مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“عقدة التاريخ” تسمم العلاقات الجزائرية – الفرنسية والمغربية – الإسبانية

محتجون مغاربة يتظاهرون يوم 5 نوفمبر 2007 أمام مقر القنصلية الإسبانية في الدار البيضاء احتجاجا على زيارة الملك خوان كارلوس إلى سبتة ومليلية Keystone

رغم جلاء الإستعمار عن القارة الإفريقية لا زال الإرث التاريخي يشكل عُقدة العلاقات الجزائرية – الفرنسية والمغربية – الإسبانية، كما أنه لا زال يمثل العقبة الرئيسية أمام إقامة علاقات عادية بين الجزائر وفرنسا وبوجه تطبيع العلاقات المغربية – الإسبانية.

وفي زيارة الدولة التي اختتمها يوم 5 ديسمبر إلى الجزائر، رفض الرئيس ساركوزي الاعتذار عن فترة الحكم الاستعماري الفرنسي للجزائر، وقال إن الوقت قد حان لتنحية خلافات الماضي جانبا والنظر إلى المستقبل، لكنه قال في كلمة يوم الاثنين 3 ديسمبر، إن النظام الاستعماري كان “ظالما بشدة” وأن “جرائم مروّعة” ارتكبت أثناء حرب الاستقلال الجزائرية.

رغم جلاء الإستعمار من القارة الإفريقية لا زال الإرث الإستعماري يشكل عُقدة العلاقات الجزائرية – الفرنسية والمغربية – الإسبانية. إذ لا زالت عقدة التاريخ (رغم التصريحات الجديدة التي أدلى بها الرئيس ساركوزي خلال زيارته الرسمية من 3 إلى 5 ديسمبر 2007) العقبة الرئيسية أمام إعطاء دفعة نوعية للعلاقات بين الجزائر وفرنسا، فيما يظل ملف سبتة ومليلية الحاجز الذي يُـعوّق تطبيع العلاقات المغربية – الإسبانية.

ففي الوقت الذي اعترفت فيه إيطاليا بماضيها الإستعماري ووعدت بإعطاء تعويضات لليبيين الذين احتلّـت بلدهم طيلة ثلاثة وثلاثين عاما، لا زال ذلك الإرث يشكِّـل عُقدة العلاقات الجزائرية – الفرنسية، ولا زالت قضية مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، تُسمم العلاقات بين الجارتين الرباط ومدريد.

هذه التجاذبات تُحيل على الحقبة التي عاش فيها المغرب العربي في ظل الإحتلال العسكري الأوروبي خلال القرنين الماضيين. ففرنسا استعمرت الجزائر من 1830 إلى 1962، أما مدينة سبتة في شمال المغرب فتخضع لسيطرة إسبانيا منذ عام 1580، فيما تخضع مليلية المجاورة لها للإحتلال الإسباني منذ عام 1496. أما ليبيا، ففُرض عليها الإحتلال الإيطالي من 1911 إلى انهيار نظام الدكتاتور بنيتو موسوليني في أواخر الحرب العالمية الثانية.

ويمكن القول إن الزيارة التي أدّاها ملك إسبانيا خوان كارلوس مؤخرا إلى المدينتين المحتلتين في شمال المغرب، صبّـت الزيت على المشاعر المُـلتهبة لدى المغاربة، الذين لم يفهموا كيف جلا المُستعمر الأوروبي عن جميع المناطق في القارة الإفريقية، عدا مدينتيهم السليبتين والجزر التابعة لهما.

وكان الملك ألفونسو، جد خوان كارلوس، آخر عاهل إسباني زار سبتة ومليلية عام 1927. وفي يناير 2006، زارهما رئيس الوزراء الإسباني الحالي خوسيه لويس ثاباتيرو، في أول زيارة على هذا المستوى منذ عام 1980.

إلا أن خوان كارلوس كان يُنظر إليه في الرباط على أنه فوق تلك الصِّـراعات وأنه كان يميل دائماً إلى ترجيح كفّـة الصداقة التقليدية مع الجار المغربي، خصوصا أنه دفع في اتِّـجاه التسوية السلمية مع المغرب لدى تولِّـيه مقاليد الحكم في بلاده بعد رحيل الجنرال فرانكو في السبعينات، وأبرمت بلاده في الأسابيع الأولى لاعتلائه العرش «اتفاق مدريد»، الذي سُجّـل وثيقة رسمية في الأمم المتحدة لإنهاء نزاع الصحراء، الذي كان قائماً وقتذاك بين المغرب وإسبانيا. غير أن اختيار موعد الزيارة ليتزامن مع ذكرى الجلاء الإسباني عن المحافظات الصحراوية في 1974، طرح أسئلة عديدة عن حقيقة موقفه من النزاع مع المغرب.

صحيح أن بعض المحللين اعتبروا الزيارة المفاجئة للملك وقرينته ردّا على الفرقعة الإعلامية التي أحدثها ساركوزي بزيارته “التاريخية” لطنجة، التي تقع في قلب المنطقة الخاضعة سابقا للإحتلال الإسباني. ولعل ما زاد من حنق الإسبان، إعلان الرئيس الفرنسي عن مراحل مشروع “الإتحاد المتوسطي” من طنجة نفسها، وكأنه جاء ليكرِّس سبقا فرنسيا على جارتيه المتوسطيتين، إسبانيا وإيطاليا.

وصحيح أيضا أن بعض الأحزاب الإسبانية تستخدم التشدّد في ملف سبتة ومليلية ورقة في السباق الانتخابي، خاصة أن زيارة العاهل الإسباني أتت قبل بضعة أشهر من موعد إجراء الانتخابات البرلمانية.

وثمة من ربطها بتداعِـيات إبرام المزيد من اتفاقات التعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب وفرنسا، كون مدريد كانت تضع العين على صفقة قطار السكة الحديدية بين طنجة ومراكش.

سكين في الجرح

لكن بعيدا عن تلك الإعتبارات الظرفية، حرّكت الزيارة الملكية لسبتة ومليلية السكِّـين في جروح المغاربة، فاستدعوا سفيرهم من مدريد وهبّـت جموعهم تتظاهر ضد الزيارة، التي أدانها الملك محمد السادس نفسه.

وعبر مجلس الوزراء في بيان صدر عقِـب اجتماع طارئ عقده للغرض عن إدانته القوية واستنكاره الشديد للزيارة «غير المسبوقة»، معتبراً إياها «خطوة غير مُـجدية تُـسيء إلى المشاعر الوطنية» للمغاربة.

وينطلق المغاربة في تعاطيهم مع هذا الملف من الحقائق التاريخية وبديهيات الامتداد الجغرافي، مُعتبرين أن الحكومة الإسبانية أخلت “بمنطوق وروح معاهدة الصداقة وحسن الجوار» المبرمة بين البلدين في مطلع تسعينات القرن الماضي، غير أن الواضح أن الحكومة المغربية لا تستطيع ولا ترغب باستخدام القوة لاستعادة المدينتين والجُـزر التابعة لهما، وتُشدّد على أن “أفضل أسلوب لتسوية هذا النزاع الترابي، هو التزام فضائل حوار نزيه وصريح ومنفتح على المستقبل”، مثلما قال بيان العاهل المغربي.

ومن هذه الزاوية، ينبغي فهم تصريحات رئيس الوزراء المغربي عباس الفاسي، التي أدلى بها مؤخرا إلى صحيفة «أوجوردوي لو ماروك»، وأكد فيها أن «المخرج الوحيد للحفاظ على الصداقة بين المغرب وإسبانيا وصون السلام في حوض المتوسط، يتمثل بأن يقوم الجار الإسباني بجُـهد أخير من أجل فتح مفاوضات مع المغرب»، وهذه المفاوضات ينبغي أن تؤدّي إلى «تحديد إجراءات عودة سبتة ومليلية الى الوطن الأم».

وكانت الرباط طرحت قبل سنوات اقتراحاً بتشكيل فريق عمل مغربي – إسباني «يبحث في مستقبل المدينتين المحتلتين، من منطلق معاودة السيادة المغربية عليهما مع الحفاظ على المصالح الاقتصادية والتجارية لإسبانيا»، غير أن الاقتراح لم يلق سبيلا إلى ترجمته في الواقع، كما أن الرباط كانت احتجّـت رسمياً على إدراج المدينتين في فضاء «شنغن» الأوروبي، وأكّـدت لإسبانيا وبلدان الاتحاد الأوروبي أن المدينتين واقعتان في شمال القارة الإفريقية ويفصلهما البحر المتوسط عن أوروبا، فضلاً عن وثائق ووقائع تاريخية تؤكّـد مغربيتهما.

إلا أن أبرز مواجهة بين البلدين، كادت تتطوّر إلى تصعيد عسكري، حدثت عام 2003 بسبب الخلافات بين الرباط ومدريد على جزيرة «ليلى» غير المأهولة.

فحين نشر المغرب قوات أمنية عزاها إلى «الحرب على الهجرة غير الشرعية»، ردّت إسبانيا خلال عهد الحزب الشعبي بزعامة رئيس الوزراء السابق خوسي ماريا اثنار، باكتساح الجزيرة عسكرياً، ما حدا بالإدارة الأمريكية الى التوسط لإعادة الأمور إلى وضعها السابق.

غير أن الأزمة بين البلدين الجارين استمرت في التفاعل الذي كان بلغ ذِورته لدى سحب الرباط سفيرها من مدريد، واستمر ذلك إلى حين فوز الحزب الاشتراكي بزعامة رئيس الوزراء الحالي ثاباتيرو في انتخابات ربيع 2004، وعرفت علاقات البلدين في عهده تطوراً سياسياً وانفتاحاً مُـتزايداً تُـوّج بمعاودة إبرام اتفاق الصيد الساحلي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، عِـلما أن أسطول الصيد الإسباني هو المستفيد الأول منه، نظرا إلى العدد الكبير للبواخر الإسبانية التي تصيد في السواحل المغربية.

تبرير الأبناء لأخطاء الآباء

وتواجه فرنسا العُـقدة نفسها مع الجزائر. فالجزائريون لم ينسوا المليون ونصف المليون من الشهداء، الذين سقطوا برصاص فرنسي خلال حرب التحرير الدامية (حسب التقديرات الجزائرية)، وإن لم تبق اليوم أراض جزائرية محتلة، وهم ينتظرون من الدولة المُستعمرة السابقة اعتذارا يكون خطوة رمزية نحو طَـي صفحة الماضي.

لكن فرنسا أبدت تشدّدا في هذه المسألة ولم تُبرهن على أي مُـرونة تدُل على استعدادها للتطلّـع إلى مرآة التاريخ، وقال ساركوزي في خِـطاب ألقاه في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، خلال زيارته الأخيرة للمغرب، “لن نستطيع بناء الإتحاد المتوسطي باستخدام الأبناء لأخطاء آبائهم أو عن طريق الندامة”.

وحاول التدليل على وجهة نظره بالإستناد على تجربة البناء الأوروبي، التي قامت على أكتاف الرواد الألمان والفرنسيين، فقال “لم يقل جون موني وروبير شومان للألمان “كفّـروا عن ذنوبكم أولا، ولِـنر بعد ذلك”، ولكنهما قالا لهم “فلنبْـنِ معاً مستقبلنا المشترك”، وأضاف “لم يقل الجنرال ديغول للمستشار أيزنهاور “كفِّـروا عن ذنوبكم بداية، ولنتصافح فيما بعد”، وإنما خاطبه قائلا “لنصبح منذ الآن أصدقاء إلى الأبد”.

وأكّـد ساركوزي في ردّ غير مباشر على الجزائريين “سنبني الإتحاد المتوسطي أسوة بحال الإتحاد الأوروبي، على إرادة سياسية أقوى من ذكريات الآلام واقتناع بالإعتداد بالمستقبل أكثر من الماضي، فلنقم بما قام به الآباء المؤسسون لأوروبا، الذين استطاعوا الجمع بين أشخاص لا يجمع بينهم وِد، ليتعوّدوا على نبذ العودة إلى الكراهية”.

وبعبارات أخرى، فإن ساركوزي يُُركِّـز على “بناء المصالح الحيوية لشعوب المنطقة”، مُتجاهلا جراح التاريخ الغائرة في نفوس المغاربيين جميعا، وليس الجزائريين وحدهم. ولعل من الوقائع الحُبلى بالدلالات في هذا المجال، حادثة سُجلت خلال الدورة الأخيرة لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، إذ أعلن الرئيس بوتفليقة عن إحالة مؤلفي كتاب مَـدرسي إلى القضاء، لأنهم بتروا بيتا من قصيدة الشاعر مفدي زكريا الشهيرة “قَـسَـما بالساحقات الماحقات”، التي اعتُمدت نشيدا وطنيا للجزائر المستقلة، وفي القصيد، إدانة لفرنسا بالإسم، بوصفها عدوة الجزائر.

وعندما ساءل أبوبكر بن بوزيد، وزير التربية، النواب في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) عن الإجراءات التي اتّـخذها في الموضوع، أوضح أنه أمر بسحب 450 ألف نسخة من الكتاب، بعدما وُزِّعت في الأسواق. أكثر من ذلك، أعلن الوزير أن الإدارة سلّـطت عقابا على المتفقدين (المُفتشين) المُكلّـفين بمراجعة الكتاب المسحوب من التداول.

خرائط ألغام

ماذا فعلت باريس لطمأنة هذه الجزائر، التي تُؤرقها تداعيات الحرب التحريرية المريرة، رغم مرور 45 سنة على نهايتها؟

بادر الفرنسيون أخيرا بعمل رمزي، تمثل في تسليم الجزائريين خرائط الألغام التي زرعوها أثناء الحرب للإيقاع بمقاتلي “جيش التحرير الوطني” على الحدود المشتركة مع تونس والمغرب، وسلم رئيس الأركان الفرنسي الجنرال جون لوي جورجلان أخيرا، الخرائط لنظيره الجزائري العميد صالح قايد أحمد.

ولئن رأى بعض الجزائريين في تلك المبادرة خُـطوة نحو الإقرار بمآسي الإضطهاد الإستعماري، اعتبرها كثيرون عملا منقوصا، لأنه لم يرافقه تسليم الوثائق الجزائرية المُحتجزة في فرنسا. ومن هؤلاء، عبد المجيد شيحي، مدير عام الوثائق الجزائرية، الذي ذكر في تصريحات أدلى بها لسويس أنفو، أن “المعاهدات الدولية تنُـص على أن الوثائق تبقى مِـلكا للبلد الذي تمّ تصورها وصُنعها فيه”، وأشار إلى أن “امتناع باريس، يستند على مرسوم سنّـته الإدارة الإستعمارية في سنة 1834 وأصبح لاغيا بنيل البلد استقلاله”.

فاتورة مُستحقة

على خلاف الفرنسيين والإسبان، أبدى الإيطاليون مُـرونة كبيرة إزاء التعاطي مع ماضيهم الإستعماري في المغرب العربي، ربما لأن تلك الصفحة ارتبطت بنظام موسوليني والحِـقبة الفاشية، التي سعى الإيطاليون لمحوها من تاريخهم المعاصر، وأعلن ماسيمو داليما، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، مؤخرا أن روما مستعدة لدفع تعويضات لليبيا على تهجير قِـسم من سكانها إلى الأراضي الإيطالية إبّـان الحملة العسكرية لإحتلالها في النصف الأول من القرن الماضي.

وقال جوليانو أماتو، وزير الداخلية في يوليو 2006 “علينا أن نتقبل حقيقة أننا كُـنا البلد الإستعماري الذي غزا ليبيا في بداية القرن العشرين”، وأضاف “يتعين علينا أن نُـدرك أن هناك مطلبا مشروعا بالتعويض من جانب بلد احتلّـه بلد آخر، لا لشيء سوى طموحاته الإستعمارية، وهو أمر لا معنى له على الإطلاق”، مُستخلصا أن “هناك فاتورة يتعيّـن دفعها، فالحقوق لا تسقط في سلّـة التاريخ بالتقادم”.

قبل ذلك بسنتين، أعلن العقيد معمر القذافي بمناسبة تدشين خط أنابيب لنقل الغاز عبر المتوسط إلى إيطاليا، أن روما وافقت على دفع تعويضات، غير أنه لم يذكر حجمها ولا أي تفاصيل أخرى عنها. ويُرجِّـح محللون أن يقدّم الإيطاليون التعويضات في شكل دعم للمشاريع الكبرى التي برمجتها ليبيا، مثل الطرق السريعة.

وأيا كانت الصيغة، فالمسألة رمزية بالدرجة الأولى، خاصة أن البلدان الغنية بالثروات الطبيعية، مثل ليبيا والجزائر، لا تحتاج أصلا لمساعدات مالية بعنوان تعويض عن آلام الماضي، لكن اللافت هو ذلك الفرق في التعاطي مع هذا الملف بين من لا يتهيب من النظر إلى وجهه في مرآة التاريخ ومن يحاول التهرب منها، مُتحاشيا إلقاء نظرة عليها.

وما لم يقطع الأوروبيون تلك الخطوة الرمزية، سيظل هناك متظاهرون مغاربة يُحطِّـمون بوابات الحدود عند معابر مدينة مليلية المحتلة بمناسبة زيارة مُقبلة لمسؤول إسباني، وسيظل هناك جزائريون يلعنون حِـقبة الوجود الفرنسي في بلادهم ويعتبرونها أحلك فترة في تاريخهم، وبهذا المعنى، سيبقى التاريخ حقل ألغام يُنذر بتفجير مشاريع التعاون المستقبلي بين الدول المُستعمرة و… مستعمراتها السابقة.

تونس – رشيد خشانة

تبسة (الجزائر) (رويترز) – وقعت الجزائر وفرنسا يوم الثلاثاء 4 ديسمبر مجموعة من الاتفاقيات للاستثمار والتعاون، تجاوزت قيمتها سبعة مليارات دولار خلال زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للجزائر يوم الثلاثاء في غمرة احتدام جدل حول الماضي الاستعماري.

ورفض ساركوزي الاعتذار عن فترة الحكم الاستعماري الفرنسي للجزائر، الذي استمر 132 عاما، وقال إن الوقت قد حان لتنحية خلافات الماضي جانبا والنظر إلى المستقبل، لكنه قال في كلمة يوم الاثنين 3 ديسمبر، إن النظام الاستعماري كان “ظالما بشدة” وأن “جرائم مروّعة” ارتكبت أثناء حرب الاستقلال الجزائرية.

وقال نور الدين زرهوني، وزير الداخلية الجزائري يوم الثلاثاء، إن تصريحات ساركوزي تشير إلى تقدم، لكنها لم ترق للمستوى المطلوب، وأضاف زرهوني على هامش زيارة ساركوزي لموقع تبسة القديم، الذي يبعد 70 كيلومترا غربي العاصمة، إن بلاده لا تزال ترى أن هذه التصريحات ليست كافية، لكنها في الاتجاه الصحيح. وقلل زرهوني من شأن تصريح لوزير جزائري في الآونة الأخيرة تناولته الصحافة الفرنسية على نطاق واسع، مفاده أن ساركوزي فاز في انتخابات الرئاسة في مايو بفضل “لوبي يهودي”، في إشارة غير مباشرة لوالدة ساركوزي اليهودية. وقال زرهوني للصحفيين الفرنسيين الذين جاؤوا مع ساركوزي، إن الصحفيين يعلقون أهمية زائدة على إيحاءات بعينها يثيرها هذا التعليق. وكان أول لقاء للرئيس الفرنسي مع السكان الجزائريين في تبسة صامتا.

ووقف حشد من الناس بلغ عددهم نحو 300 شخص خلف أسيجة معدنية يلوحون بأعلام الجزائر وفرنسا وصور ساركوزي والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بينما عزفت فرقة موسيقية تقليدية ألحانها في الخلفية، ولم يكن هناك إلا قليل من التصفيق وزغاريد النساء ترحيبا بساركوزي.

وانتقد أحد الأشخاص ساركوزي لسيره في ركاب سياسة الرئيس الأمريكي جورج بوش، وبسط رجل آخر في العقد السابع من العمر صحيفة في صفحتها الأولى موضوع عن مخاطر الألغام الأرضية، التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، بينما قال إنه يأمل أن تأتي فرنسا وتستثمر في الجزائر.

وتجلت الإجراءات الأمنية المشددة في الوجود المكثف للشرطة في بلاد ما زالت الحكومة تحارب فيها متشددين يسيرون على نهج القاعدة، نفذوا سلسلة من التفجيرات الانتحارية القاتلة هذا العام.

ويقول معلقون جزائريون إن تحسن العلاقات السياسية يظل رهنا بمسألة الماضي، وهو موضوع أثير لدى القيادة الجزائرية الحالية، حيث قضى معظم شبابهم في النضال الثوري ضد فرنسا. ويقول رجال أعمال فرنسيون إن العلاقات السياسية المتوترة أحيانا لبلادهم مع الجزائر، ليس لها تأثير يذكر على العلاقات التجارية المتسعة التي جعلت فرنسا أكبر مستثمر أجنبي.

ولإثبات أن الوضع لم يتغير، وسعت شركة غاز دو فرانس تعاقداتها يوم الثلاثاء لشراء غاز طبيعي مسال من الجزائر حتى عام 2019 في صفقة تقدر قيمتها بحوالي 3.7 مليار دولار سنويا.

كما أعلنت شركة توتال أنها ستستثمر 1.5 مليار دولار في مصنع للبتروكيماويات، كما وقعت شركة الستوم الهندسية اتفاقا تزيد قيمته على 1.3 مليار يورو (1.92 مليار دولار) لبناء محطة كهرباء تعمل بالغاز، ووقعت شركة النقل العام في باريس اتفاقا لتشغيل وصيانة خط جديد لقطارات الأنفاق في العاصمة الجزائرية، كما وقعت فرنسا أيضا اتفاقية تعاون لمنح الجزائر اتفاق تعاون في مجال تكنولوجيا الطاقة النووية المدنية، وهو أول اتفاق من نوعه بين فرنسا ودولة عربية مسلمة.

ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يصادق أولا على الاتفاق الذي يغطي توليد الكهرباء وتطبيقات التكنولوجيا النووية في الزراعة وعلوم الحياة وموارد المياه.

وفي يوليو الماضي، وبعد موافقته على إقامة تعاون نووي مع ليبيا، قال ساركوزي إن على الغرب أن يثق في الدول العربية وأن يتركها تطور هذه التكنولوجيا لأغراض سلمية وإلا خاطر بإشعال صراع حضارات.

وقال وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل الشهر الماضي، إن الجزائر المصدرة للبترول وعضو أوبك، تتطلع إلى توليد الطاقة النووية ويمكن أن تبدأ بناء محطة للطاقة خلال السنوات العشر القادمة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 ديسمبر 2007)

الجزائر (رويترز) – قالت السفارة الفرنسية إن فرنسا قدّمت للجزائر تفاصيل عن الأماكن التي زرعت فيها قواتها ملايين الألغام قبل نحو نصف قرن، في إطار حرصها على تعزيز العلاقات مع البلد الذي كان مستعمرة لها.

وزُرعت الألغام في المناطق الحدودية الشرقية والغربية خلال حرب الاستقلال، لمنع المقاتلين الجزائريين من مهاجمة الجيش الاستعماري الفرنسي، انطلاقا من قواعد في المغرب وتونس.

وجاء في بيان للسفارة أن قائد القوات المسلحة الفرنسية الجنرال جون لوي جورجلين، الذي يزور الجزائر حاليا، سلّـم رسوما تخطيطية للأماكن التي زُرعت فيها الألغام بين عامي 1956 و1959.

وقال البيان، “هذا القرار الذي كانت تتوقعه الجزائر يُـبرز رغبة السلطات الفرنسية في المُـضي قُـدما نحو رفع العقبات المتوارثة من الماضي ورغبتها في بناء علاقة تقوم على الثقة مع الجزائر”.

وتقول الحكومة الجزائرية، إن حرب الاستقلال التي دارت بين عامي 1954 و1962، تسببت في مقتل 1.5 مليون جزائري، ولقي الكثير من الفرنسيين حتفهم أيضا.

كما تقول الجزائر، التي كانت تطالب فرنسا منذ فترة طويلة بتسليم الرسوم التخطيطية، إن القوات الفرنسية زرعت نحو ثلاثة ملايين لغم على أراضيها.

وقالت صحيفة الوطن اليومية، إن الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزي يريد أن يزيل العقبات التي تعوق طريق العلاقات الجزائرية الفرنسية”.

ونشرت الصحيفة رسما كاريكاتوريا يظهر فيه ضحية جزائري للغم أرضي كتب عليه “كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك قبل 45 عاما”.

وكثيرا ما تنشر الصحف أنباء عن سقوط قتلى وإصابات، ولاسيما بين رعاة الأغنام والأطفال الذين يتسبّـبون بشكل غير مقصود في تفجير الألغام التي زُرعت خلال فترة حرب الاستقلال.

ومن المتوقع أن يزور ساركوزي الجزائر رسميا في ديسمبر المقبل.

وتحاول فرنسا تحسين علاقاتها الدبلوماسية وتعزيز نفوذها الاقتصادي في الجزائر، في الوقت الذي تحاول فيه دول أوروبية أخرى والولايات المتحدة تطوير علاقاتها مع البلد الذي يصدّر النفط والغاز.

ودعا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة فرنسا مِـرارا للاعتذار عن الجرائم التي ارتُـكبت خلال الاستعمار، للمساعدة في تحسين العلاقات الثنائية.

وردّت السلطات الفرنسية بالدّعوة “للاحترام المتبادل” والقول أن كتابة التاريخ أمر يرجع للمؤرخين.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 أكتوبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية