مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“مـن شــهــرزاد إلــى الـثــّورة”

لورانس ديونا، الكاتبة والصحفية السويسرية swissinfo.ch

اختارت الصحفية والكاتبة السويسرية لورانس ديونا هذا العنوان لكتاب يتضمن حصيلة أربعين عاما من الصور التي التقطتها لبلدان وسكان وأحداث الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وهو نتاج علاقة حب لا تفسير لها بين كاتبة وصحفية سويسرية ترددت على المنطقة وحاولت شرح حلوها ومرها، أمجادها وتقهقرها، من خلال نظرة أبنائها.

أقدمت الكاتبة والصحفية السويسرية لورنس ديونا على نشر كتاب “من شهرزاد إلى الثورة”، وهو كتاب صور يُعدّ حصيلة أربعين عاما من التجوال والتحقيقات الصحفية التي قامت بها في بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

الكتاب الذي أصدرته دار النشر “زوي” في شهر أبريل 2006 يُعتبر في نظر الكثيرين شهادة مصورة عن تطورات شهدتها هذه المنطقة من العالم، تارة في أوقات السلم وكثيرا من الأوقات في حالات الحرب.

ولاشك أن أحسن وصف لتقييم هذا الكتاب هو ما جاء في كلمة الافتتاح بقلم كاتبة ورحالة وفيلسوفة سويسرية أخرى مشهور هي “إيلا مايار”، التي كتبت “على الرغم من أن رحلاتي كانت في اتجاه آسيا وكانت متعلقة بالشرق الأوسط، فإن الصداقة التي تربطني بلورانس ديونا منذ سنوات طويلة متشبعة بالرغبة في السفر، وأعني بذلك تفاهما من نوع خاص عادة ما نلاحظه لدى من يستشفون عمق الأشياء من نظرة الآخر ومن النظرة التي ينظر بها هذا الآخر للعالم”.

وما تعرضه لورانس ديونا في كتاب الصور هذا “من شهرزاد الى الثورة” هو نظرة أبناء وبنات المنطقة للأحداث التي مرت بها ومازالت تمر بها منطقتهم.

وفيما يلي، نص الحديث الذي خصت به السيدة ديونا سويس انفو.

سويس انفو: ما هي أسباب اختيار هذا التوقيت بالذات للعودة لأرشيف من الصور ونشر كتاب “من شهرزاد الى الثورة”؟

لورانس ديونا: الواقع أنني جمعت آلاف الصور عن أحداث هذه المنطقة منذ أن بدأت في عام 1967 في التقاط أولى الصور، أي أثناء حرب الستة أيام بين إسرائيل والبلدان العربية.

وكان هناك دافع أيضا لتقديم حصيلة لعملي ورحلاتي للمنطقة، وبالدرجة الأولى تقديم شهادة عن مدى تدهور الأوضاع في هذا العالم. فكوني فنانة أيضا بداخلها حس فني فقد آلمني رؤية كيف أن مناطق جميلة من هذا العالم تحولت الى خراب ودمار ومناظر بشعة، بدءا بفلسطين التي كانت لما عرفتها في عام 1967 عبارة عن صورة توحي بالحياة منذ حقبة السيد المسيح.

كما رغبت أيضا في الإشارة إلى ما يمكن وصفه بـ”الهولوكوست الثقافي” المترتب عن الحروب. فمن يزدري بثقافة الآخرين ومن يحتقر كرامتهم، قد يعود عليه ذلك سلبا في يوم الأيام. وبعملي هذا، رغبت في الإسهام في مجهود السلام في هذه المنطقة مستعملة في ذلك الصور بدل النص ولو أن ذلك صعب بالنسبة لكاتبة مثلي.

سويس إنفو: هل كان ذلك اختيارا وسهلا؟

لورانس ديونا: صحيح أنها تجربة لا أعيشها بارتياح. فقد بدأت في التقاط الصور عندما طلب مني أثناء قيامي بالتحقيقات الصحفية إذا ما كانت لدى صور لمرافقة المقالات التي أكتبها. ولتفادي استخدام صور التقطها غيري، وقد لا تكون معبرة بدقة عما أرغب في إظهاره، شرعت في التقاط صوري بنفسي حتى ولو كان ذلك متعبا. لكن في نهاية المطاف، اعتنبر نفسي كاتبة بالدرجة الأولى.

سويس إنفو: هل اختيار عنوان “من شهرزاد الى الثورة” هو رغبة في تحليل واقع المنطقة العربية والإسلامية الذي تحول من موطن حضارة وتقدم الى منطقة حروب وتخلف؟

لورانس ديونا: بالفعل، هذا ما وددت تقديمه. وحتى مديرة النشر وجدت العنوان غريبا نوعا ما خصوصا أن اسم شهرزاد قد يصعب على غير الناطقين بالعربية نطقه. لكنني اعتبر أن هذه المنطقة كانت تعرف شاعرية رغم كل المشاكل التي شهدتها. أما اليوم فلم تبقى سوى المشاكل. فدول آسيا الوسطى عرفت الثورة الشيوعية، والصور الخاصة بإيران مثلت الثورة الإسلامية، وهذه الثورات عصفت بمآثر عدة قرون من الجمال الأبدي والحس الشاعري.

سويس إنفو: ما الذي جلبه نشرك لهذا الكتاب وهذه الصور اليوم؟

لورانس ديونا: إنه حقيقة حصيلة نشاطي في ميدان غير الكتابة، فقد أقمت معارض في نيويورك وفي متحف الحضارات في كندا وفي معهد العالم العربي بباريس. وإذا كان ملء صفحة بنص يمثل منتهى السعادة فإن النجاح في إلتقاط صورة هو مجرد سعادة.

سويس إنفو: هذا الكتاب صدر اليوم باللغة الفرنسية. هل هناك نية لإصداره بالعربية أو بلغات أخرى لاستفادة فئات أخرى منه؟

لورانس ديونا: هذه أمنيتي، خصوصا وأن الكتاب عبارة عن شهادة غير منحازة سياسيا بل هو عبارة عن شهادة عما رأيته، وانعكاس لوجود ضحايا من الطرفيين في مختلف الصراعات التي عصفت بالمنطقة.

وقد حصل هذا الكتاب على دعم وزارة التربية والتعليم بجنيف من خلال توزيعه في مدارس جنيف كوسيلة لتعريفهم بحقيقة البحث عن الحقيقة، وليس ما تتناقله وسائل الإعلام التي تقتصر على نقل صور العنف، بينما يشتمل هذا الكتاب على جانب شاعري وصور الحياة العادية بمرحها وآلامها، ولا يقتصر الأمر على توضيح الجانب القاتم منها.

وكون الكتاب قد أعد بطريقة محايدة قد يجعل سكان المنطقة العربية يهتمون به، لأنني أفضل رؤية الأشياء بنظرة الآخر بدل الضياع في متاهات النظريات السياسية. وهذا ما يتجلى بشكل كبير في القسم الخاص بإيران. فصورة السيدات الإيرانيات بعد صلاة الجمعة وهن يحملن صور شهداء الثورة تعبر لوحدها عما يمكن ان تتضمنه عشرون صفحة.

سويس إنفو: رغم جودة كل الصور المنشورة في هذا الكتاب وتعبيراتها المتميزة، ما هي الصورة او الصور التي لها وقع كبير عليك عند مشاهدتها؟

لورانس ديونا: من ناحية الجودة الفنية والجمالية، يمكن ذكر صورة تلك المدرسة العتيقة ليهود اليمن التي لم تتغير معالمها منذ ألاف السنين. ومن الصدف التي ساهمت عن غير قصد في إنجاح تلك الصورة كونها مدرسة فقيرة جدا كان بها ثقب في السقف. ولما حاولت التقاط تلك الصورة، تسرب شعاع ضوء الشمس من ذلك الثقب لينعكس على كتاب التوراة، فيساهم في إنجاح الصورة التي اخترتها لغلاف الكتاب.

أما فيما يتعلق بصور العذاب والمآسي، فيمكن ذكر صورة ذلك الطفل الصغير الذي التقطت له صورة في احدى المصحات بالقرب من دمشق والذي فقد ساقيه في انفجار لغم، والذي قضيت أكثر من ساعتين أحاول فيها انتزاع ابتسامة من شفتيه، ولكن بدون أن أفلح في ذلك. وأعتقد أن نظرة هذا الطفل اعتبرها بمثابة عتاب يلاحقني حتى اليوم.

سويس إنفو: قضيت أكثر من أربعين سنة في التجول في بلدان المنطقة ما بين مصر وسوريا وفلسطين والأردن وإسرائيل والعراق وإيران وفي بلدان آسيا الوسطى التي خصصت لها عدة كتب، ما سبب تعلقك ببلدان هذه المنطقة؟

لورانس ديونا: هذا أمر غريب بالفعل، فقد زرت عدة بلدان في أمريكا اللاتينية ولكني عدت منها بدون أي تعلق رغم اعتباري أنها كانت بلدانا جميلة للغاية. ومن النكت أن عند صدور كتابي حول اليمن، اتصل بي سفير أورغواي الذي عبر لي عن إعجابه به سائلا عما إذا كانت لدى رغبة في القيام بنفس الشيء حول بلاده؟. ولكن جوابي له كان أن كتابا من هذا النوع هو ثمرة حب، ولا يمكن الكتابة عن بلد لا نشعر بأية جاذبية نحوه.

فعلاقتي مع منطقة الشرق الأوسط هي علاقة حب وكراهية في آن واحد، لأن تصرفات أهله اللامنطقية تجعلني انفر منهم في بعض الأحيان، ولكن في نفس الوقت أعود الى تلك المنطقة منساقة شأني في ذلك شأن العاشق الذي لا شرح لموقفه. ولحسن الحظ ان بعض الأشياء في هذا العالم مازلت غير خاضعة لتفسير منطقي.

سويس إنفو: وهذا العالم الذي تابعت تطوراته منذ أكثر من أربعين عاما، كيف تحكمين على ما آل إليه سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومن حيث مكانته في العالم؟

لورانس ديونا: نظرتي هي نظرة حسرة وآلم مثلما يوضح الكتاب ذلك جليا، خصوصا بالنسبة لإندثار حضارة عريقة وحلول “هولوكوست ثقافي” مكانها. فقد اختار ناشر بريطاني إحدى الفقرات التي كتبتها عن تحطيم الحي القديم في دمشق لكي تحل مباني الخرسانة المسلحة محله. وهذا ما عرفته بلداننا في مرحلة ما قبل أن يتم التوقف عن ذلك.

لكن ما ألاحظه أن بداية مشواري قبل أربعين عاما سمحت لي بمقابلة أناس أقل إحباطا ويأسا. ففي الستينات في مصر وسوريا، كان هناك رغم النظام الإشتراكي، إحساس بالطموح نحو غذ أفضل مع ظهور تيارات نسوية ونقابية. ولكن كل تلك التيارات تراجعت اليوم. لم يتم فقط تحطيم المباني والمنشئات بل تم تحطيم الإنسان أيضا. وليس هنالك أخطر من تحطيم كرامة إنسان لم يعد لديه شيء يخشى على فقدانه.

سويس إنفو: وهل المسؤولية عن ذلك تعود فقط لأبناء المنطقة ام انها مسؤولية مشتركة؟

لورانس ديونا: المسؤولية هي مثلما هو الحال في أي زواج مشترك، وتعود بالدرجة الأولى للأمريكيين وبقدر اقل للأوربيين الذين ليست لديهم الشجاعة المطلوبة والذين لا ينظرون إلا لمصالحهم. كما ان قادة المنطقة يتحملون جانبا من المسؤولية لأنهم لا يراعون سوى مصالحهم. ولكن المسؤولية فيما تعرفه المنطقة لا يعود بأي حال من الأحوال لشعوب المنطقة.

سويس إنفو: وفي هذا التقييم لواقع هذه المنطقة التي تعرفينها منذ أكثر من أربعين عاما، ألا ترين أية بادرة أمل في الأفق؟

لورانس ديونا: أعتقد أن أي أمل لنهضة ما قد يأتي من الشعب الأمريكي إذا ما صحي وتفطن وتجند مثلما تجند ضد حرب فيتنام. فقد تابعت وغطيت كل تلك الحقبة في نيويورك. وكم أنا سعيدة لكوني من هذا الجيل الذي عايش ظهور كل تلك التيارات السلمية في الولايات المتحدة. واعتقدت رغم كوني غير مبالغة في التفاؤل، أننا بصدد إقامة عالم آخر.

واعتقادي اليوم أيضا أن الأمل قد يأتي من الشعب الأمريكي لو يتجند، ويتلاحم مع باقي التيارات السلمية في العالم، لمناهضة ميولات الإدارة الأمريكية. ولكن هذا ما زال بعيدا…

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

من مؤلّـفات لورانس ديونا:
الحرب بصوتين، 1986
إبني أغلى من نفطهم، 1992
سوريون، سوريات، 1995
تحقيقات في إيران الملالي، 1998
كازاخستان، تجوال في آسيا الوسطى ما بعد الشيوعية، 2001

الكاتبة السويسرية لورانس ديونا من مواليد جنيف.

ترددت على بلدان الشرق الأوسطوآسيا الوسطى منذ 40 عاما.

ألـفت عشرات الكتب عن بلدان المنطقة أهمها “اليمن الذي شاهدته”.

يضم كتاب “من شهرزاد إلى الثورة” 126 صورة بألأٍسود والأبيض.

تعود أقدم هذه الصور إلى عام 1967 وأحدثها إلى عام 2004.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية