مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الكثير من الأشياء في طور الإعداد خلف الكواليس”

منذ اعتلائه سدة البابوية، تخلى البابا فرانسيس عن استخدام السيارة المحميّة المُغلقة المخصّصة لتنقلاته وسط الزوار وتركها مركونة في المرآب. Reuters

بعد مرور مائة يوم على انتخابه، لا يزال البابا فرانسيس يحتفظ بصورة ناصعة وبشعبية كبيرة. وإذا كان من الصعب إجراءُ تقييم أوّلي، فإن المراقبين يرون أن هناك من الدلائل والمؤشرات على أن "بابا الفقراء" سيعرف أيضا كيف يكون "صانع قرار".

من خلال استخدامه للغة مألوفة خلال توجهه بالحديث إلى أتباعه من المؤمنين، ومناشدتهم الدعاء له، نجح البابا الجديد ومنذ الليلة الأولى لاعتلائة سدة البابوية في إشاعة صورة لطيفة حوله سواء في وسائل الإعلام أو في صفوف الجمهور عموما. وفي معرض تعليقه على ذلك، يقول اليسوعي السويسري ألبرت لونشون: “هذا السلوك يغيّر كل شيء. إنه ليس إمبراطورا، بل مسيحيّ مثله مثل غيره”.  

فما هي الفكرة التي تختفي خلف هذه الصورة؟ يشير موريس باج، الصحفي بوكالة الأنباء الكاثوليكية الدولية (مقرها فريبورغ) إلى أن مرور الأيام لم يزد هذا الإنطباع الأوّل إلا تأكيدا، ويضيف: “لقد تخلى عن الأحذية الحمراء، ويذهب بنفسه إلى المستشفى لزيارة الكرادلة المرضى، ورفض السكن في الشقق الخاصة في الفاتيكان، ولا يرغب في استخدام السيارات غير المكشوفة… أنه بالفعل تغيير كبير في طريقة التعامل مقارنة بالبابا بندكتس السادس عشر، الذي غلب عليه طابع المفكّر، ولم يفارقه الخجل والتحفّظ”.

حتى الآن، لم يحدث ما يمكن أن يعكّر صفو هذه الصورة. ربّما لأنه لم يُتخذ أيّ قرار حتى الآن يمكن أن يثير الغضب والإستياء. كما يتعين على المراقبين الإنتظار إلى حين اتخاذه مواقف مهمّة وحاسمة، كالمجمع الكنسي أو إصدار منشورات للتعرّف أكثر على التوجهات البابوية الجديدة. وفي هذا السياق، يقول الأب لونشون متسائلا: “نحن لا نعرف هل سيكون منفتحا أم رجعيا. صحيح هو يتمتّع بصورة لطيفة، ولكن أيّ نوع من الفكر يتخفى وراء هذه الصورة؟”

   

البابا الجديد تنتظره في الواقع ملفات كبيرة فعلا، وسوف يضطرّ إلى اتخاذ قرارات مهمّة إن عاجلا أم آجلا. فعلى المستوى المؤسسي، ظلت مهمة إصلاح “الكوريا الرومانية”، أي كل الوزارات والوكالات التي تقدّم المساعدة للبابا من أجل أداء مهمّته على أكمل وجه، مؤجلة تنتظر منذ زمن طويل. ويشير ألبرت لونشون في هذا السياق أيضا إلى قضايا أخرى من بينها رسامة الكهنة المتزوّجين، والموقف تجاه المطلّقين والمثليين، وكذلك وضع المرأة في رحاب الكنيسة الكاثوليكية.

المزيد

المزيد

محاولةُ تغيير من داخل الكنيسة الكاثوليكية

تم نشر هذا المحتوى على افتتح المجمع من قبل البابا يوحنا الثالث والعشرون في 12 أكتوبر 1962، ثم وُضع حدّ له بعد ثلاث سنوات من قبل خليفته، البابا بولس السادس. فكرة عقد المجمع المسكوني كانت شيئا جديدا جدا، وأدت إلى إدخال تغيير على القداس وعلى علاقة الكنيسة مع الديانات الأخرى. (RSI-swissinfo.ch)

طالع المزيدمحاولةُ تغيير من داخل الكنيسة الكاثوليكية

إشارة قوية

حتى الآن، كان القرار الوحيد الملموس حقا الذي اتخذه البابا الجديد قيامه بتعيين مجموعة من الكرادلة من جميع أنحاء العالم لمساعدته في إدارة دفة الحكم في الفاتيكان، واحد منهم فقط إيطالي الجنسية ويقدُم من “الكوريا الرومانية”. وفيما يُنتظر أن يلتئم الإجتماع الأوّل لهذا الفريق في بداية شهر اكتوبر المقبل، تؤكد مصادر بالفاتيكان بأن البابا “في اتصال منذ الآن مع هؤلاء الكرادلة”.

هذا النهج في العمل فريد من نوعه بل غير مسبوق، حيث يقول بيرنارد ليتسلر، مدير المركز الكاثوليكي للإذاعة والتلفزيون (مقره لوزان) موضحا: “نجد على مستوى البابا ما هو موجود على مستوى الأبرشيات، حيث يوجد دائما مجلس الكهنوتية المكلّف بتقديم الدعم للأسقف. ومن خلال تشكيله لهذا الفريق، يُعطي البابا، ومنذ البداية، إشارة قوية بأنه قد لا يعتمد بالضرورة على جميع المسؤولين بدوائر الكوريا الرومانية، بل على هذا الفريق الضيّق وأفراده الموزّعين في أنحاء مختلفة من العالم. هذا الأمر مهمّ جدا. وأعتقد أن الكثير من الأشياء في طور الإعداد خلف الكواليس”.

لا وجود لثورة

الإحساس بالجوار والقرب الذي تركه الإنطباع الأول عن البابا الجديد لدى عموم الجمهور، وأصوله اللاتينية – الأمريكية، ربّما ترجّح لدى عموم الناس بداهة أنه سيكون منفتحا وتقدميا. كما أن اختياره لإسم فرنسيس في إشارة إلى القديس فرنسيس الأوّل تدفع إلى افتراض أنه سيكون في المقام الأوّل بابا روحانيا، بعيدا عن الحالات الطارئة والأشياء المادية الفجّة. لكن الملاحظين يحذّرون من أن الصورة “لا تتطابق بالضرورة مع الواقع دائما”.

ويلفت برنارد ليتسلر الأنظار إلى أن “البابا السابق قد عانى من تدهور صورته نسبيا. ويكمن الخطر في أننا قد نكون بالغنا في تسويد صورة بندكتس السادس عشر، ونخشى في المقابل أن نبالغ في تبييض صورة فرانسيس عبر إلصاق بعض “الإيتيكت” به. هذه الإيتيكت تتناسب بلا شكّ مع حقيقة هذه الشخصية، ولكن البابا قبل شيء هو رجل كنيسة يعلم بأن لديه مهمّة يجب أن يضطلع بها على أكمل وجه”.

من جهته، يلاحظ ألبرت لونشون “علينا أن ندرك أن الأمر لا يتعلّق بإنسان يحمل أفكارا يسارية. ويسود غموض وخلط بين صورته الشخصية وموقعه كمسؤول أوّل. الأخلاق الفاضلة، صورة زائفة. ولا يمكن أبدا أن نقود مليار كاثوليكي بالإعتماد على الأخلاق، بل لابدّ كذلك من قبضة قوية”.

لقد بيّن البابا فرنسيس حتى الآن، ومن خلال العديد من الخطوات، أنه سيتبع نهج أسلافه. فقد أعاد التأكيد مثلا على موقف الكنيسة من الإجهاض، أو التزامه نفس النهج الداعي إلى رد الإعتبار إلى رجال الدين الأمريكيين، الذين يُنظر إليهم على أنهم من المدافعين المتشددين عن حقوق المراة أو من المتحررين في المجال الأخلاقي. وهنا أيضا يحذّر موريس ماج قائلا: “لا يجب انتظار تغيير عميق فيما يتعلّق بالمحاور الرئيسية الكبرى، وستبقى التغييرات الأساسية بحسب رأيي على مستوى إدارة الكنيسة”.

في خط يتناسب مع العصر

إذا كان من المستبعد حدوث ثورة حقيقية بشأن الملفات الرئيسية، فإن التغيير سيظل على مستوى مقاربة الأشياء. وفي هذا الصدد، يُلاحظ موريس باج أنه “إذا كان بينديكتوس السادس عشر يحمل رؤية أكثر تشاؤما حول العالم، فإن فرانسيس يبدو أكثر إيجابية، وهو يذكّرنا بالمرحلة الأولى من تجربة يوحنّا بولس الثاني”.

من جهته، يعتبر بيرنارد ليتسلر أن “انتخاب بابا يسوعي على رأس الكنيسة سوف يُعيد الإعتبار لروحانية القديس إغناطيوس الأنطاكي أو القديس فرنسيس. فالكنيسة تعيش اليوم حالة من إعادة اكتشاف للمبادئ الأساسية لكل ما له علاقة بالجهاز الروحي المسيحي. والطريقة التي يعيش بها اليسوعيّون، هي السبيل إلى عيش الديانة المسيحية في العالم المعاصر”، على حد رأيه.

ولد جورج بيرغوليو في 17 ديسمبر 1936 في بيونس آيرس بالأرجنتين، في عائلة متواضعة من أصول إيطالية.

بعد حصوله على دبلوم تقني في مجال الكيمياء، انخرط في عمر يناهز 22عاما في مدرسة ” Compagnie de Jésus “، حيث درس العلوم الإنسانية وحصل على إجازة في الفلسفة. كذلك حاصل على الدكتوراه من جامعة فريبورغ ببريسغو (ألمانيا).

عيّن كاهنا في عام 1969. وبعد مرور أقل من أربع سنوات، أصبح المسؤول الأوّل على الياسوعيين على المستوى الوطني في الأرجنتين. وخلال حكم الطغمة العسكرية (1976 – 1983)، عمل كل ما في استطاعته لحماية الياسوعيين في بلاده من الإستقطاب السياسي.

عاد ليتولى مهمّة قس عادي في مدينة كوردوبا، ثم أسقف إضافي في بيونس آيرس في عام 1992، وبخطة كاردينال في عام 2001.

انتخب لمنصب البابا في 13 مارس 2013. وهو اوّل بابا من الياسوعيين، والبابا الأوّل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي لا ينحدر من أوروبا أو من منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية