مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“مقالب” الديموقراطية الإسرائيلية

قبل الانتخابات العامة، يتعين على شارون وبن اليعازر حسم الانتخابات داخل حزبيهما. swissinfo.ch

قلبت الانتخابات المبكرة التي أعلنها رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون، المعطيات السياسية وصعدت الضغط على الأحزاب السياسية لاختيار زعمائها ومرشحيها في آجال قصيرة.

حزبا العمل والليكود، الشريكان في الائتلاف المتخلي، سيشهدان خلال الايام المقبلة مواجهات داخلية ضارية لانتخاب قيادات جديدة أو الإبقاء على القادة الحاليين

لوهلة، بدا أن أرييل شارون سيطيل لعبة المداولات من وراء الكواليس مع الأحزاب اليمينية الصغيرة لتشكيل حكومة ضيقة، لكنه سرعان ما قلب ظهر المجنّ وترك خصومه ومؤيديه، في العمل والليكود معا، لتأثيرات إعلانه الاستقالة وتقديم موعد الانتخابات إلى 4 فبراير القادم.

وفي أقل من 24 ساعة، راحت مؤشرات السيناريوهات المتوقعة تنتقل، من جهة زاوية أفول رئيس الوزراء اليميني المتشدد، إلى جهة احتمالات انطلاق جولة قاسية من المنافسة الداخلية في كل من الحزبين الرئيسيين في إسرائيل.

كان التحول في سرعة انتقال شارون، العسكري والسياسي المخضرم، من موقع الدفاع إلى الجبهة الأمامية للهجوم، متمكنا من مراوغة خصمه المنافس بنيامين نتانياهو ودفعه خارج قلب الهجوم، ومحرجا في نفس الوقت حزب العمل وزعيمه، حليف الأمس وعدو اليوم، بنيامين بن اليعازر.

كان شارون، وخلال الأسابيع القليلة التي سبقت الجدل بينه وبين حلفائه في حزب العمل حول تمويل المستوطنات، وهي القضية التي سارعت في خروج العمل من الائتلاف، على يقين أن لحظة المواجهة قد دنت وأنه لابد من استحضار مواهب اللعبة السياسية التي يحمل الرجل السبعيني سجلا حافلا في إدارتها.

الثعلب فات

الثعلب، كما يحلو لسياسيي إسرائيل أن يلقبوا شارون كناية عن دهائه، قرر خوض المنافسة الداخلية وعيناه على كل من نتانياهو، والاحتمالات التي يمكن أن تسفر عنها الحملة الداخلية في حزب العمل، من خلال التنافس بين الثلاثي بن اليعازر وعمرام متسناع وحاييم رامون.

وقد سدد شارون إلى الخصم التقليدي، حزب العمل، أولى الضربات باستقالته وبإعلان الانتخابات المبكرة. وسيحتاج العمل إلى فترة تبريد وتسخين أكثر من التسعين يوما، التي يفرضها القانون. تبريد فيما يتعلق بتأكيد الابتعاد عن شراكة اليمين في الحكم على مدى عامين، وتسخين في إعادة استنهاض قواعد الحزب الذي عانى بوادر ضعف وانقسامات كثيرة منذ اغتيال اسحق رابين.

مهدت هذه الضربة كذلك لانطلاقة قوية لشارون أمام خصمه نتانياهو، الذي اشترط على شارون إجراء انتخابات مبكرة، لقبول منصب وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات في نهاية الشتاء المقبل.

نتانياهو الذي لا يخفي طموحه بالظفر بزعامة الليكود، ومن ثم كرسي رئيس الوزراء، فرح كثيرا لخروج حزب العمل من الائتلاف، وراح يستعد لمناكفة شارون مستندا إلى الاستطلاعات المتتالية التي تضعه جنيا إلى جنب مع رئيس الوزراء في المنافسة على تولي قيادة الليكود.

بيد أن شارون، الذي تحرك بحس سياسي فطري، ورأي مجرب، بادر بالاقتراح على نتانياهو لتولي منصب وزير الخارجية. فتحرك الأخير بسرعة واضعا شروطا عديدة، منها إجراء انتخابات مبكرة، وأخرى تتعلق بالاقتصاد والسلام مع الفلسطينيين.

وقد أظهرت الجولة الأولى السريعة بين شارون ونتانياهو، الفارق في الحنكة والدهاء، ويمكن أن تكون قد أطلقت رسميا المنافسة بينهما على زعامة الحزب.

جاء رد شارون على غير المتوقع من العديد من المراقبين. رفض شروط الأحزاب اليمينية الصغيرة بسرعة، ثم انتقل ليكيل ضربة إلى نتانياهو، حيث أعلن عن إجراء انتخابات مبكرة، ورفض شروط نتانياهو وأبقى على عرضه له بتولي حقيبة الخارجية، بعد أن وصفه في المؤتمر الصحافي بأنه، أي نتانياهو، رافض للخدمة، خدمة الليكود. عندها، لم يبق أمامه سوى القبول والسير في مظلة حكومة شارون الانتقالية.

المنافسة في العمل

لا تقتصر الحرب الداخلية الصغيرة على حزب الليكود، بل هي على أشدها في حزب العمل الذي يتوجب عليه الاستعداد لمعركة الانتخابات، وفي فترة وجيزة نسبيا. تقتصر المنافسة على ثلاثة من قادة الحزب هم، وزير الدفاع السابق بنيامين بن اليعازر من جهة، وعمرام متسناع، رئيس بلدية حايفا، وحاييم رامون الوزير السابق، من جهة أخرى.

حظوظ بن اليعازر، حليف شارون ليست كبيرة، وهو متهم بين أركان الحزب بأنه مسؤول عن هروب القواعد الأساسية للناخبين من يسار الوسط في إسرائيل بتحالفه مع شارون، والطريقة التي أدار بها معركة الانتفاضة مع الفلسطينيين خلال عام من توليه وزارة الدفاع.

يشعر بن اليعازر بضغط كبير جرّاء تقدم متسناع، رئيس بلدية حيفا، الذي تراهن نخبة اليسار والوسط عليه لإنهاض العمل مجددا. وتعطي استطلاعات الرأي متسناع أكثر من 40 % مقابل 30 لصالح بن اليعازر، وحوالي 19 لصالح رامون.

وتتلاشى حظوظ بن اليعازر تدريجيا مع احتمال انسحاب رامون، الأمر الذي يعني ذهاب نصف أصواته إلى متسناع، الذي يحتاج إلى 42% فقط من الأصوات للفوز منذ الجولة الأولى. وتتزايد احتمالات انسحاب رامون، مع الإشارة إلى أن حزب العمل لا يريد إجراء جولة ثانية من الانتخابات الداخلية، التي ستأخذ مزيدا من الوقت المهم على حساب الحملة الانتخابية.

هكذا تبدو صورة التوقعات بعد إعلان شارون الاستقالة. حرب داخلية صغيرة في الليكود، حيث صراع الأدمغة بين شارون ونتانياهو، وصراع الضغط في حزب العمل. والانتخابات الداخلية هي التي ستحسم صورة الانتخابات العامة.

هشام عبد الله – رام الله

عدد مقاعد الأحزاب الرئيسية في الكنيست المنحلّ:
حزب العمل 26 مقعدا
حزب الليكود 29 مقعدا
حزب شاس 17 مقعدا
حزب ميرتيتس 10 مقاعد

الانتخابات، أو رد رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون على خروج حزب العمل من الائتلاف الحاكم في إسرائيل، ليس سوى البداية. فلعبة السياسة الداخلية في تل أبيب تحركت من جديد، إذ يُلقى كلُُّ بعصاه في معركة ستمر على أكثر من محطة قبل لحظة الحسم، لاسيما محطة الانتخابات الداخلية في الحزبين الكبريين العمل والليكود.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية