مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

  إصلاح الجديد بالقديم!

رغم الضغوط الامريكية فان الاصلاحات التي ادخلها الرئيس عرفات على الاجهزة الامنية ظلت شكلية Keystone

تتوالى الضغوط الداخلية والخارجية على القيادة الفلسطينية من أجل إجراء تغييرات جوهرية في بنية الأجهزة الأمنية التابعة لها وسط استمرار الجدل داخل اجهزة السلطة الوطنية حول طبيعة وحجم هذه التغييرات.

بدأت الضغوط بحملة شعبية شرسة نتجت عن غياب دور فاعل للأجهزة الأمنية في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي خلال شهر ابريل الماضي وما تلاه. وتزامنت مع حملة خارجية، أمريكية أساساً، ناتجة عن ضعف اداء السلطة الفلسطينية الأمني وعدم وفائها بالتزاماتها، خاصة المترتبة عن تعهدات الرئيس عرفات المتكررة بوقف إطلاق النار أو على الأقل وقف العمليات الانتحارية.

وقد تنامت الضغوط الأمريكية مؤخرا قبيل زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA جورج تنت الى المنطقة وعلى جدول أعماله موضوع التغييرات في بنية الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

وما يجعل مهمة الرئيس عرفات صعبةً في تحقيق الإصلاحات في هذه الأجهزة، هو أن الضغوط الداخلية من جهة، والخارجية من جهة اخرى، تدفع في اتجاهين معاكسين. فالولايات المتحدة ومن خلفها اسرائيل، تريدان أجهزة أمنية فلسطينية أكثر التزاماً بالاتفاقيات ولاسيما الأمنية منها، أي الالتزام المطلق بمطلب الولايات المتحدة الداعي الى وقف المقاومة الفلسطينية، وخصوصا العمليات الانتحارية.

في المقابل، فإن الاستجابة الى الضغوط الشعبية الفلسطينية، سيجعل الأجهزة الأمنية تصبح وسيلة لتفعيل الانتفاضة والتصدي للاجتياح الإسرائيلي المتكرر لمناطق السلطة الفلسطينية، مما يضع هذه الأجهزة في حالة توتر وصراع مزمن مع قوات الاحتلال.

هذا على المستوى الجوهري والوظيفي للإجهزة الامنية. أما فيما يتعلق بالتنظيم والهياكل القانونية، فالمهمة أسهل، إذ أن هنالك اجماعا في الاوساط الفلسطينية على مطلبين إصلاحيين لن يجد الرئيس عرفات مشكلة في تلبيتهما. الأول هو تقليل عدد الأجهزة إلى أربعة فقط والعمل على منع التداخل والتناقض والازدواجية في وظائفها، والتركيز على تفعيل التنسيق بينها، والثاني هو اخضاعها للقانون، حيث ان الاجهزة الامنية كانت تعمل حتى الان وفق اوامر ومصالح سياسية وشخصية.

وكي تتجنب الولايات المتحدة أي حساسية من جراء تدخلها في الوضع الداخلي الفلسطيني وما يحدثه من تأثير معاكس بسبب جو العداء الشعبي لسياسة الولايات المتحدة، يبدوا ان واشنطن شجعت مصر لارسال مدير المخابرات العامة المصرية لمقابلة الرئيس عرفات وباقي مسئولي الأمن في فلسطين، إلا أن هذه الزيارة باءت بالفشل، إذ أن الرئيس عرفات تجنب الخوض في أي جديد ولم يعط فرصة لمناقشة اصلاح الاجهزة الامنية.

اهداف الاصلاح؟

امام هذه الضغوط، اتخذ الرئيس عرفات قرارا يختصر عدد الأجهزة الامنية إلى أربعة، وضم قادتها إلى هيئة أمنية وطنية عليا واحدة، يرأسها شخصيا، ويتابع عملها نائبه العميد عبد الرزاق اليحيى المعروف بقدر كبير من المصداقية والحيادية والمهنية، رغم أنه ليس بالقوة المطلوبة.

وقد شاءت الظروف أن تقرر المحكمة الفلسطينية العليا الافراج عن أحمد سعادات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمعتقل لدى السلطة الفلسطينية تحت ضغط اسرائيل والولايات المتحدة بتهمة اغتيال وزير السياحة الاسرائيلي افرهام زئيفي.

ووضع هذا الحكم القضائي السلطة تحت محكّ التجربة. فقد هددت اسرائيل باغتيال السيد سعادات إذا خرج من السجن الذي يحرسه أيضاً ضباط أمريكيون وبريطانيون. هذا التهديد الاسرائيلي أعفى السلطة من الالتزام بقرار المحكمة نتيجة تخوفها الحقيقي من النوايا الإسرائيلية.

احتفاظ نفس الاشخاص بمواقعهم

ويذكر ان التنافس الحاد بين قادة الأجهزة الامنية الفلسطينية، ولاسيما بين رئيسي الامن الوقائي في غزة والضفة الغربية، محمد دحلان وجبريل رجوب، اصبح عبء على السلطة الفلسطينية. ويبدو أن الرئيس عرفات قد وجد أن أي إخلال بالتوازن الحالي سيفتح أبواباً لعدم استقرار، فآثر ابقاء نفس القادة على راس نفس الأجهزة بعد اختصار عددها ووضعها مباشرة تحت أمرته كشكل من أشكال توحيدها.

وخلاصة الأمر، أن الرئيس عرفات، قد نجح على ما يبدو في تجنب التعديلات على الأشخاص والوظائف التي أرادها الأمريكيون للأمن الفلسطيني. لكنه في المقابل اخفق في الاستجابة إلى معظم المطالب الشعبية الفلسطينية.

وعلى كل الأحوال، فان الأحداث العاصفة على الأرض، وتحديدا على المستوى الأمني، سواء عملية الجهاد الاسلامي قرب حيفا او قصف إسرائيل لمقر الرئيس صباح يوم الخميس قد جعلا الحديث عن تفعيل دور الأمن الفلسطيني كوسيلة لتهدئة الوضع مسالة غير ذات معنى، لان إسرائيل ضربت مثلا أخرا على ان هدف جيشها هو السلطة الفلسطينية، وهي تمارس “الدور الأمني” المباشر يوميا في المناطق الفلسطينية وتعفي بذلك السلطة الوطنية عمليا من اية مسؤولية تجاه الأحداث الأمنية الجارية.

غسان الخطيب – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية