مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“عهد بين الأمم للقضاء على الفقر”

آختار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عنوان "ميثاق بين الأمم للقضاء على الفقر البشري" عنواناً لتقريره السنوي www.undp.org

هذا هو العنوان الذي أختاره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتقريره السنوي لعام 2003 عن التنمية البشرية.

معدلات التنمية البشرية شهدت انتكاسة في بعض الدول، والدول الغنية مطالبة بالإيفاء بوعودها، أما الدول العربية فوضعها في تحسن رغم الصعوبات.

الخبر الجيد بالنسبة للقارئ العربي هو أن الأوضاع في البلدان العربية ليست بالسوء الذي يتصوره.

أما الجديد في تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي فيتعلق بقائمة من المطالب التي حددها، وشدد على ضرورة التزام الأمم الغنية بتطبيقها.

وبرميه الكرة في ملعب البلدان الصناعية الكبرى، حـمّـل التقرير الدول الفقيرة مسؤولية تغيير أوضاعها، لكنه أبرز أن الأمم الغنية بمعاييرها المزدوجة تتحمل هي الأخرى قسطاً من مسؤولية استمرار أوضاع الفقر في العالم.

لذلك، لعله من الأوفق البدءُ أولاً بما هو جديد في التقرير قبل الجيد النسبي.

“هناك قرار يجب على العالم اتخاذه”

القرار، الذي عناه مارك مالوخ براون المدير العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عند إلقاءه خطابه يوم الثلاثاء 8 يوليو بمناسبة إصدار التقرير، يخص مستقبل المعمورة وسكانها الأقل حظاً.

فالسؤال الذي لم يطرحه التقرير وإن كان يحومً حوله هو: هل هناك رغبة دولية جدية للقضاء على الفقر؟

طابع السؤال يفرض البحث عن أسبابه. فالتقرير وإن لم يتجاهل التحسن الذي طرأ على أوضاع العديد من بلدان العالم إذ تمكنت الصين على سبيل المثال من تخليص 150 مليون نسمة من سكانها من الفقر، إلا أنه لفت وبشدة إلى الارتداد الذي شهدته بعض أفقر الأمم في العالم.

كانت الِردة غير مسبوقة في حجمها، ومن ثم كان من الضروري التوقف أمامها. ويكفي النظر إلى الأرقام حتى تتمثل الصورة في تشاؤمها. فقد أصبحت 54 دولة، أي أكثر من ربع بلدان العالم، أشد فقراً في التسعينات من القرن الماضي عما كانت عليه قبل عقد من الزمن!

وهو ما يعني أنه في الوقت الذي لا زال فيه اكثر من مليار شخص يعيش في فقر مدقع، فإن مستويات معيشة هؤلاء تزداد سوءا على نحو مطرد.

للعملة وجهان!

ضرب المدير العام للمنظمة على وتر حساس عندما قال:”إننا لا نطلب شيكاً مفتوحاً. ثمة شراكة جديدة فعالة هنا تنص على وجوب أن تكون المعونة طريقاً ثنائي الاتجاه..”.

تلتزم الدول الفقيرة في هذه الشراكة بتطبيق إستراتيجية إجمالية للنمو الاقتصادي تلبي الاحتياجات الأساسية من تعليم وصحة ومياه شرب نظيفة وخدمات صرف صحي لسكانها، لاسيما المقيمين منهم في الأرياف.

إذ “لا يسع البلدان الفقيرة انتظار أن تصبح ثرية قبل أن تستثمر في شعوبها”، على حد تعبير جيفري ساكس المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حول أهداف التنمية للألفية.

كما أن هذه الدول ملزمة بتركيز إستراتيجياتها للتنمية لا على النمو الاقتصادي فقط، وإنما أيضا على توزيع أكثر إنصافاً للثروة والخدمات.

يعلق السيد مالوخ براون على ذلك بالقول:”إن الفقر يمكن أن يكون مشكلة سياسية. ويُظهر هذا التقرير أن ثمة بلداناً عديدة مستويات الدخل فيها عالية بما يكفي لإنهاء الفقر المدقع؛ لكنها تعاني من جيوب من الفقر الأشد وطأة، غالباً بسبب أنماط مقلقة من التمييز في توفير الخدمات الأساسية”.

التزامات الدول الغنية..

الدول الغنية في المقابل مطالبة بالوفاء بتعهداتها. وهي تعهدات لا تتصل فقط بالدعم المالي الذي تلتزم بتقديمه وتتباطأ في ترجمته إلى الواقع، أو في شطب الديون التي تثقل كاهل الدول النامية.

فالتقرير “يتحدى” تلك الدول في الشروع في مجموعة من الإجراءات تضع حداً فاصلاً بين الفعل والزعم.

يطالبها بالتوقف عن نظام الدعم التجاري والتعرفات الجمركية الذي تحمي به منتجاتها الزراعية المحلية في مواجهة منتجات الدول النامية، وتتسبب عملياً في الإضرار بتجارتها إن لم يكن إعاقتها.

إذ تقدم بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إعانات مالية لقطاع الزراعة فيها يتجاوز 300 مليار دولار سنوياً. وتوازي الإعانات المالية المدفوعة من طرف الحكومة إلى مزارعي القطن في الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة أضعاف العون الذي تقدمه للدول الإفريقية الواقعة جنوبي الصحراء.

وفي الاتحاد الأوروبي تتجاوز الإعانة النقدية لكل بقرة حلوب مجموع العون الذي تقدمه بروكسيل للفرد في الدول الإفريقية جنوب الصحراء.

كما يحث التقرير أيضا الدول الغنية على خلق فرص أفضل للوصول إلى التقدم التقني. فمن غير المعقول مثلا أن يتم تسخير نسبة 10% فقط من عمليات الأبحاث والتطوير الجارية في تلك البلدان لعلاج المشاكل الصحية لـ 90% من سكان العالم.

في ظل هذه المعطيات، يبدو منطقيا ما قاله السيد مالوخ براون: القرار الذي يجب اتخاذه يتمحور أساسا حول “الرغبة في تغيير هذا العالم المقسوم إلى طبقتين”.

العالم العربي في تحسن.. ولكن!

الدول العربية ملزمة هي الأخرى باتخاذ قرار. فالخبر الجيد هو أن أغلبها ينتمي إلى فئة من البلدان النامية التي حققت تقدماً في تنميتها البشرية بصورة عامة. لكن التطور المسجل كان غير متساويا، وإلى المدى الذي جعل الهوة تتسع بين الأغنياء والفقراء.

ويقول التقرير:”من بين كل الأقاليم، يبدو التباين شاسعاً في البلدان العربية بين الدخل (الذي أرتفع) وبين أوجه التنمية البشرية الأخرى”.

ويقدم أمثلة على ذلك، فعدم المساواة بين الجنسين (في الحقوق والفرص وتلبية احتياجاتهن الأساسية) لازالت تمثل مشكلة فعلية.

أما التحدي الأكبر، يكمل التقرير، فيتصل بالحقوق السياسية والمدنية العامة: “فقط أربع دول من بين 17 في المنطقة (التي توفرت عنها معلومات موثقة) كان لديها في عام 1999 نظام انتخابي متعدد الأحزاب”.

رغم ذلك لا يبدي التقرير تشاؤماً. فهو يشير إلى أن الدول العربية قادرة على تحقيق الأهداف التي حددتها لتنميتها البشرية مع حلول عام 2015، ويقول: “تحقيق ذلك سيكون صعباً لكنه ممكن”. ولأنه كذلك، فأن القرار في النهاية يعود إليها.

إلهام مانع – سويس إنفو

ترتيب الدول العربية( من بين 175 دولة) على مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية:
البحرين (37)، قطر (44)، الكويت (46)
الإمارات العربية المتحدة (48)، ليبيا (61)
السعودية (73)، سلطنة عمان (79)، لبنان (83)،
الأردن (90)، تونس (91)، مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية (98)
الجزائر (107)، سوريا (110)، مصر (120)
المغرب (126)، جزر القمر (134)، السودان (138)
اليمن (148)، موريتانيا (154)، جيبوتي (153)،
العراق والصومال لم يُـدرجا في ترتيب عام 2003

مؤشرات عربية إيجابية وسلبية في عقد التسعينات:
لبنان والسودان وتونس: حققت نموا اقتصاديا متواصلا بنسبة 3% في العام.
الكويت: خفضت نسبة الجوع لدى سكانها من 22% إلى 4%.
مصر: حققت أفضل نسبة تخفيض لعدد وفيات الأطفال ممن هم دون الخامسة.
العراق: تضاعفت فيه نسبة وفيات الأطفال ممن هم دون الخامسة ثلاث مرات (13%).
اليمن: ارتفعت نسبة الأطفال ممن يعانون من سوء التغذية من 30% في 1992 إلى 46% في عام 1997.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية