مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“ماراثون” المبادرات العربية

منذ سقوط النظام العراقي بدأت بعض الدول العربية تتهافت على طرح مبادرات "الإصلاح"... من دون نتيجة Keystone

منذ سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق، تعددت المبادرات والمقترحات العربية الرامية إلى إصلاح النظام الإقليمي العربي

وهذا التعدد لا يندرج في إطار التنوع والإثراء بقدر ما يعبر عن تنافس عربي عربي.

تعدد المبادرات العربية يضمر من الخلافات العميقة بقدر ما يفصح عن الرغبة في تجاوز حالة الشلل الذي أصاب النظام العربي المنهار منذ احتلال العراق الدولة المؤسسة لجامعة الدول العربية.

يبدو واقع الحال كحالة من التسابق “الماراثوني” بين المشاريع العربية التي تتنافس على إحياء النظام العربي. فهناك المبادرة اليمنية والليبية والقطرية والمصرية، وأخيرا المبادرة الثلاثية المصرية السعودية السورية التي أعلِـن عنها مؤخرا في القاهرة.

وهذا الوضع الذي يروم، على الأقل ظاهريا، إحياء النظام العربي بطابعه “الماراثوني”، ترك يمنيا العديد من التساؤلات إن لم تكن الشكوك حول جدية إصلاح النظام العربي، خاصة وأن اليمنيين يرون في مبادرتهم لإحياء النظام الجماعي العربي أنها صيغة متطورة للنظام الإقليمي يقوم على أنقاض الجامعة العربية وُضعت وفق منظور جديد يرتكز على مشاركة العديد من الأطراف والفاعلين السياسيين في البلاد.

وعرضت المبادرة اليمنية على هيئات وطنية متعددة، كما طُـرحت أيضا على مجلس الشورى اليمني من قبل الرئيس علي عبد الله صالح بغية إثرائها وتدعيمها.

المبادرة اليمنية: اتحاد عربي

تضمّـنت المبادرة اليمنية أفكارا وإجراءات عملية جعلتها تتميّـز عن غيرها، حسب ما عبر عنه مسؤول يمني بارز لـ “سويس انفو” بقوله، إن المبادرة جاءت لتفعيل النظام الأمني الجماعي العربي ووُضعت وفق مقاربة شمولية أمنية وسياسية واقتصادية ترتكز على أسس وآليات جديدة مبنية على تلافي الثغرات التي اتسم بها نظام الجامعة العربية.

ومن أبرز ما تضمنته المبادرة اليمنية، حسب أولئك، والتي لم يُـعلن عنها بعد، استبدال الجامعة العربية باتحاد عربي يرتكز على آلية جديدة للتصويت، فعوض التصويت بالإجماع المعمول به حاليا تقترح المبادرة اليمنية أن يكون التصويت بالأغلبية وجماعيا كالآتي:

جماعيا، فيما يتعلق بقبول العضوية للاتحاد العربي. أما آلية التصويت بالأغلبية يعمل بها عند النظر في الخلافات العربية- العربية أو الخلافات العربية مع الغير.

وتقترح المبادرة اليمنية تشكيل محكمة عدل عربية تتولى النظر في حسم النزاعات العربية، وأيضا تتضمن تكوين هيئة تشريعية اتحادية مُـكوّنة من غرفتين الأولى (مجلس نواب) تكون نسبة التمثيل فيها حسب الكثافة السكانية للبلدان الأعضاء في التجمع الإقليمي الجديد، أما الغرفة الثانية (مجلس الشورى) فإنها تمثل الدول الأعضاء فيها بالتساوي.

وفيما يتعلق بالدفاع العربي المشترك، أبقت المبادرة اليمنية، على ما يبدو، على الصيغة السابقة لاتفاقية الدفاع العربي المشترك مع اقتراح تشكيل قوة تدخل عربية تكون مهمتها فض النزاعات العربية- العربية بما يحول دون التدخل الأجنبي في المنطقة العربية.

واقتصاديا، تدعو المبادرة اليمنية إلى تفعيل السوق العربية المشتركة، منطقة التبادل الحر، وصولا إلى مرحلة الاندماج الاقتصادي العربي.

بين المتاح والممكن

ويرى المحللون أن هذه المضامين التي تنطوي عليها المبادرة اليمنية لتفعيل النظام الإقليمي العربي قد لامست جوهر الإشكالية، كونها تروم انتشال النظام العربي من حالة الانهيار الذي وصل إليه، حيث أنها ارتكزت على وسائل عملية وإجرائية، بيد أن ذلك يتوقف على مدى استجابة الأطراف الفاعلة والمؤثرة.

لكن هؤلاء المحللين لا يترددون في القول: إنه بقدر ما تلتقي صيغة المبادرة اليمنية مع تطلعات وأماني الشارع اليمني والعربي على حد سواء، إلا أنها ربما تتقاطع مع عقدة الصغير والكبير التي بقيت على الدوام تتحكّـم في مسيرة النظام الإقليمي العربي منذ الدعوة إليه وطرحه كفكرة حتى تبلوره كهيئة ومؤسسة.

ويربط المحللون بين الإعلان اليمني المبكر عن التحضير لمبادرتهم، وسرعة تتالي المبادرات وتتابعها من قبل بلدان أخرى إلى درجة أن هناك من يرى في المبادرة المصرية السورية السعودية المشتركة محاولة لاستباق طرح المبادرة اليمنية، ولعل ذلك ما أدى إلى اعتقاد الكثير من الأوساط المتابعة لهذه القضية أن هذا التسابق “الماراثوني” بين الدول العربية مثير للدهشة والريبة حول جدية الدول العربية في إصلاح الجامعة العربية أو النظام العربي المأمول.

يبقى القول إنه في خضم هذا التسابق الحاصل من أجل إحياء النظام العربي المنهار بتتالي طرح واقتراح المبادرات، وفي خضم تعدد الاجتهادات وتنوع التأويلات لتلك المبادرات المطروحة، لابد من الانتظار أولا لما ستسفر عنه تلك المبادرات في نتائجها النهائية التي ستكشف من خلالها الدعوة الجادة من عدمها .

ثانيا، استحضار وقع كل ذلك على الشارع العربي وإقناعه بأن هذه المبادرة أو تلك يُـمكن أن تعيد له الثقة بأنظمة باتت تنكشف هشاشتها وضعفها يوما بعد يوم وبشكل غير مسبوق، خاصة
مع ما تعانيه من مشاكل داخلية تسعى لصرف الأنظار عنها
بترحيلها للخارج، حسب ما يردده الشارع العربي اليوم دون أي مواربة أو استحياء بعد ما آل النظام العربي إلى ما هو عليه اليوم.

عبد الكريم سلام – صنعاء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية