مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سويسرا ترسل إشارات وخيمة العواقب إلى العالم”

امرأة تتحدث أمام مصدح
"سويسرا تلمح للدول الأخرى أن التعريفات الواسعة، والفضفاضة، وغير الدقيقة، والقابلة للتأويل لما يعنيه الإرهاب تُعدّ أمراً مقبولاً". UN-Photo

بهذه القوانين الجديدة المزمع إصدارها ستصبح سويسرا قدوة يُحتذى بها لأي نظام شمولي. أجرت مجلة "ريبوبليك" الإلكترونية حواراً مع السيدة التي صاغت هذا النقد اللاذع: إنها السيدة فيونوالا ني آولاين، المقررة الأممية الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب. وفيما يلي نعيد نشر هذا الحوار رابط خارجيبعد موافقة المجلة.

فيونوالا ني آولاين، إننا نجري هذا الحوار في يوم الحادي عشر من سبتمبر بالذات. فقبل عشرين عاماً تقريباً، وبسبب الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش حالة الطوارئ، والمستمرة حتى يومنا هذا. عشرون عاماً من حالة الطوارئ ـ ماذا يعني هذا بالنسبة لدولة تحترم سيادة القانون؟

فيونوالا ني آولين: إننا نعيش منذ عشرين عاماً في تطبيع حالة الطوارئ. وهذا ليس فقط على المستوى الوطني للولايات المتحدة الأمريكية. فهجمات الحادي عشر من سبتمبر أدت على الصعيد العالمي إلى نشأة هياكل لمحاربة الإرهاب، لا تكاد تحترم حقوق الإنسان ودولة القانون. وذلك حتى داخل الأمم المتحدة نفسها.

المزيد
تجمّع لعشرات الرجال والنساء حول نصب تذكاري في باريس

المزيد

مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب يثير مخاوف قانونية وحقوقية

تم نشر هذا المحتوى على على الرغم من انتقادات المجتمع الدولي، وافقت الغرفة السفلى للبرلمان يوم 16 يونيو على تشديد إجراءات مكافحة الإرهاب، وهو ما أثار قلق قانونيين وحقوقيين.

طالع المزيدمشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب يثير مخاوف قانونية وحقوقية

الأمم المتحدة لا تكاد تراعي في بعض المجالات حقوق الإنسان ودولة القانون؟ ما الذي تعنيه بهذا؟

في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر تأسست لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي وفي ذات الوقت نسخة منه، أي بنفس الأعضاء الخمسة عشر: وهي لجنة مكافحة الإرهاب. وقد تعهد الأعضاء بعد الحادي عشر من سبتمبر بتحسين جهودهم لمكافحة الإرهاب في ظل سيادة دولة القانون، وبأن يقوموا داخل لجنتهم بعرض تقاريرهم في هذا الشأن. إلا أنه وبينما تُقدم الدول الأعضاء تقاريرها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة متأخرةً وغير كاملة في كثير من الأحيان، إلا أنها برغم ذلك تعطي مؤشرات حول الكيفية التي تتعامل بها تلك الدول مع حقوق الإنسان، فإن تقارير لجنة مكافحة الإرهاب هذه تظل سريةً. ولا يمكن لأحد الاطلاع عليها. فاللجنة تقرأ التقارير، ثم تختفي. ولا نعلم، ما إذا كان قد تم يوماً ما الحكم على أية دولة، بسبب إساءتها لاستخدام إجراءات مكافحة الإرهاب أم لا، سواءً كان هذا ضد المجتمع المدني أو وسائل الإعلام أو المعارضين. أما ما نعرفه – وهي حقيقة مثيرة للاهتمام – فهو: أنه بخلاف مجلس الأمن الدولي الذي يبدو أنه مختل وظيفياً، فإن أعضاء لجنة مكافحة الإرهاب متفقون دائماً.

وماذا يعني هذا؟

إنني أتحدث هنا عن “حقوق الإنسان سهلة الهضم”. فالدول واللجان، بل ولجان الأمم المتحدة نفسها إلى حدٍ ما، لديها تصور أن المرء ما عليه سوى استخدام مصطلح حقوق الإنسان لتتحقق بصورة سحرية. هذا بينما لا توجد في الواقع آلية مُلزمة، تضطلع بمراقبة الحفاظ على حقوق الإنسان. فالمقصود بـ “حقوق الإنسان سهلة الهضم” إذن هو أن تُختزل هذه الحقوق في الحديث عنها فقط، وليس في وجود شفافية أو آلية محددة تضطلع بضمان المحافظة عليها بالفعل.

إذن فالأمم المتحدة هي جزء من مشكلة خطيرة؟

ليست الأمم المتحدة. ولكن الدول الأعضاء: لقد أنشأت هذه الدول فضلاً عن مجلس الأمن لجنة ـ وهي بذلك لجنة الأمم المتحدة الوحيدة، التي تُراجع إجراءات مكافحة الإرهاب بصورة منتظمة – إلا أنها لجنة سرية. وهذا يؤدي إلى تجذر المشكلة أكثر. لقد قمنا قبل عامين بنشر تقرير، يركز على هذا التطبيع لحالة الطوارئ كنتيجة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وتوجد على ذلك أمثلة لا حصر لها: فحالة الطوارئ، التي أعلنها الرئيس التركي أردوغان على إثر محاولة الانقلاب الفاشلة، قد تحولت في نهاية المطاف إلى حالة طبيعية قانونية. فضلاً عن ذلك فإن هناك ممارسة أساسية داخل الدولة تتعرض للتغيير: حيث تحولت قوانين الطوارئ لتصبح قوانين اعتيادية. إلا أن أردوغان لا يزال يتحدث عن حالة الطوارئ، كما أن فرنسا قد أصدرت في أعقاب الهجمات الإرهابية على باريس قوانين للطوارئ، والتي ينم اسمها نفسه عن أنها إجراءات غير اعتيادية، وأنها تجتزئ الحقوق، بسبب مواجهة الدولة لأزمة حادة. إلا أن مثل هذه القوانين أصبحت تُسنّ اليوم وكأنها قوانين عادية، دون الإشارة بوضوح إلى أنها قوانين استثنائية، أي أنها تعطي للحكومات سلطات واسعة وتكون لذلك عادةً محدودة المدة.

إن هذه الممارسة الضارة تمثل مشكلة عالمية. وقد تفاقمت المشكلة مع جائحة كورونا، حيث تستخدم العديد من الدول حالياً جهازها الأمني وجهاز مكافحة الإرهاب للسيطرة على مرض كوفيد ـ 19.

هل يمكنكِ تفصيل ذلك؟

اضطرت بعض الدول إلى سن قوانين خاصة بسبب مرض كوفيد ـ 19، وهذا للتمكن من السيطرة على الأزمة. منها إيرلندا وفرنسا على سبيل المثال. لقد كان سن قوانين الطوارئ هذه ضرورياً، للحد من حرية حركة البشر مؤقتاً وبصورة هائلة في مواجهة هذه الأزمة الصحية الكبرى. أو كذلك للحد من حرية الرأي، والخصوصية، والحرية الاقتصادية. هذا بينما قامت دول أخرى بإعادة استخدام قوانين موجودة بالفعل، والتي كانت قد استحدثت لمكافحة الإرهاب. وبالتعاون مع اثنين من منظمات المجتمع المدني قمنا بوضع برنامج تعقب، من شأنه القيام بتسجيل تلك القيود التي وضعتها الدول المختلفة. ويمكن للمرء أن يرى من خلال ذلك وجود العديد من الدول التي تستخدم مرض كوفيد ـ 19، للحد من الإمكانيات الديمقراطية داخل هذا البلد بصورة دائمة وموسعة.

هل من مثال؟

 المجر. ففي بداية الجائحة قام الرئيس فيكتور أوربان باستحداث هيكل للسلطة التنفيذية. بحيث أصبحت جميع القرارات في الدولة تمر عبر مكتبه. وقد انتقد مجلس أوروبا هذا الوضع بلهجة واضحة، قائلاً إن مثل ذلك الشكل لا يتفق والمبادئ الأساسية للديمقراطية.

فقط إذا ما حاربنا الإرهاب من خلال الآليات التي تُتيحها سيادة دولة القانون، يُمكننا القضاء على العنف.

إن استراتيجية الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب تتكون من أربعة أعمدة أساسية. ويتمثل أحدها في: التأكد من احترام حقوق الإنسان للجميع، وأن دولة القانون تشكل القاعدة الأساسية لهذه الممارسات. فهل يُمكن للديمقراطيات أثناء مكافحتها للإرهاب أن تُبقي على حقوق الإنسان، أو هل ترغب في ذلك من الأساس؟ كيف تجيبين على من يقولون: كيف يمكننا الاعتراف بحق هؤلاء الذين يعتدون علينا بالضرب في المقاهي في الإصغاء إليهم؟

لقد نشأتُ في إيرلندا الشمالية، حيث كنا نواجه نزاعاً مسلحاً لمدة عقود. فأنا أتحدث هنا بصفتي شخص، كان العنف اليومي والخوف يمثلان حقيقة حياتية له، وليس خطراً مجرداً. ولكنني أقول لك بوضوح، كما أقوله لكل من يدّعي أن حقوق الإنسان تتعارض مع مكافحة ناجعة للإرهاب: فقط إذا ما حاربنا الإرهاب من خلال الآليات التي تتيحها سيادة دولة القانون، يُمكننا القضاء على العنف. 

فإذا ما خالفت القانون أثناء مكافحة الإرهاب، وإذا ما ازدريت حقوق الإنسان، فإنك ستُدخل نفسك في حرب لانهاية لها، ولا يُمكنك الانتصار فيها. إذ تظهر دراسات وتقييمات لا حصر لها مدى خطورة الانتهاكات الحكومية في هذا النزاع. وجميعها توضح أن دائرة العنف اللانهائية والنزاعات العديدة والجسيمة إلى حدٍ ما في مواجهة الجماعات المسلحة لم يطل أمدها فقط بسبب انتهاكات الدول المتورطة للقانون، بل ازدادت اشتعالاً بانتظام.

فهل يعني هذا أن ازدراء حقوق الإنسان وسيادة دولة القانون يُعتبران من وجهة نظر أمنية ضرباً من التهور؟

إننا نعرف اليوم بما لا يدع مجالاً للشك أن إحدى المشكلات الكبرى التي تواجهنا في الحرب على الإرهاب هي انتهاك القانون من قِبل الحكومات المتورطة في هذه الحرب. لذلك فإننا من ناحية أمنية نرى أن انتهاك حقوق الإنسان أو المشاركة فيها يُعبّران عن نظرة قاصرة بشدة. والشيء الوحيد الذي تقوم به هذه الدول هي صبّ المزيد من الزيت على النار.

تعمل السيدة فيونوالا ني آولين كمحامية وأستاذة للقانون في مجال حقوق الإنسان. وهي تقوم حالياً بالتدريس في جامعة مينيابوليس بالولايات المتحدة وفي جامعة أولستر بإيرلندا الشمالية. وقد قامت بنشر العديد من الكتب، منها “سياسة القوة”، التي تناولت فيها بالدراسة جرائم الاغتيال التي وقعت في حق العملاء الحكوميين أثناء النزاع المسلح بإيرلندا الشمالية. وفي عام 2003، عين الأمين العام للأمم المتحدة هذه الحقوقية التي نشأت في إيرلندا الشمالية كخبيرة خاصة بمسألة المساواة بين الجنسين في النزاعات وعمليات السلام. بعدها أصبحت مستشارة للأمم المتحدة لشؤون مساواة وتمكين المرأة وكذلك مستشارة لمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أثناء الدراسة التي أجريت حول تعويضات العنف الجنسي خلال النزاعات. وفي عام 2017، قام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بانتداب السيدة ني آولين كمقررة خاصة معنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب.رابط خارجي

إنك تقولين، إننا إذا ما أردنا كسر الحلقة المُفرغة للعنف، فلابد للدولة من الالتزام بالقانون الساري. تقولين هذا بينما أصبح معروفاً لدينا حالياً أن السيدة جينا هاسبل ـ وهي إحدى المديرات بوكالة الاستخبارات الأمريكية – كانت تقوم بإدارة سجن سري في تايلاند لتعذيب البشر، وأنها لم تواجه لهذا أية مشكلات أخلاقية حتى يومنا هذارابط خارجي. ماذا يعني ألا يكون التعذيب سبباً في إدخال أحدهم إلى السجن، بل على العكس: أن يكون هو إحدى وسائل النجاح المهني في أقوى دول العالم؟

بوصفي أكاديمية فقد أكدت بوضوح مراراً وتكراراً أن سيادة دولة القانون لا تتفق مع تعيين أي شخص في وظيفة كهذه، بينما كان متورطاً في برامج للتعذيب. إذ أن هذا يعطي لجميع الحكومات في العالم أجمع رسالة واحدة، وهي: “إنه موسم الصيد. فالتعذيب مباح. ولا تترتب عليه أية آثار”.

في الوقت ذاته أجري مشاورات مع العديد من الدول. وهناك عدد لا بأس به منها قد هاله معرفة أن هناك بعض من الأشخاص المتهمين بالتعذيب قد جرى ترقيتهم بدلاً من محاسبتهم على جرائمهم. إنه من صميم واجبنا التذكير دائماً بأن جينا هاسبل مسؤولة عن جرائم تعذيب. وإنه من صميم مسؤولياتنا إدراك أن الحق والقانون يحتاجان إلى نَفَسٍ طويل. ففي غواتيمالا أو الأرجنتين على سبيل المثال استغرق الأمر عشرين وثلاثين عاماً لمحاسبة المسؤولين عن جرائم التعذيب. لكنه تم في نهاية المطاف.

وهذا ما يُعيدني إلى لُبّ الموضوع، وهو: أنه لا أحد فوق القانون. فلا يمكنني بأية حال استبعاد إمكانية قيام القانون في وقت ما – حتى في الولايات المتحدة ذاتها – بمحاسبة أناس على جرائمهم، وأن يصل بذلك إلى بعض ممن يتقلدون أرفع المناصب.

وفي الأثناء؟

في الأثناء نستمر في عملنا مع تلك الدول، التي تؤمن بهذه القيم وتدعمها والتي توقن كذلك بأن مجتمعاتها ستكون أكثر أمناً وحمايةً، إذا ما احترمت حقوق الإنسان. إنني في إطار تفويضي الأممي أتعاون كثيراً مع أجهزة الاستخبارات، والشرطة، والجيش والقطاع الأمني. والكثيرون منهم يُدركون أن  القرارات السياسية التي تقضي بازدراء حقوق الإنسان من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية. والكثيرون لا ينظرون إلى الأمن وحقوق الإنسان باعتبارهما شيئين منفصلين. فغالباً ما يتفقون على أن الأمن واحترام حقوق الإنسان يتربطان ببعضهما بلا انفصال، بل ويتوقف أحدهما على الآخر.

إننا لا نريد أمناً كاملاً. ذلك لأن الأمن الكامل لا يمكن تحقيقه إلا إذا تنازلنا عن جميع حقوقنا.

برغم ذلك: فإن كل تشديد قانوني تقريباً في هذا المجال يبدو أنه يحظى بتأييد البرلمانات. حتى في سويسرا. وكأن المجتمعات قد ترسّخ لديها شعور بأن دولة القانون ليس في مقدورها الانتصار على الإرهاب.

وهذا الشعور نفسه ليس جديداً، وهو ما لا يجعله أكثر صحةً. فقد ذكر أهارون باراك ـ الذي شغل منصب النائب العام الإسرائيلي السابق وبعدها القاضي الأعلى في البلاد ـ أن التحدي الأكبر للديمقراطيات هو أن تضطر للحرب وإحدى يديها خلف ظهرها. 

فالديمقراطيات التي تلتزم بمبدإ سيادة دولة القانون، لديها شعور بأن قوتها تنتقص إذا ما قورنت بتلك الدول التي لم تحترم أية قواعد. وهذه ـ على حد قول السيد باراك ـ هي النقطة المحورية: فمحاربة الإرهاب لا تتم بنفس الوسائل. إذ أن هناك فارق. ومن المهم للمجتمعات التي تسعى إلى تحقيق حرية الرأي والتجمع والخصوصية من التأكيد على هذا الفارق: إننا لا نريد أمناً كاملاً. ذلك لأن الأمن الكامل لا يمكن تحقيقه، إلا إذا تنازلنا عن جميع حقوقنا.

ماذا يعني هذا في عصرنا الذي انطبع حالياً بجائحة الكورونا؟

إن أحد التحديات الأساسية في زمن الكورونا هذا، والتي تواجهها مجتمعاتنا، هو: إيجاد التوازن بين القيود وبين حق المواطنين في حياة كاملة ومحترمة. وهو ما ينص عليه القانون الدولي بوضوح: إذ لابد أن تتمكن الحكومات إزاء بعض الحالات الاستثنائية القصوى، من الحد من حقوق المواطنين لمدة قصيرة. إذن فالنقطة الهامة هنا هي: أنه لابد من إنهاء هذا الحالة في وقت ما.

قام القانون بتغيير تعريف الإرهاب. وهذا أمر هام للغاية وذو عواقب وخيمة.

في شهر مايو، وجهت الأمم المتحدة نقداً لاذعاً لتشديد بعض القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب والمزمع سنها في سويسرا. والآن، وفي اليوم الذي يجرى فيه هذا الحوار، قمتم بالاشتراك مع الأمم المتحدة بتحذير البرلمانيين السويسريين مجدداً من الموافقة على إجراءات مكافحة الإرهاب المزمع سنها. وقد كان النقد لاذعاً وواضحاً: “إن مسودة القانون السويسري لمكافحة الإرهاب تنتهك معايير حقوق الإنسان الدولية، بتوسعتها لتعريف الإرهاب، وقد تصبح بهذا سابقة قانونية خطيرة لقمع المعارضين السياسيين على مستوى العالم”. فلماذا تعتبر المفوضة الأممية الخاصة في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب هذا القانون على هذا القدر من الخطورة؟

إن القانون يُغيّر تعريف الإرهاب. وبالنظر لحقوق الإنسان، ودولة القانون  وأخيراً وليس آخراً بالنظر إلى الوضع العالمي الراهن، فإن هذا الأمر يُعدّ من الأهمية بمكان وذو عواقب وخيمة. وهناك نقاط أخرى تثير القلق بشدة، ألا وهي أن هذا القانون يشمل الأطفال كذلك. ولكن النقطة الأساسية هي أنه يُعيدُ تعريف مصطلح الإرهاب، والذي يختلف عن المفهوم المتعارف عليه في القانون الدولي، وينأى عن النموذج المعتاد وغير الملتبس. وسوف تستخدم حكومات شمولية هذا التعريف الجديد للإرهاب بهدف قمع المعارضين.

ما هو المختلف بالضبط ؟

لن يظل الإرهاب في سويسرا بحسب هذا التعريف مرتبطاً بجريمة شنعاء يعاقب عليها القانون. بل أصبح الحديث يتطرق إلى من يُمكنهم تشكيل خطورة، أي إلى إرهابيين مُحتَملين. فلغة النص وحدها تعبّر عن هذا: حيث لم يعد الأمر يتعلق بعمل إرهابي، بل بخطر مُحتمل. كما يعتبر مصطلح “من يشكل خطورة” فضفاضاً، ومُعقّداً جداً من الناحية القانونية، إذ يفتح الباب لإساءة استغلاله على مصراعيه. والأدهى من ذلك، أن القانون السويسري المقترح ينص كذلك على أن تقييم هذه الخطورة المحتملة لن يكون من سلطة القضاء، بل سيُوكل إلى الشرطة الفدرالية.

المزيد
شرطي

المزيد

منظمات حقوقية تنتقد القانون الجديد لمكافحة الإرهاب

تم نشر هذا المحتوى على تسعى الحكومة السويسرية إلى تحسين التدابير الاحترازية رابط خارجيلمنع وقوع هجمات إرهابية وذلك من خلال منح جهاز الشرطة صلاحيات جديدة حتى يتمكن من “التعامل مع ظاهرة التطرف بكل تعقيداتها” وحماية المواطنين بشكل أفضل. الهدف من القانونرابط خارجي المقترح هو اتخاذ خطوات لمواجهة أول مؤشرات على تطرف الأشخاص. لذا قامت الحكومة الفدرالية بصياغة قانون ينص على حزمة كاملة…

طالع المزيدمنظمات حقوقية تنتقد القانون الجديد لمكافحة الإرهاب

فلك أن تتخيّل معنى هذا في دولة شمولية. وهذا كله مرتبط أيضاً بإجراءات إدراية، قد تشمل أطفالاً كذلك. وهي إجراءات قد تحد من حرية حركتهم بصورة بالغة، على الرغم من عدم ارتكابهم لأية جرائم يعاقب عليها القانون. ويُعدّ هذا انتهاكاً للمادة الخامسة من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية. وذلك فيما يتعلق فقط بأحد جوانب المشكلة.

وما هو الجانب الآخر من المشكلة؟

إن سويسرا دولة ذات نظام ديمقراطي، وليست أية ديمقراطية. وقد تنسى ذلك كسويسري في بعض الأحيان. لكن سويسرا كانت تاريخياً واحدة من أهم الدول التي كانت تحاسب دولاً أخرى إذا ما أساءت استخدام سلطتها بدعوى مكافحة الإرهاب. أما الرسالة التي تبعث بها سويسرا الآن للدول الأخرى فتتعارض مع هذا الدور التاريخي. إذ تلمح سويسرا للدول الأخرى ـ ولا يُمكن الاستهانة أبداً بأن هذه الرسالة آتية من سويسرا على وجه الخصوص ـ أن هذا التعريف الواسع والفضفاض وغير الدقيق والذي يحتمل الكثير من التأويل لمصطلح الإرهاب هو أمر مقبول ومشروع. 

وهذا شيء خطير للغاية. ذلك لأن التاريخ يدل أن مثل هذا الإجراء من شأنه تمهيد الطريق لنشأة الاستبداد. فلقد حدث مراراً وتكراراً أن أساءت بعض الدول من قبل استخدام قوانين مكافحة الإرهاب. وإننا قلقون بشدة لإرسال سويسرا ـ التي كانت تاريخياً سبَّاقة حينما كان الأمر يتعلق بالدفاع عن تعريف دقيق ومحدود وقانوني للإرهاب ـ بهذه الإشارة وخيمة العواقب للعالم.

إن سويسرا ستعطي بصورة غير مباشرة ضوءً أخضر للاستغلال، إذا ما قامت بتفسير الإرهاب على هذا النحو الفضفاض.

إلى أي عالم تقصدين؟

تذكر مثلاً هونغ كونغ. فالصين تسمي حالياً كل شخص ينتقد حكومة هونغ كونغ إرهابياً، أو تطارده باستخدام إجراءات مكافحة الإرهاب. ونحن هنا نقول بوضوح: إن مثل هذا التفسير الفضفاض لمصطلح الإرهاب ليس مقبولاً. وفي المملكة العربية السعودية تم استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لسجن نساء كنَّ يطالبن بحقهن في قيادة السيارات. كذلك يجري في تركيا سجن محامين وأساتذة جامعات وصحفيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، كل هذا لاتهامهم بالإرهاب.

وكل هذا يحدث لأن مصطلح الإرهاب لم يعد مرتبطاً بأعمال عنف فادحة، بل قد يصبح الباب مفتوحاً لتأويله على أي نحو. وستعطي سويسرا بصورة غير مباشرة ضوءً أخضر لمثل هذه الصور من الاستغلال، إذا ما قامت بتفسير الإرهاب على هذا النحو الفضفاض. وفي مصر أصدرت محكمة لمكافحة الإرهاب قبل أسبوعين حكماً بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً على المحامي بهي الدين حسن المختص في مجال حقوق الإنسان، لمجرد أنه انتقد الحكومة.

ماذا قال تحديداً؟

لقد اتهم الحكومة باستغلال قوانين مكافحة الإرهاب الفضفاضة لقمع المعارضة.

إن القانون الفدرالي حول الإجراءات الشرطية لمكافحة الإرهاب يركز على إجراءات وقائية ضد “من يشكلون خطراً إرهابياً”، أي أشخاص، قد يصدر عنهم خطراً محتملاً، بدون أن يكونوا قد ارتكبوا بعد أية جرائم تستوجب عقوبات جنائية. وبهذا القانون الجديد ستقوم الشرطة بإصدار قرارات بمنع السفر والاتصال بحق هؤلاء الأشخاص، بل أنها قد تحدد إقامتهم. ويمكن تطبيق هذه الإجراءات حتى على الأطفال: حيث يمكن فرض تحديد الإقامة على صِبْيَة في سن الخامسة عشرة، أما الإجراءات الأخرى جميعاً فيمكن تطبيقها ابتداءً من سن الثانية عشرة بالفعل.

منذ الحادي عشر من سبتمبر تم التوسّع في إجراءات مكافحة الإرهاب بصورة لا حد لها، كما جرى تشديد القوانين على نحو بالغ، وشنت حروب كاملة لمكافحة الإرهاب. فهل أصبح العالم بعد كل هذا بعشرين عاماً مكاناً أكثر أمناً؟

إنه سؤال هام: هل جعلتنا الإجراءات التي اتخذت منذ الحادي عشر من سبتمبر أكثر حرية، وأكثر أمناً؟ من وجهة نظر تفويضي لا يمكنني الإجابة على هذا السؤال بنعم. لقد عايشنا صعود لاعبين أقوياء غير حكوميين يتصفون بالعنف، والذين ارتكبوا جرائم فادحة ضد حقوق الإنسان: ويقصد بهم داعش. كما رأينا انتهاكات أخرى فادحة وممنهجة لحقوق الإنسان، وأعني بذلك: سجن خليج غوانتانامو، حيث يجري تسليم ممنهج وغير قانوني لأناس غير مدانين، واختطافهم، وتعذيب ممنهج، وغمر في الماء.

ولا يزال سجن غوانتانامو قائماً، لقد زرته عام 2017 بصفتي محامية. ورأيت بأم عينيّ كيف يسجن أشخاص هناك بدون أي سند قانوني وكيف يتعرضون للتعذيب وللمعاملة المهينة. في ذات الوقت تتغول أجهزتنا الأمنية، حيث يجري الحد من حقوق المواطنين. وإزاء كل هذا أجيب بـ: لا. فليس من الواضح بالنسبة لي أننا لا نزال نضع نصب أعيننا أن الهدف من محاربة الإرهاب هو منع العنف والتطرف من الأساس. ولم أعد متأكدة من أن هذا لا يزال هو الهدف الأصلي.

ولقد غرد جيلاني كوب، أستاذ الصحافة بجامعة كولومبيا وأحد الصحافيين بمجلة “نيويوركر” بمناسبة ذكرى الهجمات على نيويورك كاتباً: “إن قصة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وكيف قادتنا بصورة غير مباشرة للفوضى الحالية، كانت لتصبح روايةً جيّدةً”.

لقد ألقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بظلال ثقيلة علينا. وقد أدت هذه الأحداث إلى استحداث الأمم المتحدة لهيكل جديد بهدف مكافحة الإرهاب، وقد ترتبت عليه عواقب وخيمة فيما يتعلق باستقامة وتوازن المؤسسة بأكملها. إن الدور الكبير الذي تضطلع به الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب منذ ذاك الحين مع عدم إدماج دور حقوق الإنسان داخل المؤسسة في هذا المجال، يعتبر جزءً من تلك التركة العالمية التي خلفتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وهناك إرث آخر على المستوى المحلي، وهو التوسع الهائل في استخدام إجراءات مكافحة الإرهاب، وذلك حتى في الدول الديمقراطية. كذلك الحال بالنسبة للقانون السويسري الذي تحدثنا عنه سابقاً، فإنه يُعتبر جزءً من إرث الحادي عشر من سبتمبر. حيث يُعدّ نتيجةً لهذا الضغط المتزايد على البرلمانات المحلية، لإصدار قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، والتي كثيراً ما تكون قصيرة النظر وعديمة الجدوى.

ما الذي أثارته أحداث الحادي عشر من سبتمبر لدى الناس؟

سواء الحادي عشر من سبتمبر أم تفجيرات لندن، أو هجمات مدريد، أو الأحداث الإرهابية التي شهدتها باريس، أو بروكسل، كل هذا ملأ الناس بخوف عميق. وبسبب هذا الخوف فقد الكثير من الناس الإيمان بأن دولة القانون لديها القدرة على حمايتهم بالفعل. وقد يعتبر التحدي الأكبر في عصرنا الحاضر هو أن نواجَه برأي عام قد وصل نتيجة لكل الذعر الذي عايشناه، إلى الاقتناع بأن الخوف الذي نشعر به يجعل كل الوسائل مشروعة. وعلينا إعادة إقناع الرأي العام هذا بأن الدعوة لسن المزيد من القوانين الأكثر تشدداً وتسليح المجتمع لن تجعلنا أكثر حرية ولا أكثر أمناً.

ما هو البديل؟

إن الطريق الأوحد لأمن مستدام يكمن في سيادة دولة القانون التقليدية، وفي الحفاظ على حقوق الإنسان. لابد من معرفة أين تكمن أسباب العنف الذي يُداهمنا. فنحن في إيرلندا الشمالية قد تعلمنا هذا الدرس، بل قد اضطررنا لتعلمه. لقد كان طريقاً طويلاً. ولكن في نهاية المطاف، لم يكن المزيد من التسليح العسكري ولا المزيد من القوانين هو ما حررنا من العنف، بل اتفاقية سلام، جاءت بعد عملية طويلة الأمد. وقد انضمت الجماعات التي عانت بشدة من العنف الهائل إلى هذه المباحثات. بهذا فهمنا ووعينا رويداً رويداً ما يكمُنُ وراء العنف، ومن ثمّ استهدفناه بصورة آتت أكلها في نهاية المطاف، وبعد ثلاثين عاماً من الإرهاب.


نُشر هذا الحوار لأول مرة في مجلة RepubliKرابط خارجي السويسرية الألكترونية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

اكتب تعليقا

يجب أن تُراعي المُساهمات شروط الاستخدام لدينا إذا كان لديكم أي أسئلة أو ترغبون في اقتراح موضوعات أخرى للنقاش، تفضلوا بالتواصل معنا

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية