يُـتيح للقوات الأمريكية السّـيطرة الكاملة على قواعدها العسكرية، بما في ذلك تحديد نُـظم التسليح، التي يتم إدخالها إليها وتحديد اتِّـجاهات عمل القوات بالتشاور مع الحكومة الكورية، لكن خِـبرة العمل الفعلية أثبَـتت أنه عندما تصِـل الأمور إلى حالة الحرب، فإن القرار يرتبط بالتوجهات الأمريكية في الأساس، فالاتِّـفاقيات لا تسري تقريبا في زمن الحرب.

وهناك تفاصيل حول تنظيم أوضاع القوات فيما يتعلق بالحقوق والواجبات وإجراءات الحدود والاختصاص الجنائي وحمل السلاح والرسوم الجمركية والتعامل مع المواطنين الكوريين، وهي أمور تسبّـبت في مشاكل لا أول لها ولا آخر بين سول وواشنطن، وأفرزت مُـيولا وتظاهرات مضادّة أحيانا لوجود القوات الأمريكية، لكنها لم تكُـن تستعصِ على الإدارة من جانب الطرفين، كما يحدث في كل النماذج الأخرى.

النموذج العراقي

إن مشكلة العراق – كما تمّـت الإشارة – هي أن هناك حالة حرب داخلية مُـوازية لعمليات مقاومة الاحتلال، ويوجد مَـن يعتقد أن رحيل القوات الأمريكية يُـمكن أن يقود إلى قيامه بتحقيق انتصار مدوي في تلك الحرب، وبالتالي، لا يوجد توافُـق عراقي على وجودها، بل أن هناك من يخُـوضون مقاومة مسلّـحة ضدها، إضافة إلى عناصر القاعدة، التي تعتبر الولايات المتحدة “دار حرب”، بصرف النظر عن قضية العراق، لذا، فإنه حتى لو اتّـفق كل العراقيين على بقاء تلك القوات، سيظل هناك من يعمل ضدها.

لكن ثمّـة اتجاه عراقي سائد بأن تِـلك القوات لن تنسحب بمعنى المُـغادرة الفورية النهائية، وما تطالب به عمليا مُـعظم الفصائل السياسية الرئيسية المعارضة لوجودها، هو جدولة انسحابها، لذا، فإنه لا مفرّ بالنسبة لكثير منها من إبرام “اتفاق بقاء مؤقت”، إذا تم حل المشكلات السياسية القائمة، إلا أن المثير هو أن الشروط التي بدأ بعض الكتّـاب العراقيين في رصدها كبنود لاتفاقية الاستضافة المفترضة، تكاد تكون شروط إذعان يتحوّل معها الجنود الأمريكيون إلى سجناء أو رهائن في العراق، وهو ما يُـشير إلى بوادر مشكلة.

المشكلة الأهم، أن العراق سيُـواجه نفس معضلة دول الخليج مع القواعد الأمريكية المتواجدة فيها، وهي أن الولايات المتحدة لديها مشكلة مع دولتين مجاورتين لها، إيران وسوريا، وهناك احتمالات حرب يُـمكن أن تنشُـب فعليا بين القوات الأمريكية وإيران، وهنا قد تتحوّل العراق إلى قاعدة انطلاق أو مسرح عمليات بصورة يبدو أنه لن يمكنها تجنّـبها، وتتعقّـد الأمور بالنظر إلى وجود فصائل في الحكومة، ذات ارتباطات إيرانية.

واشنطن مرة أخرى

على الجانب الأمريكي، تبدو مشكلات الإبقاء على القوات في العراق، أعقد حاليا من مشكلات سحبِـها من أراضيها. فالمعلِّـق الأمريكي جيم هوغلاند يرى – تعليقا على ما أثير بشأن هذا النموذج – أن مهمّـة الرئيس بوش هي إقناع الشعب الأمريكي بأن الحرب في العراق ليست إعادة لحرب فيتنام، بينما يُـواجه فشلا مروِّعا في تلك المهمة، وأن أفضل أمل للرئيس حاليا، يتمثل في إقناع الأمريكيين بأنه باستمرار المساعدة الأمريكية، لا يزال العراق قادِرا على أن يُـصبح كوريا الجنوبية.

إن النموذج الكوري تاريخيا، يرتبط بإمكانية إحداث تغيير إيجابي في الدولة الهدف، بينما يتصاعَـد توجّـه داخل الرأي العام الأمريكي بأن ما حدث كان حربا فاشلة، وأن العراق لن تتعافى وأنها لا تستحقّ الجُـهد المبذول فيها أحيانا، وبالتالي، فإن معركة البقاء في العراق، بالنسبة للرئيس الأمريكي، أصبحت مشكلة، خاصة في ظل تأثير الديمقراطيين على عملية صُـنع القرار في واشنطن، فالأمريكيون يفكِّـرون في نموذج للخروج وليس البقاء.

لقد بدا من تصريحات “طونى سنو”، أن ثمّـة نوع من التفكير في مثل ذلك الاحتمال، إذا ما بدأت سيناريوهات أسوأ حالة في الظهور. فعلى الرغم من أن إدارة بوش لا تزال مُـصرّة على أنها لن تترك العراق ولا تريد أن تقدّم إيحاءا بأنها ستفعل ذلك للأطراف التي تحلم بملء الفراغ، فإنها أيضا تُـدرك أنها لا يمكنها الإبقاء على قوات كبيرة العدّد بفعل قيود الكونغرس، وأن القوات التي سيتم الإبقاء عليها، قد تجد نفسها في موقف لا تُـحسد عليه، إذا تفجّـر الموقف، لذا، تم الحديث عن “الدعم العابر للأفق”، فالدفاع عن العراق لن يعتمد فقط على قوات القواعد الداخلية، وهذه مجرّد مقدِّمات سيناريو بديل في المستقبل.

إن نموذج كوريا الجنوبية في حقيقة الأمر، نموذج لحالة من “الشرق الأقصى”، تتم محاولة لتطبيقه على دولة تقع في الشرق الأوسط المختلف، بحيث يبدو كإطار لمحاولة الخروج “نظريا” من المشكلة، بأكثر مما يمكنه أن يؤدّي إلى التعامل معها. فالعراق يحتاج لنموذج عراقي لم يتوصّـل إليه أحد بعد.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

واشنطن (رويترز) – قال البيت الأبيض يوم الأربعاء 30 مايو، إن الرئيس جورج بوش يرغب في وجود طويل الأجل للقوات الأمريكية في العراق على غِـرار تمركزها في كوريا الجنوبية لإرساء الاستقرار، ولكن ليس للقيام بدور قتالي في الخطوط الأمامية.

وجاء هذا التصريح، فيما عقد بوش، الذي يواجه ضغوطا لتوجيه الأطراف المتحاربة في العراق إلى المصالحة السياسية، مؤتمرا عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونائبي الرئيس العراقي السني طارق الهاشمي والشيعي عادل عبد المهدي.

وقال جوردن جوندرو، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، إن بوش حثهم على إحراز تقدم باتجاه إنجاز قانون لاقتسام عوائد النفط وإصلاحات سياسية، وأضاف “الأمر يتعلق بضرورة جمع كل الأطراف في العراق”.

وتحتفظ الولايات المتحدة بآلاف من جنودها في كوريا الجنوبية منذ نحو 50 عاما لحمايتها من أي غزو كوري شمالي محتمل.

ويضغط الديمقراطيون، الذين يُـهيمنون على الكونغرس على بوش، كي يوافق على تحديد جدول زمني لسحب القوات من العراق، وهو ما يعارضه الرئيس بشدة.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض طوني سنو، إن بوش يرغب في أن يكون للولايات المتحدة دور في العراق في نهاية المطاف مشابه لدورها في كوريا الجنوبية، والذي خلاله “يصل إلى مرحلة في المستقبل تريده عندها أن يكون نموذجا للدعم”.

وأضاف للصحفيين “النموذج الكوري، هو نموذج توفر فيه الولايات المتحدة تواجدا أمنيا.. لكن كان هناك تطور لديمقراطية ناجحة في كوريا الجنوبية على مدى سنوات.. ولذلك، فالولايات المتحدة متواجدة هناك كقوة إرساء استقرار”.

وقال هاري ريد، زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ في بيان، إن على بوش أن “يدرك الواقع على الأرض في العراق”، وهو أن القوات الأمريكية غارقة في حرب أهلية عراقية، وثمة حاجة ماسة إلى تغيير في المسار.

وقال ريد “يعلم الديمقراطيون أن الأمريكيين يريدون خُـططا واقعية لا المزيد من تصريحات البيت الأبيض وتوقعاته المشرقة وأفضل تصوراته. قواتنا والشعب الأمريكي يستحقون أفضل من ذلك”.

ويثير جيران العراق مخاوف بشأن احتمال أن تحتفظ الولايات المتحدة بقواعد دائمة في العراق، ويرى بعض المشرعين الأمريكيين أن الصراع في العراق ربما تغذّيه تصورات عن عزم الولايات المتحدة الاحتفاظ بوجود دائم في البلاد. ودأبت واشنطن على نفي تطلُّـعها إلى قواعد دائمة في العراق.

وقال سنو، إن القواعد الأمريكية في العراق لن تكون دائمة بالضرورة، لأنها ستكون هناك بناء على دعوة الحكومة المضيفة و”الشخص الذي يقدم الدعوة له الحق في سحبها”، وتابع يقول “أعتقد أن ما يريد أن يوضحه (بوش)، هو أن الوضع في العراق.. وفي الحقيقة الحرب الأوسع على الإرهاب.. هي أمور ستستغرق وقتا طويلا، لكن لن تتطلب دوما تواجدا قتاليا متقدما”، وأردف “يقول الرئيس دائما إنك سترغب في نهاية المطاف في تسليم المسؤولية الأساسية للعراقيين، أنت توفر الدعم… الضروري من آن لآخر لمساعدة العراقيين، لكنك لا تريد الولايات المتحدة في المقدمة إلى الأبد”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 مايو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية