مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 سبعة حكماء… ومبيد حشري!

إختار المنظمون لبرنامج سبعة حكماء السفينة المتنقلة دي جورا مقرا لفعاليته Keystone

"سبعة حكماء" هو إسم برنامج تابع للمعرض الوطني السويسري يستضيف عددا من "حكماء الجنوب". أما المبيد الحشري فرغم أن منبعه الشمال، إلا أن وجهته في العادة هي بلدان الجنوب. وبين حكماء الجنوب والمبيد الحشري حكاية.

حسنا. ما الذي يدفع برنامج تابع للمعرض الوطني السويسري إلى الحديث عن المبيدات الحشرية؟ ليس السؤال نكتة، ولا حتى فزوره. فالمعرض يهدف أساسا إلى تقديم صورة متكاملة عن جميع النشاطات والإنجازات التي تمت في سويسرا خلال ربع قرن.

من هذا المنطلق أساسا تبدو المفارقة غريبة. فسويسرا من البلدان التي تحظر استخدام المبيدات الحشرية في حقولها الزراعية. تمنعها وتقيدها في أضيق الحدود وضمن مواصفات بيئية صارمة، بل وتفرض عقوبات وغرامات مالية في حال تجاوز أحد المزارعين لتلك المواصفات. في المقابل، وهنا يبرز التناقض، فإن سويسرا هي مقر أكبر شركة مصنعة ومصدرة للكيميائيات الزراعية (من بينها المبيدات بطبيعة الحال) في العالم.

 سبعة حكماء من الجنوب!

لعل إبراز ذلك التباين القائم بين ما هو مرفوض في دول الشمال والقبول به في دول الجنوب كان أحد أهداف برنامج “سبعة حكماء”. تقوم فكرة البرنامج على دعوة سبع نساء ورجال من دول الجنوب من ذوي الخبرة والمعرفة إلى زيارة سويسرا. يتولى كل “حكيم” أو “حكيمة” دراسة قضية محددة ذات أبعاد دولية ولكن في إطارها المحلي السويسري خلال فترة ثلاث أسابيع. ثم ُيدعى كل منهم على حدة لتقديم انطباعاته مع عدد من الضيوف أمام جمهور من الحاضرين.

أختار المنظمون للبرنامج موقعا شاعريا لندوات “الحكماء” يتمثل في سفينة متنقلة تجوب بحيرات مورتين وبيل ونيو شاتيل. وربما كانت لمسة الشاعرية تلك متعمدة. فعدا عن أنها توفر قدرا من “الخفة” تلطف من الطابع الجدي للمواضيع المطروحة، فإنها عبرت عن رمز سعى المنظمون إلى إيصاله للجمهور: رمز التلاحم بين سويسرا والعالم الخارجي.

ولأن الأمر كذلك فإنه كان منطقيا أن يكون الممولون الرئيسيون للبرنامج هم المنظمات السويسرية الخيرية غير الحكومية ذات الطابع الدولي مثل كاريتاس، أرض البشر، الصليب الأحمر السويسري، سويس إيد، والخبز للجميع.. الخ.

“حكيم” من الفليبين

أول “حكيم” عرض انطباعاته يوم الخامس والعشرين من مايو كان الدكتور روميو كويجانو الخبير الفليبيني في علم السموم والأدوية ورئيس شبكة التحرك ضد المبيدات الحشرية، وهي منظمة غير حكومية تعمل في مجال مكافحة استخدام المبيدات الحشرية في المحاصيل الزراعية وتمتد نشاطاتها في سبعين دولة. كانت القضية التي ُُكلف بالتحري عنها هي الزراعة والمبيدات الحشرية.

قضى الدكتور كويجانو ثلاثة أسابيع في ضيافة عدد من المزارعين السويسريين. عاش معهم دورة حياتهم اليومية وتابع أساليب عملهم الزراعية. ثم أقدم على السفينة المتنقلة ليحكي ما شاهده من زاويته هو. فماذا قال؟

قال “الحكيم” الفليبيني إن بيت المزارعين في سويسرا كالقصر في بلاد الجنوب. ففي مزارع الفليبين، يقول الدكتور كويجاني، يعيش في العادة سبع أشخاص في كوخ حقير. لكن هذا ليس لب القصيد. فما لفت انتباهه حقا هو ذلك الاهتمام الذي تبديه السلطات السويسرية فيما يتعلق بضمان سلامة الأغذية الزراعية وخلوها من المواد الكيميائية.

بين الشمال والجنوب فجوة

المزارع السويسري، يقول الدكتور كويجاني، لا يستخدم المبيدات الحشرية. هي ممنوعة قانونا كما نعلم. لكنه قد يستخدم أنواعا من الأسمدة الزراعية. وفي هذه الحالة فإن هناك إرشادات محددة وواضحة تبين كيفية استخدامها والمقادير المسموح بها.

أما اللافت، في رأي “الحكيم” الفليبيني فهو استعداد السلطات السويسرية الزراعية إلى دفع مبالغ مالية للمزارع لتحفيزه على اللجوء إلى الأساليب “البيئية الحيوية” في إنتاج المحاصيل الزراعية. بعبارة أخرى، إذا تفادى المزارع استخدام أية مواد كيميائية حتى لو كانت مباحة في زراعة محصوله فإنه يحصل على دعم حكومي.

في مواجهة هذا الحرص الحكومي على سلامة المحاصيل الزراعية التي يستهلكها المواطن السويسري، يتساءل الدكتور كويجاني، لم لا يبدو هذا الحرص واضحا عندما يتعلق الأمر بالمستهلك من بلدان الجنوب؟

يبدو السؤال وجيها لا سيما وأن شركة سينجنتا التي مقرها باسل هي أكبر شركة مصدرة للمبيدات الحشرية في العالم. تبرز المفارقة واضحة لأن سويسرا تسمح بتصدير تلك المبيدات إلى دول العالم وتمنع في نفس الوقت استخدامها على أراضيها. صحيح أن اللوائح الرسمية تقضي بأن يُكتب على المبيد الحشري تحذيرا يشير إلى منع استخدامه في البلد المنتج، وتشدد على ضرورة الالتزام بإرشادات الاستعمال. بيد أن هذا الأجراء يفقد معناه بسبب الجهل المتفشي بين فلاحي بلدان العالم الثالث.

ولأن الأمر كذلك، فإن قدر المزارع في الجنوب أن يستخدم ما لا يستخدمه نظيره في الشمال، وأن يصاب المستهلك في العالم الثالث بأمراض لا تطال المستهلكين في دول الثراء. قدر يصفه الدكتور كويجاني بأنه نوع أخر من عدم العدالة الذي يطبع العلاقة بين الشمال والجنوب.

إلهام مانع- السفينة المتنقلة دي جورا

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية