مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“علاقتنا مع العالم العربي جيدة و مستعدون للتوسط في أفغانستان”

سويسرا مستعدة لتفيعل حوار الحضارات على جميع الجبهات swissinfo.ch

في حديث خاص لـ "سويس انفو" أكد وزير الخارجية السويسري جوزيف دايس على تمسك بلاده بالحياد وأن الكونفدرالية تتمتع بعلاقات جيدة مع جميع الدول العربية والاسلامية، وأبدى استعداده لأن تقدم سويسرا مقترحات وحلول لحكومة أفغانية مستقبلية على ضوء التجربة السويسرية الناجحة في التعايش بين ثقافات مختلفة، كما أشار إلى أن هناك فرق بين الارهاب وحق الدفاع عن النفس.

السيد وزير الخارجية السويسري جوزيف دايس عندما أعلن الرئيس الامريكي جورج بوش ” أما أن تكونوا معنا أو مع الإرهاب” لم يترك حيزا للحياد، فهل يعني هذا بأنه يجب على سويسرا أن تتنازل عن حيادها المعروف؟

أولا أود أن اشير إلى أن ما قاله الرئيس بوش لا يحتاج إلى الحياد، لأن مكافحة الإرهاب لا تحتاج إلى حياد، وبالتالي فهذا لا يشكل أية مشكلة، لأن الكونفدرالية تشارك في مكافحة الإرهاب الدولي منذ وقت طويل.
أما فيما يتعلق بالحياد السويسري، فإننا لن تنازل عنه ونريد أن نحافظ عليه، فالحكومة السويسرية أكدت في رسالتها إلى كوفي عنان الامين العام للأمم المتحدة على أن سويسرا تؤكد على احتفاظها بالحياد حتى بعد التحاقها بالمنظمة الأممية.

ولكن الحكومة الأمريكية تتعامل مع بعض الدول على أنها إما إرهابية أو ترعى الإرهاب، فهل تلتزم سويسرا بوجهة النظر الأمريكية في تعاملاتها مع تلك الدول، وتحديدا مع لبنان وسوريا والسودان وليبيا، أم أن الكونفدرالية لها سياسية مستقلة في تعاملاتها مع هذه الدول؟

سويسرا لها علاقات ديبلوماسية طيبة مع الدول التي ذكرتها، فلدينا سفارات في عواصم ليبيا وسوريا ولبنان،أما السودان فلنا هناك قائمة بالأعمال وتتولى سفارتنا في القاهرة أيضا العلاقات مع السودان، فإلى جانب هذه العلاقات نحاول أيضا أن نتدخل إذا شعرنا بأن هناك مشاكل ما يمكننا التدخل في حلها كما نقترح أيضا حلولا إذا تمكنا من ذلك، ولنا دور في منطقة الشرق الأوسط يعرفه الجميع منذ وقت، فنحن ندعم المنظمة الدولية لرعاية اللاجئين الفلسطينيين أيضا في مخيمات اللاجئين في لبنان.
علاقتنا مع جميع هذه الدول تمر عبر قنوات طبيعية ولنا أيضا علاقات اقتصادية معها، وكذلك لدي اتصال دائم مع السودان.

ولكن هل تتأثر هذه العلاقات بموقف الولايات المتحدة من هذه الدول؟
لا توجد أية ضغوط من الجانب الامريكي علينا، علاوة على ان سويسرا دولة لها استقلاليتها فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية ونتحرك بموجب ما نعتبره صالحا.

توجد دعاوى مختلفة لمحاربة الإرهاب في غياب تعريف واضح له، فهل تتبع سويسرا في علاقاتها الخارجية تعريفا محددا للإرهاب يمكن من خلاله التفريق بين العمل الإرهابي وحق الدفاع عن النفس؟

لا اعتقد، من وجهة نظري، أن الفرق بين العمل الإرهابي وحق الدفاع عن النفس هو المحك الرئيسي، لانه من الصعب في واقع الأمر أن نتفق دوليا على تعريف العمل الإرهابي، ولذلك فإننا نرى هذه المشكلة من ناحية أخرى وتحديدا ما هي الوسائل التي يمكننا استخدامها في مواجهة العمل الإرهابي، وإذا كنا واضحين في محاربة الإرهاب فإنه يجب التأكيد على ضرورة مراعاة الجانب الإنساني، فنحن أعلنا مثلا بعد الإعلان عن أول ضربات أمريكية، أو بالأصح الرد الأمريكي على أفغانستان، على ضرورة التزام الدقة والسرعة، في الوقت نفسه لابد من تأمين حماية المدنيين هناك .

السيد الوزير، لكن هذه الإجابة لم توضح كيف تفرق سويسرا بين العمل الإرهابي والحق المشروع في الدفاع عن النفس!

العمل الارهابي هو عمل خارج عن القانون، أما حق الدفاع عن النفس فهو فقط في حدود القانون كما تنص عليه لوائح الامم المتحدة، أو بما تقضي به الواجبات القومية، وهو أيضا ما تحدده القوانين، وبالتالي لا يمكن المقارنة بين العملين، فلا يمكن أن يندرج العمل الإرهابي تحت بنود القانون لأنه عمل إجرامي.

“لا خوف على اموال المستثمرين العرب”

سويسرا معروفة بأنها مركز مالي آمن و لذا يقبل عليها المستثمرون ليس فقط من أوروبا ولكن من العالم، ولكن لوحظ في الآونة الأخيرة ظهور مخاوف لدى مؤسسات مالية عربية وجمعيات من الاستثمار في سويسرا خشية أن تتعرض اموالهم للتجميد أو المصادرة بحجة أن هذه المؤسسة أو تلك لها علاقات مع شبكات ارهابية أو أنها تمول الارهاب، فكيف يمكن إزالة هذه المخاوف؟

أولا أود أن أشير إلى أنني فوجئت بهذا الطرح، لأننا نتعرض لانتقادات عكس ذلك، ونتهم بأننا نتعامل بحرية مع الودائع الأجنبية.
ولكنني أود أن اشير إلى أن النظام المالي المتبع لدينا لا يدع مجالا لخوف أو لقلق في التعامل مع سويسرا كمركز مالي، بغض النظر عن جنسية المتعاملين .
فنحن والمصارف و المؤسسات المالية نتعامل من مبدأ ” تعرف على من تتعامل معه” وهو ما يعني التأكد من العميل ومصدر أمواله ومن هو وذلك قبل الدخول في معاملات مالية، وبالتالي تتلاشى المخاوف لدى الجانبين، وأود أن أشير إلى أن هذه القواعد في التعامل لا تنطبق فقط على المستثمرين الأجانب بل أيضا على السويسريين.

ولكن هل يعني هذا أن المصرف أو المؤسسة المالية هي صاحبة الحق في مراجعة الاتهامات التي توجهها الولايات المتحدة إلى العملاء دون الرجوع إلى الحكومة؟

بلى، يجب على المؤسسات المالية في حال الاشتباه في رصيد ما أن تحيط الحكومة بذلك، فيتم التحفظ على الحساب إلى أن تتحقق الحكومة من التهم أو الشبهات التي تحوم حول هذا الحساب، وبالتأكيد يحق لصاحب الحساب أن يدافع عن نفسه، ولكن هذا يحدث فقط في حال وجود شبهة أو إتهام.
في الحالات العادية لا يحدث هذا، لان المؤسسة المالية تتحقق جيدا من مصدر الأموال قبل البدء في التعامل.

توجد بعض التقارير الصحفية التي تشير إلى أن العرب والمسلمين في أوروبا يتعرضون لممارسات عنصرية بسبب انتمائهم الديني والعرقي، وهو ما يثير قلق الراغبين في زيارة سويسرا وأوروبا، آخرها إلغاء مجموعة من الصحفيات السعوديات لزيارة عمل لهن إلى جنيف خشية التعرض لهجمات، فكيف ستعالج سويسرا هذه المخاوف؟

سمع الجميع بأنه بعد الحادي عشر من سبتمبر أيلول يمكن أن تقع بعض الحوادث الغير عقلانية بين العالمين المسيحي والاسلامي، وهو ما لا يتمناه أحد، حيث حاولت جميع الحكومات التحرك لمنع ذلك، بالطبع لايمكن لأحد أن يمنع صدور مثل هذه الأعمال، التي هي انعكاسات للموقف، من حالات فردية، ونحن نحاول بالطبع بكافة السبل أن نحول دون ذلك، ولكن يمكن القول بأنه لم تحدث في سويسرا حالات عنف ضد المسلمين أو أجانب من الدول العربية.

ولكن هناك خطابات تهديد وصلت إلى مساجد زيورخ وبازل وبرن وجنيف!

حتى الوزراء في الحكومة السويسرية يتلقون رسائل غير لائقة، وهذا لا يمكننا أن نتجنبه ولكنني لا اعتقد بأن هناك موجة كراهية ضد العالم العربي أو الإسلامي في سويسرا، ولكن هناك فئة قليلة بين المواطنين هى التي ترعى مثل هذه الحساسيات، ولدي شعور بأن سويسرا يمكنها أن تثبت أنها كدولة لها علاقات صديقة مع الدول العربية والإسلامية، وأن رعايا هذه الدول يعاملون بشكل جيد في سويسرا.
نحن نحاول بسبب مثل هذه التقارير الصحفية أن نمنع وجود هذه الروح العدائية، ولكننا لا يمكن أن نضمن رد فعل كل مواطن على حدة، كما هو الحال أيضا إذا ما توجه مسيحي أوروبي إلى بلد إسلامي أو عربي فيمكن أيضا أن يتعرض لمعاملة سيئة، وهذا بالطبع خطأ في كلتا الحالتين أن يكون هناك تعميم وإتهامات عامة.

نرحب بالحوار ونسعى إليه

سويسرا تتمتع بسمعة طيبة في العالمين العربي والاسلامي أولا لأن تاريخها غير استعماري، وثانيا لأنشطتها المتعددة والناجحة على الصعيد الدولي في مجال السلام، فهل يمكن لسويسرا أن تلعب دور الوسيط في هذا الصراع بين الغرب والشرق؟

نحن نحاول في هذا المضمار أيضا، ولكن لا أود أن أتحدث عن صراع، فنحن نتوسط لمنع وقوع صراع جدي، ولكن بالطبع نحن لا نقوم بدور الوسيط مع الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية، فهذا لا جدال فيه، في المقابل فنحن نسعى إلى المشاركة في الحوار ونقدم أيضا مبادرات لقيام حوار بين الحضارات، فعلى سبيل المثال نقوم بحوار بناء مع ايران، وتبادلت وفود نسائية الزيارات بين برن وطهران، وكما ترى فالنساء الايرانيات ليس لديهم خوف من زيارة سويسرا،و اعتقد أنها كانت تجربة ايجابية، كما أنني افتتحت في شهر ابريل نيسان مؤتمرا علميا مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حول رسالة احد القديسين المسيحيين من أصل جزائري في التوسط بين العالمين المسيحي والاسلامي، ونحن ، أنا والرئيس بوتفليقة، اتخذنا هذه المبادرة.

ولذا فإن هذه المحاولات لها بعد ذو معنى ومغزى بالنسبة لسويسرا، وإذ سمحت الفرصة سنشارك أيضا في المبادرة التي طرحتها تركيا في الاسبوع الماضي في بروكسل للاعداد لملتقي يجمع ممثلي الدول الاوربية والعربية في أسطنبول.
و كما ترى فالجهود متعددة وسويسرا لا يمكن أن تتخلف عنها.

“”مستعدون للتعاون في بناء حكومة افغانية جديدة”


نبقى مع المحاولات والمبادرات، فسويسرا نموذج ناجح للتعايش بين ثقافات ولغات مختلفة، فهل يمكن انطلاقا من هذا النموذج الناجح أن تقدم سويسرا بخبرائها وخبراتها حلا أو اقتراحا للتعايش السلمي بين مختلف الاعراق في أفغانستان يساهم في الجهود المبذولة حاليا لمستقبل هذا البلد؟

بالطبع، من ناحية فنحن كما ذكرتم نعيش منذ مائة وخمسين عاما في تجانس وتجربتنا الناجحة ليست حكرا علينا، فالطبع يمكن أن تنتقل هذه التجربة إلى الآخرين، ولكن هذا يعتمد على مدى تقبل الطرف الآخر لمثل هذه الحلول، فإننا لا يمكن أن نحاول ارغام طرف ما بالقبول بحل تناسب مع ظروفنا، ونحن على استعداد للتعاون إذا قبل الطرف الآخر هذا.
على سبيل المثال كانت لنا تجربة سابقة مع أفغانستان، حيث دعونا مجموعات تمثل الأعراق المختلفة لمعايشة نظامنا الإداري والحكومي، ولكن عندما لاحظنا بأن محاولاتنا هذه غير مثمرة آثرنا أن نتوقف عن المضي قدما فيها. ولكن هذا يدل على الأقل بأنه لدينا الاستعداد للمساهمة في هذا المجال ولكن لابد من أن تكون هناك قابلية لاستخدام هذه المحاولات من الطرف الآخر.
في معرض الحديث عن أفغانستان علمت وأنا في الطريق إليكم بأن مقرا للهيئة الدولية للصليب الأحمر في العاصمة كابول تعرض لقصف أمريكي، فما هو تعليقكم؟

نحن بالطبع نأسف لتعرض هذه الوسائل المخصصة لرعاية المدنيين لهجمات، وكان الامر واضحا لنا قبل الحادي عشر من سبتمبر أيلول، بأن افغانستان معرضة لكارثة انسانية، وبعد بداية القصف قمنا بعمل اللازم لتأمين الاحتياجات اللازمة للمدنيين، ونوهنا إلى ضرورة مراعاة ظروف المدنيين،
وكيف سيكون رد الفعل السويسري على هذا الهجوم وهو الثاني، على الرغم من أن وجود علامات مميزة لتفادي الخطأ الاول؟

نحن نتعاون مع دول مختلفة في تأمين عمليات الإمدادات الإنسانية للمدنيين، والمهم الآن هو الآن التحرك بشكل مكثف، بدلا من إضاعة الوقت في بيانات صحفية، فرسالتنا واضحة ونحن نكررها.

“لا خوف على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي”

نتحول إلى العلاقات السويسرية الأوربية، فكيف تنظرون إلى رد فعل الاتحاد الأوروبي على مساهمة الحكومة السويسرية في شركة الطيران الوطنية الجديدة، وهل يمكن أن يكون لرد الفعل الأوربي أثرا سيئا على الرأي العام السويسري؟

أعتقد أنه لا يجب تحويل الموقف إلى صورة درامية، واعتقد أنه من المهم الآن أن نحيط بروكسل بما تم، كما أن الجميع يعرفون بأن الاتفاقيات الثنائية لم تدخل حيز التنفيذ بسبب بعض دول الاتحاد الأوربي، وليس بسبب سويسرا، وبالتالي لا يمكن المطالبة الآن بتطبيق بنودها، من ناحية أخرى فنحن مستعدون للتعاون، ومنذ وقت طويل ونحن لدينا خبرة في التعاملات من خلال الاتفاقيات التجارية السابقة.

تامر أبو العينين حاور وزير الخارجية السويسري جوزيف دايس.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية