مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سويس فيرست” يبحث عن منقذ

سيتحول مقر بنك سويس فيرست في كوسناخت بالقرب من زيورخ إلى ملتقى للمحققين بحثا عن ادلة تثبت إدانة إدارته أو تبرئتها. Keystone

انهارت أسعار أسهم مصرف "سويس فيرست" الخاص يوم 18 أغسطس الجاري في سوق الأوراق المالية في زيورخ بشكل درامي ، بعد جدل واسع حول تعاملاته.

ولم يعد أمام المؤسسة المالية إلا البحث عن مشتر من أية بقعة في العالم، بينما تنتظر إدراته سلسلة من التحقيقات القضائية على الصعيد الفدرالي وفي أكثر من كانتون.

بعد أسابيع من الانتقادات العلنية الموجهة إلى إدارة بنك “سويس فرست” واتهامها بالتلاعب في المعاملات وعقد صفقات تشوبها رائحة الرشاوى أو التحايل، أعلنت إدارته يوم الجمعة 18 أغسطس الجاري البحث عن مشتر له، لإنقاذه من انهيار أسهمه بهذا الشكل الدرامي الذي يعاني منه، منذ ظهور اسمه مؤخرا بكثرة في وسائل الإعلام واتهامه بالتلاعب وإخفاء الحقائق، ومن المحتمل أن يقوم المدير التنفيذي للبنك توماس ماتر، بتقديم استقالته فور العثور على الشاري المرتقب.

لكن عملية البيع، سواء تمت عاجلا أو آجلا، لن تغلق باب التحقيقات الرسمية للوقوف على حقيقة تعاملات البنك، وإذا كانت إدارته قد تلاعبت بالفعل في صفقة الاندماج مع مؤسسة “بيلفيو” المالية القابضة في خريف العام الماضي، أو أنها تحايلت بإخفاء بعض الحقائق عن كبار المساهمين، لبيع حصصهم من الأسهم والحقائب الاستثمارية، مع إدراك الإدارة بأنها يمكن أن تحقق أرباحا عقب الاندماج.

وسيحاول المحققون الكشف عن الملابسات التي أحاطت بكل هذه المعاملات، لاسيما وأن أسعار أسهم بالبنك ارتفعت عقب إتمام الصفقة، بنسبة 30%، وهو ما اعتبرته سلطات بورصة زيورخ أمرا غير عادي، يدعوا إلى التدقيق في الحسابات والدفاتر.

خسائر أرباح خير من ضياع كامل

قواعد المعاملات في البورصة السويسرية تقضي بأن يتم التكتم على أخبار بيع وشراء الشركات حتى انتهاء الصفقة، حرصا على حركة تداول أسهم المؤسسات المندمجة في تلك الصفقة في السوق، وعدم التلاعب في أسعار الأوراق المالية للشركات المحيطة بها، إذ يجب أن تتفاعل البورصة بشكل طبيعي مع تغير ملكية الشركات أو المؤسسات المالية.

وليست المشكلة فقط في أن البنك قد تلاعب في هذه الصفقة وغيرها، ولكن لأن بعض صناديق التأمين على معاشات التقاعد كانت من أبرز المتعاملين معه، بل يقول الخبراء بأن جزءا منها قد خسرت أرباحا كبيرة، لأنها باعت جزءا غير قليل من الحقائب الاستثمارية التي كانت تتعامل فيها مع البنك قبل إتمام صفقة الاندماج مع “بيلفيو”، وعلى الرغم من أن هذه الصناديق لم تخسر، إلا أنها تتحسر بالتأكيد على ضياع ارباح هي في أمس الحاجة إليها.

فقد أعلنت يوم الإثنين مثلا مؤسسة ريتر المسئولة عن مجموعة من صناديق المعاشات، بأنها لم تخسر من عملية بيع الاسهم التي قامت بها قبل اندماج بنكي “سويس فرست” مع “بيلفيو”، بل على العكس فقد اشترت 40000 سهم بسعر الواحد 58 فرنكا، وباعته قبل الإندماج بسعر 80 فرنكا، وذلك لطمأنة الموعدين لديها، لكن السعر ارتفع بعد الإندماج ليصل إلى 120 فرنكا، ولكن ليس لدى المؤسسة دليل على أن احدا كان يعلم بأن السعر سيصل إلى هذا المستوى.

بينما قالت بعض المؤسسات الأخرى مثل فوندامنتا، بأنها ستراجع عملياتها المصرفية التي اجرتها مع البنك، لتعرف ما إذا كانت تعرضت لخسائر من جراء معاملاتها المالية مع البنك، وستبدأ الجهات الفدرالية المختلصة بمراقبة صناديق تمويل معاشات التقاعد بدراسة ملفات من قامت بالتعامل مع “سويس فرست”

كما يفتح هذا الملف بالتحديد الجدل مجددا حول أسلوب تعامل صناديق المعاشات والتأمينات في سوق الأوراق المالية، وإلى أي مدى يمكن للقائمين عليها أن يثقوا بالمؤسسات المالية الخاصة، وقد يتسائل البعض عن دور الحكومة الفدرالية في توجيه تعاملات المالية لهذه الصناديق إلى الجوانب الأكثر ربحا وأقل مخاطرة، وهو أمل قد لا يتحقق بسبب رغبة الليبراليين في الحكومة الفدرالية في تخلي السلطات عن أية مسئولية مالية، حتى وإن كانت معنوية.

من “المعجزة” إلى “الشبهات”

ارتبط اسم “سويس فرست”، بالنجاح المنقطع النظير، كمصرف سويسري خاص تحول في فترة وجيزة إلى “الطفل المعجزة” في عالم المال والأعمال في سويسرا، واكتسب ثقة ثلة من رجال الأعمال الطموحين، حتى تحول إلى موئل الباحثين عن الربح “الذكي” في سوق الأوراق المالية وما يرتبط بها من مخاطر، فكان تعامله مع صندوق التأمين على معاشات التقاعد، واحدة من أكبر صفقاته التي أكسبت إدارته واجهة متميز.

لكن الأنياب والأظافر التي اقتنصت هذه الأرباح الذكية والتعاملات الناجحة، لم تكن على الأرجح موجهة فقط لصالح معاملات البنك والحقائب الاستثمارية التي يديرها، بل عملت أيضا لفائدة جهات مختلفة، يعتقد بعض الضحايا أنها استفادت بغير وجه حق وبشكل غير مشروع من بعض غنائم البنك، ثم توجه هذا السلاح على الأرجح في لحظة نشوة الإنتصار ليصيب صاحبه بجرح بالغ، فيتجمع حوله كل من خرج خالي الوفاض للقصاص منه.

ورغم كل هذه التحركات القضائية التي بدأت بالفعل تأخذ طريقها إلى حيز التنفيذ، إلا أن الخبراء يعتقدون بأن الكشف عن كل حقيقة معاملات سويس فيرست، لن تخرج إلى العلن على الأقل في المدى المنظور، فقد يعمل المحققون أولا على طمأنة الرأي العام على أموال صناديق تمويل تأمينات معاشات التقاعد، وأنها لم تصب بأي ضرر، وإنما فقط كان من الممكن أن تحصل على أرباح أكثر، لو كان بنك “سويس فيرست” تعامل معها بشفافية مناسبة.

الإيجابية الوحيدة في كل تلك الحرب الكلامية والإعلامية هي أن البنك ورغم كل ما يحيط به من شائعات قد حقق أرباحا جيدة في النصف الأول من هذا العام، وهو ربما ما سيعجل عملية بيعه، أما ما يحيط بإدارته من اتهامات ومزاعم بالتلاعب، فقد تبقى لوقت طويل قيد التحقيق، فإثبات الرشاوى في عالم البنوك والمال السويسري أمر صعب، لاسيما وأنه لا توجد خسائر فادحة أودت إلى افلاس أحد المودعين أو ضياع ثرواته بالكامل.

سويس انفو – تامر أبوالعينين

منذ أن تنبهت سلطات سوق الأوراق المالية في زيورخ في نوفمبر 2005، إلى أن هناك شيئا غير عادي وراء ارتفاع أسعار أسهم بنك “سويس فيرست” الخاص بنسبة تقارب 30% خلال فترة وجيزة للغاية، عقب شرائه لبنك “بيلفيو”، حتى فتحت السلطات باب التحقيق للبحث عن احتمالات تلاعب في بيع الأسهم والسندات قبل إتمام الصفقة، إذ من المحتمل أن تكون قلة قليلة من داخل البورصة قد علمت بها قبل اتمامها، فعمدت إلى الاستفادة من هذه الأجواء لتحقيق مكاسب كبيرة، بصورة غير مشروعة.

تأسس مصرف سويس فيرست 1999 نتيجة اندماج بنك “أوغوست روت” الخاص مع مؤسسة ZFP المالية، واتخذ من زيورخ مقرا له.

في الفترة ما بين عامي 2000 و 2002 تخصص في التعامل مع أسهم وسندات شركات التقنية الحديثة المتقدمة، وحقق نجاحات كبيرة ساهمت في رفع أسعار أسهمه بشكل لافت للنظر.

شغل بنك “سويس فيرست” الرأي العام بشرائه عام 2002 مجموعة “جان فراي” الإعلامية المتخصصة في الصحافة السياسية والاقتصادية، ثم نقلها إلى ملكية مستشار مالي مقرب من إدارته.

في عام 2005 حقق البنك أرباحا قياسية مسجلا 59.7 مليون فرنك، ثم اشترى بنك “بيلفيو” الخاص، فارتفعت أسعار أسهمه في بورصة زيورخ بنسبة الثلث إثر ذلك مباشرة.

ومنذ هذا التاريخ والإتهامات تلاحق البنك بأنه تلاعب في هذه الصفقة، ليحقق مكاسب خاصة لفريق من المساهمين على حساب آخر.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية