مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الوضع الإنساني في العراق من بين الأخطر في العالم”

Keystone

أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقريرا أكدت فيه بأن معاناة العراقيين بعد مرور 5 سنوات على بداية الحرب تعتبر من الأوضاع الإنسانية الأكثر تأزما في العالم. ومما زاد الأزمة الحالية تفاقماً هو "استمرار الآثار الناجمة عن النزاعات المسلحة السابقة وسنوات العقوبات الاقتصادية".

من جهتها، نشرت منظمة العفو الدولية بيانا أشارت فيه إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت سائدة في عهد صدام لم تتوقف في البلاد، بما في ذلك المناطق الكردية المستقرة.

جاء تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الصادر في جنيف يوم 17 مارس الجاري بمثابة حوصلة للمعاناة التي يعيشها المدنيون في العراق بعد مرور 5 سنوات على بداية حرب الولايات المتحدة وحلفائها ضد بلادهم، والتي أدت إلى الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

الحصيلة التي توصلت إليها اللجنة الدولية للصليب الأحمر تتلخص في أن “تحسن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق العراقية يجب ألا ينسينا بأن ملايين الأشخاص لا يزالوا يعانون يوميا من القتل والاستهداف المباشر للمدنيين”.

الوضع الإنساني الأكثر تأزما في العالم

وتقول رئيسة قسم العمليات بفرع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بياتريس ميجيفاند روغو، في بيان صادر عن اللجنة الدولية “لا يجب أن ينسينا تحسن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق العراقية مصير ملايين الأشخاص الذين لا يزالوا يعانون يوميا، ومن ضمنهم عائلات النازحين واللاجئين، والأطفال والشيوخ والمعوقين، والمعتقلين أو من أجبروا على العيش بعيدا عن ذويهم”.

وترى اللجنة الدولية أن الأوضاع الإنسانية في العراق بعد 5 سنوات من بداية الحرب “لا زالت في القسم الأكبر من البلاد من أكثر الأوضاع تأزما في العالم”؛ إذ يعاني ملايين العراقيين من تعذر الحصول على المياه الصالحة للشرب والاستفادة من شبكات الصرف الصحي ومن مراكز العلاج الطبية.

وما يزيد الطين بلة حسب اللجنة الدولية “مخلفات استمرار الصراع المسلح الذي أتى بعد سنوات طويلة من الحصار الاقتصادي”.

استهداف المدنيين

ويشير تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول الأوضاع الإنسانية في العراق بالخصوص إلى استمرار استهداف المدنيين رغم التحسن الأمني الذي عرفته بعض المناطق العراقية؛ ويؤكد في هذا السياق أنه “على الرغم من التحسن الأمني في بعض المناطق، مازال عراقيون يتعرضون للقتل أو الإصابة بجروح يوميا إما في قتال أو في عمليات اعتداء”.

وينوه بالتحديد إلى ما يتعرض له المدنيون “الذين يُستهدفون يوميا وعن قصد، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الإنساني الدولي”. والنتيجة حسب اللجنة الدولية “أن العديد من العائلات العراقية لا تخلو من وجود مريض بها أو جريح أو مختف أو معتقل أو مجبر على العيش بعيدا عن ذويه”.

ومن القطاعات التي يعاني منها العراقيون بالدرجة الأولى بعد الأمن، نقصان الرعاية الصحية والوصول إلى المياه الصالحة للشرب والكهرباء، وهذا رغم الجهود التي تبذلها اللجنة الدولية بشكل دوري، إما في مجال الرعاية الصحية أو في مجال إصلاح شبكات توزيع المياه.

وقد حذرت اللجنة الدولية في تقريرها من أنه “إذا ما أردنا تجنب زيادة تفاقم الأزمة، يجب إعطاء الأولوية للاحتياجات اليومية للعراقيين”. كما وجهت اللجنة نداءا “لكافة الأطراف من أجل احترام معايير القانون الإنساني الدولي”، سواء كانت حكومية أو غير حكومية.

أتعس من فترة حكم صدام

أما منظمة العفو الدولية، التي تتخذ من لندن مقرا لها، فأصدرت بدورها بيانا عرضت فيه حصيلة الانتهاكات في فترة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين وذلك تحت عنوان “خمسة أعوام من التقتيل واليأس”؛ إذ أشارت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان إلى أنه “بعد خمسة أعوام من إسقاط نظام صدام حسين من قبل القوات الحليفة التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية، لا زال العراق إحدى أخطر البلدان في العالم في مجال حقوق الإنسان”.

وتضيف العفو الدولية في بيانها “على الرغم من إنفاق ملايين الدولارات على الجانب الأمني، لازال ثلثا العراقيين غير مستفيدين من حق الحصول على المياه الصالحة للشرب، ويعتمد الثلث على المساعدات الغذائية الطارئة للبقاء على قيد الحياة”.

أما أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية في بيانها فجاء كالتالي: “إذا كان نظام صدام حسين من أكبر المنتهكين لحقوق الإنسان، فإن النظام الذي خلفه لم يجلب أي تحسن للشعب العراقي”، على حد تصريح مالكوم سمارت، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة.

وبعد أن عددت الاعتداءات المتعاظمة على الحق في الحياة التي أصبحت تستهدف كل الفئات في العراق، قالت منظمة العفو الدولية “إن الطوائف التي كانت تتعايش مع بعض من قبل، زُج بها اليوم في صراع مفتوح (…) وأصبح وضع غالبية النساء مهددا بالتقهقر عما عرفنه في زمان صدام حسين بسبب تهديد الميليشيات الدينية”.

انتهاكات حتى في القسم الكردي المستقر

وأضافت منظمة العفو الدولية “حتى في القسم الكردي الذي ينعم باستقرار في شمال العراق لم يرافق النمو الاقتصادي بارتفاع في مستوى احترام حقوق الإنسان”، إذ أشارت إلى أن “التقارير ما زالت تتوارد حتى من المناطق الكردية عن الاعتقالات التعسفية وممارسة التعذيب وعن اعتقال المعارضين بدون محاكمة وعن جرائم الشرف التي لم تفلح السلطات في اتخاذ إجراءات ناجعة ضدها رغم انتقادها لها”.

وعن عدد الضحايا الذين خلفتهم حرب العراق بقيادة الولايات المتحدة منذ عام 2003، أجابت المنظمة “لا أحد بإمكانه اليوم تقديم أرقام دقيقة”، لتعود إلى الإحصائيات الفريدة التي قامت بها منظمة الصحة العالمية بالاشتراك مع وزارة الصحة العراقية في عام 2006 والتي نشرت في شهر يناير الماضي وأشارت إلى مقتل 150 ألف عراقي حتى شهر يونيو 2006. وقد أوضحت منظمة الأمم المتحدة في آخر تقرير لها أن عام 2006 عرف مقتل أكثر من 35 ألف عراقي.

وتعتقد منظمة العفو الدولية أن “الحكومة العراقية كانت مقصرة حتى في القطاعات التي كان بإمكانها تحقيق تحسن فيها مثل المحاكمة العادلة، أو تجنب انتزاع الاعترافات بالتعريض للتعذيب، أو بإصدار أحكام عقوبة الإعدام ضد مئات الأشخاص”.

وينتهي مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية مالكوم سمارت إلى أن “السلطات العراقية، حتى في حالة مواجهتها بأدلة قاطعة عن حالات التعذيب، فإنها لم تستطع تقديم الجناة للمحاكمة” وأن “الولايات المتحدة وحلفائها لم يطالبوها بالقيام بذلك”.

سويس انفو – محمد شريف – جنيف

أعرب المقرر الأممي الخاص المعني بمناهضة ممارسة التعذيب، مانفريد نوفاك، عن استغرابه لرفض الولايات المتحدة الأمريكية السماح له بزيارة مراكز الاعتقال في العراق. وفي حديث للصحافة، أعرب السيد نوفاك عن دهشته إزاء هذا الرفض خصوصا أن هناك تحسنا في ظروف الاعتقال منذ فضيحة سجن أبو غريب.

وأضاف السيد نوفاك بأن “الولايات المتحدة الأمريكية تعلل هذا الرفض بكون السجون الواقعة تحت سلطتها لا تخضع للقانون الدولي أثناء الصراعات المسلحة، وأن زيارتها لا تقع ضمن مهمتي بل من اختصاص اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تعد تقارير سرية”. وأكد المقرر الخاص أن “العديد من الخبراء الأمميين يعارضون هذا التعليل”.

(…) رغم التحسن الأمني المحدود في بعض المناطق، ما زال العنف المسلح يخلف أثراً كارثياً. ومازال المدنيون يذهبون ضحية العمليات القتالية. أما الجرحى فلا يتلقون في غالب الأحيان ما يكفي من الرعاية الطبية. ويضطر ملايين الناس إلى الاعتماد على إمدادات قليلة من الماء ذي الجودة الرديئة لأن نظم الماء والصرف الصحي تعاني من قلة الصيانة والمهندسين.

العديد من العائلات تضم أفراداً اضطروا بسبب النزاع إلى الفرار من بيوتهم تاركين وراءهم ذويهم يصارعون يومياً من أجل كسب لقمة العيش. وزادت محنتهم خطورة بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة وارتفاع البطالة.

ولتفادي أزمة أسوأ لابد من تكثيف الجهود لتلبية احتياجات العراقيين اليومية، لأن الأولوية تقضي بتوفير الرعاية الصحية والكهرباء والماء النقي والصحة بانتظام لكل عراقي سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلاً. علاوة على هذا يجب على كل المشاركين في النزاع وأولئك الذين يمارسون نفوذا عليهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم لضمان عدم إلحاق الأذى بالمدنيين والطواقم والمرافق الطبية. وهذا واجب ينطبق بموجب القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع المسلح كافة، من الدول وغير الدول.

وبالرغم من صعوبة الوضع الأمني، تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من مساعدة مئات الآلاف من العراقيين الأكثر حاجة. وظلت تعمل جنباً إلى جنب مع المنظمات المحلية لضمان حصول الناس في جميع أنحاء البلاد على المساعدة التي هم في أمس الحاجة إليها.

إنه من العسير جداً الحصول على إحصائيات دقيقة وشاملة عن حالة الخدمات العامة في العراق. فهذا التقرير يستند إلى استنتاجات وملاحظات خلص إليها موظفو اللجنة الدولية من خلال اتصالاتهم المنتظمة مع موظفي المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية ومرافق الماء والصرف الصحي والسلطات العامة والمنظمات الأخرى.

(المصدر: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف 17 مارس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية