مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“من الصعب عـودة الوضع في ليبيا إلى سالف عهده”

صورة القذافي في أحد المنازل الخاصة في ناحية من نواحي طرابلس Keystone

وافق مجلس الامن، التابع للامم المتحدة في اقتراع أجري في وقت متأخر من ليل الخميس 17 مارس على فرض منطقة لحظر الطيران فوق ليبيا واستخدام "كل الاجراءات اللازمة" - وهو تعبير يجيز العمل العسكري - لحماية المدنيين في مواجهة القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي.

وأيدت القرار عشر من الدول الخمس عشرة الاعضاء بالمجلس، في حين امتنعت عن التصويت خمس دول منها الصين وروسيا والمانيا. ولم تصوت أي دولة ضد القرار الذي تبنته فرنسا وبريطانيا ولبنان والولايات المتحدة.

وفي طرابلس، قالت الحكومة الليبية في وقت مبكر من يوم الجمعة 20 مارس إنها ستتعامل “بإيجابية” مع القرار الذي أصدره مجلس الامن التابع للامم المتحدة والذي يجيز فرض منطقة لحظر الطيران فوق ليبيا. وقال خالد كعيم، الامين العام المساعد لوزارة الخارجية الليبية في مؤتمر صحفي، إن ليبيا ترحب بما ورد في القرار بخصوص حماية المدنيين والحفاظ على “الوحدة الترابية لليبيا”. واضاف قائلا “سوف نتعامل مع هذا القرار بشكل ايجابي وسنركز آليتنا هذه من خلال حمايتنا للمدنيين في كل مكان في البلاد”.

لكن كعيم قال إن التحدي الحقيقي امام المجتمع الدولي هو “أن نتأكد تماما أن الانفصاليين والمتمردين – حسب تعبيره – لن يحصلوا على دعم”، في اشارة الي المعارضين المسلحين الذين يسعون لانهاء حكم الزعيم الليبي معمر القذافي. وقال إنه إذا قامت أي دول بتزويد المعارضين بالسلاح، فانها بذلك “ستدفع الليبيين لقتال بعضهم”.

وقال كعيم إن ليبيا أبلغت الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بموقفها قبل صدور القرار و”نحن جاهزون فورا لتطبيق هذا، ولكننا نحتاج لنتكلم الى طرف محدد، حتى نتفق على تطبيق هذا القرار، لان هناك الكثير من التفاصيل التقنية واللوجستية الخاصة بتنفيذ قرار كهذا”.

في الوقت نفسه، أظهرت لقطات تلفزيونية مباشرة من مدينة بنغازي بشرق ليبيا الاف المحتجين وهم يهتفون ويطلقون الالعاب النارية فجر الجمعة احتفالا بقرار اصدره مجلس الامن الدولي يفرض حظرا جويا فوق ليبيا. وعرضت قناة الجزيرة الاخبارية بثا حيا ظهر فيه الالاف وهم يبتهجون باطلاق الرصاص والالعاب النارية في الهواء ويلوحون بالعلم الليبي الذي يعود الي العهد الملكي. وردد المحتشدون قائلين “1-2-3 ..شكرا ساركوزي” وحمل بعضهم علم فرنسا. وهتف آخرون قائلين “سننتصر” و”وقفنا له طياراته” في اشارة الى القذافي.

وقال القذافي يوم الخميس 17 مارس موجها خطابه الي معارضيه، ان قواته المسلحة في طريقها لمعقلهم في بنغازي ليل الخميس وأنه لن يظهر أي رحمة بالمقاتلين الذين سيقاومنه. وفي تسجيل صوتي، قال القذافي إن جنوده سيفتشون كل بيوت المدينة وطمأن العزّل بأنه لا داعي للخوف، لكن الحشود ظلت متحدية له حتى الساعات الاولى من المساء. وردد المحتجون “يا معمر يا كذاب…احنا عويلة لبلاد” وقالوا وقد رفع بعضهم العلم المصري “يا معمر انت محاصر. لن تساعدك سفن او طيارات”.

ومع أن القوات الموالية للقذافي واصلت تقدمها نحو الشرق في الفترة الأخيرة واستعادت بعض المناطق التي خرجت عن سيطرتها خلال الأسابيع الماضية، لكن إستعادة نظام القذافي لقوته وسيطرته المطلقة على الأوضاع في كافة أنحاء ليبيا، يظل إحتمالا ضعيفا بحسب دبلوماسيين سويسريين سابقين.

غموض في الأفق

في هذا السياق، يذهب فرانسوا نوردمان، وهو سفير سويسري سابق ومستشار يقيم في جنيف في نفس الإتجاه: “لسنا بصدد هزيمة محتمة للمتمردين، وقبل ثلاثة أسابيع، كان كل العالم يراهن على ذهاب القذافي، وهو أمر كان يبدو حتميا. اليوم أيضا، اشتداد قبضته من جديد على ليبيا لا يبدو حتميا”.

كذلك يضيف زميله القديم إيف بيسون، خبير على إطلاع واسع بشؤون العالم العربي: “الوضع في ليبيا يسوده غموض وليس هناك أي شيء واضح منذ انطلاق هذا التمرد. فما الذي يعنيه واقعيا الإعلان عن السيطرة على مناطق من طرف الثوار أو الإعلان عن استعادتها من القوات الموالية؟”.

لكن ما هو متأكد بالنسبة لبيسون أنه: “مهما حصل، لا وجود لأي إمكانية لإستمرار الوضع السابق. وعلى المستوى الداخلي، سوف يواجه القذافي هجمات متكررة من المتمردين وإضطرابات متواصلة”.

وحتى وإن جدد العقيد الليبي تحالفاته مع القبائل والأجنحة التي تخلت عنه، فإن أولئك الذين عانوا من إضطهاده، سوف يسعون آجلا أم عاجلا للإنتقام منه، رغم ما يبدونه في الظاهر من الولاء. لكن هذا قد يتطلب المزيد من الوقت، وهو يشير إلى سياق الربيع العربي، حتى لو أعقبه صيف متعفّن.

على المستوى الدولي، يبدو من الصعب العودة كذلك إلى الوضع السابق، خاصة وأن سلسلة من الإجراءات والعقوبات ضد النظام الليبي قد تم اتخاذها فعلا وأن محكمة الجنايات الدولية ينصب عملها الآن على الملف الليبي بسبب الجرائم البشعة التي ارتكبها نظام القذافي وقواته المسلحة ضد الشعب الليبي.

لا عودة إلى الوراء

 يعتقد إيف بيسون أن “عددا كبيرا من القادة الغربيين قد انخرطوا في الصراع ضد القذافي وحواريه، ومن الصعب عليهم الآن تغيير مواقفهم تلك”. رغم ذلك، لا يجب الإستهانة أبدا بالأضرار والمخاطر التي يمكن أن تصدر عن هذا القائد المسن وحاشيته، وكذلك قدرته الفائقة على المناورة.

ويذكّر فرنسوا نوردمان بأنها “ليست المرة الأولى التي يوجد فيها نظام العقيد القذافي مدانا من المجتمع الدولي”، ويشير بذلك إلى العقوبات التي كانت مفروضة على ليبيا واستمرت إلى نهاية التسعينات.

ويضيف الدبلوماسي الخبير: “لقد إستطاع القذافي البقاء والإستمرار من خلال التعاون مع الجامعة العربية ومع الإتحاد الإفريقي، ويعرف القذافي جيّدا كيف ينكأ الجروح، وكيف يؤلم معارضيه”.

عدم الإستهانة بعائلة القذافي

وأوّل الغيث قطر، كما يُقال. فقد كشف سيف الإسلام خلال حواره مع قناة Euronews  الإخبارية بأن ليبيا قد ساهمت في تمويل حملة نيكولا ساركوزي خلال الإنتخابات الرئاسية في فرنسا وأنه “على ساركوزي إرجاع الأموال التي تلقاها من ليبيا لتمويل حملته الإنتخابية. نحن الذين موّلنا حملته ولدينا الأدلة الكافية. ونحن مستعدون لكشف ذلك”.

وحتى لو ثبت خطأ هذا الكلام تماما، هذه التصريحات قد تركت فعلا تأثيرها على الرأي العام الفرنسي، كما تدل على ذلك ردود فعل زوار المواقع الإلكترونية الخاصة بوسائل الإعلام الفرنسية.

ومن المهم كذلك معرفة ما إذا كانت سويسرا، التي خبرت ألاعيب القذافي والمقربين منه، يجب ان تحذر مرة أخرى من ردود فعل قوية من نظام بات معزولا، نظرا لكون ميشلين كالمي – ري، رئيسة الكنفدرالية قد عبّرت بشكل علني وصريح عن ترحيبها المسبق بسقوط الدكتاتور .


هذا التصريح لم يتركه عدد من البرلمانيين المتمسكين بصفة التحفظ والتروي في المجال الدبلوماسي يمر هكذا، وهم يؤاخذون اليوم رئيسة الكنفدرالية على ذلك التصريح.

لكن فرنسوا نوردمان لا يشاطر هذا الفريق ما يذهب إليه، وسويسرا بحسب رأيه، لا توجد على الخط الأمامي في مجابهة القذافي. وخلال الأزمة بين برن وطرابلس والتي إستمرت قرابة السنتيْن. كان الموقع الهامشي الذي احتلته سويسرا من نقاط الضعف بالنسبة لها، في وقت كانت فيه القوى الكبرى في العالم تتسابق للخيمة الليبية. لكن هذا الموقف الذي كان يعتبر سلبيا في السابق، يمثل اليوم حماية لسويسرا في وقت أجبرت فيه البلدان الأخرى على تغيير معسكرها.

“في البداية، انتابنا الخوف من أن يستولي الإسلاميون على السلطة في بلدان المغرب العربي. يجب القول انه مثلما رأينا خلال مبادرة حظر المآذن، الشعور بالخوف من النزعة الراديكالية الإسلامية، شعورا قويا لدينا.

لكنني مقتنعة أنه لا يمكن النظر إلى ما يحدث في بلدان شمال إفريقيا بعيون الثورة الإيرانية التي حدثت قبل 30 سنة. لقد نزل المواطنون إلى الشارع للمطالبة بالحرية والديمقراطية ولم يطالبوا بتطبيق الشريعة.

لابد من الابتهاج عندما يطالب الناس بالحرية والسلام، وهناك رغبة في الإنفتاح عن الآخر، واليوم هناك عمال في ليبيا يريدون العودة إلى بلدانهم، لكن هناك ايضا مهاجرون محتملون إلى البلدان الغربية.   

 
موجات الهجرة إلى جنوب أوروبا محدودة اليوم، لكن ليس من المستبعد أن تزيد في المستقبل، ولكن ليس بنفس المعدلات التي تعلنها بعض الجهات (تقصد الأحزاب اليمينية).

أتمنى أن تبتهج سويسرا بما يحصل، وألاتترك الخوف يسيطر عليها،  كما اتمنى أن تحملها الرغبة والإرداة القوية لكي تكون إلى جانب من يطالبون بما نتمتّع نحن به: الحرية والديمقراطية!”.

مقتطفات من حوار أجرته مؤخرا أسبوعية L’illustré السويسرية مع رئيسة الكنفدرالية لهذا العام.

(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية