مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

” اللعب مع الكبار ..”

عناصر من جهاز المخابرات اللبنانية اثناء اعتقالهم يوم التاسع من الشهر الجاري لمسيحيين معارضين لسوريا امام وزارة العدل في بيروت Keystone

ماذا يجري في لبنان هذه الأيام؟ ولماذا اختلطت صور المصالحة الوطنية في الجبل بين الدروز والموارنة فجأة بصور الاعتقالات والمحاكمات على نطاق واسع بين صفوف الشبان المسيحيين أساسا؟ ثمة نظريتان متناقضتان هنا.

الأولى عّبر عنها نجاح واكيم، رئيسُ “حركة الشعب” اللبنانية العلمانية ونائبه سايد فرنجية، اللذين أبلغا “سويس انفو” يوم الأحد أن كل ما يحدث الآن على الساحة اللبنانية، “وراءه أصابع غربية واضحة”.

ويقولان إن الأمريكيين، ومعهم الفرنسيين هذه المرة، لا يوافقون على مجمل السياسات السورية في فلسطين والعراق وجنوب لبنان، وهم يريدون تغيير هذه السياسات انطلاقا من لبنان، باعتباره منطقة النفوذ السورية الوحيدة الآن في الشرق الأوسط.

ويتحدثان بمنطق الحصص لتفسير ما يريدان قوله. فهما يعتبران أن الأمريكيين الذين “باعوا جلد المسيحيين” للسوريين خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، استعادوا نفوذهم الآن بينهم. لا بل هم كسبوا أيضا إلى جانبهم الدروز الممتعضين من تهميش دورهم في الدولة اللبنانية بعد نهاية الحرب الأهلية اللبنانية.

والعمل الأمريكي، يضيف واكيم وفرنجية، جار لمحاولة ضم السنة ( أو بعضهم ) إلى الكتلة “التاريخية” الدرزية – المسيحية الجديدة، إضافة إلى بعض الشيعة، برغم أن الكتلة الرئيسة لهؤلاء الأخيرين المتمثلين في “حزب الله” وحركة “أمل”، يعتبران الحليف ” الصافي ” الوحيد لسوريا في لبنان.

ثلاثة أهداف رئيسية..

ويتابعان أن الاعتقالات الأخيرة التي قامت بها السلطة لقادة وأعضاء حزب ” القوات اللبنانية ” المنحل والتيار العوني المحظور وحزب الوطنيين الاحرار (وكلها تيارات سياسية مارونية)، والتي جاءت بعد 48 ساعة فقط من انتهاء جولة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في الجبل الدرزي، هذه الاعتقالات كانت لها ثلاثة أهداف دفعة واحدة :

الأول، ضرب التحالف الدرزي – الماروني الجديد في نقطة ضعفه الرئيسة المتمثلة بتيار القوات والعونيين الذين يرمزون إلى كل تطرف وعنف الحروب الأهلية اللبنانية السابقة.

الهدف الثاني، هز العصى في وجه كل قوى المعارضة التي ربما اعتبرت أن إعادة الانتشار السورية الأخيرة في منطقة بيروت الكبرى، قد تكون مناسبة لها للانقضاض على كل من الحكم اللبناني ودمشق معا، بمساندة خفية من الأميركيين والفرنسيين وحتى من إسرائيل ( كما تقول أجهزة السلطة ).

أما الهدف الثالث فهو الانقلاب المبكر على..المحاولات الانقلابية التي تستعد المعارضة للقيام بها، عبر محاولة توسيع التحالف الدرزي – الماروني ليشمل العديد من الأطراف اللبنانية الأخرى.

الحكم العسكري

بيد أن أنصار النظرية الثانية يرفضون هذه المقاربة الدولية – الإقليمية للصراع المحلي اللبناني الراهن جملة وتفصيلا. وهم يشددون على أن الأجهزة الأمنية اللبنانية والمستفيدين من هذا العهد، يحاولون في كل حين تصوير الصراع السياسي اللبناني على انه “مؤامرة” ، بهدف الحفاظ على مصالحم في الحكم.

ويقول دوري شمعون رئيس حزب الأحرار المسيحي لـ “سويس انفو”، محاولا إثبات هذه النظرية، إن هناك حاليا في لبنان “حكومة ظل أمنية” تدير هي البلاد، متخطية الدستور والحكومة ومجلس النواب، وهو يّحذر من أن هذه الحكومة ” السرية ” لن تتورع عن إعلان حالة الطوارئ وفرض حكم عسكري، إذا ما شعرت أن موازين القوى لم تعد تميل إلى صالحها.

كما أن كلا من المطران الماروني النافذ بشارة الراعي والمقدم شريف فياض أمين سر الحزب التقدمي الاشتراكي ( الدرزي )، أبلغا “سويس أنفو” أن الحديث عن انبعاث الثنائية الدرزية – المارونية، ” ما هو سوى إشاعات تبثها السلطة بهدف إجهاض أي مصالحة قد تحدث بين اللبنانيين. والهدف هو إظهار الشعب اللبناني على انه شعب قاصر ولا يستأهل الاستقلال “.

أي النظريتين على حق؟

يبدو أن الطرفين يضخمان عناصر تحليلهما ويذهبان إلى الحد الأقصى في أحاديث ” المؤامرة “. فبرغم أن أنصار النظرية الأولى محقون في البحث عن العوامل الإقليمية والدولية المؤثرة على قرارات الأطراف المحلية اللبنانية المعارضة، إلا أن هذا لا يعني أن كل ما يجري الآن من مصالحات وتحالفات سياسية وطائفية هو مجرد العاب دمى تحركها أيد خارجية.

فالمصالحة الوطنية الشاملة بعد اتفاق الطائف لم تتم. وثمة أطراف عديدة في المعادلة اللبنانية تشعر بالتهميش الشديد بسبب سطوة الأجهزة السورية، ومعها حلفائها الشيعة في ” حزب الله ” و” أمل “، على مفاصل الدولة والقرار اللبنانيين. ومثل هذه التظلمات لا تواجه بـ”الحلول الأمنية” كتلك التي قامت بها السلطة عبر اعتقال مئات العونيين والقواتيين والأحرار.

وفي المقابل، لا يبدو أصحاب النظرية الثانية محقين في عزلهم كل ما يجري محليا عن التطورات الإقليمية – الدولية الساخنة، خاصة في إطار ما بات يعرف تاريخيا بتعبير ” الصراع على سوريا “.

فالضغوط الأميركية ( والفرنسية ) على هذه الأخيرة كبيرة وحقيقية لحملها ليس فقط على إغلاق ملف الجنوب اللبناني ووقف دعم الانتفاضة الفلسطينية وقفل صنابير التبادل التجاري مع العراق، بل أيضا لتغيير أولوياتها في الداخل السوري باتجاه التحول سريعا إلى “دولة عادية” في الشرق الأوسط مندمجة كليا في النظام الرأسمالي العالمي.

ومثل هذه الضغوط كان يمكن أن تتحول إلى انفجار خطير بين الطرفين، لولا حاجة أميركا إلى الدور السوري في ضبط الحركات الأصولية الإسلامية العربية والإيرانية في منطقة الهلال الخصيب.

على أي حال، التطورات الأخيرة (والتي لم تنته فصولا بعد)، تشير بوضوح إلى أن الساحة اللبنانية باتت مفتوحة ( مجددا ) على شتى الاحتمالات. فـ “الصراع على سوريا” استؤنف، و معه عاد ” اللعب مع الكبار ” ، ( والذي لطالما كان، كما هو معروف، الدور المفضل للأطراف المحلية اللبنانية )، إلى سيرته الأولى!

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية