مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“نحتاج إلى الاندماج والتساوي في الفُـرص”

Keystone

يُـعتبر الاحتفال بالعيد الوطني في غرّة أغسطس من كل عام، تقليدا سويسريا راسخا، على المستويين الشعبي والرسمي يلقي فيه رئيس (أو رئيسة) الكنفدرالية خطابا مقتضبا وجامعا.

وفيما تضيء الشماريخ سماء الكنفدرالية، يجتمع المواطنون، داخل سويسرا وخارجها، للاستماع إلى خُـطب السياسيين ولقضاء وقت ممتع مع بعضهم في شتى أنحاء البلاد.

في هذا العام، أصرّت رئيسة الكنفدرالية ميشلين كالمي – ري على التوجه إلى سهل الغروتلي الأسطوري، لإلقاء كلمتها إلى السويسريين في عيدهم الوطني.

هذا الإصرار، أثار الاستغراب لدى البعض وترافق مع تأييد قطاع لا يُستهان به من الرأي العام ودفع بعض المؤرخين إلى المطالبة بإضفاء طابع رسمي دائم على الاحتفال بالمناسبة السنوية في السهل، الذي يُـعتقد أنه شهد ميلاد الكنفدرالية الهيلفيتية.

وفيما لا يخفى على المراقبين أن اقتراب موعد إجراء الانتخابات العامة المقررة ليوم 21 أكتوبر القادم، يشكِّـل الخلفية السياسية لاحتفالات هذا العام، إلا أن أجواء العطلة والاسترخاء تحول دون تحميل الأمر ما لا يحتمل.

خطاب كالمي – ري

يقتضي التقليد أن يتوجّـه رئيس أو رئيسة الكنفدرالية بخطاب خاص إلى السويسريين المقيمين في الخارج، الذين يجتمع البعض منهم في شتى أماكن تواجدهم للاستماع إليه والاحتفال بالمناسبة.

خطاب ميشلين كالمي – ري لهذا العام، حرص على التذكير بأن سهل الغروتلي شهد قبل 716 عاما، قيام فيرنر شتاوفاخر وفالتر فورست وأرنولد فون ميلختال، بوضع الأسس التي أقيمت عليها سويسرا الحديثة، وقالت الرئيسة “إن بلادنا أضحت أكثر من مجرد دليل سياحي مطبوع على ورق لمّـاع. فسويسرا، التي ننتمي إليها، دولة ديمقراطية ومجتمع منفتح على الخارج وبلد متضامن مع العالم، وإذا ما فرّقت بيننا اختلافات سياسية أحيانا، فإننا نسوّيها دون اللجوء إلى قوة الأسلحة، مثلما لا زال هو الحال مع الأسف في عدد كبير جدا من البلدان، لذلك، يمكن لنا بكل مشروعية، أن نكون فخورين بما أصبحت عليه سويسرا”.

رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية اعتبرت في خطابها أن “ما هو مُـلفت، هو أننا نجحنا جميعا، انطلاقا من أصولنا الريفية، في تشييد دولة لها موقعها في العالم. فهي واحة سلام للبعض ومكان لجوء للآخر ومأوى لأولئك الذين كانوا أو لا زالوا مهددين”.

وأضافت كالمي – ري أنه “على الرغم من التحولات التي توالت على مدى القرون، فقد شيّـدنا بأفضل ما هو ممكن، بلدا في تناسق مع الطبيعة وليس في تعارض معها”، وأشارت إلى “أننا – وعيا منا بأصولنا – نحافظ بعناية على بلادنا، لأننا نعلم أن الأضرار التي تحلق ببيئتنا، يمكن أن تكون لها آثار خطرة”.

ثلاثة أمور مهمّـة

الخطاب، الذي اتسم بقصره وكثافة المعاني الواردة فيه، تضمن كلاما موجّـها “من القلب إلى القلب”، ركّـزت فيه رئيسة الكنفدرالية على ثلاثة أمور.

المسألة الأولى، تعلّـقت بالعولمة، التي وصفتها بـ “عصر جديد وبُـعد تاريخي جديد، يُـغيِّـر نظرتنا للأمور وهوياتنا”، وقالت فيما يُـشبه التحذير، “في قلب سويسرا المزدهرة، هناك عدد كبير من الأشخاص، الذين يعيشون بصعوبة. فظروف العمل أصبحت مرنة أكثر فأكثر وهشّـة في بعض الأحيان والهوّة بين المداخيل الدنيا والعالية، تتّـسِـع. في حين أن سويسرا تشهد فترة من النموِّ الاستثنائي، الذي يُـفترض أن يتيح إمكانية الاستفادة منه للجميع (نساءً ورجالا)، كما نعلم أن اقتصادا قويا ومستديما، لا يمكن أن يترك جزءً من السكان على الهامش، لذلك، إن ما نحتاج إليه، هو الاندماج والتساوي في الفرص للجميع (نساء ورجالا)”.

المسألة الثانية، جاءت في صيغة دعوة موجّـهة بشكل خاص للسويسريين المقيمين في الخارج، فبعد أن ذكّـرت السيدة كالمي – ري بأنه “من غير المبالغ فيه القول بأننا حققنا بقدر مُـدهش ذلك الحُـلم القديم للفلاسفة بحياة مشتركة في ظل الحرية والسلم والعدالة، إلا أن الحقوق والقيم ليست مضمونة إلى الأبد، لذلك، يجب أن يتم الدفاع عن “روح سهل الغروتلي” ورعايتها”، دعت مواطنيها، الذين يعيشون في الخارج، إلى الإدلاء بدلوهم، وقالت “يُـمكنكم أيضا المشاركة في هذا الالتزام من خلال إسماع صوتكم في الانتخابات الفدرالية القادمة”.

التعددية كانت محور المسألة الثالثة، التي وردت في خطاب رئيسة الكنفدرالية، حيث قالت “إننا في سويسرا، نعرف ونمارس، منذ وقت طويل، تنوّع الهويات والثقافات. لقد أصبحنا أساتذة في فن العيش المشترك، لأننا بالتحديد، نتحدث لغات مختلفة ولنا أصول متعددة، كما أن الذين (رجالا ونساءً) قدموا من الخارج، ساهموا ولا زالوا يشاركون في نموِّ كل ما تتشكل منه سويسرا. إننا نريد أن نحافظ وأن نُـبقي على هذا التعدد، لأنه هو الذي يصنع سويسرا، التي تنجح”.

العمل المشترك

في خاتمة خطابها، استخدمت السيدة ميشلين كالمي – ري نبرة تمزج بين العاطفة والمشاعر الوطنية، وجددت افتخارها هي والسويسريين جميعا ببلادهم، وهو ما يمثل مصدر ابتهاج وفرح، واعتبرت أن مناسبة العيد الوطني، فرصة سنوية “نجتمع فيها لتقاسم هذه الفرحة بدون تواضع مُـزيّـف”.

وفيما اعتبرت أن “يوم 1 أغسطس، عيدنا الوطني، ليس يوما كبقية الأيام، مثلما أن سهل الغروتلي، ليس سهلا كبقية السهول”، أكّـدت رئيسة الكنفدرالية أنه “يرمُـز إلى إرادة العمل المشترك من أجل ما يجمعنا مع مراعاة ما لدينا من تنوّع”.

سويس انفو

يقيم اكثر من 640 ألف سويسري في الخارج، من بينهم 110 ألف مسجلين في اللوائح الوطنية للمشاركة في الانتخابات والاستفتاءات الشعبية.
لم يبدأ الاحتفال في سويسرا بالعيد الوطني في غرة أغسطس من كل عام إلا في موفى القرن التاسع عشر لكنه لم يتحول إلى يوم عطلة رسمية إلا ابتداءً من عام 1994.
يحتفل السويسريون في عيدهم الوطني بالميثاق الدفاعي، الذي أبرم في 1 أغسطس من عام 1291 من قبل ممثلي كانتونات أوري وشفيتز وأونترفالدن (الذي يتشكل من نصفي كانتون، هما نيدفالدن وأوبفالدن)، وهو اتفاق وضع أسس التحالف، الذي تأسست عليه الكنفدرالية السويسرية الحديثة في عام 1848.

أثار إعلان رئيسة الكنفدرالية منذ وقت مبكِّـر اعتزامها التحول إلى سهل الغروتلي لإلقاء خطابها بمناسبة العيد الوطني، ردود فعل متنوعة وجدلا واسعا.

بعد أن تعرّض سامويل شميت، رئيس الكنفدرالية السابق إلى المقاطعة من طرف شبان ينتمون إلى أقصى اليمين، أثناء إلقاء خطابه في سهل الغروتلي يوم 1 أغسطس 2005، اتّـخذت السلطات المحلية إجراءات أمنية وقائية.

لا يُـخفي الناشطون في الحزب السويسري، ذي التوجه القومي PNOS اليميني المتطرف، اعتزامهم الوصول بكل الطُّـرق المتاحة إلى سهل الغروتلي، وهو ما يثير المخاوف من احتمال حدوث مواجهات مع قوات الأمن.

في محاولة لاجتذاب اهتمام وسائل الإعلام، قرر كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة والزعيم البارز لحزب الشعب السويسري (يمين متشدد) أن يُـلقي في مناسبة العيد الوطني أربعة خُـطب (تتوزع على مساء 31 يوليو ويوم 1 أغسطس)، في كانتونات برن وأوري وسولوتورن وفريبورغ.

سرّبت بعض الصحف الصادرة في الأيام الأخيرة، أهم محتويات خُـطب بلوخر، التي ستتركز، حسب ما يبدو، على الدعوة إلى عدم وضع الحكومة الفدرالية والبرلمان والمحاكم نفسها فوق الإرادة الشعبية في ردّ على الاتهامات الموجّـهة لهذا الحزب بتجاهل القانون الدولي والمعاهدات، التي أبرمتها سويسرا.

في المقابل، أشارت نفس التسريبات إلى أن رئيسة الكنفدرالية ستشدد في خطابها على سياسات الاندماج وملف الأجانب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية