مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“زوبعة قد تفيض عن الفنجان”

وزير الخارجية التركي عبد الله غول في ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الإسرائيلي سيلفان شالوم في أنقرة يوم 14 أبريل 2003 Keystone

يرى معظم المعلقين الأتراك أن التوتر المستجد بين تركيا وإسرائيل يعود إلى سياسات ارييل شارون التي أخرجت أنقرة مرغمة عن صمتها وصبرها، فانفجرت أخيراً في سلسلة انتقادات قاسية.

ورغم كل ذلك، يربط العديد من المراقبين المواقف التركية الأخيرة بعدة عوامل أخرى..

عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا قبل عام ونصف، بادر إلى توجيه رسائل تطمين لكل من العلمانيين في الداخل، وإسرائيل في الخارج.

غير أن مصادفة وصوله إلى السلطة مع تصاعد التوتر في العراق ومن ثم غزوه واحتلاله، كان باعثاً لتعزيز البعد العربي والإسلامي من سياسته الخارجية التي تلقت ضربة موجعة باحتلال العراق وخروج تركيا من معادلته بعدما كانت أحد عناصره الرئيسية.

ومع ذلك، لم تتأثر العلاقات التركية ـ الإسرائيلية بالتقارب التركي مع العالم العربي والإسلامي، وتجنبت أنقرة توجيه انتقادات حادة إلى الحكومة الإسرائيلية، بل أكثر من ذلك، حاولت إسرائيل واللوبي اليهودي التوسط لترميم العلاقة المتدهورة بين أنقرة وواشنطن.

لكن ما حدث في الآونة الأخيرة كان لافتاً. فوتيرة الانتقاد التركي لسياسات رئيس الحكومة الإسرائيلي ارييل شارون شهدت ارتفاعاً حاداً: من وصف رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان سياسات شارون تجاه الفلسطينيين (ولا سيما بعد مجزرة رفح) بـ “إرهاب الدولة”، إلى تشبيهها بممارسات النازيين ومحاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا ضد اليهود، إلى استدعاء السفير التركي في تل أبيب ورفع درجة التمثيل في القنصلية التركية في القدس الشرقية إلى رتبة سفير، وإلغاء بعض عقود التسلح الموقعة مع شركات إسرائيلية، وبموازاة ذلك، رفض زيارة شارون إلى أنقرة، وتمنع اردوغان من زيارة إسرائيل.

عــوامــل أخــرى

يُـعيد معظم المعلقين الأتراك التوتر المستجد بين تركيا وإسرائيل إلى سياسات ارييل شارون التي أخرجت تركيا مرغمة عن صمتها وصبرها، فانفجرت أخيراً في سلسلة انتقادات قاسية. ورغم كل ذلك، يربط العديد من المراقبين المواقف التركية الأخيرة بعوامل أخرى:

– أنها تأتي أولاً في ظل الاستياء التركي المتواصل ومنذ حرب العراق من مواقف واشنطن وإسرائيل تجاه المسألة الكردية في العراق، ومنح الأكراد هناك موقعاً داخلياً مميزاً ستكون له تأثيراته على دول الجوار وفي مقدمها تركيا. وهناك من وصل إلى حد الربط حتى بين استئناف حزب العمال الكردستاني عملياته داخل تركيا بدءاً من الأول من يونيو الجاري والاهتزاز الحاصل في العلاقة التركية مع إسرائيل.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن إلغاء عقود التسلح مع إسرائيل تم إثر اجتماع مشترك بين رئاسة أركان الجيش وأردوغان ما يدل على أن الأمر يتعلق بـ “موقف دولة”، وليس مجرد حكومة أو حزب.

– أنها تأتي في ظل الإخفاقات المتواصلة لحكومة حزب العدالة والتنمية على صعيد تلبية بعض المطالب ذات الطابع الإسلامي مثل قضايا: الحجاب، ومعاهد الأئمة والخطباء. ويجد اردوغان ورفاقه في تصعيد الموقف من إسرائيل تعويضاً خارجياً تجاه قاعدته الإسلامية عن إخفاقاته الداخلية.

– أنها تأتي عشية انعقاد مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في اسطنبول في 13 يونيو الجاري، وربما تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية إلى الذهاب إلى هذه القمة التي تستضيفها بصورة الداعم لقضايا المسلمين. وقد يسهل عليها ذلك تسويق مرشحها الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلوا للأمانة العامة للمنظمة.

– وتأتي كذلك عشية قمتين “غربيتين”: الدول الصناعية الثماني في 8 يونيو، وحلف شمال الأطلسي في نهاية الشهر الجاري، وفي اسطنبول بالذات وما يرسم لتركيا من أدوار بحكم موقعها وتجربتها الحالية الإسلامية ـ العلمانية ـ الديمقراطية، في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير وما يُـشاع عن توسيع مهمة الناتو لتشمل منطقة الشرق الأوسط.

ولا شك أن تركيا “حرجة جداً” من كل النقاشات الدائرة حول دورها في كل هذه المشاريع الموجهة إلى العالم الإسلامي والإسلام عموماً. وربما تجد تركيا في مواقفها السلبية من إسرائيل رسالة إلى هؤلاء المؤتمرين والمخططين أنها ليست لُـقمة سائغة ومضمونة سلفاً، وأن لها وجهة نظرها ومطالبها التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ما يبعد عنها “شبهات” لدى العالم الإسلامي هي في غنى عنها في هذه المرحلة.

مجرد زوبعة؟؟

ومن كل ذلك، من المبكر الحديث عن أزمة حقيقية في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، أو بداية مرحلة إعادة نظر في أسس العلاقات بين الطرفين.

فإسرائيل لن تُـفرط في لحظة غضب بحليف مميز منذ نصف قرن، وخلافات تركيا مع اليونان وقبرص وأرمينيا لم تنته حتى تستغني عن اللوبي اليهودي (وبوابته إسرائيل) في مواجهة اللوبيين الأرمني واليوناني في الكونغرس الأمريكي. ومثلما يقول مصدر في الخارجية التركية، فإن سياسة تركيا تجاه إسرائيل “أساسها العقل لا العاطفة”.

إذن، هي حتى الآن “زوبعة في فنجان”، لكن الزوبعة تبدو هذه المرة كبيرة وقد تفيض عن فنجانها.

د. محمد نورالدين – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية