مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الوقت مهيّأ الآن للانخراط أكثر في سوق الصيرفة الإسلامية”

تشهد الصيرفة الإسلامية توسعا وإنتشارا قويا حتى خارج البلدان الإسلامية، وتنظر إليها المصارف والبنوك الكبرى كبديل قد يساعدها على الخروج من الأزمة المالية القائمة. AFP

يرى خبير سويسري أن التحدي الذي تواجهه سويسرا بسبب تطوير أنظمة المصارف الخاصة في منطقة الشرق الأوسط هو أعظم وأخطر من الانعكاسات التي سوف تنجر عن الحظر الذي فرض على بناء المآذن في البلاد.

ومع ذلك، يعتقد المراقبون في المجال المصرفي أن التصويت على حظر المآذن المثير للجدل، وما تبعه من إدانات، يمثّل تحذيرا للقطاع المالي في سويسرا ويدعوه إلى تطوير خدمات الصيرفة الإسلامية.

وتترقّب سويسرا بكل حذر لترى إلى أي حد ستؤثر نتيجة إستفتاء 29 نوفمبر التي فرضت حظرا على تشييد المزيد من المآذن على صورة سويسرا وعلى مصالحها في الخارج.

فإلى حد الآن، انفردت تركيا برد فعل انتقامي ملموس من خلال دعوتها لمواطنيها ورجال أعمالها بسحب ودائعهم من المصارف السويسرية، لكن جمعية المصرفيين السويسريين لا تتوقّع أن يقدم الأثرياء العرب على سحب أصولهم المالية المودعة في المصارف السويسرية والبالغة 200 مليار دولار أمريكي.

وأوضح جيمس ناسون، الناطق بإسم جمعية المصرفيين في حديث إلى swissinfo.ch أن “الحرفاء المسلمين مستثمرون حذرون جدا، وهم معجبون بمهارة وجودة الخدمة، وبالإرشادات والأداء الجيّد الذي تقدّمه إليهم المصارف السويسرية. فالمال لا دين له”.

جون ساندفيك، رئيس مجموعة المعاملات المالية الإسلامية وإدارة الثروة بجنيف، أوضح كذلك ان حظر المآذن في سويسرا قد أثار الاستياء في الشرق الأوسط، لكن ليس بالقدر الذي يطلق شرارة ردود فعل انتقامية من طرف الأثرياء المسلمين.

وأضاف ساندفيك: “لقد ارتكبت سويسرا عملا مسيئا حقيقة ضد أشخاص بإمكانهم أن يلحقوا الضرر بنا، لكن يبدو أن هذه المرة لن يكون لها تأثير كبير على المصارف السويسرية الخاصة على المدى البعيد”.

المنافسة المحلية

نظرا لما سجّلته المصارف السويسرية من تراجع في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وما عانته بسبب معركة السر المصرفي هناك، تولي هذه المؤسسات المالية المزيد من الاهتمام لمنطقة الشرق الأوسط، وللبلدان الآسيوية والأسواق الناشئة.

وسويسرا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي استشعرت الآفاق الاستثمارية الرحبة في هذه المنطقة، وهي تواجه ومنذ فترة ليست بالقصيرة منافسة حادة مع لندن، وبدرجة أقل مع باريس، من اجل جذب البترودولار.

لكن يبدو ان الخطر الرئيسي في المستقبل يمكن أن يأتي من المصارف المحلية التي هي بصدد تطوير خدماتها في مجال إدارة الثروات، إلى جانب قسم هام منها مخصص للصيرفة الإسلامية،
ودائما بالنسبة لساندفيك: “مجموعة كبيرة من المصارف المحلية الخاصة (في الشرق الأوسط) هي بصدد تطوير أعمالها المصرفية الاستثمارية الخاصة، وهذا البرنامج المحلي الخاص بإدارة الثروات هو الآن بصدد تدمير القطاع المصرفي الخاص في سويسرا”.

ويعتقد رئيس مجموعة المعاملات المالية الإسلامية وإدارة الثروة بجنيف أن السويسريين قد أضاعوا وقتا طويلا قبل أن يوفّروا لحرفائهم من الشرق الأوسط حزمة من الخدمات المصرفية الخاصة التي تراعي قواعد الشريعة الإسلامية في مجال المعاملات المالية.

فالقواعد الإسلامية تحرّم مثلا الفوائد الرّبوية، أو الاستثمارات التي لها علاقة بالقمار، أو المشروبات الكحولية، أو التبغ، والخلاعة، وإنتاج الخنازير.

الوقت مهيأ الآن

رغم حضور المصارف السويسرية طيلة سنوات في البلدان الغنية المنتجة للنفط، وتقديمها لنوع محدود من المعاملات المالية المراعية لقواعد الشريعة الإسلامية، كخدمة إدارة الثروات بمصرف سرازان، يؤكد ساندفيك أن خطوات المصارف السويسرية في هذا الاتجاه بقيت محتشمة جدا، قبل أن يضيف: “كل المستثمرين المحليين يقولون إنهم يريدون خدمات مالية إسلامية، لكن المصارف السويسرية لا يبدو أنها مهتمة بفعل أي شيء في هذا المجال. الحرفاء المسلمون لا يحصلون على خدمات في مجال إدارة الثروات تراعي الفتاوى الشرعية المرعية (المقررة من العلماء في المجال الشرعي)”.

ويشدد هذا الخبير السويسري على أن الوقت مهيأ للقطاع المصرفي السويسري الخاص لكي يأخذ المبادرة بقوة في واحدة من أهم المناطق الإستثمارية للخروج من الأزمة المالية الحالية، والفوز بإدارة ثروات جديدة.

وهذا الأخير على قناعة بأن المستثمرين المسلمين سوف يبحثون في المستقبل عن ملجأ آمن ومحافظ لودائعهم وأصولهم المالية بعد الخسارة التي منوا بها بسبب استثمارات في منتجات معقّدة.

ورغم أن سمعة المصارف السويسرية قد تضررت نوعا ما بعد تورّطها في أزمة القروض العقارية غير المضمونة، فإن المصارف السويسرية الخاصة لا تزال مع ذلك تحظى بالثقة.
وختم ساندفيك بالقول: “الوقت مهيّأ الآن للانخراط أكثر في سوق الصيرفة الإسلامية، لأن الأطراف الأخرى قد فقدت مصداقيتها”.

ماثيو آلان – swissinfo.ch

(ترجمه من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

تحرّم قوانين الشريعة الإسلامية دفع الفوائد ذات النسبة الثابتة في المعاملات المالية، وهو ما يطلق عليه في الشرع الإسلامي “الفوائد الربوية”. والمنتجات المالية مثل الصكوك والأسهم، التي تخضع لهذا النوع من المعاملات تستخدم ما يطلق عليه نظام المشاركة في أرباح العمليات المالية.

وتعترف الولايات المتحدة وبريطانيا بأن البعض من أرباح رأس المال في الصيرفة الإسلامية لا تخضع للضريبة، لكن أغلب البلدان الأوروبية لا تعترف بهذا المبدأ.

والإستثمار أيضا في ظل هذا النوع من الأنظمة المالية يقتصر على منتجات تحددها فتاوى شرعية صادرة عن علماء الشريعة. فليس من المباح مثلا أن تكون لتلك المنتجات صلة بالقمار، أو الخمور او صناعة التبغ، أو الخلاعة والإباحية، أو إنتاج الخنازير.

لكن هذا النوع من المعاملات يلفه الغموض نوعا ما، خاصة المجالات التي يجوز فيها الاستثمار، في ظل تباين آراء علماء الشريعة واختلاف تأويلاتهم للنصوص الدينية.

ولتجاوز هذا الوضع، ارتفعت دعوات هنا وهناك لإنشاء هيئة شرعية جامعة لإدارة وتنظيم القضايا المتعلقة بقطاع المالية الإسلامية.

والمصارف السويسرية التي تقدّم خدمات مالية تحترم قواعد الشريعة الإسلامية، لا يمكن أن يطلق عليها اسم المصارف الإسلامية، ويقتصر ذلك على المصارف التي توجد في البلدان الإسلامية.

وفي سنة 2006، أصبح بنك فيصل أوّل مؤسسة مالية إسلامية تمارس نشاطها في سويسرا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية