مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 “يا جبل ما يهزّك ريح”…

الرئيس ياسر عرفات أثناء ترؤسه لأول اجتماع للحكومة الفلسطينية الجديدة في مقره المحاصر في رام اللة يوم الخميس 13 يونيو 2002 Keystone

هذا ما لم يقله الرئيس ياسر عرفات، على غير عادته، في تعقيبه على خطاب الرئيس جورج بوش، الذي دعا الى انتخاب قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة. غسان الخطيب، وزير العمل في السلطة الوطنية يوضح في المقابلة التالية تفاعلات هذا الخطاب على الساحة الفلسطينية.

. تعاملت السلطة الفلسطينية مع خطاب الرئيس بوش تعاملا سياسيا.


. سوء الادارة وغياب الديموقراطية لاتنفرد بهما السلطة الفلسطينية… فاقرب اصدقاء الولايات المتحدة في العالم العربي هم الاقل ديموقراطية واصلاحا والاكثر فسادا.

. لن يسمح شارون باجراء انتخابات فلسطينية، لانها ستجدد الثقة بالقيادة الحالية.


. عرفات لم يصادق على تمويل كتائب شهداء الاقصى.


. لا توجد علاقة بين نشاطات المقاومة الفلسطينية وتصرفات شارون على الارض.



استاذ غسان الخطيب، كيف تفسر التباين في المواقف الفلسطينية بشان خطاب الرئيس الامريكي حول الشرق الاوسط؟ فمقابل ترحيب السلطة الوطنية، نرى ادانة للخطاب من معظم الفصائل الوطنية والاسلامية.


لا يخفى على احد وليس من الصعب ان يقدر أي انسان بان وقع هذا الخطاب على أي فلسطيني كان سيئا وان مردوده السياسي سلبي وان نفسه عدائي بالدرجة الاولى.

حاولت السلطة الفلسطينية ان تتعامل مع هذا الخطاب تعاملا سياسيا وسعت الى تقديم ردة فعل اولية من النوع الذي يجنب الفلسطينيين الدخول في معركة مع الجانب الامريكي وتعطي مبررا للقوى المعادية للشعب الفلسطيني في واشنطن، بان تمعن في إيذائها للفلسطينيين. ولذلك، قامت السلطة بالترحيب بتلك الجوانب في خطاب بوش المنسجمة مع الشرعية الدولية والمطلوبة فلسطينيا، مثل اقامة الدولة ووقف الاستيطان وانهاء الاحتلال، وتجاهلت في ردة فعلها الاولية والرسمية ذلك الهجوم على القيادة الفلسطينية والتجريح بها وغير ذلك من الاتهامات بالارهاب.

ولكن بعد ذلك، وبعد امتصاص الهجمة العدوانية في هذا الخطاب، ابدت السلطة من خلال عدد من مسؤوليها انتقادات واسعة ومفصلة لهذا الخطاب ومضامينه، خصوصا بعد ان بدا جليا ان العالم بأسره لم يرحب بهذا الخطاب، حيث ان اوروبا واليابان والصين وغيرها من الدول الهامة في العالم، ابدت عدم ارتياح من جوانب عديدة في الخطاب، واصبح واضحا جدا ان مضمونه لم يكن بناء، لدرجة ان الادارة الامريكية اضطرت ان تقوم ببعض التراجع وتقدم بعض التوضيحات، سواء من خلال الناطق باسم البيت الابيض او من خلال وزير الخارجية كولين باول .

عابت الادارة الامريكية على السلطة الفلسطينية تصرفات انتقدتها اطراف فلسطينية عديدة، مثل سوء الادارة والتصرف، تفشي الفساد، التناقض بين الاجهزة الامنية، غياب المؤسسات، غياب سيادة القانون الى غير ذلك. لكن لم نسمع أي مسؤول فلسطيني يقول إن كل هذه العيوب موجودة في جميع الدول العربية. والسلطة الفلسطينية ليست منفردة بها، لاسيما اذا اخذنا في الاعتبار ما تعانيه من مشاكل مادية وسياسية وامنية؟

اشكركم على طرح هذا السؤال، لان هذا ربما يعبر عما في ذهن معظم الفلسطينيين. ولكن صعوبة الظروف وحدة الهجمة، وحاجة الفلسطينيين الماسة الى أي شكل من اشكال التفهم والدعم العربي، يجعلهم يشعرون ان في فمهم ماء، ولا يستطيعون التعبير عن هذه المشاعر. لكن في حقيقة الامر، ان المرحلة الاخيرة شهدت مسلكا ظالما وقاسيا تجاه الشعب الفلسطيني وقيادته. المسالة ليست مسالة اصلاحات وليست مسالة ديموقراطية، اذ ان اقرب اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي هم الاقل ديموقراطية والاقل صلاحا وربما الاكثر فسادا. لكن المشكلة سياسية وليست ادارية. هذه المشكلة تحديدا تتمثل في ان هذه القيادة الفلسطينية تنتهج سياسة تشكل عائقا امام تمرير حلول نهائية مقترحة من اسرائيل والولايات المتحدة. ولذلك، فانها تُعتبر العقبة الرئيسية امام تمرير هذه الحلول، وهذا ما حصل ابتداء من كامب ديفيد.

ومنذ كامب ديفيد الى هذه اللحظة، والقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني يتعرضان الى كل هذه الضغوط والى كل هذه المجازر والى كل هذا التجويع، عقابا لهم ولقيادتهم على هذه المواقف. والان، يبدو ان الامريكيين والاسرائيليين وصلوا الى قناعة بان حلولهم لن تمر الا اذا ازاحوا جانبا هذه القيادة الفلسطينية، ولذلك انتقلوا الى مرحلة محاولة استبعادها.

سنعود الى موضوع القيادة الفلسطينية فيما بعد. لكن قبل ذلك اسمح لنا باثارة نقطة مهمة. الان وعلى ضوء مبادرة بوش وتكريس سياسات ارييل شارون في فرض امر واقع جديد في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، وعلى ضوء المشاكل التي تواجهها السلطة في اعادة هيكلة مؤسساتها واجهزتها، كيف ستتعامل السلطة الوطنية مع هذا الوضع الجديد في انتظار اجراء الانتخابات واتمام الاصلاحات؟

اود في البداية التركيز على امرين:


اولا، في الوقت الذي يبدو العالم الخارجي منشغلا بموضوع الانتخابات الفلسطينية والاصلاح، هذا الموضوع لا يشغل بال أي فلسطيني على الاطلاق، لان الشعب الفلسطيني منشغل بامور اخرى اكثر اهمية واولوية. يوجد الان ما يقارب مليونين من اصل ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني يعيشون خاضعين لنظام منع التجول، محرومين من الوصول الى مدارسهم والى مستشفياتهم والى اعمالهم. وفي هذه اللحظة تتجاوز نسبة العاطلين عن العمل من القوى العاملة الفلسطينية 78%، بسبب منع التجول الذي أُضيف الى عوامل الحصار الاخرى. هذا هو نوع الهموم التي تشغل الشعب الفلسطيني.

ثانيا، لا اعتقد ان شارون سوف يسمح باجراء انتخابات فلسطينية، لان هذه الانتخابات سوف تجدد الثقة بالقيادة الفلسطينية ومصداقيتها، وهو امر معاكس لتطلعات شارون. لذلك، لا يجب ان يحلم احد، لا في فلسطين ولا في الخارج، بان شارون سيسمح للشعب الفلسطيني باجراء انتخابات ديموقراطية حرة. الامور هنا متجهة نحو اعادة الاحتلال النهائي والكامل وليست متجهة الى حالة يمكن ان نتخيل فيها اجراء انتخابات. وبالتالي، يجب ان تنصب الجهود والتفكير حول كيفية مقاومة اتجاه شارون نحو اعادة الاحتلال وكيف يمكن مساعدة الشعب الفلسطيني من اجل الصمود. وفي هذا المجال، يجب ان تتركز استراتيجية القيادة الفلسطينية على جهود الصمود وتصعيد المقاومة والثبات على نفس المواقف السياسية.

استاذ غسان، انت الان عضو في السلطة الوطنية الفلسطينية. دعنا نطلب منك توضيحا حول ما نشرته صحيفة نيويورك تايمس بخصوص دعوة بوش الى ضرورة قيام “سلطة فلسطينية جديدة ومختلفة”. قالت الصحيفة إن هذا الموقف ادرج في الخطاب في آخر لحظة بعد ان ثبت للادارة الامريكية ان السيد عرفات وافق على تقديم مبلغ مالي يناهز عشرين الف دولار لكتائب شهداء الاقصى، التي تتهمها الولايات المتحدة بالارهاب وتنفيذ عمليات انتحارية. هل بامكانك نفي هذا الكلام رسميا

نعم، استطيع ان اؤكد ان القيادة قد نفت ذلك. وبالمناسبة، علمنا، وبشكل رسمي وان كان غير معلن، ان الجهات الامريكية الرسمية التي درست المائة صفحة التي اعدتها اجهزة الامن الاسرائيلية وقدمها ارييل شارون لجورج بوش، خلال زيارته الاخيرة لواشنطن، حول تورط الرئيس الفلسطيني فيما يسمونه التمويل المباشر لكتائب الاقصى في عملياتها الانتحارية، قد وجدت بان هذه الوثائق لا تستطيع ان تصمد امام أي محكمة، بمعنى ان ليس لها اساسا او سندا قانونيا.

كما ان الاتحاد الاوروبي الذي اجرى تحقيقا في الاتهامات حول استخدام السلطة الفلسطينية للدعم المالي الذي يقدمه الاتحاد الاوروبي لتمويل العنف او ما يسمونه بالارهاب، وجد ان هذا غير صحيح. وبالتالي، استانف الاتحاد تقديم الدعم والمساعدات المالية التي كانت قائمة. ولذلك لا صحة لكل ما يروج، بالرغم من ان القيادة الفلسطينية لا زالت تعتقد بان الشعب الفلسطيني في الظروف الحالية له كامل الحق في مقاومة الاحتلال وان ضحايا العنف، سواء في المجتمع الفلسطيني او من الاسرائيليين، هم ضحايا لسياسة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية.

دعنا الان ننتقل الى النقطة المهمة في خطاب جورج بوش وتتعلق بانتخاب “قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة”. عندما نتابع هذه الايام الصحف الغربية سواء في اوروبا او امريكيا او حتى وسائل الاعلام العربية، نرى ان هنالك قبولا بامر واقع هو ان عرفات “خلاص انتهى” ويجب تغييره. وبدا الحديث عن اسماء مثل ابو مازن وابو علاء ومحمد دحلان، وحتى مروان البرغوثي المسجون لدى اسرائيل، كبدلاء للرئيس عرفات خلال الانتخابات المقبلة. كيف تتعاملون مع هذا الامر في السلطة الوطنية. علما بان الرئيس مبارك تحدث عن فترة عام لتعويض عرفات واشار الى تعيين رئيس حكومة فلسطينية تكون له كل الصلاحيات ويبقى عرفات رئيسا فخريا؟ دعنا نسال بصراحة هل هذه الامور متداولة في السلطة الوطنية وما هو مستقبل ابو عمار؟

في الواقع، هذه الامور متداولة خارج السلطة الفلسطينية. ففي اوساط السلطة الوطنية يسود الاعتقاد بان هذا كله جزء من حملة تستهدف السياسة الفلسطينية وليس الساسة الفلسطينيين. ولو قام الرئيس عرفات بتغيير ملابسه السياسية وقبل بما اقترح عليه من اسرائيل وامريكا من برامج، لعاد مرة اخرى قائدا محببا للادارة الامريكية وربما الاسرائيلية. ولذلك، لا يجب ان ننزلق في الخلط ما بين محاولات الامريكيين والاسرائيليين لتغيير القيادة وما بين مقاصدهم الحقيقية، وهي تغيير السياسة.

وفي مجال السياسة، يؤيد معظم الشعب الفلسطيني المواقف التي اتخذها الرئيس عرفات منذ كامب ديفيد وحتى الان، والتي يدفع بسببها هذا الثمن الباهظ من الضغوطات، ويرى ان هذه السياسة مقبولة، وان كانت له ربما تحفظات على طريقة الرئيس عرفات في ادارة الامور الداخلية والتنموية والادارية وغيرها، الا ان اكثرية الشعب الفلسطيني ليست لديه مشكلة مع المواقف التفاوضية التي جرّت هذا العداء والعدوان من اسرائيل والولايات المتحدة.

لذلك، اعتقد انه طالما بقيت المعركة سياسية تتعلق بالاحتلال، اعتقد ان الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية سوف يبقوا على الرئيس عرفات. وبالمناسبة، فان اخر استطلاع للراي جرى قبل اسبوعين، اظهر ان الفلسطينيين يتوقعون اعادة انتخاب الرئيس عرفات في هذه الظروف، لو جرت انتخابات رئاسية.

اخيرا، ربما من المفيد الاشارة ان هنالك تناقضا واضحا في كلام الرئيس بوش في هذه المسالة. فهو من ناحية دعا الى انتخابات فلسطينية ديموقراطية وحرة، وهذا شيء مقبول ومعظم الشعب الفلسطيني يريد ذلك، لكنه في نفس الوقت، حاول استباق نتائج هذه الانتخابات بطريقة غير ديموقراطية من خلال محاولة تحديد من يتعين على الشعب الفلسطيني انتخابه او عدم انتخابه، وهذا مسلك غير ديموقراطي ومستهجن من رئيس واحدة من اكبر الديموقراطيات في العالم.

دعنا الان، في سؤال اخير، ننتقل الى ما يصفه جورج بوش بالحرب ضد الارهاب. العمليات الانتحارية التي تقوم بها بعض الفصائل الفلسطينية في اسرائيل تثير جدلا كبيرا حتى في الاوساط الفلسطينية. وخطاب بوش اطلق العنان لرئيس الحكومة الاسرائيلية بان يتصرف كما يشاء في المناطق الفلسطينية. ومعظم الفصائل الفلسطينية اكدت ان ما ورد في خطاب بوش يشجع كثيرا على المزيد من العنف والعمليات الانتحارية. في انتظار أي طارئ قد يحدث من جانب هذه الفصائل “المتشددة”، كيف ستتعاملون مع ما سيقوم به شارون في المستقبل على ضوء ما قام به مؤخرا في الخليل ورام الله وغيرها من المدن الفلسطينية؟


ربما انا من الاقلية في الشارع السياسي الفلسطيني التي تعتقد انه لا توجد علاقة بين انواع نشاطات المقاومة الفلسطينية من ناحية، وسلوك وتصرفات شارون على الارض من ناحية اخرى. ربما ان شارون يتخذ مبررا من هذا الحادث او ذاك، ولكن هذا ليس الدافع الاساسي الوحيد لمسلكه.

ان شارون متجه نحو الغاء معاهدة اوسلو وعملية السلام والى الغاء مناطق السلطة واعادة الاحتلال المباشر، وذلك لاسباب ودوافع استراتيجية وايديولوجية. وكان سيفعل ذلك، سواء كانت هنالك عمليات استشهادية ام لم تكن، لان دوافع شارون ايديولوجية. لنتذكر بان شارون عارض اتفاقيات السلام هو وحزبه، تحديدا، لانها تؤدي الى تخلي اسرائيل عن جزء مما يعتبره “ارض اسرائيل التاريخية”، يعني الضفة الغربية وقطاع غزة, وبالتالي يحاول الان ان يعيد الامور الى الوراء ويلغي ما حصل من تطورات على هذا الصعيد.

لذا، فان وجود شارون في الحكم يعني اعادة الاحتلال بطريقة او باخرى، تحت ذريعة او اخرى، ولا يجب ان نسلم بان هنالك علاقة بين اعمال المقاومة الفلسطينية وبين مسلك شارون السياسي، ويجب ان لا نقع في الخلط الذي وقع فيه الرئيس بوش عندما خلط بين السبب والنتيجة. العنف الفلسطيني، بغض النظر عن الجدل حول اشكاله، ناتج عن الاحتلال وجرائمه وليس العكس.

اجرى المقابلة هاتفيا محمود بوناب يوم الخميس 27 يونيو 2002

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية