مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سنوات الحب والملح”.. من ريف مصر إلى ثورة يوليو.. إلى جنيف!

swissinfo.ch

تحوّل قصر الأمم المتحدة يومي السبت 27 والأحد 28 يونيو إلى "بلاتوه" لتسجيل بعض اللقطات من "سنوات الحب والملح"، أول مسلسل عربي تُصوّر بعض مشاهده في قصر الأمم المتحدة بجنيف عن رواية الكاتب والصحفي الزميل جميل إبراهيم عطية، وسيناريو أبو العلا السلموني وإخراج محمد فاضل.

المسلسل الذي يُعتزم عرضه أثناء شهر رمضان المبارك، تم تصوير مشاهده الخاصة بجنيف بحضور الفنان القدير عزت العلايلي وعدد من كبار الفنانين المصريين. وقد سمحت التسهيلات التي قدمتها السلطات السويسرية والجهات المديرة لقصر الأمم المتحدة لفريق التصوير الساهر على تسجيل وقائع مسلسل “سنوات الحب والملح” بالعودة بهذا المحفل الأممي إلى أجواء خمسينات القرن الماضي، وبالتحديد إلى الفترة التي رافقت قيام ثورة 23 يوليو 1952 في مصر وما تلاها من أحداث.

الوقائع المستوحاة من قصة للأديب والصحفي المصري جميل إبراهيم عطية، يلخصها الكاتب في تصريح لسويس إنفو بقوله “هي عبارة عن تقديم رؤية محايدة من خلال قصة رومانسية لما جرى في سنة 1952”.

وأبدى عطية، الذي عمل مراسلا ثقافيا للقسم العربي لإذاعة سويسرا العالمية (سويس انفو حاليا) في الثمانينات ورافق التصوير في جنيف، ارتياحه لسير العملية وقال: “الأمور تتم بشكل جيد والمشرفون على تحويل الرواية الى مسلسل من كبار العاملين في هذا المجال، سواء كاتب السيناريو الأستاذ أبو العلا السلموني أو المخرج المعروف الأستاذ محمد فاضل والنجوم المشاركين نجوم مهمين في تاريخ السينما المصرية وأساتذة، أحدهم الأستاذ عزت العلايلي، الذي تفهّم الدور تماما وأحسّ به وقال إن هذا الدور كُتب له، في هذه الحالة أنا سعيد جدا”.

وإلى جانب تصوير بعض مشاهد المسلسل داخل قصر الأمم المتحدة، صورت بعض اللقطات في منتجعات جبلية سياحية، على أن يتم إعداد المسلسل لعرضه خلال شهر رمضان المبارك.

ثورة يوليو برؤية محايدة

الكاتب جميل إبراهيم عطية اختار استخدام قصة رومانسية لتجسيد أحداث ثورة يوليو، لكنه اهتم في الوقت نفسه بتذكير الأجيال الجديدة ببعض محطاتها خصوصا وأنها لم تعمل على تغيير وجه مصر فحسب، بل اتجهت أيضا إلى المنطقة العربية وحاولت التأثير في مسار العلاقات الدولية بين الشرق والغرب.

ويقول عطية “تبدأ الأحداث مع حريق القاهرة يوم 26 يناير 1951 وتستمر التفاعلات التاريخية الكبرى التي شهدتها مصر في هذه الفترة وتنتهي في سنة 1975″، وهو ما يعني أن “الفترة الزمنية لهذا المسلسل تبدأ من عام 1951 إلى عام 1975 وتناقش ما جرى ولماذا جرى على هذا النحو، إذ أن فترة الثورة فترة هامة جدا في تاريخ مصر وفي تاريخ المنطقة العربية والإفريقية وقد غيّـرت ملامح كثيرة في العالم”، على حد قوله.

من جهته، اعتبر عزت العلايلي، بطل المسلسل الذي كان حاضرا في جنيف لتصوير دور “الخال عباس”، العضو في وفد من العمال المصريين يقدم إلى جنيف للمشاركة في إحدى مؤتمرات منظمة العمل الدولية أن طريقة سرد هذه الأحداث تعبير عن “الحقيقة وليس الكذب والمبالغة وأنه كانت في القصة نسبة صدق عالية جدا جدا. ولم يحاول جميل إبراهيم عطية أن يبهرج السطور او يزيف الواقع، بل بالعكس صوّر ذلك الواقع مثلما عاشه هو، وعشته أنا بكل أبعاده سياسيا واجتماعيا وثوريا وجامعيا. فقد أحسست انني أعيش أجواء الأربعينات والخمسينات إلى غاية السبعينات”.

السياسة.. الحاضر الغائب

في رمضان الماضي، نقل مسلسل الملك فاروق ملايين المشاهدين العرب إلى أجواء وتفاصيل العهد الملكي في مصر، أما شهر رمضان المقبل فقد يتحول إلى فرصة لمراجعة بعض أحداث ثورة يوليو من خلال مسلسل “سنوات الحب والملح”.

ويقول جميل إبراهيم عطية، كاتب القصة الذي أقام لفترة طويلة في سويسرا “وجدت مع وصول الرئيس السادات للسلطة أن هناك تجهيلا لثورة 1952، فقررت أن أدرس الموضوع وأقدمه للأجيال الجديدة، لأنني شخصيا عشت الأحداث وكنت شاهدا وشاركت في بعض المظاهرات ولي أصدقاء ماتوا أو اعتقلوا أو هزموا، فأخذت على عاتقي أن أقدم ثورة 1952 بحيادية من خلال شخصيات حقيقية واعية”، لكنه يشدد على أن المسلسل يتجنب الخوض في المعمعة السياسية ويقول: “المسلسل لا يتناقش في السياسة بشكل واضح، ولكن يقدم مصائر الشخصيات العادية مع احتكاكها بالأحداث التاريخية الكبيرة بشكل مغر”، وهذا ما يتجلى مثلا من خلال الحيرة التي تتملك بطل المسلسل بين مناصرة اللواء محمد نجيب أو تأييد البكباشي جمال عبد الناصر.

وكان واضحا أن المنهج الذي توخاه كاتب السيناريو، الذي حرص على المحافظة على جو الفكاهة في المسلسل يتلخص في “عرض موقف الشخص العادي أمام حدث تاريخي كبير”. كما ابتعد المسلسل عن “مناقشة الإيديولوجيات بشكل مباشر أو غير مباشر، لكنه قدّم مشاعر الناس سواء تلك التي تجسد النصر والبطولات أو تلك التي تصور الهزيمة”.

أما الممثل الكبير عزت العلايلي، فيرى بدوره أن “ثورة يوليو وضعت مصر بدون شك في موقع مسؤولية سياسية واجتماعية ببعدها، ليس فقط في مصر، بل أيضا على مستوى إفريقيا والعالم”، لكنه يضيف “وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول من فعل ماذا ومن “بوّز” الدنيا ومن ما “بوّزهاش”، هذه مسألة ثانية. هذه مسالة تتطلب معالجة من منظور آخر، ولكن نقطة الإهتمام في هذا المسلسل سليمة وتعكس بُعدا سياسيا سليما، لأن عبد الناصر رغب في وضع مصر في المكانة اللائقة. لربما أن بعض الوقت لم يسعفه أو أن بعض المعوقات حالت دون ذلك… حروب تحرير وصراع عربي – إسرائيلي ونكسة… ولكن مصر رغم كل هذه الانتكاسات المتتالية، ما زالت شديدة وأعتقد بدون مجاملة أو رياء أنها اليوم تسير في الطريق السليم”.

ولدى سؤاله عن رأيه في التنافس التلفزيوني على تناول محطات من حقب التاريخ المصري الحديث في المسلسلات الرمضانية، يُجيب الممثل عزت العلايلي “ألذّ شيء في الدنيا أننا نستمع للرأي والرأي الآخر. وهذا صحي، هناك أناس أعجبهم “الملك فاروق”، على عيني وراسي، والمهم أن تستخلص العبرة من التاريخ ومما حدث. وعليك أن تطالع أيضا، لا أن تقتصر على المشاهدة أو أن يقرأ لك الغير عن تلك الفترة”.

ويضيف العلايلي “كما أن الحديث عن ثورة يوليو لا يعني أن الأمور كلها عسل وسكر وحلاوة.. لا، لم تكن كلها كذلك، إنما كانت مصر تُعيد بناء نفسها. فهي أخفقت في أشياء ونجحت في أشياء أخرى وطبيعة الأشياء هكذا. إنما لا نريد القول بأن فترة جمال عبد الناصر كانت أعظم الفترات في تاريخ مصر. وأنا لا أقول ذلك، لأنه كانت فيه سقطات وثغرات وأشياء كثيرة سلبية جدا جدا جدا. إنما إلى جانب ذلك، كانت فيه نجاحات بدون شك”.

في البدء كانت الكلمة..

جميل إبراهيم عطية الذي عمل أكثر من عشرين عاما مراسلا لوسائل إعلام مصرية وعربية في قصر الأمم المتحدة بجنيف، تابع باهتمام تتويج أحد أعماله الأدبية من خلال تصوير أحداثه في نفس المكان الذي اشتغل فيه طوال هذه الفترة المديدة.

ويقول عطية في إشارة إلى توظيفه لتلك الخبرة لسرد أحداث القصة بحياد “عملي كمراسل في منظمة الأمم المتحدة، جعلني أنظر للأحداث بنظرة خاصة وحيادية، لكن إذا كانت الدراسة والبحث والتخطيط الأولي يتم في سويسرا، فإن الكتابة كانت تتم في القاهرة لأن الكتابة في جو الزحمة والضوضاء والإضاءة والفساد والرشوة، فيها إبداع فني. كما أن مروري بأزقة وشوارع كنت أمر بها وأنا صغير أثناء تلك الأحداث، كان يساعدني في هذه الكتابة الإبداعية”.

وإلى جانب تصوير بعض الأحداث التي تدور أطوارها داخل مقر الأمم المتحدة في جنيف، قام الفريق الفني بتصوير لقطات في مناطق سياحية ارتادتها بعض الشخصيات التاريخية الممثلة في المسلسل. ويشير الكاتب جميل إبراهيم عطية إلى أنه “إذا كان المسلسل قد صادف توفيقا في التنفيذ نرجو أن يحوز على رضا المشاهد، فإن الهدف من جهد العاملين أن يتم عرضه مع بداية شهر رمضان المعظم”، أي يوم 21 أو 22 أغسطس القادم. .

محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch

قصة: جميل إبراهيم عطية
سيناريو: عبد العلا السلموني
إخراج: محمد فاضل
تمثيل: عزت العلايلي، راندا البحيري، أحمد خليل، ريهام عبد الغفور، محمود الجندي، حنان مطاوع، محمد الدفراوي، فتحي عبد الوهاب، مي كساب، أحمد هزاع.

“اخترت عزبة صغيرة او قرية صغيرة جدا يطلق عليها اسم عزبة عويس وهي قريبة من القاهرة ويملكها ويملك الناس الذين فيها لواء يسمى عويس الذي يمت بقرابة للعائلة المالكة. في هذه العزبة كان عمال زراعيون يناضلون سريا ضد الملكية وضد الإقطاع وضد اللواء عويس ويطالبون بحقوق العمال. وكانت الأحزاب السرية متغلغلة بين الطبقة العمالية والفلاحين، فاخترت شخصية الخال عباس “أبو حميدة” وهي الشخصية التي يمثلها الفنان عزت العلايلي. ومن الشخصيات الهامة في المسلسل الفتاة القروية زهية التي يعتدي عليها شاب من أبناء القرية وتنجب منه ولدا. سمحت ظروف ما بعد الثورة لهذا الشاب من أبناء الشعب أن يتعلم ويتخرج ويصبح موظفا بالخارجية المصرية. ويأتي الى جنيف..

أما الفتاة القروية زهية فقد تبنتها فتاة ثرية مصرية مناضلة يسارية، ابنة احمد سيد باشا الذي كان ليبيراليا وأستاذا للقانون الدولي. وبعد اغتيال ابنة أحمد سيد باشا في أزمة مارس 1954 وجد الباشا نفسه أمام مسؤولية تنفيذ رغبة ابنته فواصل تبني العاملة وابنها وساعدهما في متابعة الدراسة إلى ان تخرجت مع ابنها الذي أطلقت عليه اسم محمد نجيب.

وينتهي المسلسل بقدوم هؤلاء الأبطال الى جنيف، الخال عباس أبو حميدة (تمثيل عزت العلايلي) القادم ضمن وفد العمال المشارك في مؤتمر منظمة العمل الدولية، واحمد باشا الذي قدم لمناقشة اتفاقية دولية ستصدق عليها مصر تتعلق بحقوق العمال الأجانب في عام 1975، والذي اصطحب معه إبن زهية محمد نجيب الذي أصبح سكرتيرا خاصا له والذي كان يعتقد أن والده الحقيقي هو أحمد سيد باشا. وفي هذه المناسبة يتعرف كرامة سرحان (الموظف بالخارجية المصرية) الذي تنكر لابنه من زهية على إبنه( محمد نجيب) لأول مرة..”..

أما بقية القصة فستكون عند بث المسلسل على القنوات التلفزيونية العربية في رمضان 2009.

اعتبر عزت العلايلي أن دور الخال عباس الذي يقوم به في المسلسل قد كتب وفق المقاس ويقول: “انا دوري رجل فلاح يقود ثورة عمالية وثورة شعبية، وكما يقول المثل “إلي مالوش كبير يشتري كبير” هذا الخال عباس يلجأ له سكان القرية في كل كبيرة وصغيرة لأنه هو حلال المشاكل السياسية والاجتماعية نظرا لتاريخه السياسي وقيمته الإنسانية الناتجة عن معاصرته لتقلبات سياسية واجتماعية”. ويضيف العلايلي: “شخصية الخال عباس أجد فيها الكثير من شخصيتي ومما عشته كثورجي ومشارك في المظاهرات. ولما قرأت السناريو الذي صاغه السيد أبو العلا السلموني انطلاقا من قصة الأديب جميل إبراهيم عطية تساءلت كيف عرف أنه كان لي نشاط سياسي واجتماعي بارز في وقت من الأوقات؟”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية