مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 “حذار… العنف الأصولي قادم”!

Keystone

الحرب التي تشنها الحركات الإسلامية المتطرفة لا تستهدف الولايات المتحدة فقط. فالمسألة "مسألة وقت" فحسب قبل أن تتعرض أوروبا هي الأخرى لهجوم إرهابي. وما اقترفته الدول الصناعية من "خطايا" في الماضي ستدفع ثمنه في المستقبل غاليا. هذه هي خلاصة كتاب جديد باللغة الألمانية نُشر حديثا وسيثير بالتأكيد جدلا كبيرا.

“عليناأن نستيقظ من سباتنا ونأخذ حذرنا”. عبارةٌ تكررت بصورة لافتة خلال الحديث الذي أجرته سويس إنفو مع الصحفي الألماني يوهانيز فون دوناني. وهذا التحذير بالذات، بما فيه من إلحاح يكاد يكون “هستيري”، هو المحور الأساسي الذي تدور حوله معطيات كتابه “التجارة القذرة والحرب المقدسة: تنظيم القاعدة في أوروبا”.

أشترك في تأليف الكتاب، الذي أستغرق الأعداد له خمس سنوات، كل من السيد فون دوناني وزوجته جيرمانا. وفي تعاونهما معاً ما يثير الكثير من علامات الاستفهام. فإذا كان هو، المراسل لصحيفة دي فيلت فوخه السويسرية الناطقة باللغة الألمانية لشئون البلقان وإيطاليا، قد تخصص في قضايا الإرهاب والجريمة المنظمة، فإن زوجته خبيرة في شؤون النفايات النووية و البيئة!

 “خطايا العالم الصناعي!”

ما الذي جمع بين الشامي والمغربي؟ بعبارة أخرى، ما الذي يدفع خبيرا في الإرهاب وأخرى في النفايات النووية إلى تأليف كتاب مشترك؟ تتمثل الإجابة، على حد قوله، في خطايا الدول الصناعية التي ارتكبتها في الماضي.

“على مدى العشرين عاما الماضية عمد العالم الصناعي إلى التخلص من النفايات النووية من خلال شحنها إلى دول العالم الثالث. رمينا بتلك المواد التي لم نرغب في وجودها في أرضنا إلى بلدان الشعوب الأخرى. هذا ما أسميه بالتجارة القذرة “.

لكن إذا كانت هذه الوسيلة “المريحة” قد مكنت الدول الصناعية من التعامل مع نفاياتها النووية بصورة تؤمن سلامة وصحة أبناءها على حساب غيرها، فإنها ستُضطر إلى جني ثمارها “الفاسدة” الآن. كيف؟

كان عدد من تلك الدول النامية التي تلقت شحنات النفايات النووية، كما يقول السيد فون دوناني، يعاني من مشاكل سياسية وعدم استقرار سياسي. ومع الوقت وتدهور الأوضاع، أصبحت بؤرة لنشاط جماعات إسلامية متطرفة: “”نحن نواجه الآن موقفا بدأت فيه حركات إسلامية متطرفة بالتحرك والعمل في تلك الدول، ومع وجود هذه النفايات النووية فإن محصلة الجمع بنيهما خطير للغاية”.

تنظيم القاعدة… والضربة الإرهابية القادمة؟

عندما يتحدث السيد فون دوناني عن خطر استخدام تلك المخلفات النووية في أعمال إرهابية فإنه يوجه اهتمامه إلى تنظيم القاعدة بالتحديد، الذي يعتبره حركة “عالمية” بكل المقاييس.

يدلل على ذلك بأحداث الحادي عشر من سبتمبر قائلا:”لقد تم التخطيط للهجوم في أوروبا وآسيا، ثم نُفذ في الولايات المتحدة، والأشخاص الذين اشتركوا في التنفيذ ينتمون إلى بلدان مختلفة”.

ولأن الأمر كذلك، فإن أوروبا ليست في مأمن منها:”إذا جمعتِ كل خطايا الدول الصناعية في الماضي وتهديدات اليوم فأنني أعتقد أن لدينا سيناريو مقلق للغاية.”

يبدو السيد فون دوناني مقتنعا أن المسألة “مسألة وقت” قبل أن تتعرض أوروبا إلى هجوم إرهابي. بل أن في إحباط قوات الشرطة لعدد من العمليات الإرهابية في أوروبا في الآونة الأخيرة ما يؤكد هذا القناعة: “سيكون من الحماقة الاعتقاد أن كل شئ أنتهي مع الحادي عشر من سبتمبر”.

ما الذي يجعل الصحفي الألماني مقتنعا إلى هذا الحد بحتمية الضربة الإرهابية القادمة؟ بسبب الموقف غير المحايد الذي اتخذته أوروبا بعد 11 سبتمبر:”إذا تحدثت مع مسلمين متطرفين سيقولون لك إن أوروبا لم تعد منطقة تُستخدم بهدف التخطيط والتهيئة أو الاختفاء .. فقد تحولت إلى هدف في حد ذاتها”.

ماالعلاقة بين النازيين الجدد والمتطرفين الإسلاميين؟

يزعم السيد فون دوناني بأن هناك صلة وثيقة بين اليمين الأوروبي المتطرف وبين الحركات الإسلامية المتطرفة لاسيما في “سويسرا وألمانيا”. فهم “يحاربون في نفس الخندق الفكري: ضد أمريكا، ضد اليهود، وضد الصهيونية. هم ضد أشياء كثيرة نقدرها نحن هنا في الغرب بصورة أو بأخرى”.

ويذهب بعيدا في تأكيد هذه الصلة. فهي لا تقتصر على القواسم الفكرية المشتركة بين الجانبين، بل تتعداها إلى “التعاون الميداني” على حد قوله. لكنه لا يقدم أدلة ملموسة على “عملهما المشترك”.

فهو يبدأ بالقول “إن عناصر من اليمين المتطرف الأوروبي كانوا يتدربون في معسكرات فلسطينية في الثمانينيات”، وأن غيرهم “يعرضون (الآن) مساعدات مالية وفنية على جماعات مسلمة”. ثم يتحول بحديثه إلى جماعات اليسار (لا اليمين) المتطرف في جنوب إيطاليا”الذين يعرضون مساعدات عملية على الجماعات المسلمة”!

ولأن تلك “الأدلة” لا تبدو مقنعة إلى حد كبير، فقد أختتم حديثه حول هذا العنصر قائلا:” حتى إذا لم تكن هناك علاقة تعاون عملية كاملة في الوقت الحالي بينهما فإن هذه العلاقة في سبيل التطور والتكوين. لذلك علينا أن نتدخل قبل أن تصل العلاقة إلى هذه المرحلة”.

إجابة َحرية بإثارة المخاوف، لأنها تبدو كما لو كانت تدخل في إطار التبرير النظري لإستراتيجية الضربة الوقائية التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخرا. فلأن هناك إمكانية لقيام مثل تلك العلاقة يبدو من اللازم اتخاذ العديد من الخطوات الكفيلة بمنعها. وعادة ما تدخل مثل تلك الإجراءات في دائرة الخطوط الرمادية لما هو مسموح به قانونا.

لا تسامح مع عدم التسامح!

“علينا أن نستيقظ ونأخذ حيطتنا”، عاد السيد فون دوناني إلى تحذيره الذي تكرر مرارا طوال حديثه. ويحدد ما يعنيه بذلك قائلا:” لم يعد ممكنا قبول عدم التسامح. فبنفس الطريقة التي تلاحق فيها أوروبا يمينها ويسارها المتطرف فإن عليها أيضا أن تتربص بالأخطار الأخرى”.

ولا يقصر تلك الدعوة على أوروبا، بل يطالب العالم العربي باتخاذ مثل ذلك الموقف قائلا:”يجب أن يستيقظوا ويتخلصوا من المتطرفين لديهم، فكل من يدعو إلى العنف لا مكان له في مجتمع مسالم”.

يرفض مراسل “دي فيلت فوخه” ما قد يقال من إن تحذيره فيه قدر من اللعب على مشاعر الهستيريا التي سادت أوروبا بعد 11 سبتمبر:”لا أظن ذلك. بل أعتقد أنه تقييم واقعي لما يحدث حولنا. إذا دققت في ما حدث، وعدد الأشخاص الذين تم القبض عليهم، وإذا استمعت إلى ما قالوه في الأشرطة التي عثرت عليها الشرطة، فإن علينا بالتأكيد أن نكون واعيين أن هناك خطرا محدقا بنا”.

إلهام مانع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية