مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 تجربة مثيرة للجدل لكنها .. ناجحة!

ألف ومائة مدمن يحصلون حاليا في سويسرا بشكل منتظم على كمية محددة من الهيرويين في إطار برنامج حكومي للوقاية بدأ منذ عشرة أعوام Keystone Archive

يحرص الخبراء في مناسبة احتفال المعهد السويسري للكحول والوقاية من المخدرات بمرور مائة عام على تأسيسه، على التأكيد بأنه يحق للكنفدرالية أن تفتخر بسجلها المتميز في هذا المجال.

ولعل أهم الإنجازات المسجلة في العشرية الماضية يتمثل في النجاح المسجل في مجال مكافحة الإدمان على تناول الهيرويين. فقد بادرت سويسرا في عام اثنين وتسعين باتخاذ قرار جريء غير مسبوق يقضي بتقديم كميات محددة من الهيرويين إلى عشرات المدمنين ولكن تحت رقابة طبية صارمة.

وتحولت التجربة – التي بدأت محتشمة وسط جدل واسع – إلى ممارسة عادية شملت العديد من الكانتونات، حيث يستفيد منها اليوم أكثر من ألف ومائة مدمن يحصلون يوميا على كمية محددة من المخدرات تحت إشراف طبي من آثنين وعشرين مركزا متخصصا تتوزع على الأراضي السويسرية.

ويقوم المدمنون الذين يرشحون لمتابعة البرنامج إما بحقن أنفسهم بالهيروين المنتج بصفة علنية وقانونية من طرف شركة سويسرية لصناعة الأدوية أو بتناول الكمية المخصصة لهم في شكل حبوب. ويفيد مسؤولون أنه يخول لهم في مصحة زيوريخ على سبيل المثال، القيام بهذه العملية إلى تسع مرات في اليوم.

من جهة ثانية، يمكن السماح للأشخاص الذين تابعوا برنامج العلاج لبضعة أشهر والذين يرى المشرفون على معالجتهم أن أوضاعهم أضحت “مستقرة” بأخذ بعض حبوب الهيرويين أو الميتانول معهم إلى بيوتهم لمقاومة حالات الإنتكاس الطارئة.

ردّ حاسم على الإنتقادات

وعلى الرغم من النجاحات التي حققها هذا الأسلوب المبتكر في مكافحة الإدمان، إلا أن منتقديه لا زالوا متمسكين بوجهة نظر تقول إن برنامج تقديم جرعات الهيرويين تحت الرقابة الطبية فشل في إبعاد المدمنين نهائيا عن تعاطي المخدرات. لكن الدكتور دانيال مايلي العضو البارز في “جمعية العمل من أجل تقليص مخاطر الإدمان على المخدرات” يشدد على أن المنتقدين جانبوا الصواب تماما.

ويؤكد مايلي على أن الهدف الأول للعملية يتمثل في تقليص استهلاك هؤلاء الأشخاص للهيرويين ثم إضفاء مزيد من الإستقرار على صحتهم البدنية والنفسية من خلال إبعادهم عن أوساط المتعاطين للمخدرات.

ويضيف الدكتور مايلي في تصريح لسويس إنفو إن الهدف النهائي يظل الإقلاع تماما عن تعاطي المخدرات، لكن العديد من الأشخاص لن يصلوا أبدا إلى هذا الهدف. لذا فان اتخاذ نسبة الاقلاع النهائي عن تعاطي المخدرات مقياسا وحيدا لنجاح التجربة يعني السير في الإتجاه الخطإ لأن هذا ليس هو الهدف الأساسي من التجربة. فلا بد أن يظل الناس على قيد الحياة أولا.”

وتعزز جملة المعطيات المتوفرة بعد العشرية الأولى من المغامرة هذه الرؤية، حيث اتضح أن نسبة الوفيات لدى المدمنين الذين لا يتابعون برنامج العلاج تتراوح ما بين اثنين وثلاثة في المائة سنويا. أي أنها تقدر بعشرين أو حتى ثلاثين في المائة على امتداد السنوات العشر الماضية في صفوف هذه الشريحة من المدمنين!

لذا، ومن الناحية الطبية البحتة، يرى الدكتور مايلي أن برنامج تقديم جرعات من المخدرات تحت الرقابة الطبية يمثل “نجاحا كبيرا” لأنه نجح في إنجاز الهدف الرئيسي المتمثل في”التقليل من عدد الوفيات” على حد قوله.

عوامل أخرى مشجعة

من ناحيته، أشار الدكتور يورغين ريهم مدير معهد الأبحاث حول الإدمان في زيوريخ في معرض تعداد إيجابيات البرنامج إلى ضرورة الإنتباه إلى جملة من العوامل الإضافية المهمة.

فقد اتضح من خلال تجربة العشرية المنقضية إلى أن تركيز الجهود على تقليص حجم الاستهلاك غير الشرعي للمخدرات يؤدي في نفس الوقت إلى تحسين مؤشرات الإندماج الإجتماعي لدى أفراد هذه الشريحة وخاصة فيما يتعلق بتراجع نسب الإجرام لديهم.

كما تشير دراسات أخرى إلى الإستفادة “الإقتصادية” للمجتمع من هذا الأسلوب، ففي حين تبلغ تكلفة علاج المدمنين واحدا وخمسين فرنكا يوميا، تدفع الحكومة ستة وتسعين فرنكا يوميا لتغطية النفقات الصحية وتكاليف الملاحقة الأمنية ومصاريف المؤسسات السجنية للمدمنين غير المنخرطين في البرنامج.

ويذهب الدكتور يورغين ريهم إلى أن الأساليب البديلة التي تتمثل خصوصا في إيداع المدمنين في مصحات متخصصة لفترات محددة بهدف الوصول بهم إلى الإقلاع تماما عن استهلاك المخدرات لم تنجح في تحقيق نتائج مشابهة للبرنامج السويسري الذي يتميز بالشمولية والتركيز على المدى البعيد. لذا لا يتسنى تقييم نتائجه بدقة إلا بعد فترة زمنية ممتدة.

ولعل أقوى دليل على نجاح البرنامج السويسري لتقديم جرعات الهيرويين إلى المدمنين تحت الإشراف الطبي يأتي من الخارج، حيث اعتمدت هولندا وأستراليا في السنوات الأخيرة برامج مماثلة.

وفيما تدرس الجهات المعنية في الإتحاد الأوروبي تعميم الممارسة السويسرية، دعا تقرير أعدته لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم هذا الأسبوع الحكومة البريطانية إلى توسيع تجربة مماثلة لا زالت في بداياتها وإلى فتح فوري لمراكز حقن آمنة للمدمنين!

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية