مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“خناقات” في “الزّواج” السوري – الإيراني

Keystone

هل دخل حزب الله اللّـبناني في مأزق إقليمي، وربما تاريخي؟ كل المؤشرات تَـشي بذلك. فالحزب بعد حرب 2006 مع إسرائيل، لم يعُـد قادراً على ممارسة دورِه كقوّة مقاومة عسكرية، وهو في الوقت نفسه، لا يمتلك في الواقع مشروعاً سياسياً لبنانياً، لأن انتماءه الحقيقي (رغم "تلبنُـنه" بعد اتفاق الطائف عام 1989)، هو لأمة ولاية الفقيه الإسلامية، وليس للأمة اللبنانية التي لا يعترف بها أصلاً.

والآن، يجب إضافة مشاكِـل أخرى إلى هذه المُـعضلة، في مقدِّمتها الإنشطار الكبير للأمة الإيرانية إلى نصفَـيْـن بعد الانتخابات الأخيرة وما يُـنتظر أن يثيره ذلك من علامات استفهام حول مدى شرعية ولاية الفقيه أو على الأقل ولي الفقيه الرّاهن آية الله خامنئي والتحسّـن الكبير الذي تشهده هذه الأيام العلاقات السورية – الأمريكية، ونسبياً العلاقات السورية – السعودية، وبالتالي، يُـطرح السؤال الآن في بيروت حول مستقبل حزب الله من زاوية حدثية أكثر تحديداً: طبيعة دوره في الحياة السياسية اللبنانية بعد النّـكسة الانتخابية التي مُنِـي بها، والتي كشفَـت بشطحة قلم عن وجود تبايُـن حقيقي في مواقف حُـلفاء الحزب، الإيرانيين والسوريين.

ففي حين كان الرئيس الإيراني (المُشكّـك الآن بشرعية رئاسته) أحمدي نجاد يُـعلن بثقة أن قوى 8 آذار المعارضة ستفوز وأن ذلك “سيغيّر معادلات الشرق الأوسط”، كانت دمشق تقِـف على الحياد في الإنتخابات، الأمر الذي جعلها تنال مكافأة فورية من واشنطن، تمثلت في إعادة السفير الأمريكي القديم إليها.

الانقلاب

ماذا يُـمكن أن يفعل حزب الله في مثل هذه الظروف؟ بعض المراقبين في العاصمة اللبنانية يقولون، إنه “حتى السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، ربما لا يعرف!”.

صحيح أن ثمّـة أحاديث الآن عن توّجه حزب الله إلى ممارسة سياسية الانتظار والتّـهدئة إلى أن ينجلي الغُـبار الإيراني والشرق أوسطي، وهذا يمكن أن يتجسّد في تخفيف شروطه حيال تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري (عبْـر الانتقال مثلاً، من شعار الثلث المعطّـل إلى مبدإ الحصول على ضمانات حِـيال سلاح المقاومة)، إلا أن هذا الموقف سيتعقّـد بسبب حِـرص الحزب على إبقاء التيار الوطني الحُـر في حظيرة التحالف معه، وبالتالي، إذا ما وُضع التيّـار العَـصِـي في دواليب الحكومة الجديدة، في حال لم يحصل على مطالبه كاملة منها، فسيكون على حزب الله حينذاك، الاختيار بين مصالحه الخاصة (كمقاومة) والشيعية (كطائفة موحدة) وبين مواصلة منح العماد عون جوائز ترضية وإرضاء.

وفي الوقت نفسه، ثمّـة أحاديث أخرى عن توجّه الحزب إلى تشكيل جبهة وطنية جديدة تضمّ كل الأطراف الطائفية وغير الطائفية المعارضة لتيار 14 آذار/مارس، لكن السؤال الكبير هنا هو: هل ستكون حركة أمل الشيعية والقوميون السوريون وباقي أطياف الألوان السياسية الموالية لدمشق، جزءاً من هذه الجبهة أم خارجها؟

كل الدّلائل تُـشير إلى أن حركة أمل قد لا تشارك في مثل هذه الجبهة وأنها على العكس ستعمل على احتضان فكرة وضع الثلث الضّـامن في حُـضن رئيس الجمهورية، وهذا التطور في حال حدوثه، سيشكِّـل انقلاباً حقيقياً في كلٍّ من العلاقات والتحالفات داخل الطائفة الشيعية وفي الموازين اللبنانية ككل.

زعيم حركة أمل نبيه بري، الذي أعِـيد مؤخراً انتخابه رئيساً لمجلس النواب، بات يتحدّث الآن عن “خلط” 8 و14 آذار/مارس، وعن ضرورة أن لا تقف الطائفة الشيعية حجر عثرة في وجه مشروع الدولة اللبنانية الحديثة. وبالطبع، هذه اللغة التي ستؤدّي حتمًاً إلى تحجيم 8 آذار/مارس لا 14 آذار/مارس، بسبب فوز هذا الأخير بالأكثرية وإلى تعزيز دور رئيس الجمهورية الماروني، لن تلقى هوى لا من طهران ولا من حزب الله، لكنها قد تحظى بتصفيق من طرف إقليمي آخر: دمشق.

مشهد جديد

وعند هذه النقطة، قد تتكشّـف بعض ملامح الصورة اللبنانية الجديدة التي بدأت تبرُز مع وصول الرئيس أوباما والديمقراطيين إلى البيت الأبيض، ثم بشكل جلِـي أكثر مع موقف رفْـع اليد الذي مارسته سوريا حيال الانتخابات اللبنانية الأخيرة.

فالتبايُـن كان فاقعاً في الساحة اللبنانية بين دمشق وطهران، وهو كان يزداد وضوحاً مع كل خطوة تخطوها الأولى نحو واشنطن (وبالعكس)، ليس فقط في لبنان، بل أيضاً في كل الملفات الإقليمية الأخرى:

1- إذ تتردّد معلومات الآن عن أن سوريا حصلت من الولايات المتحدة على “أوراق اعتماد” جديدة في العراق، تتمثل بزيادة وتدعيم النفوذ السوري فيه لموازنة النفوذ الإيراني من ناحية، ولمكافأة دمشق على الجهود التي بذلتها في وقف تدفّـق المقاتلين “الجهاديين” والأسلحة إلى العراق وفي دعم الخطط الأمنية العراقية – الأمريكية هناك. ورغم أن طبيعة النفوذ السوري الجديد، الذي سيُسمح به في بلاد الرافدين لم تتضح بعدُ، إلا أنه من المؤكّـد سيُـرضي دمشق إلى حدٍّ كبير على المستوييْـن، السياسي والاقتصادي. ففي المستوى الأول، سيشكِّـل ذلك اعترافاً أمريكياً كبيراً (لا بل البعض يقول حتى “تبنياً” أمريكياً) بالدّور الإقليمي السوري في منطقة المشرق العربي، بعد أن كانت إدارة بوش السابقة قد اتّـخذت قراراً بإعدام هذا الدور. وعلى المستوى الاقتصادي، ستقطف دمشق ثماراً يانعة في العراق بسبب ثراء هذا البلد وفرص الأموال الطائلة التي ستُـصرف هناك في مجالَـيْ الأمن وإعادة الإعمار.

2- وفي فلسطين، بدا واضحاً أن التغيّـرات التي طرأت على مواقف حركة حماس حيال الحوار مع فتح وما رافقه من تجاوب مع المبادرات المصرية المدعومة من إدارة أوباما، كانت حصيلة النفوذ الذي مارسته سوريا على الجناح الدِّمشقي لهذه الحركة، وهذا ما منح هذه الأخيرة “bonus” (علاوة إضافية) أمريكية جديدة لها، قد تُـترجم نفسها قريباً في شكل تشجيع واشنطن للرئيس محمود عباس على منح السوريين نفوذاً أكبر في الشأن الفلسطيني، لكن هذه المرّة كوسيط لا كطرف في الصِّـراع على السلطة بين فتح وحماس.
وبالطبع، هذا التطوّر لم يرُق البتّـة لطهران النجادية، التي كانت تعتبِـر ورقة حماس في أهمية ورقة حزب الله، لأنها تشكّل مدخلها إلى أعمق أعماق القضايا العربية: فلسطين.

3- ثم هناك أخيراً مسألة السلام السوري – الإسرائيلي، والتي يُـتوقّـع أن تشهد خلال الأيام والشهور المقبلة، تطوّرات درامية، خاصة إذا ما نجحت إدارة أوباما في إقناع اللِّـيكود بالتخلّـي عن فكرة الضمّ النهائي لمُـرتفعات الجولان إلى الأراضي الإسرائيلية.


وهنا، تقول مصادر مطّـلعة في واشنطن إن إدارة أوباما “اتّـخذت قراراً استراتيجياً لا عودة عنه بجذب سوريا إلى المِـحور العربي (السعودي – الأمريكي)، بعيداً عن المحور الفارسي”، وهذا القرار لن يُـترجم نفسه في صورة الاعتراف الأمريكي بالأدوار الإقليمية لسوريا وحسب، بل أيضاً في العمل على تسوية مسألة الجولان.

وتضيف المصادر أن واشنطن بلورت خطة مفصّـلة حِـيال الجولان، تتضمّـن بنودها الرئيسة:

أ‌- ترسيم الحدود النهائية في الجولان من جانب الأمم المتحدة وبرعاية أمريكية، حيث تنسحِـب إسرائيل من المُـرتفعات، التي ستُـوضع تحت السيادة السورية، مقابل جعلها منطقة منزوعة السلاح.

ب‌- تأجير بعض مناطق الجولان لإسرائيل لمدة 10-15 سنة، وتحويل ثلث المرتفعات إلى محمية طبيعية أو حديقة دولية، سيطلق عليها إسم “حديقة السلام”.

ت‌- تحصل سوريا على الأرض وتنظِّـم عملية الوصول إلى المياه، فيما تحصُـل إسرائيل على المياه وتنظِّـم عملية الوصول إلى الأرض. هذه الخطّـة قد لا تحظى بقبول إسرائيلي، إلا في ظل ضغط أمريكي قوي مترافِـق مع إغراءات سياسية واقتصادية وإستراتيجية، وهذه الأخيرة تتمثّل بتعهّـد الولايات المتحدة بأن لا تمضي قُـدماً في خطّـة السلام هذه، إلا إذا ما وافقت دمشق على وقف دعمها نهائياً لكل من حزب الله وحماس.

4- ثم أخيراً، هناك التحسّـن الكبير الذي طرأ على العلاقات السعودية – السورية، والذي قرع هو الآخر أجراس الإنذار في طهران.

زواج.. ولكن؟

كل هذه المُـعطيات تَـشي بأن العلاقات السورية – الإيرانية تمُـر بالفعل في مضايق صعبة هذه الأيام. صحيح أن “الزواج” السوري – الإيراني (كما يحب الكثيرون وصف التحالُـف بين الطرفين) لا يزال قائماً، لكن الشّـجارات الداخلية بين الزّوجين، وإن لم تصل إلى الطلاق، إلا أنها باتت تشكّـل وجَـع رأس حقيقي، على الأقل بالنسبة إلى طهران، وهذا أمر مفهوم.

فدمشق بدأت الآن تبتعِـد عن الشِّـعارات التي تبنّـاها سابقاً الرئيس بشار الأسد حول الممانعة والمقاومة غَـداة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وباشرت استئناف ما انقطَـع من سياسات الرئيس الراحل حافظ الأسد القائمة على فلسفة “التاجر الدمشقي”: جني الأرباح من زبائن عدّة مقابل حملهم على المنافسة لشراء السلعة نفسها.

وهذه الأيام، يبدو التاجر الدِّمشقي في أوْج تألُّـقه، بعد أن رحل “البُـعبع” البوشي، الذي كان يهدِّد بتغيير نظامه، وحلّ مكانه في البيت الأبيض مستثمِـر يعشِـق القفّـازات المخملية وألعاب البازار، وهذا وحده مبرِّر كافٍ لبدءِ بروز تغيّـر في طبيعة العلاقات السورية – الإيرانية، فما بالك إذا ما كان ثمّـة قرار استراتيجي أمريكي بجذب سوريا نهائياً إلى المِـحور العربي؟

هناك إذن تحوّلات حقيقية في الوضع الإقليمي، ترخي بظلال ثقيلة على وضعية حزب الله في لبنان وتبرِّر بالفعل التساؤلات حول مستقبله في التركيبة السياسية اللبنانية.

بيد أن هذه الأزمة “الوجودية”، التي تجتاح حزب ولاية الفقيه، وعلى رغم أنها تهدِّد بإشعال فتيل الفِـتن داخل الطائفة الشيعية وبينها وبين باقي الطوائف، إلا أنها قد تكون مناسبة جَـليٍ كي يستعيد مشروع الدّولة اللبنانية الحديثة وهجه وجاذبيته (خاصة بالنسبة إلى الشيعة)، والفرصة موجودة الآن لمثل هذا التطور أو على الأقل ستكون متوافِـرة بعد قليل، إذا ما استمرّت الانقلابات الرّاهنة في الموازين الإقليمية الشرق أوسطية.

سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

لندن (رويترز) – وجه الرئيس السوري بشار الاسد الدعوة بشكل غير رسمي للرئيس الامريكي باراك اوباما لزيارة دمشق لاجراء محادثات في علامة على امكانية تحسن العلاقات بين البلدين تدريجيا.

وقال الاسد في حديث لشبكة سكاي نيوز في مقابلة بُثت يوم الجمعة 3 يوليو 2009 “نحن نرحب به في سوريا بالتأكيد…أنا واضح تماما فيما يتعلق بهذا الامر”.

وسئل الاسد عما اذا كان اللقاء بينه وبين الرئيس الامريكي سيعقد قريبا فأجاب “هذا يتوقف عليه” ثم ابتسم مضيفا “سأطلب منكم نقل الدعوة اليه”.

جاءت تصريحات الرئيس السوري في مقابلة تلفزيونية متبسطة سادها جو من الارتياح وكانت تجلس الى جواره زوجته البريطانية المولد وعمدت المقابلة الى اظهار الاسد في جو طبيعي دافيء.

وقال الاسد الذي كان يتحدث بلغة انجليزية تشوبها لكنة فرنسية طفيفة انه اذا التقى بأوباما فلا يعني ذلك أنهما متفقان على كافة الامور.

وأضاف “أي قمة بين أي رئيسين هي شيء ايجابي.” وأضاف “هذا لا يعني أنك يجب أن توافق على كل شيء لكنك عندما تتناقش فهذه هي الطريقة لسد الفجوة”.. “من الطبيعي أن يكون هناك خلاف بين الثقافات المختلفة والامم المختلفة والدول المختلفة”.

واستطرد “لكنني أعتقد أن الولايات المتحدة لها دور خاص بوصفها القوة العظمى. أعتقد أن على الرئيس أوباما أن يزور أكبر عدد يستطيعه من الدول من أجل اجراء هذه الحوارات.. وهذا بالتأكيد يشمل سوريا”.

واتخذت الولايات المتحدة خطوات لبدء الحوار مع سوريا منذ تولي أوباما منصبه مخالفا سياسة العزل التي انتهجها سلفه جورج بوش الذي ربط بين سوريا ومجموعة “محور الشر” التي ضمت ايران والعراق تحت حكم الرئيس الراحل صدام حسين وكوريا الشمالية.

وأعلنت الولايات المتحدة الشهر الماضي انها ستوفد سفيرا الى سوريا بعد انقطاع دبلوماسي دام أربع سنوات. وجاء القرار بعد زيارات قام بها مؤخرا مبعوثون دبلوماسيون وعسكريون أمريكيون الى دمشق.

وكانت واشنطن سحبت سفيرها من سوريا عام 2005 احتجاجا على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري. وتنفي دمشق أي تورط لها في الحادث.

وكان بوش قد اتهم سوريا أيضا بتقديم الدعم الى المقاتلين في العراق كما فرض عليها عقوبات لدورها في لبنان ولدعمها جماعات مثل حزب الله اللبناني الذي يتلقى دعما من ايران أيضا.

لكن عزم أوباما المعلن عن البحث عن أرض مشتركة مع الدول التي تريد “ارخاء قبضتها” فتح الطريق فيما يبدو امام حوار مع سوريا واحتمال عقد اجتماع رفيع بين البلدين في مرحلة ما.

وقال الاسد في المقابلة التي أجرتها معه شبكة تلفزيون سكاي ” الدعوة تتعلق بالحوار والحوار يتعلق بوجود أرض مشتركة ورؤية مشتركة…وعندها تعد خطة وبعدها تتخذ خطوة”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 يوليو 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية