مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“هناك حاجة لوساطة طرف ثالث.. وسويسرا تدفع ثمن صراعات داخلية في ليبيا”

Keystone

اعتبر حسني لعبيدي، مدير مركز البحوث والدراسات حول العالم العربي وحوض المتوسط التابع لجامعة جنيف والمتواجد حاليا في ليبيا، أن وقف التصعيد بين ليبيا وسويسرا بسبب قضية الايقاف المؤقت لنجل الزعيم الليبي، يتطلب "تدخل طرف ثالث قد يكون جزائريا او قطريا أو إماراتيا".

وأفاد لعبيدي في حديث هاتفي أجرته معه سويس إنفو،أن طرابلس تأخذ على الجانب السويسري عدم تحرك دبلوماسيته “بالسرعة المطلوبة” لحفظ ماء وجه الليبيين بعد ظهور القضية في وسائل الإعلام.

في الوقت الذي عرفت فيه قضية الاعتقال المؤقت والإفراج بكفالة مالية عن نجل الزعيم الليبي هنّـيبال القذافي وزوجته ألين في جنيف من قبل الشرطة السويسرية بسبب سوء معاملة خادمة تونسية وخادم مغربي، تصعيدا عبر وسائل الإعلام، تلتزم الجهات الرسمية من الطرفين الصمت والتحفظ.

هذه الوضعية تدفع حسني لعبيدي، مدير معهد دراسات العالم العربي وحوض المتوسط إلى القول بضرورة تدخل “وسيط ثالث” بإمكانه أن يصل إلى أعلى هرم السلطة في ليبيا لتوضيح الموقف السويسري.

سويس إنفو: بما أنك متواجد في طرابلس، كيف يُنظر لهذه القضية المثارة بين ليبيا وسويسرا؟

حسني لعبيدي: ليست هناك أية تصريحات رسمية، لكن ما اكتشفناه هنا هو أن هناك رغبة قبل كل شيء في أن ُتعاد الأمور الى نصابها. ولكن هناك شعور بالغضب وشعور بعدم الفهم لما تعرض له نجل القذافي. لكن من الصعب القول أن كل الشارع الليبي وكل الشعب الليبي مهتم بالقضية.

فهذه القضية بدات تظهر هنا منذ تنظيم المظاهرة (23 يوليو)، أي منذ يومين. البعض مثلما تم تذكيري بذلك، تبدو له القضية وكأنها قضية ضد ليبيا. فهم يقولون “كيف أنكم رفضتم منح تأشيرة لسيف الإسلام من قبل (في عام 1997) واليوم تضعون هنّـيبال في السجن”، دون الرجوع إلى حيثيات القضية.

ففي قضية سيف الإسلام قبل سنوات، لم تُرفض التأشيرة له هو شخصيا، بل لمرافقيه من الحراس. فإذن القضية قضية سوء فهم كبيرة جدا. والتصريحات مثلا بوقف النفط جاءت فقط عن طريق العمال. ونحن نعرف أنه حتى المظاهرة التي تمت كانت مؤطرة تأطيرا كبيرا ولم تكن لعامة الشعب، بل لمناصرين وأعضاء من اللجان الثورية.

سويس إنفو: لكن كيف تم تقديم قضية وأسباب اعتقال نجل القذافي هنّـيبال هناك في ليبيا؟

حسني لعبيدي: هذه هي القضية الكبرى، فوسائل الإعلام الليبية لم تتحدث بالمرة عن قضية وأسباب اعتقال هنّـيبال القذافي، بل بدأت تتحدث عن القضية انطلاقا من المظاهرة التي نظمت هنا. والشيء الذي تم إبرازه هنا هو سوء المعاملة والتركيز تركيزا كبيرا، على العنصرية وسوء المعاملة التي تعرض لها نجل القذافي وزوجته من قبل الشرطة السويسرية.

سويس إنفو: تفضلت بذكر أن القرار الخاص بوقف تزويد سويسرا بالنفط ما هو إلا تهديد من جهات غير رسمية، كيف هو تصرف الجهات الرسمية أو ما هو متداول فيما يخص قضية النفط أو فيما يخص الحلول المقترحة لتجاوز الأزمة؟.

حسني لعبيدي: هناك العديد من الجهات الرسمية، بصراحة تقول إنه عندما يتعلق الأمر بأحد أفراد عائلة القذافي تصبح الأمور جد معقدة. ولا أحد يجرؤ على اتخاذ قرار أو يدلي بأي تصريح على الإطلاق.

الأمر الثاني، أن البيان الذي وزع على وكالات الأنباء الأجنبية، لم يكن بيانا رسميا، بل صادرا عن مجموعة من العمال، لأن هنا في ليبيا كل مؤسسة تديرها جماعة كتعاضدية أو تعاونية أو ما يسمى بالتعاونيات الشعبية.

ما سمعته هنا هو أن سويسرا تدفع ثمن بعض الصراعات الداخلية في ليبيا، إذ هناك صراع على السلطة حول خلافة القائد، وبالتالي، كانت هناك محاولة لإضعاف نجل القذافي. وما تعرض له تم فهمه هنا على أنه إضعاف لجناح لصالح جناح ثاني. وحاولتُ التوضيح بأن سويسرا لا حاجة لها لا في صالح هذا الجناح أو الآخر. وهكذا زجّ بسويسرا في قضية هي غير معنية بها تماما. فالقضية أخذت منحنى كبيرا وأصبحت كأنها قضية سياسية.

سويس إنفو: كيف تتبلور فكرة تجاوز هذه المشكلة. هناك وفد دبلوماسي سويسري زار ليبيا لشرح الموقف السويسري. ماذا رشح عن هذه الزيارة؟

حسني لعبيدي: في الواقع ليست لدي معلومات عن تحركات الوفد السويسري، لكن لتحريك الملف لابد من الوصول الى مكتب القائد الليبي أي إلى خيمة العزيزية، وهذه هي المشكلة في طرابلس، بحيث من الصعب الوصول الى القيادة الليبية.

فالوفد السويسري قام بمشاورات مكثفة جدا مع دبلوماسيين من وزارة الخارجية، لكن في ليبيا صاحب القرار الأخير هو القائد بالإضافة إلى سيف الإسلام محمد القذافي وهنّـيبال بالطبع الذي هو صاحب القضية والذي أخذ الأمور وكأنها أمورا شخصية.

ولربما أنه بعد انتظار أيام وبعد التوصل إلى قناعة أن لا ليبيا ولا سويسرا بإمكانهما حل هذه المشكلة، فإنني أعتقد أنه لابد من تدخل طرف ثالث مقبول من الطرفين، خصوصا وأن الطرف الليبي غير منزعج بأن تدوم وتطول القضية، لأنه يعتقد أن حساب الربح والخسارة هو في صالحه أكثر مما هو في صالح سويسرا.

سويس إنفو: هناك حديث في بعض وسائل الإعلام السويسرية عن وساطة جزائرية. الى أي حد يمكن لهذه الوساطة الجزائرية أو غيرها تفادي التصعيد والتوصل الى حل يرضي الطرفين؟

حسني لعبيدي: سمعنا منذ يومين عن أن هناك حديثا عن وساطات. فقد تحدث البعض عن نيلسون مانديلا، الزعيم الجنوب إفريقي. وإذا كان هناك شخص يمكن للقذافي أن يستمع لنصائحه فهو مانديلا الذي ساهم في إخراج ليبيا من العزلة، لكن كبر السن لربما قد لا يسمح له بالقيام بهذا الدور اليوم.

الرئيس بوتفليقة له علاقات جيدة جدا مع الزعيم الليبي من جهة ومع سويسرا من جهة أخرى ويمكن أن يقوم بهذا الدور. وهناك حديث من بعض الصحفيين الليبيين حول إمكانية وساطة قطر التي لها مشاركة في بنوك سويسرية والتي يمكن أن تتضرر والتي لحكامها ولأولياء العهد فيها علاقات جيدة مع أنجال القذافي، وهذا بالإضافة إلى إمكانية تدخل الإمارات. فإذن دول الخليج مرشحة لكي تلعب دور الوساطة أيضا إذا ما طلب منها ذلك، فالأبواب مفتوحة في هذا المجال.

سويس إنفو: بالنسبة للمواطنين السويسريين المعتقلين، هل هناك تهم جادة يمكن أن توجه لهما أم أنهما يعتبران ضحية تفاقم الأوضاع في هذه القضية؟

حسني لعبيدي: في الحقيقة ليست لدى معلومات عن الشخصين السويسريين الموقوفين، لكن أعتقد انهما وجدا في المكان غير المناسب في الزمن غير المناسب.

سويس إنفو: تواجدكم في ليبيا في هذه الأيام هل هو في إطار رسمي أم مجرد صدفة؟

حسني لعبيدي: لا ليست لتواجدي أية صبغة رسمية وإنما هو تواجد أولا بحثي، ولمتابعة هذه القضية لأن لدينا علاقات جيدة مع مراكز بحث في طرابلس ولنا أصدقاء ليبيين درسوا في سويسرا وبالتالي، كمركز بحث يعنى بالعالم العربي، حاولنا شرح مسالة فصل السلطات واستقلالية العدالة، وأن العرب في سويسرا يتمتعون بحقوق كبيرة.

وكثير من الليبيين قالوا أكيد أن سويسرا كانت أبوابها مفتوحة لما كنا نمر بمرحلة العقوبات الاقتصادية. وقلنا لهم أن هناك جمعيات أهلية سويسرية مستعدة لمقابلة القائم بالأعمال الليبي في برن أو السفير الممثل في جنيف للتعبير على حسن العلاقات ولكي لا تؤثر هذه الأزمة على صورة العرب والمسلمين في سويسرا أو أن تؤثر على مواقف سويسرا التي قدمت الكثير بالنسبة للقضايا العربية مثل قضية فلسطين وغيرها.

سويس إنفو: من خلال متابعتك لأطوار هذه القضية، كيف تحكم على الطريقة التي تمت بها معالجتها، وما هي نقاط الضعف حسب رأيك؟

حسني لعبيدي: أكيد أن هناك فجوة ثقافية كبيرة بين الطرفين. وكلما تم الحديث عن حوار الحضارات كلما اكتشفنا ان هناك حاجة للكثير في هذا المجال. وأكيد أننا في سويسرا نعاني من نقص كبير في فهم العالم العربي. وأعتقد ان الدبلوماسية السويسرية في حاجة إلى فتح نقاش فوري وعاجل لأننا نلاحظ أن سويسرا أصبحت في وضع هش وقابلة لأن تتعرض في أي وقت “للابتزاز” بين قوسين. لذلك يجب إجراء دراسة حول أهداف السياسة الخارجية وحول وسائل تطبيقها.

العديد من الشخصيات الليبية المتابعة للقضايا الأوروبية قالوا إنهم يتفهمون استقلالية القضاء. ولكنهم قالوا لماذا لم تتحرك الدبلوماسية السويسرية عندما ظهرت القضية في الإعلام لكي تحفظ على الأقل ماء وجه الليبيين. وقد فوجئت بأنهم كانوا على علم بطريقة التوقيف وقالوا لو تم على الأقل تمرير عملية التوقيف عبر الدبلوماسيين مثل تسليم مذكرة توقيف وما شابه ذلك.

أعتقد أننا في سويسرا في حاجة إلى فهم أكثر للنفسية العربية وأن الاعتماد على الصورة التقليدية مثل الحياد، والسمعة الحسنة لسويسرا في الخارج لا يكفي بل هو عبارة عن بكاء على الأطلال. أزمة ليبيا أظهرت كيف أن هناك ضرورة لتحسين صورة سويسرا. ومع أنه توجد في ليبيا نخبة من المثقفين، لكن عامة الشعب لا تتقن إلا العربية. وسويسرا التي كانت لها إذاعة باللغة العربية موجهة للعالم العربي، تخلت عنها في الوقت الذي عادت فيه دول أخرى مثل روسيا إلى تعزيز التخاطب المباشر باللغة العربية شأنها في ذلك شأن القناة الأوروبية “أورونيوز”. فلو استمرت هذه الإذاعة في بث برامجها لسمح ذلك بتفادي الكثير من المشاكل والكثير من سوء الفهم.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

جاء في بيان صادر يوم 25 يوليو 2008 عن المستشارية الفدرالية في برن أن الحكومة الفدرالية التي عقدت بعد ظهر الجمعة ندوة هاتفية، أعلمت من طرف وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري بالصعوبات الحالية مع ليبيا، لكن لم يُتخذ أي قرار بهذا الشأن.

وفي ندوة صحفية عقدها الناطق باسم الخارجية السويسرية مساء الجمعة 25 يوليو، أوضح فيليب جانرا أن “العلاقات الثنائية بين سويسرا وليبيا تمر بأزمة”، وأضاف قائلا: “نحاول إيجاد السبل للخروج من هذه الأزمة”.

وعن أوضاع المواطنيين السويسريين المعتقلين في ليبيا في ظروف صعبة تتمثل في “زنزانة ضيقة مع حوالي عشرين معتقلا وفي ظروف صحية سيئة”، قال الناطق باسم الخارجية “لقد سمح لهما لأول مرة بمقابلة المحامي، ولكن لم يسمح للقسم القنصلي بمقابلتهما لحد الساعة”.

وبخصوص الوفد الدبلوماسي الذي تحول إلى ليبيا يوم الأربعاء وعاد ليلة الجمعة الى سويسرا قال المتحدث باسم الخارجية: “لقد قابل عددا من المسؤولين بوزارة الخارجية الليبية ولكنه لم يقابل وزير الخارجية الليبي”.

وعن المطالب المقدمة من طرف الجانب الليبي، اكتفى فيليب جانرا بالقول: “لقد اطلع الدبلوماسيون على المطالب الليبية”، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل.

في سياق متصل، حثت فرنسا ليبيا على تجنب “التصعيد” في خلافها مع سويسرا. وصرح إريك شوفالييه، المتحدث باسم وزارة الخارجية في باريس “يبدو لنا من المهم إبلاغ السلطات الليبية بانشغالنا” تجاه “تصعيد يمكن أن يكون مضرا للجميع” مؤكدا أن باريس “تتابع هذه الوضعية عن كثب” وقال: “نأمل أن تعي السلطات الليبية ضرورة عدم التصعيد في العملية الجارية”.

من ناحيته، أشار المكتب الفدرالي للملاحة البحرية أن الحظر الذي قيل يوم 23 يوليو أنه فُرض على دخول السفن السويسرية إلى الموانئ الليبية، لن يكون له أي تأثير في الوقت الراهن، لأنه لا يُتوقع وصول أي سفينة سويسرية إلى الموانئ الليبية “في المستقبل القريب”.

وفي بازل، قال ريتو دورلر، مدير المكتب إن الإجراء المتعلق بالسفن السويسرية الذي ورد في بيان صادر عن الشركات الليبية للنقل البحري والموانئ “لم يُبلّغ رسميا إلى السلطات السويسرية” إلى حد الآن.

swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية