مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“بلاد القرامطة”.. هل أضحت في عيْـن الإعـصـار؟

الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ، ملك البحرين Keystone

الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل هذه الدولة الخليجية الصغيرة، التي تتكوّن من 33 جزيرة والتي يبلغ تِـعداد سكانها الأصليين 500 ألف شخص، يضاف إليهم 500 ألف آخرين من جنسيات آسيوية وإيرانية وعربية.. يؤكِّـد ذلك!

فهو أعلن أن مجموعة الـ 23 معارضاً، الذين تمّ اعتقالهم، حاكُـوا مؤامرة “تهدِف إلى تغيير نظام الحُـكم بوسائل غيْـر مشروعة”، معتبِـراً ذلك “نوعاً من الفِـتنة والإرهاب، وهي أمور محرّمة شرعاً، وغريبة عن شعب البحرين”.

التاريخ، الحديث منه والقديم، يجعلنا أيضاً نَـميل إلى تصديق هذه الرواية. ففي عام 1981 وبعد سنتيْـن من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، دبّـر أصوليون شيعة بحريْـنِـيون، محاولة إنقلاب بإشراف “المنظمة الإسلامية لتحرير البحرين”، بهدف تغيير نظام الحُـكم وجعْـلِـه ثيوقراطياً (دِينياً) برئاسة رجل دِين شيعي بحريني منفي إلى إيران، هو حجّـة الإسلام هادي المدرسي.

وفي عام 1994، شنّ الأصوليون الشيعة موجة من أعمال العنف، أشعلت فتيلها مشاركة النِّـسوة في حدث رياضي. كما اندلعت في العقْـد الأول من هذا القرن، مجابهات بين القوى الأمنية وبين الشيعة الذين يُـمثّلون الغالبية في البلاد (حتى الآن على الأقل، كما سنرى بعد قليل).

وفي التاريخ القديم، شهِـدت البحرين حدثاً جللاً زلزل كلّ منطقة الخليج والعالم الإسلامي. ففي عام 899 ميلادي، سيْـطرت فِـرقة إسماعيلية خَلاصية هي القرامطة على البلاد، وسعَـت إلى خلْـق مجتمع طوباوي يستنِـد إلى العقل وتوزيع كل الملكيات بالتّـساوي بين أتباعها.

وفي عام 930، نهبت الفرقة مكّـة والمدينة ونقلت الحجر الأسود المقدّس لدى السُـنّة من الكعبة إلى قاعدتهم في البحرين، ولم تفرج عنه إلا بعد 22 سنة، تعرّض خلالها الحجر إلى بعض التّـهشيم.

تقاطعات

هذا التاريخ الحافل لهذا الأرخبيل الصغير، الذي تشكّـل فيه الصحراء 92% من مساحته، يتقاطع الآن مع لحظات توتُّـر آنية بفعل تطَـوُّريْـن إثنين: الأول داخلي، ويتمثّل بقرب إجراء الانتخابات. والثاني خارجي، يتعلّق بتصاعُـد التوتر الشديد بين إيران والغرب.

العامل الأول، أي الانتخابات المقرّرة في 23 أكتوبر 2010 (وهي الثالثة منذ جلوس الملك حمد على العرش عام 1999)، أثار موْجة من أعمال العُـنف، التي لم تهدأ حتى الآن، بين النظام الملكي الذي يقوده منذ قرنيْـن آل خليفة، وبين القِـوى الشيعية المعارضة.

معروف أن البرلمان في البحرين يتكوّن من غرفتيْـن: مجلس النواب، الذي يُـنتَـخب كله بالاقتراع. ومجلس الشورى، المعيـّن كلّـه من الملك. بيْـد أن المعارضة الشيعية تقول، إن هذه الديمقراطية هي واجهة لمَـبنى لا وجود له، لأن البرلمان لا يتمتّـع بأي صلاحيات، حيث أن السلطة الكاملة في يَـد آل خليفة، بما في ذلك 80% من الوزارات.

كما يشتكي نُـشطاء الشيعة من وجود تمييز مؤسّـسي ضدّهم. فهم يُـستبعَـدون من وظائف معيّـنة، خاصة في الأجهزة الأمنية، التي تعتبر ربّ عمل هامّ في كل دول الخليج، ويشكُـون من عدم وجود عدد كافٍ من الشيعة في الوظائف الرئيسية في الدولة.

بيْـد أن الحكومة ترد بأن الإصلاحات الديمقراطية التي طبّـقتها، بدأت تُـثمر، وهي تسمح لأيٍّ كان بعرْض تظلماته بطريقة سِـلمية وشرعية وحضارية، وهذا ما لا يلتزم به نشطاء الشيعة، على حدِّ قولها.

وتميل جمعيات حقوق الإنسان إلى تأييد بعض اتِّـهامات هؤلاء النشطاء، فهي تقول إن السلطات اعتقلت هذا الشهر أكثر من 200 شخص، بما في ذلك 20 عضواً في جمعية “الحق” الشيعية، كما تعرّض بعض المُـتظاهرين إلى الخطْـف والتعذيب.

العامل الثاني الخارجي، أي التوتّـر الشديد بين إيران والغرب، يؤثّـر على البحرين بسبب تركيبتها الديموغرافية الخاصة وتاريخها الخاص، وأيضاً لكوْن البلد المَـقرّ العام للأسطول الخامس الأمريكي، الذي يقود العمليات العسكرية في منطقة شاسعة، تمتدّ من البحر الأحمر إلى مياه الخليج والمحيط الهندي.

ويقال هنا، إن إيران التي تُـطالب بين الفينة والأخرى بـ “استعادة” البحرين وضمّها إلى أراضيها، تشعر بامتِـعاض شديد من قيام الحكومة البحرينية بتجنيس أعداد كبيرة من العرب السوريين واليمنيين، بهدف تحويل الأغلبية الشيعية إلى أقلية في البلاد. لذا، (وِفق معلومات غيْـر مؤكّـدة) عمدت بعض الأجنِـحة في الحرس الثوري الإيراني، إلى تحريض بعض المنظمات الشيعية في البحرين على القيام بنشاطات عنفية لزعْـزعة نظام الحُـكم البحريني.

ولا يستبعد المراقبون أن يعمد بعض المسؤولين الإيرانيين إلى إصْـدار بيانات عنيفة عمّـا قريب، تُـطالب مجدّداً بضمّ البحرين إلى إيران، مذكّـرين بأن الإمبراطورية الفارسية حكَـمت هذه البلاد، التي أسميت “البحرين”، بسبب تداخل البحر مع ينابيع المياه الحلوة فيها، من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن السابع مع مجِـيء الإسلام، ثم منذ عام 1602 ولمدّة قرنيْـن، حين فرض عباس من السُّـلالة الصفوية، المذهب الشيعي في البحرين.

أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، تطرّق إلى هذا الاحتمال يوم الإثنين 1 سبتمبر 2010 خلال استقباله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، حين قال إن هذا الأخير “حريص على أن يكون الخليج في أمان وبعيداً عن المشاكِـل التي تُعقّـد الأمور في منطقة تشهد شدّاً وجذباً منذ 30 سنة”. وبالطبع، فإن البحرين – وبسبب مشاكِـلها الديموغرافية واستقبالها لقيادة الأسطول الخامس – تأتي على رأس الدول في الخليج، التي يُـمكن أن تشهد “شدّاً وجذباً” جديديْـن.

أي مخرج؟

هل يُـمكن للبحرين أن تتجنّـب مضاعفات هذه التجاذبات الداخلية والخارجية الحادّة؟ الملك حمد، الذي يعِـي تماماً حجْـم المخاطِـر التي تتعرّض إليها بلاده الصغيرة، أرفق تحذيراته من ممارسة العُـنف والإرهاب، بوعْـدٍ بمواصلة مخطّـطات الإصلاح والعمل على التقريب بين المذاهب الإسلامية عبْـر منظومة تربوية يُـشارك فيها جميع أبناء البحرين. كما أنه أعرب عن ثِـقته بأن شعب البحرين سيتمكّـن في خاتمة المطاف من تسوية خلافاته الداخلية بالطُّـرق السِّـلمية والديمقراطية والحضارية.

وهذا رِهان في محله في الواقع. فالشعب البحريني يُـعتبَـر من الأكثر ليبرالية وانفتاحا وثقافة، ليس فقط في منطقة الخليج، بل أيضاً في كل المنطقة العربية. ويكفي أن نعلم هنا أنه في عام 2005 نشرت البحرين 132 كتاباً لعدد سكّـان لا يصل إلى نصف المليون نسمة، في حين أن المعدّل في العالم العربي برمّـته، كان في ذلك العام سبع كُـتب لكل.. مليون مُـواطن!

لكن، وما لم تتوفّـر ظروف خارجية مُـؤاتية لهذا الشعب كي يُـطوّر تجربته الديمقراطية الوليدة بأمان واستقرار، فإن البلاد ستكون مرشّـحة لمُـعاينة خضّـات واضطرابات قد تكون حادّة في الأسابيع والشهور القليلة المقبلة.

دبي (رويترز) – قال محللون يوم الثلاثاء 7 سبتمبر، إن المخاوف من تحقيق الأغلبية الشيعية مكاسِـب في الانتخابات المقبلة، دفعت البحرين لإلقاء القبض على شخصيات معارضة، تتَّـهمها الحكومة السُـنِّـية بالتخطيط لانقلاب.

ويوم السبت 4 سبتمبر، اتَّـهمت البحرين ما يزيد عن 20 من زعماء المعارضة الشيعية، ألقِـي القبض عليهم في حملة واسعة بالتآمر للإطاحة بالنظام الملكي السُّـني، من خلال دعم احتجاجات تتّـسم بالعُـنف وأعمال تخريب، في تصعيد للصِّـراع القائم بين الحكومة والمعارضة منذ ما يزيد عن عشر سنوات. ومن بين من اعتُـقِـلوا، رجال دِين شيعة بارزون ونشطاء حقوق الإنسان.

ويوم الأحد 5 سبتمبر، استغلّ الملك حمد بن عيسى آل خليفة كلمته التي ألقاها بمناسبة العشر الأواخر من رمضان وبثَّـها التلفزيون لتبرير قرارات الاعتقال، وقال إنها تهدف لوقْـف الاضطرابات المدنية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.

وقال العاهل البحريني في كلمته في خروج نادِر عن المألوف والتحدّث بشكل مباشر عن الاعتقالات: “يضعون أنفسهم في موضِـع من يحمل لواء الاختلاف والفِـتنة ويسعى في الأرض فسادا وارتكاب أعمال العنف والشغب والإرهاب، وأن أحكام الشريعة الإسلامية جاءت واضحة في تحريم ذلك”. وتابع “كذلك جاء القانون الذي هو فوق الجميع لحماية كِـيان المجتمع والدولة وحفظ الأمن ونشر الطُّـمأنينة والسلام”. وقال إن الحكومة ستُـشدد الرقابة على الخُـطب الدِّينية في تحرّك لتعزيز الاعتدال، ولكن لم يتضح ما إذا كان يتحدّث عن الشيعة أو السُّـنة أو الاثنين.

ووقوع اشتباكات ليلية بين قوات الأمن ومحتجين من الشبان الشيعة، الذين يحرقون إطارات سيارات ويلقون قنابل بنزين، من الأشياء التي تحدث باستمرار في البحرين منذ منتصف التسعينات. والبحرين مركز للمُـعاملات المصرفية الخارجية ويوجد بها الأسطول الخامس الأمريكي.

ويقول دبلوماسيون ومحلِّـلون، إن الاعتقالات هي للضَّـغط على المعارضة لتخفيف الاحتجاجات قبل الانتخابات البرلمانية في أكتوبر المقبل. ودعت منظمة هيومان رايتس ووتش الأسبوع الماضي للتحقيق في مزاعِـم تعذيب.

ونشرت وسائل الإعلام أن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والرئيس اليمني علي عبد الله صالح أبلغا الشيخ عيسى هاتفيا يوم الاثنين دعمهما لتحرّكه لتعزيز الأمن والاستقرار.

وقال الكاتب السعودي تركي الرشيد، الذي تابع الانتخابات في البحرين والكويت “تتحرّك الحكومة بصفة أساسية بقوّة بالغة، بسبب الانتخابات. تريد أن تسحب البِـساط من تحت المعارضة. تريد أن تقول إن البلاد في حالة فوضى (لإرهاب الناخبين)، ولكنه غير صحيح”. وأضاف أن التصعيد ضد المعارضة جاء نتيجة فوْز حجّـة الصقور في الجدل الأخير داخل النخبة الحاكمة بشأن كيفية التعامل مع الانتخابات المقبلة. وقال الرشيد “إنها قضية محلية. يوجد فقراء تعوزهم الأموال يريدون وظائف، لذا، يحرقون بعض الأشياء. يمكن السيْـطرة على جميع هذه الأمور”.

ويوجد في الكويت والبحرين البرلمانان المنتخبان الوحيدان في منطقة الخليج، ولكن مشروعات القوانين ينبغي أن يُـقِـرّها مجلس أعلى يعيِّـنه ملك البحرين وأمير الكويت.

وقال تيودور كاراسيك من مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، “إنه موسم الانتخابات من جديد في البحرين. يشدِّدون قبْـضتهم قليلا في مثل هذا الوقت”. وتابع “تخشى الحكومة ممّـا سوف يحدُث. ثمّـة مخاوف من أن تحقق الأغلبية الشيعية مكاسب”.

ويشكو الشيعة من حِـرمانهم من الوظائف الكبرى والمنازل، رغم أنهم يمثلون الأغلبية، بينما تمنَـح الدولة بعض السُّـنة من خارج البلاد الجنسية لتعديل الميزان السكاني. وتنفي الحكومة ذلك.

وتزيد إيران من مخاوف تنامي قوة الشيعة. وتخشى الأسَـر السُـنية الحاكمة في الخليج، أن تستغل الحكومة الشيعية في طهران الشيعة لضرب أهداف غربية في حالة هجوم إسرائيلي أو أمريكي على إيران، بسبب برنامجها النووي.

وتصدر من آن لآخر، تعليقات من مسؤولين إيرانيين، تلمح لمزاعم سيادة على البحرين وبعض مواطنيها من أصل إيراني.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 سبتمبر 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية