مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“كان يكِــنّ احتراما كبيرا لسويسرا”

صورة للسيدة أنيك طونتي في لقاء جمعها بالرئيس الفلسطيني في مكتبه بغزة عام 1998 DEZA

أعلنت القيادة الفلسطينية اليوم الخميس 11 نوفمبر عن وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مستشفى بيرسي العسكري بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس عن عمر يناهز 75 عاما.

وقد أجرت سويس انفو حوارا مع السيدة أنيك طونتي، أول ممثلة لسويسرا في الأراضي الفلسطينية ما بين 1994 و2001، والتي أدلت بشهادة استثنائية عن عرفات.. الزعيم والرجل.

سويس إنفو: كيف كانت ردة فعلكم إثر وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات؟

أنيك طونتي: أعتقد أنها تشبه إلى حد كبير ردة فعل الكثير من الفلسطينيين. هو شخصٌ وُجهت له انتقادات عديدة، خاصة في المرحلة الأخيرة من حياته. لكن الكل يتأسف لحظة وفاته.

ندرك في نهاية المطاف أنه كان يقوم بدور هام، وفجأة لم يعد هنا. إذن يمكنني القول إنه شعور بأن العالم، وخاصة الشعب الفلسطيني، فقد شخصا.

سويس انفو: من في رأيكم سيشعر أكثر بهذا الفراغ؟

أنيك طونتي: في مرحلة أولى، سيشعر به كل الشعب الفلسطيني، وحتى ألد أعداءه. لأن عرفات كان شخصا كاريزميا جدا (…) ولئن كان يثير كراهية البعض، فإنه كان يمثل الشعب الفلسطيني، ويمثل جانبا من وحدة الشعب الفلسطيني. إذن في رأي، سيأسف الجميع لرحيل عرفات في مرحلة أولى.

بعد ذلك، أعتقد أن ردود الفعل ستصدر من كل ناحية، وخاصة لتملك السلطة. قال لي أحد أصدقائي الفلسطينيين، “سنأسف جميعا لرحيله، لكنها فرصة أيضا لفلسطين لتبدأ شيئا جديدا”. وهذا ما أعتقده أيضا، وأظن أن هذا ما يعتقده معظم الفلسطينيين.

سويس انفو: هل تعتقدون أن رحيل عرفات يمكن أن يؤدي إلى الفوضى في الأراضي الفلسطينية؟

أنيك طونتي: في رأيي يرد احتمالان هنا، ربما سيتحقق كلاهما، لكن ليس في نفس الوقت. أعتقد أنه في مرحلة أولى، سيتضامن الشعب الفلسطيني ويأسف فعلا لرحيل عرفات ويحزن لوفاته.

وفي مجتمع مسلم، تمتد فترة الحداد في كل الأحوال 40 يوما، وأعتقد أنه خلال 40 يوما، سيكون الشعب الفلسطيني موحدا، أنا تقريبا واثقة من هذا الأمر. وبعد ذلك، يمكن أن تحدث فترة فوضى، لكن ستأتي لاحقا في اعتقادي.

ستكون مرحلة فوضى من أجل السلطة، وهنا يمكن أن تظهر من جديد كافة القوى المختفية. ولكن هذا ليس أمرا أكيدا، لأنه يمكن، تكريما لذاكرة عرفات، حتى من طرف من عارضوه، محاولة الإبقاء على صورة التضامن الفلسطيني الذي تم التعبير عنه بعد رحيله، أمام المحيط الخارجي.

سويس انفو: التقيتم بياسر عرفات في مناسبات عديدة، ما هي الصورة التي ظلت في ذهنكم عن الرجل؟

أنيك طونتي: شخص كاريزمي جدا، ودي جدا، (…) مضيف جدا. كان يتمتع بلطف طبيعي لاستقبال الناس. لكن سرعان ما نكون انطباعا ثانيا عنه.

فعندما كنا نجلس معه بعض الوقت، مثلا أثناء موعد أو محادثات تستغرق ساعة، كنا نشعر أنه بعد فترة، لم يعد يسمعنا، لكنه هو، كان يواصل فكرته.

وإذا ما ذهبنا لرؤيته لإبلاغه رسالة ما، كنا نخرج من مكتبه وكان هو الذي أبلغنا رسالته.

سويس انفو: هل لديكم ذكرى خاصة عن هذه اللقاءات؟

أنيك طونتي: نعم، لدي حتى الكثير من الذكريات. فمن اللقاءات التي كانت في الأصل صعبة نوعا ما بالنسبة لي، كان ذهابي للحديث معه باسم سويسرا حول وضعية حقوق الإنسان، وخاصة الأوضاع في السجون الفلسطينية.

الخطاب الذي تعين علي إيصاله إليه كان قاسيا بما فيه الكفاية بالنسبة له. قابلته إذن واستمع إلي الجلسة بأكملها، مثل طفل كنت أعاقبه. وبما أن قامتنا متساوية تقريبا، كان لدي الانطباع أنه يسترق النظر إلي.

كان يستمع إلي باهتمام مثلما يستمع الشخص لأمه. وعندما انهيت حديثي، أخذني بين ذراعيه وقبلني وقال لي: “أختي، سبق لي وأن سمعت هذا، ولكنني لا أريد سماعه مرة ثانية، انتهى الأمر”.

وأدركت أنه رغم الجهود التي بذلتها، استمع الى بأدب، لكنه لم يكن متشوقا لنوع الرسالة التي كنت أريد إبلاغها له. وقام بذلك مرة أخرى بلطفه المعتاد، عندما يطبطب على ظهر محاوريه ثم يقبلهم ويقول مثلا “شكرا أختي” وانتهى الأمر.

سويس انفو: كيف كانت نظرة عرفات لسويسرا ودورها في المنطقة؟

أنيك طونتي: كان من الصعب شيئا ما معرفة موقفه، لأنه لم يكن رجلا يعبر عن أفكاره الفلسفية وآراءه، خاصة في حضور المحاورين الأجانب. لكنني أعتقد أنه كان يكن احتراما كبيرا لسويسرا.

كان يقول دائما: “تستطيع سويسرا فهمنا، أنتم أيضا بلد صغير، وأنتم منغلقون بعض الشيء وسط أوروبا، تعيشون أيضا في بلد متعدد اللغات والثقافات والديانات”. إذن كان على ما يبدو يحب سويسرا كثيرا.

كان معجبا بها أيضا وكان يعبر عن هذا الإعجاب في رسائله. حاول دائما إبلاغنا: “نود أن نتخذ سويسرا كنموذج”. بطبيعة الحال، اتخاذ سويسرا نموذجا يعني كما كبيرا من الأشياء.

وقد ذكّرتُه مرارا بأنه إذا كان يود اتخاذ سويسرا نموذجا، لم يكن يمكنه الاحتفاظ بنفس عدد الوزارات والوزراء مثلما هو الشأن في فلسطين، لأننا لا نتوفر إلا على سبعة، والأمور تسير جيدا في سويسرا. وكان هذا يضحكه دائما إذ كان يقول: “نعم، لكن هنالك حدود، لا يمكننا أن ننقل عنكم كافة الخطط، لأننا نعيش هنا في عالم ثان”.

من جهة أخرى، عبر في مناسبات عديدة عن إعجابه بدور سويسرا في فلسطين وفي المنطقة عموما، لأننا لم نكن نحاول التأثير على القرارات. لكن كنا نحاول دعم القرارات الفلسطينية التي نراها عادلة.

وفوق ذلك، كنا منفتحين جدا، ولم نكن نحمل بالنسبة له صفة المستعمر السابق. وكانت هذه التفاصيل تروق له. وقد ذكر مرارا أنه معجب بسويسرا وأنه يحب دورها في المنطقة وأن سويسرا يمكن أن تصلح نموذجا لدول أخرى.

سويس انفو: هل كان عرفات يعتبر التعاون السويسري في فلسطين نشطا بما فيه الكفاية؟

أنيك طونتي: نعم، فقد مدحنا مرارا، وخاصة لدى زيارة وزير الخارجية السابق فلافيو كوتي، وبعض البرلمانيين السويسريين، وأخيرا زيارة رئيس الكنفدرالية جوزيف دايس.

لقد شكر وهنأ دائما سويسرا، البلد الصغير من بين أهم الدول المانحة.

سويس انفو: أذكر أن الحكومة الفدرالية رصدت دفعة أولى بقيمة 60 مليون فرنك كمساعدات للفلسطينيين…

أنيك طونتي: 60 مليون فرنك كانت قرار الحكومة السويسرية للشروع في تقديم المساعدات أثناء السنوات الأربع الأولى التي تلت توقيع اتفاقية أوسلو. وما بين عام 94 و98، عملنا بميزانية 60 مليون فرنك، لكن كانت هنالك أيضا نقطة لم يتم أبدا الإشارة إليها، وهي التمويل الذي كنا نقدمه للـ”أنروا” (منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين التابعة للأمم المتحدة).

فهو مال يعود للفلسطينيين حتى إن لم تكن كل المساعدات تذهب لفلسطين، بما أنه كان لدينا ميزانية سنوية مشابهة تقريبا تقدر بعشرات ملايين الفرنكات للأنروا، منها جزء كبير كان يذهب للفلسطينيين، وللبنان والأردن وسوريا ومنظمة الأنروا نفسها. كان هنالك جزء كبير يصل مباشرة الى اللاجئين داخل الاراضي الفلسطينية، وكان هذا المبلغ يضاف دائما إلى الستين مليون فرنك، والـ12 مليون التي كان يخصصها التعاون الثنائي لفلسطين.

هذا فضلا عن 10 مليون فرنك التي كانت تذهب للأنروا للائجين الفلسطينينين. وعندما جاء عرفات لبرن (1994) أعربت سويسرا بوضوح تام عن استعداداها لتقديم المزيد، ولم يكن يتعلق الأمر بالتعاون الثنائي، لكن باللانروا واللاجئين. ورفعت سويسرا بالفعل بشكل طفيف حجم مساهماتها، مساهمات كانت محددة لبرامج خاصة مع البنك العالمي، وهذا كان يضاف الى البرنامج العادي للتعاون الثنائي.

سويس انفو: كيف استقبل عرفات مبادرة جنيف؟

أنيك طونتي: لم يكن هذا الأمر واضحا أبدا. في مرحلة أولى، عندما أُبلغَ بمضمون المبادرة، أي في وقت متأخر جدا، بينما كان مسار البادرة انطلق من قبل، اعتقد أن ردة فعله كانت كردة فعل أي شخص معتاد على تملك السلطة، أي أنها كانت سلبية. ويبدو، أنه قد اغتاظ من عدم إبلاغه مبكرا.

وسأل “لم هنالك مبادرة أخرى، ولمَ لمْ يتم إبلاغه بأي شيء علما أن بعض وزراءه السابقين كانوا من بين معدي المبادرة”. لكنه أرسل شخصا لتمثيله لدى إطلاق المبادرة في جنيف، شخص ألقى خطابا باسمه، كما أنه كان يريد القول “نعم أنا أيضا وراء المبادرة، لكنني لا أتحول شخصيا، لأنني مغتاظ”.

وقد التزمت سويسرا بواجب شرح المبادرة للرئيس عرفات، عبر شخص نبيل شعب الذي قدم إلى سويسرا خصيصا للتباحث في هذه المسألة ولإبلاغ تفاصيلها مباشرة لعرفات. بعد ذلك، تبنى عرفات مبادرة جنيف. اعتقد أن ذلك تم في مرحلة كان بدأ يشعر فيها عرفات بالمرض. ونعلم الآن أنه في أيامه الأخيرة كان يدعم مبادرة جنيف، لكنه لم يلتزم من أجلها.

أجرى الحوار في برن كمال الضيف – سويس إنفو

تشغل أنيك طونتي، 53 عاما، منذ عام 2001 منصب رئيسة قسم الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية في دائرة التنمية والتعاون السويسرية التابعة لوزارة الخارجية.
في عام 1983، حصلت على دكتوراه في الانتروبولوجيا الاجتماعية واقتصاد التنمية في جامعة زيورخ بأطروحة حول دولة البنغلاديش.
من 1979 إلى 1983، عملت في جامعتي زيوريخ وبازل.
من 1983 إلى 1987، شغلت منصب موفد برنامج التنسيق في البنغلاديش لحساب دائرة التنمية والتعاون.
من 1987 الى 1994، عملت في برن في أقسام مختلفة من دائرة التنمية والتعاون.
من 1994 إلى 2001، شغلت منصبين في القدس: مديرة مكتب التمنية والتعاون وممثلة الحكومة السويسرية لدى السلطة الفلسطينية.

ولد الرئيس الفلسطيني (الراحل) ياسر عرفات في القاهرة يوم 24 أغسطس عام 1929.
بعد عامين من هزيمة حرب الستة أيام عام 1967، أصبح زعيم منظمة التحرير الفلسطينية.
في عام 1988، أعلن عرفات أمام الأمم المتحدة التخلي عن النزاع المسلح. وكان بداية عملية أدت إلى اتفاقيات أوسلو عام 1993. وفي عام 1994، حصل على جائزة “نوبل” للسلام، بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية