مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 جراح لا تندمل

Keystone

كشفت المنظمات الدولية في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب أن أكثر من نصف دول العالم تمارس التعذيب المنظم ضد المدنيين، وذلك على الرغم من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لمنعه واحترام آدمية الإنسان.

أساليب وسائل التعذيب اللاإنسانية حصرتها المنظمات الدولية الداعية لحقوق الإنسان في وسائل مختلفة بداية من الضرب بالعصي الكهربائية على الأطراف أو أعضاء الجسم الحساسة أو التعذيب بالماء، ومرورا بالحبس الانفرادي طويل المدى واستخدام الضرب المبرح أو التعذيب بالكي والحرق ووصولا إلى هتك الأعراض وانتهاك الحرمات.

وتقول دانيلا كارلوفا من الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية في حديثها إلى سويس انفو أن الأنظمة تلجأ إلى التعذيب للحصول على اعترافات تكون في الغالب غير حقيقية وتهدف إلى الاقرار بجرائم لم ترتكب أو لترهيب المعارضين أو كنوع من العقاب على أفعال عقابها واضح في القوانين المحلية والدولية.

تعتبر سويسرا من الدول الحريصة على عدم استخدام التعذيب بموجب الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها سواء من خلال الأمم المتحدة أو المجلس الأوروبي، وهو ما دفع وزير الخارجية السويسري جوزيف دايس إلى التصريح بمناسبة اليوم الدولي للتعذيب بضرورة منع التعذيب وحصول المتضررين على تعويض وناشد دول العالم وضع هذا الهدف نصب أعينها.

 حتى سويسرا متهمة

إلا أن هذا لا يعني أن سويسرا بريئة من ساحة التعذيب، ولكن بشكل مختلف عن الكثير من الدول، فقد نشرت منظمات محلية تقارير رصدت فيها بعض الوقائع التي اعتبرتها مشينة في حق سويسرا مثل الترحيل القصري من البلاد أو في التفتيش المفاجئ في الشوارع ومحطات القطارات، أو في استجواب المتهمين في حوادث شغب، واغلب هذه الممارسات تكون ضد مواطنين أجانب.

وترى الخارجية السويسرية أن النساء والإعلاميين وحماة حقوق الإنسان والمدافعين عن الأقليات الدينية والعرقية والمعارضين السياسيين هم اكثر المتعرضين للتعذيب، وذلك على الرغم من أن جميع المعاهدات الدولية تمنع هذه الممارسات اللاإنسانية.

 لجان ومعاهدات واتفاقيات … والتعذيب لايتوقف

تعد اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب والتي تأسست عام 1987 من أهم منظمات مكافحة التعذيب في أوروبا والعالم، حيث تتمتع بصلاحيات لزيارة الأماكن المشتبه في وقوع تعذيب فيها داخل حدود ثلاثة وأربعين بلدا موقعا على الاتفاقية الأوروبية لمنع ومكافحة التعذيب.

ويحق لها أيضا التحدث مباشرة إلى المعتقلين دون حضور طرف ثالث، وأن تعد تقريرا عن زيارتها إلى المعتقلات وأماكن التعذيب. إلا أن هذه التقارير تبقى سرية ولا يسمح بنشرها إلا بموافقة الدولة المتهمة بممارسة التعذيب.

ويعول أنصار مناهضة التعذيب على بدء محكمة الجزاءات الدولية في عملها في الفاتح من يوليو القادم لمحاكمة المتورطين في هذه الجرائم البشعة وإدانتهم حال ثبوت تورطهم، حيث من المتوقع أن يتم اعتبار التورط في ارتكاب جرائم التعذيب إحدى جرائم الحرب أو تصنيفها كجريمة ضد الإنسانية.

وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الهيئات الدولية التي تقوم بدور جدير بالتقدير في متابعة حالات التعذيب. فحسب بياناتها الرسمية قام مندوبون عنها بزيارة أكثر من ثلاثمائة ألف سجين حول العالم، تسعون في المائة منهم كانوا من ضحايا التعذيب.

إلا أن المنظمة لا تفصح عادة عن أسماء الدول التي تلاحظ فيها نسبة تعذيب عالية. ويقول بول بيرنار من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حديثه إلى سويس انفو أن اللجنة تكتفي فقط بتذكير الدولة المتهمة بالمعايير الدولية التي يجب ان تتبعها في معاملة المساجين والمعتقلين.

 آثار مدمرة

وربما يكون السبب في تمسك كل من اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب واللجنة الدولية للصليب الأحمر بعدم الإفصاح عن أسماء الدول المتهمة بالضلوع في التعذيب في أنها ترغب في البقاء على فرصة اللقاء مع المعتقلين ودراسة أحوالهم وتقديم العون لهم إن أمكن، وقد لا يتحقق ذلك إذا ما فضحت إحدى اللجنتين هذه الدولة أو تلك، فتنسف بذلك فرصة ولو ضئيلة لمساعدة الضحايا.

من الصعب معالجة الآثار النفسية الرهيبة التي يتركها التعذيب في عقول وذكريات وأذهان الضحايا مهما بلغت التعويضات التي قد تحصل عليها الضحية. فنسبة كبيرة من الضحايا تعاني من مشاكل تحول دون العيش بشكل عادي في المجتمع. فعادة ما يعاني الضحايا من الانطواء والعزلة بعد الافراج عنهم ويصابون بهوس مزمن يفقدهم توازنهم النفسي، ومن يبدو أنه عادي يكون في أغلب الحالات عبارة عن سلة من العقد النفسية المزمنة.

فقد تبرأ جراح الجسد وتخف آلامه، أما الأثر النفسي والشروخات التي أصابت جوانحه، فتبقى جروحا لا تندمل.

سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية