مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 غوربتشوف أفغانستان

حافظ حامد قرضاي على منصبه، لكن التحديات التي سيواجهها جسيمة رغم الدعم لامريكي له Keystone

لم يكن مفاجئا على متابعي الشأن الأفغاني ترشيح حامد قرضاي لرئاسة الحكومة الأفغانية الجديدة من قبل المجلس الأعلى (اللويا جيرغا) بالإجماع، رغم الخلافات التي طرأت أثناء انعقاد جلساته والتي كانت ظاهرة للعيان بين 1551 عضوا من ممثلي القبائل والأعراق الأفغانية.

يمثل حامد قرضاي الوجه الأفغاني لحكومة موالية للغرب بعباءته المطرزة أفغانيا والمصممة غربيا وقلنسوته الفروية التي طالبته منظمات الدفاع عن الحيوان بخلعها. ويتمتع حامد قرضاي بتأييد الولايات المتحدة بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام أكثر من شعبيته وسط أبناء المجتمع الأفغاني، الذي ما زال يحافظ على الأعراق والتقاليد في الأنظمة القبلية. ودعي المجلس الأعلى للانعقاد لمشاركة الأمة بشئون الدولة، بعد انقطاع دام أكثر من ثلاثة عقود على آخر اجتماع كامل للمجلس.

مجلس الأعيان القبلي ليس جديدا على المجتمع الأفغاني. فالإمبراطورية البريطانية استغلت المجلس لتحكم سيطرتها على أفغانستان في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. والان تقف القوة العسكرية والمالية الأمريكية خلف قرضاي ولديه فرصة جديدة لقيادة أفغانستان في هذه المرحلة على الأقل، وكما يقال “طالما أملك المال فإني أملك الحل السياسي”.

وأفغانستان بتركيبتها الاجتماعية المعقدة وتعدد اعراقها، ليست مستثناة من هذه القاعدة، لأن الحروب الأهلية على مدى العقدين ونيف دمرت اقتصاد البلاد وشردت الملايين في بلد يعتمد بشكل اساسي على المساعدات الخارجية. ولهذا فقد ارتبطت نتائج هذا الاجتماع التقليدي بانتخاب قرضاي والوعود الغربية والأمم المتحدة بأن تسلمه السلطة في أفغانستان يعني تدفق المساعدات المالية لإعادة إعمارها.

اللويا جيرغا

دخل هذا المصطلح قاموس اللغة الإنجليزية، بعد اهتمام المجتمع الدولي بما يحدث في أفغانستان. واللويا تعني بلغة البشتون، الكبير أو الأعلى، بينما جيرغا، الاجتماع أو المجلس، وهذا التجمع التقليدي لممثلين عن القبائل والأحزاب يتم اختيارهم من قبل القيادات المحلية، ويتصفون بالحكمة والمكانة العالية والنفوذ الواسع وليس بالضرورة أن يتمتعون بمستويات عالية من الثقافة والتعليم.

وكان المجلس يدعى للانعقاد لاتخاذ قرارات حاسمة مثل المصادقة على دستور البلاد، او إعلان حرب، او تبني معاهدات سلام، او انتخاب حاكم للبلاد، او رسم الخطط الكبرى، او تحديد ماهية الحكم واتخاذ قرارات بشأن العلاقات مع دول الجوار والتكتلات وغيرها من الصراعات الدولية. وبالتالي فاللويا جيرغا مخولة بإقرار دستور للبلاد وتعديله وانتخاب الرئيس أو قبول استقالته.

ويتم عقد المجلس بحضور ثلثي الأعضاء على الاقل وتتخذ القرارات بأغلبية الأصوات. وعقدت هذه الجلسة التاريخية كبديل رئيسي لايجاد حل للمشكلة الأفغانية وتحقيق تطلعات المجتمع الأفغاني بحكومة قوية مستقلة تسعى إلى إعادة إعمار البلاد من الدمار الذي لحقها بسبب الحروب المتعاقبة. وعلى الرغم من أن شعبية الملك المخلوع ظاهر شاه ما زالت ظاهرة للعيان، خاصة داخل جلسات المجلس حيث طالب أنصار الملك العجوز بإعادة انتخابه زعيما للبلاد على أنه الأمل الوحيد في إنقاذها من محنتها الحالية.

دور واشنطن

علقت الأوساط الغربية خاصة الولايات المتحدة، أهمية بالغة لعقد جلسة المجلس الكبير كحل للمعضلة الأفغانية. واصدر الكونغرس الأمريكي قرارا يؤكد على هذا المبدأ. ويعود الدعم الأمريكي للمسار الافغاني الجديد لاسباب عديدة، لعل أهمها محاربة الإرهاب وزراعة المخدرات وترويجها، وضمان حقوق الإنسان، خاصة بالنسبة للمرأة الأفغانية، وكذلك دعم مبادرة روما التي تزعمها الملك المخلوع وأنصاره عام 1999، للبحث عن السلام وإعادة تشكيل حكومة ممثلة من كافة الأعراق والأحزاب داخل المجتمع الأفغاني مبنية على اسس ديمقراطية، وتضمن الأمن والاستقرار والحريات.

ولهذا السبب كان اختيار زلماي خليل زاد، مستشارا خاصا للرئيس بوش في البيت الأبيض، وهو نائب وزير دولة. فقد شارك في اجتماعات روما، وهو معروف بارتباطه الوثيق مع شركات النفط الأمريكية الطامحة لإقامة مشاريع وأنابيب غاز ونفط من دول وسط آسيا تمر عبر الأراضي الأفغانية إلى دول جنوب وجنوب شرق آسيا، ولهذا فإن واشنطن تريد للويا جيرغا أن تنجح.

وأنفقت الإدارة الأمريكية مئات الآلاف من الدولارات لإنصارها من الزعماء الأفغان المناهضين لطالبان، خاصة من القبائل التي تنتمي الى الأقليتين الطاجيكية والأزبكية. وسيقلل نجاح حكومة انتقالية افغانية من الانتقادات لإدارة بوش بسبب فشلها في القبض على اسامة بن لادن وزعيم حركة طالبان المولى محمد عمر.

والسبب الأهم هو محاولة إخراج الجنود الأمريكيين من المستنقع الأفغاني والاكتفاء بوجود قوات رمزية على الحدود الافغانية الباكستانية. وعلى اية حال فإن المهام الملقاة على عاتق حامد قرضاي كبيرة، وعليه أن يقود البلاد لمدة عامين، حيث سيتم وضع دستور جديد وبرلمان والتحضير لانتخابات عامة عام 2004 وضمان المصالح القومية لفئات المجتمع الأفغاني كافة.

وإذا كانت المصالح الغربية تصب في إطار إنشاء حكومة أفغانية مستقرة وضمان استمراريتها، فهل يرتقي القادة الأفغان إلى مستوى المسؤولية لاستغلال ذلك لمصلحة الشعب الأفغاني؟ وكما يقول المثل رُبّ ضارة نافعة، أم أن المصالح الاقليمية الضيقة والصراع القبلي، ستبقى العوامل المؤثرة في الشأن الأفغاني.

الاتهامات بالتزوير في الجلسة الأولى للمنتدى الأفغاني غير مشجعة لمستقبل البلاد وكذلك التهديد والترغيب لاعضاء اللويا جيرغا من قبل زعماء الحرب السابقين. واذا لم تبتعد الدول الغربية عن دعم الأقلية العرقية على حساب الأغلبية من البشتون، فان الشأن الأفغاني سيتسمر في التوتر، ومستقبل البلاد مرهون بالوفاق الوطني ووحدة المصير الأفغاني.

د. وائل عواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية